مقالات

فقدان الساحة السودانية لمناضل جسور من أجل الديمقراطية : همد كل*

25-Mar-2012

المركز

لندن- 24 مارس 2012م
ما اقسي أن تناضل من أجل الديمقراطية وتجد نفسك مطاردا وهاربا في المنافي أو مختفيا ومنفيا داخل الوطن. كان هذا قدر القوى الوطنية الديمقراطية السودانية وفي مقدمتهم الحزب الشيوعي السوداني.

ناضل مع كل القوى الوطنية من اجل استقلال السودان من الاستعمار البريطاني . الحزب الشيوعي السوداني جزاء من النسيج الوطني لايمكن ان يكابر عليه أحد ناضل بعد الاستقلال من أجل ارساء الديمقراطية، ووقف ضد القبلية والجهوية ، سعى من أجل اشعار المواطن أن مصلحته ليس في نزعات واقع التخلف بل الانتماء الى طبقته ليحقق من خلالها مصالحهه، فبنى اتحاد عمال قوى وراسخ، الاتحاد النسائ السوداني ، اتحاد الشباب، اتحاد المزارعين، نقابات لكل أصحاب المهن الفئوية وغيرها، وفي المجال الثقافي ساهم في المسرح والموسيقى.وفي وقت مبكر ومع القوى الوطنية الديمقراطية نادى في مؤتمر المائدة المستديرة بقيام حكم لامركزي وحتى لا تتهمش الاطراف ويمزق السودانمأىسات السودان تنبع وباستمرار من الانقلابات العسكرية، كان العسكر يجهضون التطور الديمقراطي،ناضل الحزب الشيوعي مع القوى الأخرى من أجل اسقاط حكم ( عبود) وكان أكتوبر المجيد.جاء انقلاب جعفر نميري حاملا شعارات تقدمية ، ونادى بقيام الاتحاد الاشتراكي، وحاول أن يغري الحزب الشيوعي السوداني لكن موقف المغفور له عبدالخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي كان واضحا وعرض على نميري قيام الجبهة الوطنية الديمقراطبة تشارك فيها كل القوى الوطنية الديمقراطيةالسودانية، وقال لجعفر نميري أن الحزب ليس على استعداد للذوبان في الاتحاد الاشتراكي، ليس هذا فحسب بل أن الحزب الشيوعي في الأصل كان ضد الانقلابات العسكرية، حتى هاشم العطا وانقلابه ورط فيه الحزب الشيوعي بدليل أن عبدالخالق محجوب قبل انقلاب هاشم العطا بشهور قليلة كان قد التقى بعضوين من القيادة العامة لجبهة التحرير الارترية وهما المغفور له عبدالله ادريس وتسفاى تخلى، كان اللقاء في حي (بيت المال) بامدرمان، تحدث معهما كثيرا لكن ما يهم أنه أكد أن أي انقلاب قادم لن يكون في مصلحة القوى الديمقراطية في السودان بل كان يؤمن باسقاط نظام نميري عبر الشارع السوداني.عبدالخالق محجوب قال لعضوى القيادة العامة أننا بصدد تقييم موقفنا السابق من جبهة التحرير الارترية واننا الان ننظر لهذا التنظيم انه تنظيما وطنيا وسنسانده، لكنه قال نخشى أن قوى وتيارات عديدة داخل الجيش السوداني تسعى للاطاحة بنظام نميري، ونحن لسنا مع الانقلابات العسكرية، كان هذا اللقاء قبل انقلاب هاشم العطا بشهرين تقريبا في العام 1971م.الحزب الشيوعي السوداني واجه انقساما عموديا في العام 1970م في بدايات انقلاب جعفر نميري، ثم جاءت الطامة الكبرى مع انقلاب هاشم العطا حيث اعدم عبدالخالق محجوب سكرتير الحزب، الشفيع أحمد الشيخ رئيس اتحاد نقابات العمال وجوزيف قرنق عضو اللجنة المركزية، اعتقلت بعضا من قياداته ولجأ البعض الاخر، وظلت مخابرات جعفر نميري تطارد أعضاء الحزب، كانت تلك ضربة قوية وموجعة وجهت للحزب لكن قواعده وبعض من قياداته ظلت متماسكة وعملت في حدود ما هو متوفر من أجل بقاء وصمود هذا الحزب،هنا في هذا الظرف الصعب تأكدت قيادة محمد ابراهيم نقد للحزب ، عمل في الخفاء في ظل ظروف يصعب وصفها ، كان قائدا صلبا تحدى نظام جعفر نميري بذكاء وبسالة.العسكر أعداء للديمقراطية، يحدثون انقلابا على النظام الديمقراطي ويعلنون عبر الاذاعة والتلفاز بيان رقم 1 متضمن تعابير براقة وينكلون بالقوى الديمقراطية، واول ما يمتازون به هو تطوبر أجهزة المخابرات والأمن لتحصى انفاس الناس وتفتح السجون ابوابها لتلتهم كل من يعارضهم، ثم يتراجعون تحت تبريرات تثبت زيف انقلابهم ويتعاملون مع القوى التي انقلبوا عليها والتي وصفوها وأدانوها بابشع التهم.سهل ان تنقلب وتجمع من حولك حاشية تبرر لك كل ما تفعله ، ليس صعبا ان تبني اجهزة امن ومخابرات لتحمي نظامك، لكن من الصعب ادارة دولة، بناء الدولة ليست شعارات براقة هو بناء أمة وبناء اقتصاد، ليس بالعسكر يطور البلد ولا الأمن، بل بالعلم والمعرفة، بخبراء وطنين يسهرون من أجل الارتقاء بالوطن في دولة القانون في ظل الديمقراطية وفي ظل احترام الرأى والرأى الآخر.رأيت أول مرة الفقيد محمد ابراهيم نقد في الربع الخير من العام 1967م في مكتب المحامي مرغني النصري في المبنى المقابل لمبني البرلمان السوداني السابق.لم التقي به ثانية ، لكني كنت اعرف من سماع لبعض العارفين ان الرجل رفض الخروج من السودان وأصر ان يناضل من داخله. في حديث جرى بيني وبين المغفور له السيد محمد سعيد ناود حكى لى قصة طريفة عن هذا المناضل ، قال لي فى احدى الايام وانا في الخرطوم وحكم الانقاذ في اشده والحديث لمحمد سعيد جاءني شخص أعرفه من الحزب الشيوعيوقال لي ان السيد محمد ابراهيم نقد يطلب مقابلتك، فقلت له متى قال لي غدا وحدد لي الزمان والمكان ، وبالفعل حضرت وفي ذهني اني ساقابل محمد ابراهيم نقد تحت الارض كما كان يشاع، وبالفعل جاءني الشخص واخذني بعربته، وبعد مشوار ليس طويلا للغاية توقف بي وقال انزل هنا وتركني وذهب بعربته، كان المكان سوق للماشية وهو مغبر ، ودخلت السوق وبدأت اسير بين المواشى وصراخها وانا في حيرة من امري جاءني شخص مغبر وقال لي انت تريد شراء ماشية واضاف تعال معي انا انتقي لك احسن الماشية ، وانا في حيرتي وهو ممسك بيدي تحركت معه الى ان وصلنا طرف السوق ، وهنا دخل بي في بيت عادي جدا وقفل وراءه الباب وقال لي اهلا يا اخونا محمد سعيد، وهنا تنبهت وركزت في وجهه وعرفته انه محمد ابراهيم نقد.ربما اطلت الوصف على القارئ لكننا امام شخصية قيادية صلبة عاش متخفيا فترة حكم عبود، وحكم جعفر نميرى وجزء من حكم نظام الانقاذ.مثقف واسع الاطلاع قرأت له باعجاب كتابه ( حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية) وهو يعلق على كتاب الكاتب اللبناني حسين مروة بنفس العنوانحتى فترة الانفراج ظل هذا الرجل يعيش عيشة البسطاء ووهب كل عمره من أجل السودان مدافعا عن الديمقراطية وحرية الانسان السوداني رحم الله المناضل محمد ابراهيم نقداتقدم باحر التعازي وصادق المواساة لقيادة وقواعد الحزب الشيوعي السوداني خاصة والشعب السوداني عامة.________________________* ديبلوماسي سابق ومحلل جيو-سياسي ارتري مقيم في بريطانيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى