مقالات

الشيخ علي عبدالرحمن يتنكر لثوار أرتريا : أ. محمد نور أحمد*

25-Jun-2010

المركز

كانت هذه العبارات تتصدر الصفحة الأولي لجريدة الصحافة السودانية في منشيت باللون الأحمر وبخط عريض.
كان ذلك أول عمل جليل قام به المغفور له المرحوم سيد أحمد خليفة في أول علاقة له بالثورة الأرترية في نهاية أغسطس عام 1967 وكانت المناسبة أن حكومة الإئتلاف بين حزب الأمة جناح الامام الهادي والاتحادي الديمقراطي برئاسة السيد محمد أحمد محجوب ونيابة الشيخ علي عبدالرحمن، قررت إعادة تفعيل اتفاقية تبادل المجرمين التي وقعتها حكومة الجنرال عبود العسكرية مع الامبراطور هيلي سلاسي في عام 1958 بهدف إيقاف الأخير دعمه لحركة الأنيانيا في جنوب السودان مقابل إعتقال ناشطي الحركة الوطنية الأرترية في السودان وترحيلهم الي ارتريا

وقد ألغت ثورة أكتوبر عام 1964 هذه الإتفاقية التي ناهضتها منذ البداية منظمات المجتمع المدني السودانية والتي أنشأت لهذا الغرض جمعية الصداقة الأرترية السودانية وأعلنت حكومة أكتوبر علي لسان وزير اعلامها بالغاء تلك الإتفاقية واعلان دعمها لكفاح الشعب الأرتري. وجاء التجسيد العملي لهذا الدعم في السماح لناشطي الثورة الأرترية بالتحرك بحرية بغية التعريف بقضيتهم للشعب السوداني لكن أهم أشكال هذا الدعم تمثل في السماح بهبوط ثلاث طائرات سورية تحمل شحنة أسلحة قوامها 36 طناً في مطار الخرطوم كهدية سورية لثورة الشعب الأرتري وتم ذلك بمعرفة سر الختم الخليفة رئيس الوزراء والوزيرين محمد جبارة العوض والرشيد الطاهر بكر فقط، وقد تم نقل الجزء الأكبر من كمية الأسلحة الي الميدان بطرق مموهة، غير أن رئيس حزب معارض كشف مكان تلك الأسلحة في أحد المنازل في منطقة بري في مؤتمر صحفي ونسبها الي حزب الشعب بقيادة الشيخ علي عبدالرحمن الذي أتهمه بتدبير مؤامرة انقلابية وقد تم وقتئذ ولفترة قصيرة اعتقال بعض عناصر حزب الشعب العسكريين وتمت مصادرة ماكان بالمنزل من الأسلحة بقرار من وزير الداخلية كلمنتو أمبورو وقامت كرد فعل لهذا الحدث في اليوم التالي مظاهرة كان الشيخ علي عبدالرحمن هو الذي يقودها وهو يردد الهتاف “أسلحة الثوار لن تصادر” لكن الشيخ علي عبدالرحمن عندما وصل الي السلطة قامت أجهزة أمنه باعتقال كافة النشطاء الأرتريين في مدينتي كسلا وبورتسودان وكان من بينهم مقاتلين أتوا الي السودان لتمضية فترة إستراحة محارب، تمت عملية الإعتقالات هذه لكسب ود الإمبراطور هيلي سلاسي الذي كان يتمتع بمنزلة رفيعة بين بعض القادة الأفارقة من أجل كسبه وكسب القادة الآخرين الي جانب قضية العرب في الأمم المتحدة بعد هزيمة القوات العربية في حرب عام 1967 مقابل تسليمه ناشطي الثورة الأرترية في السودان.بعد تلقينا هذا الخبر ذهبنا سيد أحمد محمد هاشم رئيس مكتب الجبهة في الخرطوم وشخصي الي منزل الشيخ علي عبدالرحمن بالخرطوم2 ووجدناه جالساً في ديوانه وبمعيته جمع من الناس وتحدثنا اليه عن الخطر الذي سيواجهه هؤلاء المعتقلين فيما لو تم تسليمهم الي السلطات الإثيوبية ثم رجوناه في اطلاق سراحهم واعادة الأسلحة الفردية التي كانت بحوزتهم للدفاع عن أنفسهم ضد عناصر المخابرات الاثيوبية، فرد عليناـ وكنت أنا المتحدث ـ ” ياإبني سوف لن نسلم هؤلاء الثوار وسنطلق سراحهم قريباً أما الأسلحة فلأنها تتعارض مع قانون البلاد فقد تمت مصادرتها” وخرجنا من منزل الشيخ علي عبدالرحمن وأتجهنا الي مكتب جريدة الصحافة الذي كان يقع علي مرمي حجر من دار الشيخ. كانت جريدة الصحافة وقتها معارضة لحكومة الإئتلاف، وكان أول من ألتقانا هو الاستاذ سيد أحمد خليفة محرر الصفحة الأولي وقد رحب بنا بحرارة عندما عرفناه من نكون وروينا له حادث الإعتقالات ولقاءنا بالشيخ علي عبدالرحمن، كانت تلك أول مرة نلتقي فيها بسيد أحمد خليفة وإن لم تكن المرة الأولي التي يتعرف فيها بالثورة الأرترية فقد كان متابعاً أحداثها علي الأقل منذ ثورة أكتوبر، لقد ظهر الإنفعال علي وجهه عندما علم بخبر الإعتقالات وأوعدنا بأنه سيقف الي جانب هؤلاء المعتقلين، هكذا جاء ذلك المنشيت العريض في عدد اليوم الثاني من جريدة الصحافة وعبأ الشارع الخرطومي والمنظمات النقابية حيث أنخرط الجميع في الموكب الهادر الذي قاده اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وقادة المنظمات النقابية الي مبني وزارة الداخلية الذي لم يكن يفصله سوي شارع واحد عن الفندق الكبير حيث كان ينعقد مؤتمر القمة العربية الذي أطلق عليه مؤتمر اللاءات الثلاثة وكان ضمن حضوره الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل وفي الحال خرج الي التظاهرة وزير الداخلية فتقدم اليه قادة المسيرة بمذكرة تطالب بإطلاق سراح المعتقلين فأصدر الوزير وكان عضواً بالإتحادي الديمقراطي أمراً أذيع في الحال من إذاعة أمدرمان بإطلاق سراح المعتقلين وقد نفذ الأمر.بالتأكيد يعود الفضل الي كل الذين شاركوا في تلك المسيرة ولكن للطريقة التي صاغ بها سيد أحمد خليفة الخبر دوراً كبيراً في الهاب مشاعر الشارع السوداني وإستنكاره لاجراء الاعتقالات وتوطدت علاقته بعد ذلك بجبهة التحرير الأرترية وأقام علاقات قوية معها علي مستوي الكادر والقيادة وكرس جهده لمناصرة الثورة وعندما ذهب الي ليبيا تعرف علي مسئول العلاقات الخارجية لجبهة التحرير الأرترية المرحوم عثمان صالح سبي ونشأت وتطورت بين الإثنين علاقة قوية حتي وفاة الأخير.نذر سيد أحمد خليفة قلمه البارع لخدمة قضية الشعب الأرتري وقد شهدت صحيفة الشرق الأوسط وغيرها من الصحف السعودية وجريدة الاتحاد الأماراتية الكثير من المقالات عن نضال الشعب الأرتري من أجل الاستقلال كما وضع كتاباً بعنوان عارنا في أرتريا. وعندما عاد الي السودان وأسس جريدة الوطن كرس صفحة أسبوعية للدفاع عن قضية الشعب الأرتري كما وقف بوضوح الي جانب نضال المعارضة من أجل اقامة نظام ديمقراطي ضد الكابوس الذي يجثم علي صدر الشعب الأرتري.بعد تحرير أرتريا جاء اليها سيد أحمد خليفة لمشاركة الشعب أفراحه لكن اسياس أفورقي الذي صنفه ضمن معارضيه طلب منه مغادرة أرتريا خلال 72 ساعة. هذا قليل من الكثير الذي قدمه سيد أحمد خليفة لكفاح الشعب الأرتري وكنت أتمني أن يمتد عمره ليشاهد اليوم الذي سيطاح بنظام اسياس ويحضر الإحتفالات بإنبثاق فجر الحرية والديمقراطية ليكون ضيف الشرف الأول لإفتتاح العهد الجديد عهد الحرية والديمقراطية والسلام ولكن ” إذا جاء أجلكم لا تستأخرون ساعة ولا تستقدمون ” صدق الله العظيم، ندعو الله أن يسكنه فسيح جناته ويلهم آله وذويه وأصدقائه وأنا أحدهم الصبر والسلوان.أستراليا ـ ملبورن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى