مقالات

حوار الذكريات مع عمر جابر في “ملبورن” بقلم/ ولديسوس عمار : ترجمة “عـونا”

22-Aug-2005

عونا

من وجهة نظري، فإن عمر جابر عمر، من الرعيل الأول لجبهة التحرير ومقاتل من أجل الحرية ومقيم الآن في أستراليا ـ يمثل جملة أشياء مجتمعة في الاريتري المعاصر في المنفي، معاصر هنا تعني الأجيال التي تحملت مسئولية إحياء اليقظة الوطنية والنضال من أجل الاستقلال الوطني الاريتري.

أولاً : عمر جابر هو نموذج للشباب الوطني الاريتري في الستينات والسبعينات والذي درس في الشرق الأوسط وساهم في بناء جبهة التحرير ـ ولكن ليجد نفسه مع آخرين بلا أي حقوق في اريتريا المحرة.ثانياً : أنه يرمز الي الجيل الاريتري اليساري الثوري والذي كان ضمن مؤسسة “حزب العمل” في جبهة التحرير الاريترية.ثالثاً : عمر جابر مثال لما أصاب ارتريا بعد الاستقلال من إضطهاد ومطاردة العقول نتيجة لسياسة “أسياس أفورقي” الانعزالية وسياسته الشريرة والتي تم الاعلان عنها في 20/6/1991م والتي أدت الي إبعاد وعزل المثقفين الاريتريين خاصة أولئك الذين يتمتعون بمعرفة واسعة ومتقدمة في الثقافة العربية.رابعاً : أنه يرمز لفشل الجبهة الشعبية في تحقيق المصالحة حتي مع الذين كانوا علي إستعداد للذهاب خطوة الي الأمام لتحقيق المصالحة بعد التحرير ( يتواصل هذا المسلسل من النموذجية والتمثيل الي مالا نهاية ).خلال يونيو 2005 كانت لدي فرصة اللقاء مع عمر جابر عدة مرات في ملبورن حيث يقيم مع أسرته منذ عام 1995.أنه يعمل في وكالة للتشغيل وكمتطوع فهو رئيس منظمة جاليات القرن الأفريقي ( كتبت عن ذلك في المواقع الاريترية ).تحدثنا في عدة مواضيع وأحداث الماضي والحاضر والمستقبل، وبصفة خاصة تناولنا الحركة الطلابية في الداخل والخارج.ذكرت لعمر جابر بأنني سأكتب جزءً من حديثنا للقراء وهو ـ كصحفي محترف ـ وافق علي ذلك، وتواصل الحديث مصحوباً بنكهة قدرته اللغوية ( عربي ـ انكليزي ـ تقري ـ تقرينية ).كما يذكر القراء، فإن عمر جابر كان مساهماً دائماً في المواقع الألكترونية باللغتين العربية والانكليزية ـ موقفه اليوم من النظام في “أسمرا” ـ آرائه في الديمقراطية ـ الوحدة الوطنية ـ المصالحة والمتطلبات الأساسية للتعايش والاستقرار في ارتريا المستقبل، معروفة لعدد كبير من الاريتريين. لذا فإنني لن أثقل علي القراء بتكرارها وبدلاً عن ذلك سأركز علي أحداث تأريخية معينة ودروس التجارب الماضية، ولكن أولاً نبذة عن الرجل.عمر جابر : تأريخ موجزولد عام 1945 في “علي قدر” بالقرب من “تسني” حيث درس المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، واصل دراسته الثانوية في “بورتسودان” مكملاً المرحلة الثانوية عام 1962 ثم درس سنة واحدة في جامعة الخرطوم، وغادر الي بغداد ـ العراق.كان من المساهمين الأساسيين في بناء الحركة الطلابية في الشرق الأوسط، وكان من كوادر جبهة التحرير الأساسيين في المجالات الطلابية والشباب والاعلام والدبلوماسية. في عام 1982وقف الي جانب الجناح الذي قام بإنقلاب (بالنسبة لآخرين : إنتفاضة) في داخل التنظيم.في عام 1991 ـ بعد التحرير ـ أتخذ قراراً آخر ـ مثار جدل ـ بذهابه الي اريتريا بينما كانت تحت سيطرة النظام الانعزالي والذي منع كل المناضلين الذين ساهموا في النضال.سؤال :عمر ـ افترض أنك بدأت السياسة مبكراً في حياتك ـ متي كان ذلك وماذا تذكر من أحداث بعينها؟جواب : بدأت الانخراط في العمل السياسي قبل العشرين ـ في الحقيقة ولدت في “السياسة”، أسرتي ومجتمع “علي قدر” الصغير كان بصفة عامة من الخلايا الثورية للكتلة الاستقلالية، وبعد ذلك “حركة تحرير اريتريا” وأخيراً “جبهة التحرير الاريترية”. كنت عضواً في “الحركة” 1959 ـ 1960 في “بورتسودان” حيث نشأت الحركة. ثم ألتحقت بجبهة التحرير عندما أصبحت أكثر عملية. في سن العشرين أصبحت عضواً في “القيادة الثورية” للجبهة في “كسلا”. كنت أحد الذين قاموا بتنظيم “الرحلة المميتة” الي أسمرا لزملائك في الدراسة “سيوم عقباميكئيل” و “ولدداويت تمسقن” في أغسطس عام 1965. تم تكليفهما ببناء خلايا لجبهة التحرير في العاصمة “أسمرا” ولكن لسوء الحظ فقد خانهما “ملوقيتا جرجيس” الذي سلم نفسه للسلطات الإثيوبية، وكان عضواً في القيادة الثورية في كسلا.غادرت بعدها الي العراق لمواصلة الدراسة.سؤال : نعرف دورك في تأسيس “الاتحاد العام لطلبة ارتريا” ـ من كان معك في القيادة؟جواب : من العراق كان :عثمان حمدمحمد علي إدريس محمد شيخ عبد الجليلحسن دبسايمن القاهرة :عبد الله عمر ناصرسراج موسي عبدهعمر محمد سليمانمن أروبا :بشير سعيدولدو كحسايإدريس نور حسينسؤال : ماهو الدور الذي قام به الاتحاد الطلابي في النضال الوطني؟جواب : أصبح الاتحاد عضواً في الاتحاد الطلابي العالمي وكان رسولاً للقضية الاريتري لدي المنظمات العالمية.الخدمة الوطنية ـ قضاء عام في الميدان خلال الدراسة، حمل الطلاب العلم والمعرفة لتقديمها الي شعبهم، كذلك أستفادوا من معايشتهم في الريف مع الشعب بإكتساب معرفة وتجربة ـ بذلك المشروع تم تغذية الثورة بدماء جديدة ـ أستمر ذلك البرنامج حتي عام 1977.سؤال : وبالطبع فإن للإتحاد شهداء؟جواب : نعم كان أول شهيد أخي الأكبر دكتور يحي جابر والذي أستشهد في31/7/1971 وقد أصبح ذلك اليوم هو يوم ذكري شهداء الحركة الطلابية الاريترية.شهداء آخرون : فصوم قبرسلاسي ـ عثمان همد (العراق) ـ أرقاي هبتو (من أروبا) وعبد القادر إدريس (جامعة الخرطوم).سؤال : هل كانت الأنظمة العربية تتدخل في الشئون الداخلية للإتحاد؟جواب : هناك العديد من مواقف التدخل.منعت لمدة عامين من دخول القاهرة بسبب إتهامي بالبعثية! ـ الاتحاد الآخر (القاهرة) كان يحاول عرقلة مسيرتنا، وكذلك تنظيم الطلاب البعثين. سؤال : هل تذكر أحداث بعينها في تلك المرحلة؟جواب : نعم ـ بعضها يصدم النفس ـ حادثة واحدة كانت محرجة ومخجلة ـ في مؤتمر الطلاب الاريتريين في أروبا والذي أنعقد في “ميونيخ” ـ ألمانيا” عام 1970 كنت في زيارة وشاركت في المؤتمر كمراقب ـ أذكر تماماً الجو المسموم الذي كان في المؤتمر، حيث تم الإستماع الي كلمة مسجلة لولدآب ولدماريام يهاجم فيها القيادة العامة لجبهة التحرير. تحدثت باللغة الإنكليزية حيث أن الحديث بالعربية كان ممنوعاً. إدريس بادمي (السويد) وقد كان عضواً بالمؤتمر طلب الحديث بالعربية ولكنه منع، وأخبرهم بأن لغة الأم لديه لا أحد يفهمها من الحضور (كوناما) ولكن المؤتمر رفض ـ وأنسحب “بادمي” من المؤتمر.حادث آخر غير معقول في ذلك المؤتمر كان “التهديد بالقتل”!؟.بعض أعضاء المؤتمر أظهروا نوايا لقتل “بيطروس كداني” واللغة التي أستخدمت ضده تقول : “أنت من حلحل ـ جزء من القيادة العامة ـ قتلتم كداني كفلو ـ ولداي كداني في كسلا سنقتلك اليوم إنتقاماً ولن تكون هناك رحمة”.وقد شعرنا بالخوف علي الرجل، فقام أصدقاؤه بتهريبه الي ألمانيا الشرقية ليلاً، أعتقد أنهم كانوا يبيتون له شراً، أعضاء آخرون مثل فصوم ـ أرقاي ـ دكتور هبتي ـ أمباي ـ وجهت لهم تهم العمالة للقيادة العامة! حروي تدلا بايرو كان ضمن المشاركين في ذلك المؤتمر والذي عكس انخفاض الوعي الوطني لدي بعض الاريتريين قبل ثلاثين عاماً، ولكن بصراحة فإن بعض المشاركين كان بمقدورهم القيام بدور أفضل.تلك القوي المعارضة عقدت مؤتمرها الثاني في عام 1971 (نورمبرج ـ ألمانيا) وأيدت إنفصال قوات التحرير الشعبية عن الجبهة.سؤال : ماذا عن اليسار في الحركة الطلابية ـ ألم تكن جزءً من الحركة اليسارية؟جواب : بالطبع كنا جزءًا من شعارات تلك الأيام، بعضنا كان ضمن حزب العمل الذي أصبحت له اليد العليا بعد المؤتمر الوطني الأول لجبهة التحرير. إنني مقتنع بأن حزب العمل قد أنجز أشياء كثيرة (البرنامج الوطني ـ إنعقاد المؤتمر في حد ذاته) ولكن بعد أن تمت السيطرة له بدأ الصراع داخل الحزب والجبهة بين أبراهيم توتيل وعبدالله إدريس، وكانت النتيجة كارثة علي التنظيم كله. الزين يسين والذي كان سكرتيراً عاماً للحزب تم استبداله بسبب ذلك الصراع.ذلك الصراع أدي في نهاية الأمر الي إضعاف الجبهة بل والي نهايتها.سؤال : شكراً علي كل ماذكرت ـ دعني الآن أتناول موضوع كان وما يزال موضع جدل بين مناضلي الجبهة وهو ماحدث عام 1982، أقصد الإنقلاب الذي حدث داخل الجبهة وكنت أنت من مؤيديه ـ ثم عودتك الي ارتريا ـ ماهو تعليقك علي ذلك؟جواب : أولاً حول ماحدث في “راساي” هل كان إنقلاباً؟ أقول : نعم.في الحقيقة أنا كتبت هذا الرأي في مجلة الجبهة ـ الثورة ـ مباشرةً بعد الحدث.ولكن السؤال : هل كان الإنقلاب ضد قيادة منتخبة ديمقراطياً؟ كان ردي وما يزال : لا. والسبب ـ الأسباب ـ كما يلي :ـ1ـ كان الانقلاب هو الوسيلة الأخيرة لإنقاذ التنظيم بعد سلسلة أخطاء تراكمت وممارسات قيادية قادت التنظيم الي حتفه.2ـ اللجنة التنفيذية لجبهة التحرير التي تم إنتخابها عام 1975 أصبحت سلطة مطلقة، وعملت علي تجميد دور وصلاحية المجلس الثوري ومؤسسات أخري في التنظيم، ورفضت اللجنة التنفيذية عقد المجلس الثوري لمدة ثلاثة أعوام ـ سيطرت علي المنظمات الجماهيرية وأفقدتها القدرة علي الحركة ـ أنشأت إتحادها الطلابي الخاص وأهملت مذكرة المنظمات الجماهيرية التي تضمنت نقداً للأوضاع بصفة عامة. ثم جاءت الكارثة ـ هجوم الشعبية ووياني تقراي ودخل التنظيم الي السودان. القيادة منقسمة والكادر يطالب بالتغيير ولكن كيف؟ بعض الكوادر والقيادات كانوا يطالبون بعقد مؤتمر عسكري طارئ والذي لاتشارك فيه قواعد الجبهة في السودان والشرق الأوسط، الضربة القاضية كانت بعد تدخل السودان ومصادرة الأسلحة والتهديد بنقل المقاتلين الي معسكرات اللاجئين.لقد أنكسرت الزجاجة وما تبقي من أجزاء كان يذكر بمأساة الجبهة التي لم تتعرض لهجوم الشعبية والسودان فحسب بل ولخيانة قيادتها!أنا لا أقول بأن 25 مارس كانت خطوة لإنقاذ كل التنظيم ولكنها كانت مبادرة من قبل قسم من أجزاء تلك الزجاجة المكسورة.سؤال : هل تندم علي ذهابك إلي ارتريا؟جواب : لا أندم أبداً ـ والأسباب :ـ1ـ أنا مواطن ارتري وأن أذهب الي وطني فذلك أمر طبيعي.2ـ ذهبت وأنا أحمل رؤية ـ مبادئ وقيم وعدت دون أن أفقد أي منهم.3ـ أكتسبت تجربة جديدة ـ عرفت حقائق جديدة وأدلة ملموسة علي صحة الفكرة التي كنت أحملها عن الجبهة الشعبية.4ـ لم أذهب لخدمة النظام ولكن للعيش كمواطن عادي، إن حلمي الحقيقي كان أن أعيش في قريتي وأعمل في مزرعة العائلة أو أن تكون لي مكتبة للجيل الجديد.سؤال : دعنا الآن نستكشف المستقبل حول إمكانية ظهور تنظيم في أرتريا بعد سقوط النظام والذي يمكن أن يعطي أرتريا سلاماً وإستقراراً، ما هي القوي التي يمكن أن تساهم في ذلك؟جواب : منظمات المعارضة الحالية يمكن أن تساهم في تشكيل مثل ذلك التنظيم، كذلك ما سيتبقي من الحزب الحاكم أو ما ينشطر عنه يمكن أن يكون جزءً من ذلك التشكيل.إن التطور المستقبلي والتفاعل بين مختلف القوي سيحدد شكل ومحتوي مثل ذلك التنظيم (الحزب).ملاحظة أخيرةفي اللقاء الأخير مع عمر أتفقنا علي تسجيل تأريخ الحركة الطلابية في الداخل والخارج.ملاحظة من المترجملقد بدأ الاستاذ/ عمر جابر عمرـ فعلاً ـ بكتابة تأريخ الحركة الطلابية الاريترية ودورها في النضال الاريتري تحت سلسلة “الحركة الطلابية الاريترية : المسيرة والمسار” وقد ذكر بعض المعلومات الواردة هنا في تلك السلسلة، والأجزاء الأخري التي ستنشر تباعاً يعتقد أنها ستحمل معلومات أخري، نرجو متابعة ذلك مع زملاءنا في موقعي “النهضة” و”فرجت” الوطنيين. (المترجم).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى