في قهوة عزيزة “بشفردس بوش ” . بقلم/ سلمى التجاني ــ لندن
15-Dec-2016
عدوليس ـ ملبورن
المرة الأُولى التي رأيت فيها قهوة عزيزة كانت قبل سنوات ، كنت ابحث عن متكأ ألوذ به من زحمة المكان بعد جولة طويلة في سوق “شفردس بوش” بلندن ، شعرت بالإلفة وانا انظر للسيدة التي تقف خلف المنضدة ، قابلتني بابتسامةٍ دافئة وهي ترد التحية ، سألتها حتى تكتمل إلفتي ، سودانية ؟ فردت مبتسمة بفخار وهي تعدل من طرحتها التي تلفها حول رأسها : إريترية .منذ ذلك اليوم أصبحتُ زبونة دائمة بقهوة عزيزة ، أغيب بالشهور فتستقبلني بذات الحفاوة ، نتقالد ونتبادل السؤال عن الاهل والولد ، وبخور اللبان ورائحة القهوة والإلفة تضوِّح المكان .
قبل أسبوعين ، وكعادتي ، كانت القهوة محطتي الأخيرة ، والقهوة عبارة عن غرفة واسعة ، نصفها تستخدمه عزيزة كمطبخ ، وتنثر في نصفه الآخر مناضد للزبائن ، مع مناضد اخرى في مدخل القهوة . سالمتها وهممت ان اخرج لأجلس بالخارج ، فقد كان هناك شيخٌ اظنه في عقده السابع ، يستغل احد المقاعد بالداخل ، ويدير حديثاً يبدو انه مهماً ، كانت عزيزة تجلس معه وتستمع اليه باستغراق ، أصرّت عليّ بان اشاركهم المجلس ، عرفتني عليه ، ده عّم محمد ، حياني بلغة التقرايت فصححته عزيزة ضاحكة ، سلمى دي سودانية يا عّم محمد. ، وكأنها بتلك الكلمة قد لامست مكاناً عزيزا في قلبه . حكى لي عن السودان ايام زمان ، وعن الحياة كيف كانت بالخرطوم ، وعن الشوارع والناس ، وكيف كانت ستينات القرن الماضي بالخرطوم وكسلا . ثم انضم برهان الى مجلسنا ، فأصبحنا أهلٌ يتآنسون في جلسة قهوة إريترية بالخرطوم ، او سودانية باسمرا .
وجه عّم محمد حديثه لمضيفتنا متحدثا بلغة التقراي ، سمعت اسم احمد سويرا ، عزيتهم ، سألني هل تعرفين سويرا ، أجبته ان صديقي عبد المنعم ابو ادريس قد كتب على صفحته في الفيسبوك كلماتٍ وضيئة في وداع سويرا ، سألني بلهفة وتهذيب عُرِف به اهلنا الإريتريين ، هل يمكنك قراءتها لي . اخرجت هاتفي وبحثت عن صفحة ابو ادريس ، قرأت له عن سويرا فارس جبهة التحرير الأريترية ، وعن إيمانه بوحدة شعبي ارتريا والسودان وأيام نضاله واعتقاله في السودان ، وعن رفيقه عبده دهب الذي اعتصم امام مركز الشرطة احتجاجاً على اعتقال رفيقه .
انتهت كلمات ابو ادريس النضرات ، رفعت عينيّ من الهاتف لأجد عّم محمد يبكي ، قال لي ان سويرا ناضل من اجل اريتريا لكنه أحب الخرطوم عاش ومات فيها ، كانت دموع شيخ إرتري أحب السودان ، بل هو عّم محمد السوداني الذي أنجبته الشقيقة اريتريا .
خرجت من القهوة تملؤني مشاعر شتى ، فرحتُ بعودتي للسودان عبر جلسة ونسة بقهوة عزيزة ، وفرحت بأواصر المحبة والتاريخ والوجدان المشترك التي تجمعنا بقوم عزيزة .
وفرحت لأنني سودانية أحب اريتريا وشعبها كل هذا الحب.