مقالات

فهمي للمشكلة والحل في ارتريا(5) : صلاح أبوراي-لندن

15-Jun-2009

المركز

أماني أم أهداف
.. ارجو ان يكشف هذا الواقع – دون التجنى عليه – حقيقة مفادها بأن هذا المجتمع بعد هذا التدمير الهائل وعدم الاستقرار والتنمية المصاحب له خلال الخمسة عقود الماضية (منذ قيام الثورة في 1961م) أثرت في مفاصل بنيته الاقتصادية والتعليمية (خمس عقود لا وجود لرجل أعمال كبير أو مشروع اقتصادي أو تجاري مقدر تابع لابناء هذا المجتمع، نصف قرن وعدد من يحملون شهادة الدكتوراة لا يتعدون عدد اصابع اليد الواحدة – اذا استثنينا الدراسات الاسلامية-)

هذا التدهور المفزع للبنية التحتية يقدم الينا تقريراً مفاده : إن مجتمعنا في موضع يحتاج فيه الى المساعدة والإتيان اليه بادوات النهوض – التنمية الأفقية والرأسية – وليس في موضع يقدم فيه المزيد أو يخوض فيه معارك على أسس تكتلات وشائجية “دينية،اجتماعية”.عليه، إن اي عمل اتكأ في السابق (بعد 1981م) أو يحاول ان يتكيء في الحاضر والمستقبل ويطلب تقديم المساعدة والسند والدعم العيني من هذا المجتمع مآله الفشل المحتوم. هذه المقاربة تستدعي التعاطي مع استراتيجية تستلهم من حقائق الواقع وتُلزم بمحددات الهامش السياسي وتكبير زاوية الرؤية لكافة الخيارات والرهانات الممكنة. هذه الاستراتجية تجبر النخبة السياسية وترغمها في تبني خطاباً سياسياً يدرك فن الممكن ويكون نقيضاً للصراع الكُتلي الوشائجي- سواء وشيجة دينية أو اقليمية أو قومية أو قبلية – وينأى عن وضع مجتمعنا في مقابل أي فئة أو مجموعة طائفية أو كتلة قومية. كما تُرغم النخبة السياسية للاعتماد والاستناد على الفعاليات السياسية الوطنية الارترية كافة كبديل من أجل خلق تيار سياسي وطني يحمل آمال واهداف الشعب الارتري بجميع فئاته وقادر على مخاطبة مفاصل المشكلات الوطنية. هذا الرهان المتمثل في ايجاد ارادة سياسية مشتركة تعبر عن خط وطني سياسي عام هو الرهان اليتيم الذي يتسق مع الامكانات والقدرات وكذلك يمهد الى بلوغ آمال وتطلعات أبناء الشعب الأرتري. ادراك وفهم التحولات التي طرأت على الواقع الاجتماعي خلال ال 50 عاماً الماضية وآثارها على وتيرة العمل ا لسياسي وتبني الخيارات الصحيحة يعيقها جملة من العوائق:-1 – خيمة العزاء والخطاب البكائي: حيث اصبح السياسي والمثقف الجامد كمن يطلق عليها باللغة الامهرية “أسلقاش” وهي المرأة التي تستأجر يوم العزاء لابكاء الناس وتهييج مشاعرهم . يبدأ مجلسه “خيمته-مقاله” بهذا الشحن النفسي والعاطفي ويعدد المآسي والمرارات التي سببها “الآخر” وفي خضم هذا الشحن الحزني والبكائي الهائج يطرح تصوره للحلول وهي بكل تأكيد عبارة عن ردود فعل ومشاعر انتقامية لا تمت الى السياسة ومتطلباتها من الروية والرؤية والحكمة والرشد بأي صلة. ذكرت في الحلقة الثانية ان الصور مؤلمة، والمرارات متراكمة، والمظالم مشهودة، وجميعها معطيات وشواهد وليس ابداعاً تتفنن الأقلام في اشكالها وانواعها.المآسي هي مدخلات ومعطيات تحفزنا للنضال والعطاء من اجل شعبنا وستقراره ونمائه ومن اجل البحث عن افضل الحلول للعيش الكريم في وطنه. لكن ان تتخذ مسكنات نفسية ومهدئات “حسينية” ويتحول السياسي والمثقف الى أسلقاش فهذه توكيدات ودلائل اضافية بليغة لمقدار العجز وفقدان المقدرة فتتحول الى حالة فانتازيا ترويحية.2 – ليس خيمة العزاء وحدها تديم فاعلية الخطاب السياسي العقيم ولكن هنالك مشروعية اضافية تتمثل في عملية التبشير والتخدير: الآن بدأنا العمل الجاد …المرحلة مختلفة تماماً…نعلم ما لا تعلمون من الاسرار الخطيرة… راجعنا كل الاخفاقات وعرفنا ما لنا وما علينا… انتظروا المفاجآءات العظيمة..الخ. هذا الخطاب التبشيري التخديري يرفض دائماً التقييم والمراجعة للحيولة دون كشف الاخفاقات المزمنة. 3- اللاواقعية السياسية والخطاب الرغبوي “النيّاتي” الذي يقفز فوق كل الحقائق ويجعل من “الأمنية هدفاً”.الأمنية لا علاقة لها بالواقع وبالممارسة بينما الهدف عكسها هو عبارة عن مجموعة وسائل عملية كما يقول بوبر “الهدف مجموع وسائله”. هذه اللاواقعية السياسية خلقت ]تصوّر[ نسقي خاطيء يتصرف كمن يمتلك مجتمع متشكّل جاهز ووحدات عسكرية تحاصر العاصمة. خطاب متعالي ومتسامق على الواقع الموضوعي، مشكلته الاساسية هي النظرة الواقعية والموضوعية. قال لي أحدهم: إن سدري تعمل على انقاذ النظام الارتري، فسألته ممن تنقذه ؟؟. لا يتقيّد بالممكن ويستسهل التهم الجزاف – الخيانة والعمالة – لمجرد ان تطرح تغيير النظام ولا يقبل بأقل من اسقاط النظام في الوقت الذي لا يملك حتى تأمين حماية لشخصيه من الاغتيالات والاعتقالات التي تطاله ولو كان في داخل وسطه الجغرافي والإجتماعي!!… أليس منكم رجل رشيد ؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى