مقالات

الطائفيةُ والقابليةُ للطائفيةِ قراءةٌ فى العقلِ السياسي الإريتري وتناقضاتِهِ. بقلم/ صالح سعد

19-May-2018

عدوليس ـ ملبورن

تنطلق فكرةُ هذه المقالة مِنْ مفهومِ ( القابلية ) ، والذى نَحتُهُ المفكرُ الجزائريُّ مالكُ بن نبي فى سياقِ تحليلِهِ للظاهرة (الاستعمارية ) حيثُ جعل مفهوم (القابلية ) مفهوماً مفتاحياً لفهم تلك الظاهرة باعتبارِ اَنَّ القابلية هى المفسرةُ لتغلغل الاستعمار وتأثيره ، ومِنْ خلال القراءة والتفرس فى الذات لمعرفة أسباب القبول بالحالة الإستعمارية والخضوع لها .

ومالك رَحمَهُ اللهُ انتبه لقضيةٍ مهمة، وهي انَّ الاستعمار ليس هو سبب التخلف الحقيقي ، إنَّما هو أحدُ نتائجهِ ومظاهرِه ، بل تلك القابلية للاستعمار هي السبب الحقيقي للتخلفوفى هذا المقالة نُحاولُ إسقاط =
( مفهومُ القابلية ) ومَنطقَهَ باعتباره مفهوماً مفتاحياً لفهم إشكالية الطائفية فى (المُشْكِلِ الأرتري) وإنْ كنتُ ابتداءً أقررُ أنَّهَا طائفية يُمكن وَصفُهَا بأنَّها = ( طائفيةٌ مغلفةٌ ) ، بمعنى أنَّ أساسَ المُشْكِلة ليسَ هو الدينُ إنَّمَا الدينُ غلافٌ تتدثرُ به لِتُعطَيهُ المشروعيةَ والقبولَ بينما – مِنْ وجهة نظرى على الأقل – أساسُ المشكلة هو =
( سؤالُ الأنا ) واشكالاتُهُ والدينُ فى هذا السؤال ، جزء تركيبتهِ ولكنَّهُ ليس هو المحددُ الأوحدُ ولا الفيصلُ فيها.إذاً يُمكنُ القولُ بأنَّ( سؤال الهويةِ ) وما يترتب عليه مِنْ توجسٍ ثقافيٍ مِنْ الآخر ، والاختلاف فى قراءة الوطن مِن خلال إسقاطاته أدت إلى الإنقسام العمودي بين المكونات الإجتماعية والثقافية والسياسية فى فترة تقرير المصير 1941- 1950وهى مرحلةٌ مفصليةٌ تَشكلَ فيها الوعيُّ السياسيُّ والشعور الجمعيُّ بالوطن بمحداداته الجغرافية وتركيبته البشرية والثقافية ، ممَّا أدى إلى الإنقسام على مستوى الخيارات السياسية ، وفى المقابل أضاعَ علينا الإستقلال َالمبكرَ لصالحِ الحل = ( الفيدرالي مع أثيوبيا ) والذى طُبِخ فى أروقةِ الأمم المتحدة نتيجةً لاختلاف أبناء الوطن وتناقض خيارتهم:
خيار الإستقلال.
خيار الانضمام والوحدة مع أثيوبيا.
خيار التقسيم والذى رَوجَتْ لَهُ بريطانيا ، ووقع فى شرك تبنيه للأسف الشديد بعضُ الرموز الإجتماعية فى المجتمع المسلم ، وربما هنالك من يتبنى بعضَ رواسب ذلك الخيار فى يومنا هذا لبقاء آثاره فى اللاوعي الجمعي.
ومن وجهة نظري أنَّ المشكلة الطائفيةَ لها جُذورُها فى العقل الجمعي الإرتري الناتجة عَنْ التعبير عَن الذات الجزئية ، وتضخيمها وإسقاط ذلك على تصور الوطن كله وهذا ما نلاحظه بجلاء فى ( الشخصية التجرينياوية) ذات التَّمركز الشَّديدِ حَولَ ذَاتِها وتمثلات هذه العقلية فى التجربة الوطنية واسقاطاتها فى :
■ مشروع ( الأندنت ) والانضمام إلى إثيوبيا بناءً على التوجسات الثقافية والقراءة الاجتزائية للوطن والتى اتخَذَتْ الدينَّ مطيةً لتحقيق أهدافها وحشد الأتباع حَوْلَ مشروعها تحت تأثيرات سطوة الكنسية.
■ مشروع تقراى / تجرنية والذى تبنتهُ شخصياتٌ ذاتُ عيارٍ ثقيلٍ فى تجربتنا الوطنية من شاكلة ( ولد آب ولد مريام / رأس تسما ) والتى استطعَتْ التحررَّ مِن سلطة الكنسية وسطوتِهَا وتبنتْ خيارَ الإستقلال ولكنَّها نتيجة = لعدم تَحُرُرِهَا مِن ( الهاجس الثقافي ) تَبنَتْ مشروعَ تقراي / تجرنية وفقَ نظرية =
( شَعبانِ فى وطنٍ واحد) ،والتى سوقَ لها المناضلُ ولد آب ولد مريام.
■ مشروع ( نحن وأهدافنا ) والذى تبنته مجموعةُ ( سلفي ناظنت ) والتى استطاعتْ تمرير مشروعها عبر تجربة قوات التحرير ، والتى تَطورتْ إلى الجبهة الشعبية وبالرغم من تبنيها للفكر الماركسي / فى نسخته المَّاوية كما فى تجربة، ( حزب الشعب ) إلاَّ أنَّها أَسقطتْ على تلك التجربة مَشْرُوعَها الطائفيَّ الشوفينيَّ ، ولَم يمنعْهاَ رفعُهَا شعاراتِ التقدمية مِنْ تحقيق طموحها ومصالحها الضيقة ، ويفسرُ هذا التناقضُ – من وجهة نظرى – فرضية = أنَّ الأيدلوجيا فى العقل الجمعي الإرترى لاتتجاوز القشرةَ ، حيثُ إنَ المؤثرات الحقيقية على هذه العقلية هي تأثيراتُ ( سؤال الهوية ) فى صورته الأولية البدائية فهو السببُ الرئيس لحالة ( انسداد الأفق) التى تعانى منه المشكلةُ الإريتريةُ.
وفى المقابل إشكالية الطائفية أو بمعنى أدق القابلية للطائفية لَم ينجُ منها حتى البعضُ ممنْ يرفعونَ شعاراتِ مقاومةِ الطائفيةِ = شوفينية التجرنية فالمتامل للعقل الإرتري فى شقه المسلم ومساراته التأريخية ، وواقعه يخرجُ بنتيجةٍ مؤداها أن العنصر المسلمَ فى بداية التجربة الوطنية لَمْ يقعْ فى شرك الطائفية بصورةٍ واضحةٍ، فَقَدْ تبنى رسميةَ التجرنية جنباً إلى جنبٍ مع العربية ، بالرغم مِن ممانعة عنصر التجرنية فى بادئ الأمر ، ومِنْ ثَمَّ قبولهم على مَضَض على النَّصِ على رسميتَهَا فى البرلمان الإريتري فى الخمسينات ، وكذلك فى تجربة الثورة لَمْ تظهرْ مِنْ العنصر المسلم طائفيةٌ واضحةٌ ، وخير دليلٍ على ذلك القبول بالأعداد الغفيرة مِنْ مسيحي المرتفعات بعد سقوط نظام هيلي سلاسي ، ودمجهم فى الجبهة حتى على المستوى القيادي = ( حروى تلابايرو نموذجا ) ، وهذا لا ينفى وجود بعض التجاوزات هنا وهناك.
رَغْمَ ذلك نجدُ فى بعض المواقف والخطابات السياسية التى تحملُ النَفَسَ الطائفي فى إطار رد الفعل لذلك الغلو الطائفي آنف الذكر ، وهذا نجدُه في الخطاب الثقافي والسياسي للمستعربين دعاة ( عروبة إريتريا ) أو ( إسلاميتها ) ،بل ربَمَا بلغَ هذا التوجهُ قمةَ غَلْوَائِهِ بإدعاء أنَّ التجرنية لغةٌ أكسوميةٌ وافدةٌ مِن التجراي معتمدا على قراءةٍ للتأريخِ بأثرٍ رجعيٍّ قَبْلَ تَكوينِ الوطن بحدوده الإستعمارية ، ويدعو إلى عدم اعتماد رسمية التجرنية مع اللغة العربية أسوة باللغات الإريترية الأخرى.
هذا التوجه وان كان خافتاً نوعا ما فهو = (نار تَحْتَ رماد) كما يقال إلا أنَّهُ توجهٌ خطيرٌ يؤدى إلى مآلاتِ الضياع ، وإكتمال حلقات إنسدادِ أفق الحل والدوران فى حلقاتِ ( اhttps://adoulis.net/admin.php?opt=ent&act=edit&id=5646للاحل ) لأزمتنا ، بينما الحلُّ يَكْمُنُ إبتداء في التصور التركيبي لهوية إرتريا ، الذى يَسْتَصْحِبُ ثنائيةَ التركيبة الدينية والثقافية واللغوية ، فأىُّ تصور او تعريفٍ لهوية إرتريا بجزءِ التركيبة يعتبرُ محاولةً فى الإتجاه الخاطئ ، بعيداً عَنْ سؤال من الأقلية ومن الأكثرية ؟ وهى – من وجهة نظري على الأقل – قضية نسبيٌة فى الحالة الإريترية حيثُ لاتوجد إحصائيةٌ دقيقةٌ ومحايدة في هذا الاتجاه.
الخلاصة :
فى حالة عدم تدارك الشوفينية والشوفينية المضادة وغلوائهما فسيكونُ الحالُ كما قالَ الشاعرُ الأمويُّ نَصْرُ بن يسار الكناني :
أرى تَحْتَ الرمادِ وميضَ نارٍ
ويُوشكُ أَنْ يكونَ لَهُ ضِرامٌ
وكون هذه النظرة ماهى إلا ردُّ فعٍل لايعنى القبول والتسليم بها بَلْ يصدقُ عليها أنَّهَا حالة = قابليةٍ للطائفية ، اذا لم نقل انَّهَا تقومُ على منطقٍ طائفي يحَوِلُ التدافعَ القائمَ فى إريتريا مِنْ كونه =
( صراع حدود) مِن أجل التعرف علي الحقوق المستحقة لكل طرفٍ من أطراف المكون الوطنى ماله وما عليه، وصياغته فى تعاقدٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ بضمانات تحفظُ للوطن وِحْدَتَهُ وانسجام مكوناته إلى = ( صراع وجودي) يؤدى إلى مالايحمدُ عاقبتُهُ ومآلاُتهُ حمى اللهُ الوطنَ والمواطنَ منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى