مقالات

ماذا جنت اريتريا من ازمات الشرق الاوسط. بقلم/ فاطمة جعفر

19-Sep-2017

عدوليس ـ ملبورن

تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة مفصلية في تاريخها، وتشهد تغيرات سياسية متسارعة، وتحالفات جديدة قد تعيد تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة، وإعادة هيكلة التحالفات، واستبدال الحلفاء القدماء بآخرين جدد، وفقًا لمقتضيات قوة النفوذ، وإن كانت غير واضحة المعالم للذين ينظرون من الزاوية الضيقة ، ولكن هناك خطط بعيدة المدى لن تظهر نتائجها على المدى القريب، كما أن التخطيط لذلك ليس وليد اللحظة وقد تكون له عواقب وخيمة جيدا ماديا ونفسيا قد تجعل حظوظ الاجيال القادمة العيش بالرخاء ضئيلة، ان لم يستيقظ اولياء الامور سريعا . اريتريا ليست بمعزل عن هذه الاستراتيجية، وتاريخها السياسي حافل بمجموعة من المنعطفات الصعبة، التى ساهمت فى تكوين بنيتها الحالية، ولا يستقيم ان نتحدث عن ما جنته اريتريا من مكاسب دون التوقف عند خلفيات ومستجدات المحيط الاقليمي :

اولا – لدى القوى العظمى عدة سيناريوهات ،وعلى رأسها موضوع التوازنات السياسية الاقليمية على اساس قاعدة اللعب على التناقضات ، وسياسة الفوضى الخلاقة.
ثانيا-اندلاع حرب اليمن وعاصفة الحزم من ناحية والاشتباك الايراني السعودي في منطقة الخليج وحوض البحر الاحمر من ناحية أخرى.
ثالثا- ازمة مياه النيل وحالة المد والجزر بين مصر وإثيوبيا والدور الخفي لإسرائيل ، كل هذه الظروف خلقت فرصة ثمينة للنظام الاريتري المتهالك حسب وصف الكثير من التقارير وقد اغتنم الفرصة واستغلها افضل إستغلال للخروج من عنق الزجاجة التي كان يمر بها على المستويين السياسي والاقتصادي ، ومن اجل تثبيت اركان نظامه المهتز بشكل كبير، علاوة على انه كان يمني نفسه بالظفر برضا الامريكان ودول الغرب لرفع الحصار عنه، وهنا بدأت اريتريا تشكل دور اللاعب الاحتياطي وهذا يعتبر مكسب كبير للنظام الذي دبت فيه الروح من جديد، ولا يخفى على الناظر و المحلل العلاقات البينية ما بين الغرب و النظام الاريتري أصبحت نشطة في الآونة الاخيرة وذلك بسبب تدفق اللاجئين الاريترين الغير شرعيين حسب رؤيتهم حيث تحتل ارترييا المركز الثالث بعد سوريا والعراق، بينما اسياس يريد المساومة على رفع العقوبات المفروضة عليه.
أبرز السمات السياسة الجديدة للغرب ترتكز على محاربة “الإرهاب” وتهمل استحقاقات التحول الديمقراطى واحترام حقوق الإنسان، وتركز على الحلول الأمنية وتتناسى الحلول الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية ، وهنا وجد افورقي ضالته في هذه السياسية حيث امريكا ودول الغرب اصبحتا تغضان النظر عن انتهاكات النظام لحقوق الانسان .
و يتبادر للذهن , بأن الولايات المتحدة تسعى إلى انشاء قاعدة عسكرية برية وبحرية في منطقة جنوب البحر الاحمر و قد قدمت فعلا طلبا للحكومة الارترية في منتصف التسعينيات إلا أن الطلب قوبل بالرفض المطلق من الحكومة الاريترية التي كانت ترفض أي تواجد لقوات أجنبية على أراضي البلاد. ومع مرور الزمن وبعد اندلاع حرب اليمن نجحت دولة الامارت وبالتنسيق مع السعودية وتحت المظلة الامريكية استغلال حاجة اسياس المذكورة اعلاه ،و نجحت في اقامة قاعدة عسكرية بمدينة عصب كنقطة انطلاق في حربها ضد اليمن ،على الرغم من ان التحالف العربي يدرك جيدًا بأن اسياس ليس ذلك الحليف المؤتمن ولكن حالة العزلة السياسية والكساد الاقتصادي التي يعيشها النظام الاريتري شجعت دول التحالف و دفعت افورقي الى الاستسلام لكل الشروط والطلبات ، وهنا انتعشت خزينة النظام الاريتري الذي تخلى عن دولة قطر التي وقفت معه وساندته ماديا وسياسيا بينما كل كان قدالعالم تخلى عنه ، الجدير بالملاحظة هنا أن مصر ايضا استفادت من هذا الوضع واقامت لجان امنية و عسكرية مشتركة مع اريتريا ، ووضعت اثيوبية في حالة قلق دائم من هذا التحرك .
اقليم جنوب البحر الاحمر الذي اصبح ساحة عسكرية لعاصفة الحزم ، يمتلك ثالث اكبر احتياطي من البوتاس على مستوى العالم وافضلهم جودة والذي من المفترض ان تبداء عمليات التنقيب العام القادم ، علما بأن حوالي 45% من ابناء قومية العفرالسكان الاصليين قد غادروا اراضيهم جراء الضائقة المعيشية الممنهجة، ومن تبقى منهم يتعرض لقصف طيران عسكري إماراتي بين حين واخر.
ختاما صحيح الظروف قدمت خدمة جليلة للسلطات الاريترية التي شاخت في موقعها واصبحت آيلة للسقوط ،ولكنها تستطيع ان تستمر في الحياة بالتنفس الصناعي حتى تستيقظ المعارضة الاريترية من ثباتها .. نعم المعادلة بكاملها معقدة جدًا، وسيناريوهات التغيير الجذري في التحالفات السياسية وقلبها رأسًا على عقب خاصة في منطقة مثل الشرق الأوسط والقرن الافريقي ليس بالأمر السهل والسريع، ولكن ذلك ليس مستبعدًا إطلاقًا، والأيام القادمة قد تكون حبلى بالكثير من المفاجآت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى