حجي جابر: أنتقم من خيباتي بالكتابة عن الوطن !. بقلم/ حنان عقيل
22-Feb-2017
عدوليس ـ نقلا عن العرب اللندنية
الكتابة عن رقعة جغرافية محدودة ومجهولة لدى الأغلبية العظمى مغامرة قد لا تؤتي ثمارها، خاصة إن افتقد الكاتب الحرفية الفنية في تصوير المكان وفي مد تلك الرقعة الجغرافية على اتساعات تهُمّ كل قارئ أينما وجد، أن يتسع همه الإنساني شديد الخصوصية إلى أن يصبح همًا مشتركًا بما لديه من أدوات. “العرب” حاورت الكاتب الإريتري حجي جابر عن أعماله الروائية التي استقى شخوصها وأحداثها من موطنه “إريتريا”.حجي جابر روائي وصحفي إريتري. إبان القصف الأثيوبي لإريتريا انتقل إلى مدينة جدة السعودية، عمل مراسلًا صحافيًا، وفي عام 2012 أصدر رواية “سمراويت” عن المركز الثقافي العربي، والتي نالت جائزة الشارقة للإبداع العربي لنفس العام. ثم أصدر في العام التالي رواية “مرسى فاطمة”، وفي عام 2015 صدرت روايته الأخيرة “لعبة المغزل” والتي وصلت للقائمة الطويلة في جائزة الشيح زايد العام الماضي.
ينطلق جابر في مشروعه الروائي، الذي أسسه عبر ثلاث روايات حتى الآن، من وطنه “إريتريا”، ويلفت جابر إلى أنه يكتب مهجوساً بفكرة الإضاءة على إريتريا، الناس والأشياء والشجر وحجارة الطريق. مستطردًا “هذا هو مشروعي الذي اخترته من البداية ولا أزال أسير على دربه، صحيح أن الأفكار تتنوّع وطريقة الاشتغال مختلفة في كل مرة غير أنّ الوجهة واحدة. إذن أنا أكتب إريتريا التي أعرف وتلك التي أجهلها.
أكتب حبي لها وكرهي. أكتب ما جرى ويجري وما أظنه سوف يجري، أكتب كذلك ما أعرف تماماً أنه لن يأتي على الإطلاق. أمّا لماذا فهذا أمر تصعب الإجابة عنه، أحياناً أشعر أني بذلك أتعرّف على نفسي، على وطني. أو أنّ ثمة خيبات شخصية وأخرى عامة أحاول الانتقام منها”. ويتابع “لا أعتقد أني سأغادر هذا النهج لأنه مشروع ودرب طويل، لكني مع الوقت سأحاول زيادة مساحة التنويع، على مستوى الجغرافيا، وحتى الحكايات”.
أرضية ممتدة
في روايته الأخيرة “لعبة المغزل”، يتحدث جابر عن تزييف الوقائع والتاريخ لخدمة أصحاب المصالح من الأقوياء، وهنا نسأله عن مدى تعمده أن تكون الرواية معبرة ليس فقط عن إريتريا ولكن كرمز عام لنهج النظم الدكتاتورية أينما كانت؛ فيقول “حين أكتب أضع في بالي إريتريا أولاً، وألا يشعر القارئ العربي أنه مخنوق في مساحة ضيقة جغرافيا ووجدانياً.
تزييف الوقائع والتاريخ.
أحاول على الدوام أن أكتب على أرضية ممتدة تستوعب المشتركات بين إريتريا وبقية العالم، لذلك إذا جرّبنا أن ننقل تفاصيل لعبة المغزل إلى أيّ بقعة جغرافية أخرى لن نشعر بالاغتراب. ثم إن ملامح الاستبداد واحدة مهما تبدّلتْ الأسماء. إريتريا تعيش فصلاً من السوداوية مرّت وتمرّ به دول أخرى، لكن يبقى الاختلاف إلى متى سيظل هذا الوضع على حاله”.
الطريقة التي يعتمد عليها جابر في تصديره لفصول أعماله الروائية تبدو مختلفة بشكل ما؛ في روايته “سمراويت” تتصدر أبيات شعرية بدايات الفصول، وفي “لعبة المغزل” تتصدر كلمة “الشريط”، وهنا يوضح جابر أن الضرورات الفنية تستصحبها احتياجات النص ومآلاته المنشودة. فكل نصّ عنده يأتي بضروراته ولا يتعمّد إقحامها. في “سمراويت” على سبيل المثال كان من المهم أن يعمّق حالة التداخل في شخصية بطل النص بين إريتريا والسعودية، عبر اختيار نصوص لشاعر إريتري تتصدر مشاهد السعودية، ونصوص شاعر سعودي لمشاهد إريتريا. أما “لعبة المغزل” فالأشرطة كانت عمود الحيلة الفقري، وهي وسيلة الإيهام التي اعتمدها كي يوجّه القارئ في اتجاه ليفاجأ في نهاية النص باتجاه آخر أخذته إليه الحكاية.
البعد المعرفي سواء المرتبط بالجغرافيا أو التاريخ يتجلى واضحًا في أعمال حجي جابر، يتحدث عن حجم الجهد البحثي الذي يبذله قبل كتابة الرواية قائلًا “يبدو ذلك لي مهماً، فإريتريا القابعة فقط على الضفة الأخرى للبحر الأحمر يجهلها كثيرون، ولهذا يصعب الحديث عنها كالمعلوم من الجغرافيا والتأريخ بالضرورة مع ما يشكّله ذلك من ورطة حشو الرواية بالمعلومات، وهو فخ أحاول على الدوام تجنبه. أنا أكتب عن إريتريا من الخارج وهذا يتطلّب جهداً بحثياً كبيراً ولهذا على سبيل المثال، فقد استمعتُ لشهادات كثيرة لضحايا ومجندين سابقين واستعنتُ بخبراء كي أكتب نصّا مثل ‘مرسى فاطمة’ يحضر فيه المكان كشخصية رئيسية. ربما تكون الصحافة ساعدتني كثيراً في تمليكي أدوات البحث والاستقصاء”.
يرى جابر أن “الأدب الصادق فعلاً هو الذي يكتب فيه الإنسان عمّا يعرف، عن همومه وانشغالاته وأسئلته، أن ينطلق من ذاته إلى العالم، سواء كان ذلك محلياً أو عابراً للقارات”. متابعًا “ثمة ميزة تتيحها لي الكتابة عن إريتريا، وهي حالة الفضول التي تعتري القارئ العربي لمطالعة أدب جديد، وهنا أشعر أن المحلية في صالحي. من جهة أخرى لا أعتقد أن المحلية ستشكّل عائقاً في وصول العمل إلى الأقطار العربية متى ما كتبت بطريقة جيدة، فأنا على سبيل المثال في ‘سمراويت’ و’مرسى فاطمة’ كتبت نصوصاً بلغة ‘التجري’ وهي اللغة التي أتحدثها في إريتريا، سواء على شكل أغان أو حوارات وتركت للسياق أن يشرحها دون أن أستعين بالهوامش، ولم يصلني أن تلك الكلمات كانت عائقاً لفهم النص أو ظلّت غريبة فيه”.
أول أفريقيا وآخر العرب.
وعن مساحات الحرية المتاحة له في كتاباته يقول “في عملي الأول كتبت دون قيود، وهذا أمر يحدث عادة في البداية حين نكتب دون توقعات ودون قارئ مفترض. بعد ذلك كثرت الرؤوس المتطفّلة على نصوصي، قارئ معجب بأعمالي، وآخر يكرهها، وثالث يترقّب.. إلى آخر الانطباعات التي يسمعها المرء في أعقاب كل كتاب. أحاول على الدوام أن أجعل تلك الرؤوس قريبة لكن ليس إلى الحد الذي يجعلها تتدّخل في سير الأحداث. أحاول أن أكتب ما أريد، أحيانا أضع سطراً أعرف مدى جرأته لكني مع ذلك أتركه للحظة المراجعة النهائية، وغالباً ما يمرّ لأن تكرار قراءته يشعرني بألفة معه يصعب عليّ بعدها حذفه وكأنه لم يكن”.
احترام القارئ:
عن مدى تفكيره في القارئ أثناء الكتابة يوضح جابر “أحاول دائماً إقناع نفسي أني أكتب لها فقط، صحيح أني أجاهر بخوفي من القارئ، باحترامه، لكنّ ذلك لا يعني أن أترك له تسيير دفة الأحداث. هناك من يحبّ شيئاً في عمل لي، فأشعر بالضغط من ذلك الحب لكني أقاوم تكرار الفكرة أو الطريقة التي أحبّها. أنا مع التجديد في نصوصي والتنويع في طريقة كتابتي، وأعتقد أن من يريد تكرار شيء وجده في أحد النصوص عليه أن يقرأ النص ذاته مرة أخرى عوض أن يجد ذلك مكرراً في نص جديد”.
ويرى جابر أن الوضع الأدبي في إريتريا مرَّ بمرحلتين، الأولى كانت مواكبة لفترة الثورة والتحرر من الاستعمار والاحتلال، وهي نصوص مقاومة وتمجيد وتخيّل للدولة الحلم، أما المرحلة الثانية والتي تعيشها البلاد الآن فهي مرحلة التعبير عن خيبة الأمل من الدولة التي جاءت بمقاسات ضيقة لا تسع إلا الطائفة والمنتفعين من الاستبداد. للأدب الإريتري خصوصيته الثقافية كون إريتريا أول أفريقيا وآخر العروبة وهذا مصدر ثراء كبير، لكن مشكلته أنه أدب منفى حيث يكتب معظم الإريتريين من الخارج بينما لا يجد من في الداخل فرصة الكتابة الحرة. مؤخراً ظهرت كتابات جديدة واعدة، والأدب الإريتري موعود بطاقات أكبر وانفتاح على التجارب العربية المحيطة.
كاتبة من مصر