تساؤلات حول الديمقراطية المجتمع والدولة بقلم/ فتحي عثمان
23-Dec-2014
عدوليس ـ ملبورن ـ
أثارت التساؤلات التي طرحتها الزميلة آمال علي في صفحات عدوليس الرغبة في المشاركة في إثراء هذا الجدل الحيوي، بصورة خاصة في الفترة الراهنة. وحتى أوفر على القراءة مشقة تكرار أفكار الزميلة آمال ألج مباشرة الموضوع حتى أتيح فرصة أكبر لأفكار آخري حول نفس المسألة.أتفق مع الزميلة آمال بأن تنظيم الجبهة الشعبية كان تنظيما انفراديا أقصى تنظيما آخر وفرض هيمنته على الساحة الارترية منذ مطلع الثمانينات حتى الاستقلال. اعتمدت الجبهة الشعبية على شرعية ثورية ارتكزت على فوهة البندقية، وحسب ظنها أنها جسدت آمال الشعب
الارتري في الانعتاق والتحرر، والحقيقة هي أن الشعب الارتري عضد هذه الشرعية الثورية حتى مشارف الاستقلال. وربما نتفق أيضا بأن تنظيم الجبهة الشعبية ببنيته العسكرية الصارمة لم يكن تنظيما سياسيا بنفس المقدار، لأنه خلال تاريخه النضالي لم يفرز مؤسسات سياسية أو نخبة سياسية أو حتى فعالية سياسية عبر المشاركة، حيث انعدمت فيه فرص المشاركة السياسية. بعد الاستفتاء، والذي أصرت الجبهة الشعبية على تنظيمه من أجل اسباغ شرعية قانونية على الاستقلال الفعلي، كانت تضمن بأن الاستفتاء يتضمن أضافة إلى شرعية الحكم المقبل، شرعية الجبهة الشعبية نفسها. وكانت عملية الاقتراع الشعبي على الاستقلال هي ايضا علمية اقتراع ضمنية على شرعية الجبهة الشعبية السياسية. أعلنت الجبهة الشعبية بأنها لا تقبل المشاركة السياسية من قبل الآخرين إلا اذا كانوا أفرادا لا يمثلون أي تنظيم سياسي بعينه. هنا ختمت الجبهة الشعبية بالشمع الأحمر على مفهوم المشاركة والذي يتضمن بشكل آخر مفهوم الديمقراطية الاعم. أسست الشعبية الدولة بمراسيم وأظهرت إلى العلن حكومتها والتي اعتبرت المظهر العام لتجسد الدولة، وأصبح الجيش الشعبي هو جيش الوطني واجهزة الجبهة الشعبية هي نواة الخدمة المدنية وأمن الثورة هو جهاز الأمن القومي والشرطة، واحتكرت الحق الحصري للعنف.هذه كلنا على علم بأدق تفاصيلها، ولكن نشير هنا إلى حقيقة كبرى جسدتها سنوات حكم الشعبية لارتريا وهي حقيقة الدولة البطريركية أو نمط الدولة الأبوية، وهو النمط الذي يحدد ماذا يأكل المواطن واللغات التي يجب يدرس بها الطلاب وأولويات التنمية. هذا النمط من الحكم يمجد الدولة ويهمش المجتمع ومؤسساته التقليدية والعرفية في الحكم، ولا يسمح بحكم بنيته الفكرية والفعلية بقيام أي مشاركة في السلطة لأن المشاركة في السلطة تخصم من رصيده السلطوي. نمط الدولة البطريركية هذا أدى إلى تآكل القاعدة الهشة لشرعية السلطة في ارتريا، وهي الشرعية التي جاءت امتدادا للشرعية الثورية والتي تم تقنينها عبر الاستفتاء على الأقل من وجهة نظر الجبهة الشعبية. تآكل هذه الشرعية كان سببه الحرمان من المشاركة السياسية وتهميش المجتمع مما أدي إلى ظهور المعارضة للحكم والقمع. القاعدة تقول بأنه كلما زاد عدد افراد الشرطة، اي السلطة القمعية، كلما تناقصت شرعية السلطة. المعارضة للنظام، وهي المعارضة الناشطة، أحد مؤشرات تآكل شرعية السلطة، الهجرة من البلاد هي أيضا تعبير سلبي عن الرفض الذي يعني أن المجتمع يرفض الشرعية الحاكمة.نحن أذن أمام حكومة لا تمتع بالشرعية لأن التراضي الشعبي الداعم للحكم منعدم. على الضفة الأخرى تعتمد المعارضة وبشكل تلقائي بالحق في المعارضة كأساس لشرعيتها، أي نحن أمام شرعية ثورية أخرى، سببها القمع والظلم الذي يفرضه الحكم في اسمرا. واذا طبقا مفهوم التراضي الشعبي كمعيار للشرعية، فإن المعارضة تجد نفسها تشرب من نفس الكأس القاتلة الي يشرب منها النظام.تعتمد فكرة العمل المعارض على نفس أساليب الجبهة الشعبية وتحذو حذوها غير مكترثة أو عالمة بالنتائج الكارثية لمسيرتها.حيث تركز المعارضة بكافة تياراتها على فكرة إزالة النظام وايجاد دولة ديمقراطية تصورها أدبيات المعارضة بأنها يوطوبيا قادمة للشعب الارتري. أولا: ارتكاز فكرة المعارضة على الاستيلاء على الدولة كأداة للتغيير هو أول مدارج الفشل، لأن الدولة في ارتريا خاصة، وفي أفريقيا عامة وضعت في مواجهة اقصائية مقابل المجتمع، وهي لا تخرج عن مظاهر الحكم المتمثلة في الجيش والشرطة والخدمة المدنية والمؤسسات الاقتصادية. في بداية الستينات قال الزعيم الغاني نكروما : عليكم بالمملكة السياسية. أي الدولة، لأن الدولة هي المفتاح الأساسي لتغيير المجتمع. وهذه المعضلة عاشتها الحركات الاسلامية السياسية في محاولتها لتحديد أولوياتها السياسية: هل يجب السيطرة على الدولة من أجل تغيير المجتمع؟ تعددت اجنحة الحركة الاسلامية على السؤال. ومن ناحية أخرى استولى رموز الحركة الاستقلالية على الحكم وحولوا البلدان الافريقية إلى سجون كبيرة، وارتريا آخر العنقود ليست استثناء على الاطلاق.والإجماع الكارثي اليوم هو الذي يفترض بأن بالدولة هي المفتاح السحري للتغيير الاجتماعي نحو آفاق أفضل، الأمر الذي نشكك فيه تماما عبر كل السلطات الافريقية الممسكة بالدول الافريقية، وارتريا التي سارت في نفس النهج القمعي الافريقي، بل وتفوقت عليه.المعارضة الارترية نأت بنفسها عن محاولة الاجابة على السؤال المؤلم وقررت السعي إلى المملكة السياسية وعبرها تغيير الواقع الارتري، وهي هنا تريد الإمساك بزمام السلطة لتفرض نمط دولة بطريركية آخر ولكن هذه المرة متعدد الرؤوس حسب مفهوم التعددية الذي أفضى إلى تكون ما يزيد عن 30 حزبا سياسا معارضا.المسألة ليست في مفهوم الديمقراطية والمشاركة، كما أراها، بل هي في نظرة مكونات المعارضة لدور الدولة مقابل المجتمع: تسعي المعارضة وتحت ممارسة ديمقراطية، يتجلى عجزها اليوم، قبل الغد إلى تغيير المجتمع الارتري عبر وسائل الدولة وأدواتها، وهذه هي الطريقة هي التي وأدت بها الجبهة الشعبية المجتمع الارتري وستئد بها المعارضة المجتمع الارتري مستقبلا.ولأن المعارضة لا تضع وزنا للدور الاجتماعي، فهي أكثر تركيزا على النشاط السياسي والذي بدا يدور في حلقة مفرغة قبل الإمساك الدولة، ذلك المفتاح السحري. من ناحية أخرى غياب منظمات المجتمع المدني الفئوية الظاهر، وتغليب السياسي على الاجتماعي والاقتصادي والثقافي داخل صفوف المعارضة والتركيز على العمل لوضع اليد على الدولة، يجعل مسألة الديمقراطية ثانوية تماما بالنظر إلى العلة التي يئن تحتها الحكم في اسمرا و العمل المعارض في الخارج.