أمن البحر الأحمر وأحداث الشرق و”الكشات” ! بقلم / عبد الجليل سليمان
21-Dec-2019
عدوليس ( رصد)نقلا عن صفحته بالفيسبوم
لا توجد في بلادنا مراكز أكاديمية أو مخابراتية للدراسات الاستراتيجية المعمقة والفعالة، دعك عن مجمعات لإنتاج الفكر أو بيوت خبرة (Think tank)، لذلك دائماً ما نجد أنفسنا في موقع (المحتار/ المدهوش/ المندهش) كلما استجدت أحداث على الساحة السياسية الاجتماعية الداخلية، دعك عن الخارجية.
قليلون منا، من يفهمون العلاقة المتشابكة والمتداخلة في الجغرافيا السياسية والديمغرافية بين شعوب المنطقة، وجل هؤلاء بعيدون – بفعل فاعلين – عن مراكز صنع القرارات أو مراكز إحاطة صانعيها بالمعلومات الدقيقة والتفصيلية التي تساعدهم في فهم ما يجري واتخاذ القرارات المناسبة إزاءه.الشاهد، وبينما تتصارع أطراف الحكومة الراهنة في تسكين منسوبيها ومحسوبيها في وظائف ذات صبغة أكاديمية مدنية؛ لا يجوز عرفاً وقانوناً تسميِّة من يشغلونها بقرار سياسي؛ وإنما عن طريق المنافسة وفق شروط الخدمة العامة (المدنية) المعمول بها، تتفجر الأوضاع في البحر الأحمر و(شرق السودان) رويداً رويدا، مرةً في القضارف وخشم القربة ثم بورتسودان (محور الأحداث والصراع) ثم كسلا بشرر أصغر – ستشتعل منه معظم النار لاحقاً.
حكومات المركز النيلي القابض والمهيمن منذ الاستقلال ونخبها الأكاديمية والأمنية (لا تفقه شيئاً) وإن ادعت المعرفة بما يجري في أطراف البلاد، بل لا تعير ما يجري اهتماماً ولا تتحرك بالسرعة اللازمة لاحتواء الأزمات إلا بعد ضغط شعبي وإعلامي، وكأن ميناء بورتسودان ليس لديه أهمية طالما هو بعيد عن المركز.
لا أعرف سودانياً واحداً متخصصاً في أمن البحر الأحمر، ومن يحملون هذه الصفة، إما قلة من أكاديميين بلهاء يعتقدون إن ما استخرجوه في رسائلهم للماجستير والدكتوراة من المراجع الأجنبية التي تعود للحقب الاستعمارية هو عين الحقيقة ولبها، أو حفنة من (أمنيين) أغبياء يعتقدون إنّ الحل دوماً في (البل) بالقوة القهرية، غير ذلك لا صحافة تهتم ولا حكومة قلبها على الوطن.
في مصر والسعودية وارتيريا وجيبوتي واليمن والأردن، مراكز متخصصة لدراسات البحر الأحمر وأمنه ينشط فيها أكاديميون وأمنيون ومخططون استراتيجيون وإعلاميون متخصصون، يعرفون الكثير مما لا نعرفه عن جغرافيا المنطقة وديمغرافيتها، يقدمون الدراسات والبحوث والنصح لصانعي القرار في بلدانهم، أما نحن فلا ندري ونعتقد أننا ندري والحصيلة صفر كبير يتراقص أمام أعيننا الآن.
ما كان في هذا الصدد، أن تتراخى الحكومة في مسألة تتعلق بمنفذها البحري الوحيد على العالم الخارجي، وتترك الأمر بيد العرقيات والإدارات الأهلية الجاهلة والمرتبطة بمصالح شخصية وآنية (سياسية واقتصادية) تخصها وحدها، ولايهمها في سبيل الحصول عليها اشعال الحريق، ثم ما كان للشرطة لاحقا – أن تتعامل – مع الامتدادات الديمغرافية للكتلة السكانية في شرق البلاد – من الأثيوبيين والإرتريين – اللاجئين او المهاجرين – بكل هذا القسوة والشر المستطير، فبين هؤلاء من سيأتي يوما ما في موقع كبير وحساس في بلاده وبين جوانحه غبن شخصي تجاهنا، وما الذي يمنع الشرطة من تنفيذ القانون دونما إهانة وضرب وركل واستحقار، ما الذي يجعلها تهين كرامة الشعوب الملتجئة إلينا وتمسح بها الأرض فقط لأنها بعضا منها خالف قوانين الإقامة.
هذا لا يحدث في أي دولة، فمن يخالف قانون الإقامة يؤخذ إلى برفق إلى القضاء ويتم البت في حالته.هؤلاء الذين تهان كرامتهم، بشر، يحبوننا أكثر ممن ندعي إننا منهم، هؤلاء لنا معهم مصالح مشتركة واستراتيجية وامتدادات سكانية أزلية وقائمة، لن يرحلوا هم ولن نرحل نحن، فعوضاً عن هذا الغثاء العنصري البغيض علينا التعامل معهم باحترام وأدب مع إعمال القوانين في حق المخالفين منهم، لكن أن نأخذهم جميعاً بهذه الطريقة المهينة والمذلة، فإن هذا ما سيجعلنا نعض أصابع الندم يوماً ما، ليس ببعيد. تذكروا نصحي هذا يا حكومة حمدوك والذين معه.