مقالات

القرن الافريقى : الى اين؟؟ عمر جابر عمر .. ملبورن .. استراليا..الحلقة (1)

18-May-2006

المركز

اسم ( القرن) لا علاقة له بالتركيبة السكانية ولا يعبر عن ثقافة او انتماء عرقى بل هو مصطلح جيولوجى يشير الى النتوء الذى يبرز فى الجانب الشرقى من القارة الافريقية جغرافيا. وربما كان للاسم علاقة بحيوان ( وحيد القرن) ( black rhino )

الذى يتواجد فى اثيوبيا وكينيا والسودان وكان شعارا لجمهورية السودان بعد الاستقلال فشكل القرن وبروزه من رأس الحيوان الضخم ربما يماثل ذلك النتوء الجغرافى .وربما كان لهذا الاسم مدلولاته المعنوية :• نتوء ( خارج المسار الطبيعى ) • الشكل الحاد ( النفور والمزاجية و الانعزالية ! المنطقة مليئة بالكنوز والثروات الطبيعية – وتمتلك تاريخا عريقا وحضارات كانت سباقة فى تقديم صورة انسانية رائعة – بل ان بعض الباحثين يرجحون بان اصل الانسان الاول كان من القرن الافريقى ( الحدود الكينية – الصومالة ), والاثار التى تم اكتشافها فى مختلف المناطق من شمال السودان الى الهضبة الاثيوبية وشواطىء البحر الاحمر الى الصحراء الصومالية تثبت بان شعوب المنطقة تركت بصماتها على الحضارة الانسانية. ولكن بالمقابل فان التاريخ يحكى بان شعوب المنطقة عاشت فى صراعات سياسية وحروب دينية حرمتها من الاستقرار وبناء حياتها بشكل طبيعى ( خاصة منذ القرن التاسع عشر).• حروب المسلمين بقيادة ( احمد جران ) ضد امراء وملوك الحبشة. • حروب الدولة المهدية ضد اباطرة الحبشة.• حروب اثيوبيا الحديثة ( هيلا سلاسى) ضد الصومال 1977 • حرب التحرير الارترية ضد اثيوبيا 1961- 1991 تلك الصراعات والحروب جعلت المنطقة هدفا للتدخل الاجنبى واصبحت اوربا ولاحقا امريكا تستخدم تلك الخلافات بين شعوب المنطقة تحقيقا لمصالحها.النتيجة النهائية كانت فقرا مزمنا وتخلفا فى جميع مناحى الحياة وفقدان للاستقرار الا جتماعى ( اللجوء والهجرة الجماعية ) وغياب للامن والامان.وكأن ذلك لا يكفى – وهو من صنع الانسان – فقد شاء حظ شعوب المنطقة ان تسهم الطبيعة فى تعميق الماساة – جفاف وتصحر واوبئة حصدت ارواح الملايين وما تزال تهدد ملايين اخرى. وبالرغم من ان ذلك يعد قدر لا مهرب منه الا انه ايضا يعكس عجز الانسان وقلة حيلته ليس لمنع حدوثه ولكن بالاستعداد له والتقليل من اثاره ومعالجة تبعاته, لماذا يحدث ذلك كله لشعوب لا تريد غير الاستقرار والامان والعيش بسلام ؟ لماذا تتقدم شعوب اخرى ( حتى فى القارة الافريقية) بينما شعوب القرن الافريقى تظل تراوح مكانها وتعيش فى دوامة من العنف والبؤس والشقاء؟رغم نضالات شعوب المنطقة وتضحياتها وصبرها الا انها لم تجد المردود الطبيعى لما قدمته, هل هو قدر لا فكاك منه ولعنة اصابت شعوب المنطقة؟لابد من ان تكون هناك اسباب حقيقية وموضوعية وراء ذلك.كل اقطار القرن الافريقى ( السودان – اثيوبيا – الصومال – ارتريا – جيبوتى) تشترك فى اقتسام المأساة ولكن بدرجات متفاوته وفقا لخصوصية كل قطر.سنترك جانبا (جيبوتى ) ليس لانها اقل سكانا ولا بسبب ان مساحتها اصغر حجما – بل لانها فى نهاية الامر نتاج خرج من رحم تلك الصراعات ولانها ايضا نموذج للتدخل الخارجى وكيفية معالجته لتناقضات المنطقة ( القاعدة العسكرية الفرنسية فى جيبوتى).بقية البلدان اصيبت بافات ثلاث: الافة الاولى : انتشار وتجذر الروح الاستعلائية والعقلية الاقصائية.كل قومية او مجموعة ثقافية او اقليمية تعتقد انها صاحبة اليد العليا وانها احق بالحكم والاستئثار بالسلطة والثروة.تلك الصفات التصقت بالامهرا فى اثيوبيا وابناء الشمال فى السودان وابناء المرتفعات الارترية من المسيحيين.اما فى الصومال ففى محاولة لرفض ذلك الاستعلاء وعدم الاستسلام للاقصاء فقد قام كل طرف ( قبيلة) ببناء دولته والنتيجة كانت ضياع الوطن وتشتت الشعب الصومالى وانقسامه الى ولاءات لم تحقق لكل مجموعة شيئا واضاعت عليهم جميعا حلم العيش فى دولة واحدة.لماذا كان كل ذلك؟هل هو امر طبيعى نجد تفسيره فى ثقافة وتركيبة شعوب المنطقة وموروثاتها – ام هى (مؤامرة) خارجية من اعداء شعوب المنطقة؟ربما كانت مزيجا من هذا وذاك- ولكن الامر المؤكد ان شعوب المنطقة حصلت على استقلالها الوطنى (المظلة الجامعة) وهى لم تستكمل بعد تطورها الطبيعى (الاجتماعى والثقافى) لتكون امة واحدة فى بلد واحد تحت حكم مركزى واحد.العلائق والروابط الاجتماعية ( القبيلة – الادارة الاهلية والاحتماء بالنسيج الاجتماعى والقناعة بالعيش فى ذلك الحيز المحدود والشعور بالفخر والاعتزاز بذلك الانتماء) كل ذلك كان راسخا ومتجزرا فى المجتمعات قبل الاستقلال ومع بروز الاستعلاء القومى او القبلى او الاقليمى والاستئثار بالسلطة والثروة – لم تجد تلك المجتمعات ما يدفعها الى الدفاع عن المظلة الجامعة ( الوطن ) وعادت تحتمى بما كان لديها وما كانت جزءا منه بل وعملت على تجميع قواها واستقوت بمن كان عدو الامس (الاجنبى) !علينا ان نذكر ان القيادات التى جلست على كراسى الحكم خلفا للاجنبى لم تكن هى ايضا قد خرجت من تلك الشرنقة – على الاقل فى ذاكرتها الخلفيةلذا فقد عملت على توظيف الدولة الجديدة لخدمة وتحقيق مصالح مجموعتها القومية او الدينية او الاقليمية تارة باسم (احزاب) ديمقراطية وتارة اخرى يشكل سافر لا يعترف بالاخر وهنا يجىء دور العامل الخارجى لاستثمار ذلك الوضع لمصلحته.الافة الثانية : غياب العدالة والمساواة.بكل المقاييس والقونيين سواء كانت وضعية ام سماوية فان العدل غائب والمساواة ممارسة لم تعرفها قيادات وحكام شعوب المنطقة.لا عدالة فى توزيع الثروة (الارض – التوظيف –الرخص التجارية- الاستثمار – مشاريع التنمية والبنية التحتتية – التعليم … الخ لا مساواة فى المشاركة السياسية.الغنى يظل غنيا بل وتزداد ثروته والفغير يزداد فقرا وجهلا.الذى يسرق الملايين يجد الحماية ولا يطاله القانون , والذى يسرق الملاليم يطبق عليه القانون او الشريعة !! الافة الثالثة : غياب الديمقراطية وحرية الرأى.وان وجدت فهى : نخبوية وفوقية و(معلبة) بمعنى ان شروطها محددة ومواصفاتها مقننة ونتائجها معروفة.العلائق والروابط ذاتها (الولاء الجهوى والاقليمى ) ثم تغطيته بعباءة حزبية واطلق عليها اسما جديدا.هل هو جهل بالمضمون ام مقاربة غير موضوعية بين الموروث والواقع من جهة والتطلع والتغيير من جهة ثانية ؟ الامر الذى لا شك فيه هو ان القيا دات افتقدت الحكمة واصيبت بعمى سياسى وقادها الصمم العقلى الى اتباع هواها وايثار مصالحها الذاتية.الديموقراطية اصبحت شعارا دون مضمون وسلاحا يستخدمه المعارض حتى يصل الى كرسى الحكم وبمجرد ان يصل فانه يكسر ذلك السلاح ويترك استعماله للمعارض الجديد !! تلك هى افات القرن الافريقى الثلاث – لنبحث الان عن (نصيب ) كل بلد منها وكيف تعامل معها والنتائج التى وصل اليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى