حين نودع أحمد ناصر !! بقلم / جمال همــــد

27-Mar-2015
عدوليس
((و الآن أشهد أن حضورك موت ..و أن غيابك موتان …و الآن أمشي على خنجر و أغني ..
فقد عرف الموت أني أحبك،
أني أجدد يوما مضى
لأحبك يوما و أمضي.. “))
محمود درويش
ويرحلون واحد إثر آخر ، دون وداع يليق ولا شارات حداد ، فقط يرحلون وهم يحملون إقاعات الصباح وتراتيل الشهداء ، شاي الصباح وسر الليل ، ضحكات رفاق ، وحلم .. وصباح . يرحلون وصدورهم تضج بآمالنا وعذابات شعبنا .
يرحلون واحدا إثر آخر في غفلة منا أو عنًا لافرق !!.
ثقيلة هي الكتابة عندما يتعلق الأمر برحيل ، هؤلاء النبلاء ، ثقيلة .. ثقيلة ، وبائسة .
لكن فاجعة الصمت لاتقبل الحياد ، واحمد محمد ناصر لم يكن يوما محايدا أو رماديا .
لا يُذكر احمد ناصر إلا وأسمه مقرون بجبهة التحرير الإريترية ، سيدة الثورة وصاحبة أكبر إنجاز للشعب الإريتري وللثورة الإريترية ، أقول للشعب الإريتري لانها وحدة إرادة الناس لذا أحبوها ليس كتنظيم سياسي / عسكري بل كـ ( يوتيبيا ) .. أمل لاحدود له ، لازال يحفر في وجدان الناس ، وأقول هنا الثورة لانها التنظيم الوحيد الذي أمتد في كل جسد البلد وجغرافية الخريطة ، وتغذى من كل شرايين وأوردت البلاد وشرب من جميع أوديتها .
وسيدرك الناس ذلك بل أدروكوا ذلك ، عندما تحكمت العصبة في رقابهم !
وبرغم كل التحليلات الكسولة وذات الغرض ، أو تلك التي تريد المحُو ، والأقصاء ستظل تاريخ جبهة التحرير مهما لكونة قلب ، وقالب الثورة ، كما سيذكر التاريخ المد الثوري الذي تصاعد داخل جبهة التحرير الإريترية أمتد ليشمل المنطقة وستنهض شعوب إثيوبيا كلها ليصل ذروته في نهايات التسعينات ، وإلا كيف نبرر إستمرار كمون ونشاط تاريخ جبهة التحرير الإريترية ، طوال هذه السنوات في وجدان الشعب الإريتري وكل العوامل أنضجت ـ حسب رأيهم ـ لمحوه ، ولم يستطيعوا !
هل هي النوستالجيا ؟ لتكن ، لكنها لم ولن تكون مرضية لتقعدنا عن الحياة .
لو ان جبهة التحرير الإريترية مجرد تنظيم سياسي وعسكري لكان قد لفها النسيان ،
كما كل التنظيمات ، ولكونها ليست كذلك ، فهي تحفر بعيدا في التاريخ ولا يمكن محوها ، وواهم من يفكر أو فكر في ذلك ، لأنها مشروع إنساني ونضالي توغل بعيدا في وجدان الإنسان الإريتري لا كثر من جيل . لذا صعب عليهم كنسها !.
ستظل الذاكرة طرية بأحمد محمد ناضر ودبروم طلوق وسعيد صالح وألم مسفن وسعدية .. سنظل فخروين بـتمساح وأبرهام تولدي وحديش ولدقرقيس وعبدالله إدريس وحسب وعبده محموداي وعلي محمد إبراهيم وإدريس رمضان ، وودقشي حلفي وسيوم عقبامكيئل … وقائمة النجوم يصعب حصرها .
العصبة وطوال تاريخها السري والعلني حاولت كنس تاريخ جبهة التحرير الإريتري ولم تفلح تغيب ذاكرتنا بإيدنا لهو أكثر إيلاما وقسوة .. ان ندمن تلك السنوان ولا نتخاص منها في
(سيكتب فوق الشواهد من بعدنا
بأنا عشقنا طويلاً
وأنا كتبنا بدم الشغاف
كان لم يقل شاعر بعدنا
وأنا برغم الجفاف
ملأنا البرارى العجاف
صهيلاً .. صهيلاً
وأنا مشينا إلى حتفنا
رعيلاً يباري رعيلا
وأنا وقفنا بوجه الردى
وقوفاً جميلا
سيكتب فوق الشواهد من بعدنا
بأنا كذبنا قليلا
وأنا انحنينا قليلا
لتمض الرياح إلى حتفها
وأنا سقطنا .. سقوطا نبيلا )
هكذا عنى الشاعر عبد الله شابو وهكذا نغنى دوما مكاية بهم .
سيظل أحمد محمد ناصر مجدا لا يمكن ان يخبو عصيا على النسيانه .