ثقافة وأدب

الحرب عندما يشعلها المطر ! بقلم/ فتحي عثمان

2-Sep-2020

عدزليس نقلا عن صفحة مكتبة اغوردات في الفيسبوك

الحرب يشعلها المطر رواية للروائي السوداني امير بابكر والمعروف لدى الارتريين بأنه صاحب رواية “الغولاغ الارتري” والتي تحكي تجربة السجن في المعتقلات الارترية سيئة السمعة.الرواية قصيرة ويمكن تصنيفها من ناحية الأجناس الأدبية ك “نوفيلا” وهي تقع في مئة وعشرين صفحة وتغري منذ البداية بمتابعة القراءة حتى النهاية. رغم أن الرواية قصيرة إلا أن موضوعها كبير وهو الحرب؛ وهو موضوع يتردد في جنبات الرواية بالتصريح تارة والتلميح تارات أخرى، ومصائر أبطالها تصنعها الحرب. وفي هذا تعتبر الرواية أفضل توثيق وجداني للحرب في القرن الافريقي الملتهب. الشخصية الرئيسية آدم شاب تدفعه الحرب الآتية كتجنيد الزامي إلى ترك الدراسة والعمل في حصاد السمسم على الحدود السودانية الاثيوبية، وتقوده مشاوير الحياة وتشعباتها إلى بلدة “الحمرا” الاثيوبية التي تقطنها الماظ كيداني الاثيوبية الأب والارترية الأم والتي تشاهد وجه أباها ينزف تحت ضربات جنود الدرق لاتهامهم له بالتعاون مع الثوار؛ في نفس الأثناء التي يسيل فيها “دمها الأول” ليزفها عرس الدم المزدوج إلى عالم الانوثة الكاملة والتمرد. ويتشابك مصير آدم والماظ في مسيرات تتباعد وتتقارب حسب بندول الحرب مرة أخرى.الحرب يشعلها المطر رواية للروائي السوداني امير بابكر والمعروف لدى الارتريين بأنه صاحب رواية “الغولاغ الارتري” والتي تحكي تجربة السجن في المعتقلات الارترية سيئة السمعة.الرواية قصيرة ويمكن تصنيفها من ناحية الأجناس الأدبية ك “نوفيلا” وهي تقع في مئة وعشرين صفحة وتغري منذ البداية بمتابعة القراءة حتى النهاية. رغم أن الرواية قصيرة إلا أن موضوعها كبير وهو الحرب؛ وهو موضوع يتردد في جنبات الرواية بالتصريح تارة والتلميح تارات أخرى، ومصائر أبطالها تصنعها الحرب. وفي هذا تعتبر الرواية أفضل توثيق وجداني للحرب في القرن الافريقي الملتهب. الشخصية الرئيسية آدم شاب تدفعه الحرب الآتية كتجنيد الزامي إلى ترك الدراسة والعمل في حصاد السمسم على الحدود السودانية الاثيوبية، وتقوده مشاوير الحياة وتشعباتها إلى بلدة “الحمرا” الاثيوبية التي تقطنها الماظ كيداني الاثيوبية الأب والارترية الأم والتي تشاهد وجه أباها ينزف تحت ضربات جنود الدرق لاتهامهم له بالتعاون مع الثوار؛ في نفس الأثناء التي يسيل فيها “دمها الأول” ليزفها عرس الدم المزدوج إلى عالم الانوثة الكاملة والتمرد. ويتشابك مصير آدم والماظ في مسيرات تتباعد وتتقارب حسب بندول الحرب مرة أخرى.

تبدأ الرواية بوصول آدم ومجذوب إلى مطعم الماظ بعد سنوات في أثناء رحلتهم من قيادة معسكر القوات التي أنضم لها آدم وهي قوات تشن حربا ضد حكومة الخرطوم في شرق السودان. أما مجذوب النقيب السابق في الجيش النظامي السودان فلقد قضى عشر سنوات كأسير حرب مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب، حيث خاض في الغابات حروبا رأي فيها الأهوال واستوت عنده الحياة والموت. وعندما تم إطلاق سراحه فضل الانضمام إلى قوات المعارضة في شرق السودان بدلا من الذهاب إلى الخرطوم حيث الإذلال.
تسرد الرواية تأثر أسرة الماظ بالحرب الدائرة في شمال اثيوبيا وتأثر الكل بالحرب التي كانت تدور في ارتريا بين الجيش الاثيوبي والثوار الارتريين وحرب جنوب السودان؛ أن الحرب تبدو في الرواية كدخان أسود كثيف يغطى سماوات البلدان والشخوص، وتنسج أقدارهم كما تنسج السرد الروائي في تداخل فني مبهر.
لا نجد شخصية من شخصية الرواية أساسية ولا ثانوية وإلا الحرب أثرت فيها وفي مصيرها وحياتها؛ آدم الماظ ومجذوب، عثمان الطاهر الذي جند آدم لقوات المعارضة ولكنه آثر لاحقا أن “يبيع” القضية ويسافر من القاهرة إلى الخرطوم واضعا يده في يد النظام من أجل منصب يتناسب مع دراسته في القانون.
وتثير الحرب الزوابع وتزرع القلق: ” كأن الحرب مغص في بطن الأرض، تبرد في الشرق لتثور في الجنوب.” إنها الاعصار العاصف الذي يعصف بحيوات أبطال الرواية. ويرصد الراوي أثر الحرب على مجذوب الرجل الذي خبر وجوهها القميئة والمتغيرة الأقنعة: ” الحرب هي الحرب، ذات الرائحة والطعم الذي علق بذهنه وهو يقود قواته في الجنوب، وعندما تنتهي وقائع معركة.” وحتى في الجنوب يبدو مجذوب أكثر وعيا وإحساسا بجنون الحرب عندما تصمت أصوات المدافع: ” في فترة السلام سكتت المدافع والأشجار التي قاومت الحريق زمنا طويلا عاد الاخضرار يكسوها لتنضح بالندى من فرحتها، فالحرب شوهت طبيعتها فما عادت تثمر كما كانت ولا ظلها الظليل.”
وتصوغ الحرب سواء في الشرق أو الجنوب وجدان شخوص الرواية فهذا مجذوب الخبير بها شرقا وجنوبا يقول: ” الحرب هنا ليست كحروب المناطق الاستوائية وإن كانت نتائجها تتشابه يا آدم، آلهة الحروب الاستوائية ليسوا هم آلهة حروب الهضبة، هناك دوي الانفجارات يمتص دويها الماء وتحجبها أشجار الغابة فلا تترقبها، وهنا يتردد صدى صوت نزع فتيل القذيفة قبل انطلاقها تحمله تلك الجبال والصخور ثم تنطلق القذيفة مخترقة غشاء الكون فيرعبك صداها قبل أن تنفجر، ويخدعك صداها فلا تدري بأي أرض ستقع، ويحدث انفجارها صدى آخر أكثر رعبا.”
جاء هذا التداعي من طرف مجذوب بعد أن خبر الحرب في الغابة وهو الأن يشاهد “حرب الأخوة الأعداء في الهضبة” تلك الحرب التي فغرت فاها لتبتلع الألوف من المتحاربين في ثلاث جولات دامية متدثرة بالحقد والثأر والفناء، حرب الهضبة بين الصخور لا تشابه حروب الأخوة الأعداء في غابات الاستواء حيث الماء يمتص صدى الانفجار. حرب الأخوة الأعداء في الهضبة كانت من الجنون أنها فرضت هدنة اجبارية على الحروب الصغيرة للمعارضة ضد القوات الحكومية السودانية. صمت المدافع الصغيرة مقابل دوي أصوات مدافع العدم التي عصفت بالهضبة في جنون آخر لم يفهمه العالم ولا المتحاربين أنفسهم.
ولا تفارق الحرب وأدوارها الماظ الجميلة فتدفعها وبسبب تجنيد صديق أباها لها إلى تجميع المعلومات للثوار ثم تدفعها الحرب إلى ترك محل عملها لتواجهها حرب أخرى لم تكن في الحسبان لتدافع إلى أطراف العالم إلى بؤر منسية لتشهد مع آدم ومجذوب وعلى شاشات التلفزيون حربا من نوع آخر وذلك عندما تقوم طائرات الموت بضرب برجي التجارة العالمية في نيويورك ليفغر العالم فاهه أمام الهجمة الغادرة للحرب والتي فتحت الباب لحروب أخرى.
ولكأن العالم يحيط به غلاف جوى من الحروب، طبقة وراء طبقة من الحروب والمصائر المتداخلة والتي ترسمها قنبلة ودوي انفجار وخطة هجوم.
فنيا ترسم الرواية مستويات من خطوط التداخل؛ فبينما الحرب تنسج أقدار شخوص الرواية تكون اللغة هادئة لا تعكس جنون الحرب، إلا في تداخل أصوات السرد، فتنتقل من سرد الراوي العليم إلى كلام الشخوص في تنقل زمني بين الحاضر ونفق تقنية الفلاش باك لترجع لماضي الشخصية، وهنا يحدث الانتقال المباغت ولكن القارئ يبرره بأن الحرب والكتابة عنها تحتمل كل شيء، فبما أن الحرب لا منطق لها؛ فإن الحديث عنها لا يحكمه أي منطق، وأن كان الكاتب قد عانى ليجعل مأساة الحرب قريبة من منطق الفهم المألوف، رغم غرابة المأساة.
لذلك تأتي الخاتمة مفتوحة على احتمالات واسعة حيث لا ممسك، فلا الحرب هزيمة ولا هي انتصار، بل هي تكرار عبثي، ونهاية الرواية تشير إلى أن شخوصها تستريح استراحة محارب في هدنة أو سلام يجهز لحرب أخرى.
فيودع القارئ الشخوص التي عاش معها جولات الحروب وعذاباتها وفي نفسه دعاء وأمل ألا تعصف حرب أخرى بحيوات هؤلاء الذين جرت اقدارهم كجداول تفضي إلى شلالات دم كما حدث فيما مضى من زمان.
حملت هذه الرواية القصيرة وفاء نادرا للأمكنة التي دارت فيها أحداثها؛ لأنها عرفت أنها لن تستطيع رسم وجدان القرن الافريقي دون أن تكون للحرب الريشة والألوان الأولى في اللوحة.
ــــــــــــــــــ
اللوحة للفان العراقي سيروان باران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى