مقالات

اللاجئون مشكلة قائمة و حاضرة: جمال الدين أبو عامر

25-Sep-2008

المركز

في الأسبوع الماضي لفت انتباهي خبر صغير في أسطره , عميق في مضامينه ( توقيف ألف لاجئ أثناء تسللهم إلى الخرطوم) , الخبر رسالة صريحة بأن مشكلة اللاجئين الإرتريين بدأت ( تدخل في منعطف خطير, وتأخذ أبعادا مأساوية , وتضع الوطن كله بانسانه وتاريخه أمام مفترق رئيسي وحاسم يكون أو لا يكون ) .

و باستطلاع سريع وخاطف على ارشيف موقع عدوليس الغراء للفترة الممتدة من يناير الى منتصف سبتمبرالحالى 2008م , للوقوف على حجم المشكلة و تداعياتها ومآلاتها , نجد الصورة أمامنا كالتالي : في السودان : حركة اللجوء على الحدود مع اريتريا أصبحت في تنام مستمر ، والمعدل اليومى بين 30 الى 40 لاجئاً اريترياً , و 28 ألف منهم تم ترحيلهم الى معسكر ك26 .و إعادة فتح ثلاثة معسكرات لاستيعاب التدفقات المتزايدة من اللاجئين الإرتريين . وإدارة اللاجئين بالقضارف تعزوا سبب تزايد اللاجئين الإرتريين الى القمع السياسي ومصادرة الحريات والخدمة الإلزامية .و ضبط (103) متسللا عبر الحدود الشرقية للولاية الخرطوم , وتوقيف ألف لاجئ أثناء تسللهم إليها , و هروب عدد من الكوادر الطبية العاملة في الحقل الصحي, و 16 من أعضاء الفرقة الفنية الإرترية اليها.في ليبيا : مئآت من اللاجئين الإرتريين يواجهون خطر الترحيل قسرا إلى اسمرا , والتحالف الديمقراطي الإرتري يناشدها بعدم إبعادهم الى ارتريا .في مصر : وبرغم من مناشدات عادل إمام , مصر تبعد 810 لاجئاً إرترياً , و تحبط تسلل 25 إريتريا إلى إسرائيل من بينهم ( 5 ) سيدات , والشرطة تقتل اريترية حاولت التسلل لإسرائيل .في أديس أبابا : أكثر من (450) لاجئ إرتري يعبرون الحدود اليها خلال ينايرالمنصرمومظاهرات تندد بإبعاد الإرتريين من مصر وليبيا , وعدّاء إرتري يطلب اللجوء السياسي بها .في اليمن : هروب خمسة جنود إرتريين اليها . في قناة الجزيرة : وزير الإعلام الإرتري علي عبده يستشيط غضباً من تقرير بثته قناة الجزيرة عن أوضاع الهاربين الارتريين في السودان . في إسرائيل : طرد آلاف الأرتيريين من تل أبيب الكبرى , وجنودها يحتجون على طرد اللاجئين الإريتريين إلى مصر , ووزارة داخليتها تمنح نحو ألفي إريتري ، تصاريح عمل في استراليا : وفد استراليا إلى مؤتمر التحالف الاخير , يتفقد معسكرشمليا , ويعبر عن بالغ أسفه على معاناة اللاجئين الإرتريين في المعسكر,و البالغ عددهم 18.442 لاجئي في السويد: نداء عاجل من منظمة العفو الدولية من اجل المواطن الارترى المهدد بالابعاد منها في بريطانيا : دبلوماسي إرتري يطلب اللجوء السياسي فيها .في جنيف : مذكرة الى السيد/ انتونيوا جوتريس المفوض السامي للاجئين بالأمم المتحدةوأخيرا في اسمرا و الولايات المتحدة : أفورقي يتهم المخابرات الأمريكية باغراء الشباب للهروب الى الخارج .ذلك هو المشهد المأساوي للاجئين الإرتريين وعلى امتداد واسع يغطى كل أصقاع الدنيا بقاراتها المختلفة , وكمدخل لتناول هذه الفضية يمكن تثبيت هذه الحقائق والوقائع . أولا : أن كل ارترى غيور على مصلحة وطنه , وبعد وقوفه على المشاهد المأساوية السابقة وبتفاصيلها المؤلمة , سيجد نفسه في قلق بالغ جراء الانحدار المريع الذي وصلته قضية اللاجئين , والتدهور المرير للأوضاع والظروف التي خلقت هذا الشتات العريض .ثانيا : بعيدا عن الانتماءات السياسية , والقناعات التنظيمية , سيجد كل ارترى نبيل فى بذل تعاطف مستحق تجاه المئآت والألوف من اللاجئين والظروف التي يعيشونها , كحالة إنسانية مجردة , وذلك لأن وراء قصة هروب أى واحد من هؤلاء اللاجئين , تكمن مأساة يدركها كل من تذوق مرارات اللجوء وأهوالها وفظائعها. ثانيا : الحالة المأساوية التى وصلت اليها مشكلة اللاجئين كحالة غير مسبوقة تحتاج الى قدر كبير من التماسك والجلد فى متابعة مساراتها وتطوراتها التى لا تورث الا الهم والغم , ولا تزيد إلا الأحزان والكآبة , ولا تكسب الا الخيبة والانكسار.ثالثا : كل لاجئ يفارق وطنه , سياسيا يعنى فشل النظام القائم , و إدانة دامغة له بالعجز , فضلا على انها تعنى افتقار النظام لأية قيمة سياسية أو وزن دبلوماسي .رابعا : تشعب الأحداث واتساعها و بهذا الشكل الذى نراه فى المشهد يعنى ان أن الأوضاع والأحوال فى الوطن قد بلغت مرحلة حرجة وخطرة باتت تهدد وبشكل جدي حاضره ومستقبله .خامسا : وقوع الاحداث بهذا العمق والامتداد في غير بلادنا المنكوبة , لهو كافي في حمل المسئولين إلى الهروع وعلى جناح السرعة الى اقرب جلسة لمؤسساتهم الدستورية المنتخبة لتقديم استقالتهم مسنودين بشرف الاعتراف بالتقصير.سادسا : بالطبع فان انتظار فضيلة الاستقالة من حكومتنا ( المؤقتة ) الدائمة والمؤبدة هو المستحيل ذاته بلحمه وشحمه , غير أنه شرف كبير لا يستحقه الطغاة والمستبدون . سادسا : النظام القائم مهما حاول التنكر للمشكلة أو التقليل من آٍثارها فان مردودها عليه لن يكون سهلا , فهى مرشحة وبدرجة عالية على زعزعة أركانه , وتفكيك بنيانه .أخيرا : المؤسف حقا أن يتسبب النظام فى هذه الكارثة فى وقت أحوج ما يكون فيه الوطن الى لملمة ما يمكن لملمته من اجزائه المبعثرة , وانقاذ ما يمكن انقاذه من أركانه الآيلة للانهيار . ثم أما بعد : بعيد الاستقلال مباشرة اتجهت الأنظار صوب الحكومة المؤقتة الوليدة آنذاك في انتظار النهج الذي ستنتهجه في تعامله مع قضية عودة اللاجئين باعتبارها القضية الأهم والاعجل التي يجب أن تحوز على أولوية الاعتبار والانتباه بعد دحر المحتل وبسط السيادة على كامل التراب الارترى , والمسلك الذي ستسلكه في إنهاء ظاهرة المنافي والتشرد , والطريقة التي ستضع بها حدا لمعانات اللاجئين ومحنهم التي طالت واستطالت حتى أضحت الأطول فى تاريخنا المعاصر.فضلا على إن استقرار الدولة الوليدة ونمائها وازدهارها يتوقف بالأساس على إشراك ومشاركة كل فئات الشعب الارترى وقطاعته دون عزل أو إقصاء لأحد مما يستوجب إعطاء الأولوية القصوى لقضية العودة . واللاجئون حينها كانوا تواقين وبدرجة كبيرة للعودة إلى بلدهم وتهيئوا لها بدنيا ونفسيا , بحسبان أن الخطر أو التهديد الذى دفعهم لمغادرة أرضهم الحبيبة قد تلاشى أو هكذا يفترض , وملأ حلم العودة الجميل إلى الوطن عقولهم وقلوبهم , وترائ الوطن أمامهم اخضرا , زاهيا ومشعا بالأمل , قوامه الحرية والكرامة والعدل , وصون الحقوق والأمن , والسلام والتعايش والرفاهية والازدهار .و النظام انذاك بحكم واجباته السياسية والأخلاقية , كان ينتظر منه استثمار تلك الاجواء الايجابية المفعمة بروح التحدى والإصرار بتسهيل إجراءات العودة وتبسيطها , وتهيئة الظروف المواتية التى تؤدى الى العودة الآمنة , لكن خلافا لكل التوقعات اتصفت مواقف النظام نجاه مشروع العودة باللامبالاة والسلبية , بل اظهر تخاذلا كبيرا في تعاطيه مع المشروع ,حيث سعى وبشتي الطرق والأساليب في وضع العراقيل والعوائق , مما كان المآل فشل المشروع في بداياته , وفي خاتمة غير سعيدة . وحتى المجموعة الضئيلة التي استجابة لمشروع العودة , بعد تغلبها على تلك العوائق والعراقيل , مدفوعة بمشاعر الألفة والشوق إلى مراتع الصبا والجذور, وتحت اشتداد الحنين واللهفة الى الأجداد والأهل والأصحاب , لم تجد مبتغاها ومناها , اذ تعرضت فى معسكرات العودة لظروف قاسية وقاهرة, حيث عانت الأمرين في الحصول على الحد الأدنى من مقومات الحياة الضرورية والأساسية ( غذاء وماء ومأوى ) , وفى البحث عن حفنة لاتسمن ولاتغنى من تسهيلات الخدمات الصحية والتعليمة وغيرها من الأمورالحيايتة الجوهرية , مما وجدت نفسها أمام واقع بائس ومظلم , ووضع طارد لا يشجع على الاستقرار و البقاء .وبعد أن سُدَّت أمامها كل السبل , وانعدمت البدائل , ولم يعد أمامها اى خيار سوى خيار استئناف فصول جديدة من المنافي والشتات والتشرد, بدأت في اجتياز الحدود بكل قسوتها وشدتها, والتسلل إلى الملاجئ الجديدة القديمة .السلامة والكرامة هما العنوانان العريضان , والشرطان الأساسيان , لأية عودة طوعية , وهما ما فشل النظام في توفير هما للعائدين , إذ تعرضوا وبطريقة ممنهجة لانتهاكات بالغة في حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.فشرط السلامة والذي يعنى وجوب حماية العائدين من التهديدات التي قد يتعرضون لها , فالاعتقالات والاختطاف والتعذيب والترويع بالمداهمات الليلية في مارثون حملات التجنيد القسرى التي تعرض لها العائدون , لدليل واضح على انتفاء هذا الشرط الهام والاساسى في عملية العودة . و شرط الكرامة الذي يشير إلى احترام هوية العائدين الدينية أو الثقافية , فان فرض التعليم بما يسمى بالتعليم بلغة الام خلافا لرغبات العائدين واشواقهم , , والاستهتار بالقيم والأخلاقيات التي يحملونها من خلال الزج بأبنائهم وبناتهم في معسكرات الامتهان والإذلال ( ساوا ) يتناقض مع هذا الشرط الحيوي , ويؤكد على عدم تحققه في واقع العائدين . وفى غياب شرطي السلامة والكرامة فان استعصام اللاجئين بحياة اللجوء بكل أهوالها وآلامها يظل مبررا , والعودة من جديد إلى حياة الشتات والتشرد يكون معتبرا. فحركة اللجوء والتشرد تنم للأسباب مقدرة سياسيا ومعتبرة قانونيا , وتنحصر كل دوافعها في طلب السلامة والكرامة الإنسانية , وهى التي تجبر شعبنا الآن من جديد أن يندفع وبتصميم من تنعدم عنده الخيارات إلى اقرب نقطة حدودية بحثا عن ملاذ آمن , حتى لو كان الثمن أن يكون عرضة لافتراس الوحوش في غابات أم حجر والشجراب , أو أن يلقى ربه تائها في صحراى ليبيا , أو أن يرمى به البحر أبيضه وأحمره إلى أعماقه طعما لأسماكه , أو أن تحصده رصاصات الشرطة ليس مهما أن تكون عربية على تخوم سيناء , اواسرائلية على أسوار تل أبابيب فصدورنا أضحت مباحة للجميع . النظام وحده دون غيره تقع عليه مسؤولية إيجاد مخرج لهذه الكارثة التي تسبب في إيجادها ابتداء وفى تفاقمها ثانيا بسبب سياساته التعسفية التي أثبتت فشلها مرارا وتكرارا , فاضطهاد الشعب وانتهاك حقوقه وكرامته , والاعتقالات والتعذيب بعيد عن أعين القانون , واختطاف وتغيب في أجنحة الظلام , ومصادرة الحريات العامة والخاصة , وتغيب للمؤسسات والقانون, وتمكين للحزب الديكتاتوري وعصابته من كل مفاصل الدولة ومقدراتها , وتسليط للأجهزة القمعية التي أدمنت زرع الخوف والرعب في الأبرياء من أبناء شعبنا , والاستهتار بالقيم والمثل الكريمة لشعبنا الكريم , فضلا عن إفقاره بسياسات الاحتكار والاستغلال , كل تلك السياسات أدت إلى شل حركة الحياة وفى مختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأمنية والعسكرية، مما أحالت الوطن الجميل إلى سجن كبير,فالداخل إليه مفقود , والخارج منه مولود , ويكون المنادى بالشعار انج سعد فقد هلك سعيد هو سيد الموقف , و يرتقى خيار اللجوء والتشرد والشتات إلى مراتب الضرورة تهون دونه كل المحارم والمقدسات. ويحار المرء كثيرا في فهم مواقف النظام وتصرفاته وردات فعله تجاه هذه المعضلة , فبدلا من أن يتصدى وبمسؤولية للأسباب الأصلية والجوهرية التي أفضت إلى استئناف حياة اللجوء وعودة الظاهرة من جديد , نجده ينصرف وكعادته إلى ركوب ظهر التبريرات الفطيرة التي قد لا تقنع النظام نفسه ناهيك عن الآخرين , والتنصل من أي تبعات أو مسؤوليات , ووضع الشماعة على الآخرين , و توزيع التهم والمسؤوليات يمنة ويسرة , وكيفما اتفق انطلاقا من نظرية المؤامرة. فالرئيس اسياس يعزو أسباب استئناف ظاهرة اللجوء الجديدة إلى مؤامرات تدبرها وتقف أمامها وخلفها وكالة المخابرات الأمريكية . ووزيرالاعلام علي عبده وخلافا لكل الوقائع المشاهدة والمحسوسة ينكر القضية برمتها من خلال وصفه لمعدلات الهروب اليومية والأوضاع المأسوية التي أجبرت الشباب على الهروب من ارتريا ( بالأكاذيب ) . أما وزير الخارجية عثمان صالح فقد اطلق تصريحا يستحق التوقف عنده كثيرا بالدهشة والاستغراب ، إذ خرج علينا بمقولة تعكس نهج النظام اللامبالى والسلبى فى تعامله مع القضية ( دعهم – اى اللاجئون – ينتظرون الى الابد ) , وكأن خيار الانتظار فى معسكرات العوز والفقر والمذلة هو خياراللاجئين المفضل والمحبب عندهم .اللاجئين يا سيادة الوزير لم يفارقوا أوطانهم في نزوة، , او في سياحة بل هم أُرغموا على ذلك وقلوبهم ملأى بالأسى والألم لأسباب وظروف خلقها النظام وحده , وينبغي أن يتحملها بشجاعة ومسؤولية وحده . التصريحات السابقة وان كانت تعبر عن موقف النظام ورؤيته للمشكلة , فإنها بالتأكيد لا تعبر عن واقع المشكلة وحقائقها ولا تمت لهما بشيء من صلة .فمشكلة اللاجئين مشكلة حقيقية , قائمة بأسبابها وظروفها , وستظل كذلك حاضرة بكل افجاعها وأوجاعها في المشهد السياسي الارترى وذاكرة شعبه طالما الأسباب قائمة , ولن تنتهي إلا بانتفاء تلك ألأسباب . و التصريحات للاسف الشديد تعكس نهج النظام ومسلكه فى التعامل مع المشكلة , اذ توضح افتقار النظام للرغبة الحقيقية في الاستجابة لتحمل تبعات الأزمة , وتؤكد عدم استعداده لطي ملفاتها المزعجة والمؤلمة والى الأبد , وذلك بمخاطبة اصول المشكلة وجذورها , والغوص فى اسبابها الجوهرية .واعتراف النظام بالمشكلة ومعرفة كنهها ( أسبابا وجذورا ) شرطان أساسيان من شروط حل المشكلة , واعترافه بالدواعي والظروف التي أنشأت هذه الظاهرة وعلى حقيقتها يمثل المدخل الصحيح والسليم لحل المشكلة , والا فان تصاعد معدلات اللجوء لن يتوقف , بل مرشح لتزايد فاضح , تهدد بإفراغ البلاد من سكانها , وحينها ستقع المسؤولية التاريخية عما آلت إليه الأوضاع , وخلفها من آثار على النظام الديكتاتوري . يكون النظام مخطئا إذا استمر في تجاهل المشكلة , والتنكر لها تحت حسابات سياسية خاطئة ودوافع طائفية ممجوجة , بالمراهنة على أن طول مدى اللجؤ , ومرور وقت طويل دون إيجاد حل لها , قد يجعل اللاجئين يسقطونها ( أى قضية اللاجئين وحلم العودة ) من ذاكرتهم الفردية والجمعية , ويبدأون فى رحلة البحث عن أوطان بديلة .المراهنة على مثل هذه الترهات فى حل القضايا الشائكة المرتبطة بالتاريخ والوجود لهو استهتاربالشعب وذاكرته , غير انه قراءة خاطئة ومضللة , فالشعب الارترى هو من أكثر شعوب العالم تمسكا بترابه , والتصاقا بها , وفى حكم المستحيل عنده التنازل او التفريط ولو عن شبر واحد من أرضه , والتاريخ حاضر, وشاهد فالتضحيات الجسيمة التي بذلها , والثمن الكبير الذي دفعه فداء لمعركة التحرير برهان , والجلد والصبر على قسوة حياة اللجوء والتشرد برهان آخر , والذين يناهضون النظام القمعى الآن و بكافة الوسائل المتاحة لهم , هم معظمهم من الذين استوطنوا في بلاد بديلة لوطنهم ولكن مازالوا مستمسكين براية العودة , ولم ينفصلوا ولو للحظة عن ماضيهم ولم تتسرب القضية من ذاكرتهم , وذلك دليل آخر .و تلك الشواهد وغيرها تؤكد أن التوطين لن ولم يكن بديلا للوطن العزيز – مع ان التوطين هو حق لأى لاجئ وفقا للمواثيق الدولية – وعلى النظام وبدلا أن يراهن على مثل هذه المراهنات الخاسرة عليه وبدرجة أساسية أن يبحث عن الحلول العلمية والعملية الناجزة التي تنهى اصل المشكلة بإزالة كافة أسبابها بجوانبها السياسية والاقتصادية , والاجتماعية , والامنية . والحل الجذري لهذه المشكلة يملك خيوطها النظام الديكتاتوري , باعتباره العامل الاساسى في نشوئها وتفاقمها , صحيح أنّ المسؤوليّة قد لا يتحمّلها فقط من تسبب في المشكلة , ولكن طالما ان الحل النهائي لمعانات اللاجئين ومحنهم هو ( حل سياسي ) , تظل مفاتيحه الأساسية في يد النظام , من إطلاق للحريات العامة والخاصة وإنهاء لسياسة القمع والهيمنة والاحتكار، وإقرار للتعددية السياسية والتنظيمية , وإرساء لمبدأ سيادة القانون, واحترام لسلطة القضاء واستقلاليته والقضاء على آليات الفساد والإفساد —– الخ . و الحلول الأخرى المتاحة هي حلول مؤقتة قد تسهم في تخفيف معانات اللاجئين , وتقلل من آثارها , وهى تقع بحكم مسؤولياتها على عدة أطراف تأتى في مقدمتها مفوضية اللاجئين , والدول المستضيفة لهم.فالأمم المتحدة والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية، مطالبون بتحمل مسؤولياتهم حيال هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه اللاجئون وحمايتهم من تداعيات اللجوء الممزرية بوضع حل يوفر ظروف حياة أفضل .والفرصة مواتية لمفوضية اللاجئين , لانصاف اللاجئ الارترى حيث ظل تاريخيا احد أكثر لاجئ العالم إهمالا وتقصيرا في القيام بحقوقه الأساسية , وتكفى شهادة مفوض اللاجئين السيد ( انطونيو قوتبرس ) فى زبارته لمعسكرات اللاجئين الإرتريين حيث وقف بنفسه على التدهور المريع في أوضاعهم , مما حدا به لتقديم اعتذاره عن التقصير الدولي تجاه اللاجئين الإرتريين . و الدول المستضيفة للاجئين خاصة حكومات دول الجوار, يمكن أن تلعب دورا إزاء هذه القضية الإنسانية بالاضطلاع بمسؤولياتها فى كفالة الحماية القانونية لهم , ويظل ألأمل كبيرا على السودان الشقيق باعتباره الأكثر استضافة للاجئين أن بواصل كعهده في الاحتضان الجميل للاجئين الإرتريين , و تحمل عب?ء الضيافة التي يجيدها بامتياز.وعلى قوى المعارضة بكافة أشكالها وأصنافها وعلى رأسها التحالف الديمقراطي الارترى إعادة ترتيب أولياتها , بجعل قضية اللاجئين قضية بارزة في أجندتها السياسية والتنظيمية , تتقدم على كل أجندتها الأخرى . وتبقى الأسطر الأخيرة لأصحاب القضية وأهل البيت اللاجئون أنفسهم , ماحك جلدك مثل ظفرك , أن القضية قضيتكم ابتداء وانتهاء , وهى قضية انسانية عادلة, عليكم المطالبة بحقوقكم المهدرة والمغصوبة , فأنتم لا تطلبون صدقة أو إحساناً من احد , بل حقوقا مشروعة يؤيدها القانون الدولي وتسندها المواثيق الدولية.وذلك من خلال تنظيم أنفسكم في جمعيات وروابط مدنية تحشدون فيها كل الطاقات المادية والمعنوية , مع الاستفادة من كافة الوسائل والآليات التي تستطيع إيصال صوتكم للرأي العام الاقليمى والعالمي . و ختاما التحية لكل الشرفاء والكرماء الذين يقدمون من اى موقع كان ,وبأي وسيلة كانت , كل ما يملكون من نفس ونفيس في سبيل آن تبقى قضية اللاجئين شاخصة في نفوس وضمائر شعوب العالم الحرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى