مقالات

حين أوجعتني “دهب فايتنجا ” ! بقلم / محمود أبوبكر

9-Apr-2019

عدوليس

لسبب ما ظلت “دهب فاتينجا” تحتل مساحات واسعة من قلبي وذاكرتي، ذلك منذ طفولتي، وحتى الان، في البدء لم أكن افهم أي مفردة مما كانت تغنيه، ولم يكن وعي -حينها – يستوعب أن الموسيقى لغة في حد ذاتها، لكن لم انشغل لحظة لفك شفرة اللغة بيني وبين “دهب” .. كنت أحبها بغموضها، صخبها، رقصاتها، حيويتها، وحتى جنونها .. كانت نموذجا للفنان المبهج بالنسبة لي .. لاحقا لاحظت أنها بدأت تغني بالتجرنية، لكن لسبب ما لم أتبين مفرداتها، (كلمات الأغاني ) ربما لكونها تمتلك لكنة خاصة، أو ربما كنت أريد أن احتفظ بغموضها، أن احتفظ على مسافة بيني وبين الكلمات وأغوص في ألحانها/ إيقاعاتها وصخبها ..!

أذكر ذات مرة قلت للراحل الكبير أبراهام أفورقي، أنني أحببت تنويعاته في اغنية “أرينا” بالذات الفقرة التي تؤديها دهب بالكوناما، فأندهش وقال لي ربما تعني الإيقاع لأن “دهب” أدت الكوبليه بالتجرنية وليس بالكوناما. !
و في ذات مؤتمر صاخب التقيت بالدكتور أليكساندر ناتي (عميد كلية اللسانيات السابق بجامعة اسمرا) وقلت له بمنتهى الفرح، أنني أحببت لغة وتراث الكوناما من خلال “دهب فايتنجا” فقرأت في عينيه الكثير من الامتعاض، وعندما أصررت على معرفة رأيه حول أغانيها، كانت إجابته صريحة، خدشت بعضاً من ذاكرتي، لكن سرعان ما أستدرك بالقول : لكن يكفي أنها بعثت ثرات كامل كاد أن يندثر “، فعادت الطمئنينة الى قلبي، وسرد لي تواريخ ملهمة عن تراث وأساطير الكوناما، دون أن ينتقص كثيرا من جهد دهب.
لاحقا أصبحت مدمنا ومدققا لكلمات اغان دهب المؤاداة بالتجرنية، فوجدت اختياراتها قمة في الجمال والإمتاع .. ثاقبة ومترعة بالتجديد.
ما دعاني للكتابة حول “دهب” الان، هما أغنيتان عدت إليهما صباح هذا اليوم، الأولى بعنوان : اماجوا” بلغة االكوناما، حيث اعتمدت فيها على إيقاع بديع، و آلالات تقليدية، وأداء صوتي سلس ومنداح بيسر، وهي اغنية منفذة كـ أكوستيك، تنساب إليك بمنتهى السلاسة.
اما الأغنية فهي تحمل عنوان هو عبارة عن اهداء للشهداء (to those who passed away )تبدأ بموال (استخبار وقرار ) تؤديه بلغة الكوناما، ثم يتحول الإيقاع نحو الـ slow guaila لتؤدي بقية الاغنية بالتجرنية، وفي مفارقة غريبة – قد تكون مصادفة- تطابق تماما عنوان المجموعة القصصية للروائي الجزائري العظيم الطاهر وطار ( الشهداء يعودون هذا الاسبوع )!
نجدونا نجدونا سمآتات
نجدونا وللا حنتي قني
(عودوا لنا .. عودوا لنا يا شهداء
حتى ولو لأسبوع )
ولسبب ما، أصبحت اليوم – دون كل الأيام – أتمنى لو أتمكن من فك شفرة اللغة بيني وبين كلمات فايتنجا .. بدوت مع اهتمامي المستحدث لفهم معنى الكلمات، كالأطرش الذي يتمنى ان يحظى بنعمة السمع ولو للحظة .!
هل من مترجم .. بل هل من معلم للغة الكوناما .. كم جميل أن تحب لغة / شعب / تراث لأجل عيون أغنية ! بجانب أسباب أخرى كثيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى