“عدوليس” تقلب في دفاتر ذكريات المحارب القديم صالح جمجام (2)
17-Nov-2018
عدوليس ـ ملبورن
المقدمة : (1)بينما كان البص العتيق ماركة الفيات الإيطالية الشهيرة يشق الطريق الغير معبد بين مدينتي كرن وتسني مرورا بأغوردات ،كان الشاب الرياضي الخارج للتو من معتقل مركز الشرطة يلتهب ذهنه بالحياة الجديدة التي تنتظره دون سابق تخطيط وتدبير.هو ورفيقه لايملكان تصور محدد لما ينتظره في مدينة كسلا السودانية سوى حكايات متفرقة وغامضة عن الثوار والنضال وشخصيات كرنية كانت قد ذهبت هنالك ولا يعرفان مصائرها.أعوام البدايات والتكوين وخوض التجارب الأولى للثورة الإريترية وأوج قوة الإمبراطور هيلي سلاسي وعلاقته القوية بالحكام والجنرلات بالسودان .
يسرد المناضل المخضرم صالح إبراهيم جمجام ويقول:
” وصلنا مدينة كسلا وكانت أخبار ما حدث في كرن تسبقنا إلا ان الوضع العام لم يستقبلنا بترحاب كما كنا نتوقع ، فقد كان عهد الجنرال عبود والذي أسقطته ثورة أكتوبر 1964م.
المداهمات الليلية وزوار الفجر.. إختفاء الثوار الإريترين من المقاهي وإغلاق قسري لمكتب الجبهة الغير رسمي بحي الثورة والخوف المسيطر كانت السمة العامة للوجود الإريتري في المدينة، ونحن لانعرف أزقة المدينة ودروبها.
تفتق ذهن مستضيفنا بفكرة السفر لبلدة ” أروما ” القريبة من مدينة كسلا للإختباء هناك حنتى تنجلى الأزمة، وكان ذلك بعد ان زودنا بمعلومات عن بمن نلتقى والذي سيتدبر أمرنا في البلدة الهادئة التي تقع بالقرب من الطريق الذي يربط مدينة كسلا بميناء يبورتسودان.
دون بحث وعناء إلتقينا برئيس فرح جبهة التحرير بأروما المناضل المدني محمد حقوص وكان حينها يعمل ترزيا في السوق وكذلك الأخ إبراهيم حسن ليمان الذي كان يعمل ممرضا بامستشفى وأسس ودرب أول خلية للجهاز الصحي في منزلة ياسين الذي كان يعمل سائقا لإسعاف المستشفى بالبلدة.
تم إستضافتنا في منزل مستأجر لإيواء المناضلين ممن يتلقون التدريب الصحى على يد الأخ إبراهيم ليمان متعه الله بالصحة والعافية.
كانت الوقت صيفا غائظا وحار مع موجات الغبار التي تشتهر بها البلدة وكل المنطقة وكانا نستغرب في كثبات الرمال التي ترتفع تجلبها الرياح الخماسينية.
البلدة الصغيرة الدافئة رغم حرارتها التي لم نحتمل ونحن القادمين من كرن كان بها عدد من الأسر الصغير وأتذكر هنا أسرة الشهيد حسين وشقيقه أحمد دافر.
بعد ضيافة لفترة شهرين من وجودنا بالبلدة الآمنه، تم طرح الكثير من الخيارات علينا وكانوا راغبين ان نواصل دراستنا بالخارج إلا ان زميلي كان له شقيقة في مدينة بورتسودان، وأخترت ان أذهب معه ورافقنا الأخ ياسين إلى هناك.
في بوتسودان نزلت ضيفا بمنزل كان يستأجره الأخ محمد علي أدالة مع أخوين ،ينتميان سياسيا لحركة تحرير إريتريا، وجرت محاولات لتجنيدي وضمي للحركة إلا ان ذلك لم يكتب له النجاح ، ومضيفي الأخ أداله كان عضوا بجبهة التحرير الإريترية.
بورتسودان حينها كانت تعج بالحركة والنشاط الثوري وتنافس وإستقطاب حادة على مستوى الشارع بين جبهة التحرير وحركة التحرير ، ومدينة بورتسودان كان المركز الذي إنطلقت منه الحركة بقيادة الزعيم محمد سعيد ناود.
ولأنني كنت معروفا كلاعب كرة قدم تم إستقطابي كلاعب في فريق حي العرب الشهير حتى الآن.نتوقف هنا ونسرد قصة الرياضي صالح جمجام.
( 2) قصة كرة القدم واللعب في ( 11) خانة:
كانت مدينة كرن تعج بالنشاط الرياضي بجانب النشاطات الأخرى، والساحرة المستديرة كانت معشوقة الجماهير في تلك المدينة التي تنام بين عدد من التلال العالية بطقسها المعتدل.
كانت خمسينات القرن الماضي بداية لتبلور سمات المدن الإريترية والتي لم يكتب لها الإستمرار بشكل طبيعي.
وسط هذا الجو العام ترعرع الشاب القوي البنية والكثير الحركة والنشاط ، وقد لعب كرة القدم دورا كبيرا في بلورة شخصيته العامة جسمانيا وروحيا وأكسبته قدرة على التحمل وإحتمال الآخر.ككل أبناء جيلة لعب مع أقرنه في الحواري ليتم ضمه لاحقا لفريق الساحل الكرني وهومن فرق الدرجة الأولى حسب تصنيف المحلي ، ثم إنتقل فريق عنسبا ولينتقل بعد ذلك لفريق البحر الأحمر بالعاصمة أسمرا.
يسرد قصة جمجام قصة إنتقاله للعاصمة أسمرا:
” فريق البحر الأحمر كان من فرق الدرجة الأولى وكان من المنافسين الكبار لفريق حماسين وأكلوي قراي الأسمراويين ، هذا الفريق كان يبحث عن حارس للمرمى وفي رحلة بحثه تحدث مع الأستاذ نقاش خليفة آدم وكان معلما بالمرحلة الإبتدائية ، وكان رحمه الله من الذين يتابعون مسيرتي الرياضية ومن الدافعين وقد رشحني لهم.
هنا أحب ان أذكر للقاريء الكريم موقف والدي رحمه الله من نشاطي الرياضي. فقد كان الوالد غير راغب في هذا النشاط خاصة عندما تنتهي المباريات بشغف بالميدان وتتناقله المجالس
. وفي يوم ما قرر ان يشاهد مبارة كان فريقي طرفا فيها ، وعندما شاهد حماس الجمهور وهتافهم لي أقتنع عمليا بقدراتي ومنحني ( 5 ) بر إثيوبي وكان مبالغا كبيرا آنذاك.
ذهبت لأسمرا بمفردي ومن محاسن الصدف انني كنت إرتدي بنطال أبيض وفلينة حمراء اللون ..وذات اللونين هما شعارفريق عنسبا وكان ذلك شعار فريق البحر الأحمر وهذا ما لفت نظر إدارة الفريق الذي كانت بإنتظاري وأذكر منهم المرحوم عثمان جمع، وقد لعبت حوالي موسمين1962 ــ 1963م.
والأجواء الرياضية العامة في أسمرا كانت ليست بعيده عن الأجواء العامة السياسية وكانت الخيال الشعبي يصنف تلك الفرق ويدمغها بالإنتماء السياسي ، كما ان كل قادم من مدن المنخفضات هو من جبهة التحرير ، وأذكر ان فريق ( إستيلا) أو النجمة الأسمراوي وهو من فرق الدرجة الثانية وكان يغلب عليه أبناء قومية الجبرته ومعظم إدارته ولعيبته من الملتزمين بحركة تحرير إريتريا كان له زيارة ودية لمدينة كرن وأتفقنا مع إدارته لتسريب منشورات خاصة بالجبهة عن طريق الفريق عند إيابة ، وقد تم إدخال المنشورات في وسط “قفاف” لثمار الجوافة التي تشتهر بزراعتها المدينة.
في بورتسودان لعبت فترة مع حي العرب بورتسودان والدعاية سبقتني مما دفع بأعداد جديدة لمشجعي الفريق من أهالينا بالمدينة ، ومن خلال الفريق وجدت عمل بالميناء ، كما خضت مباريات مع الفريق الرياضية بمدينة كسلا حيث لعبت كحارس مرمى بفريق الأهلي كحارس للمرمى.
يتبع …الرحلة للقاهرةسيرا على الأقدام في أرض النوبةالمصريين …مدينة البعوث بالقاهرة ..ودفتر أحوال القاهرة في سنوات الستينات .. إلخ.