محمود جابر : نضالي في صفوف جبهة التحرير الإريترية (1)
19-May-2016
عدوليس ـ ملبورن
في الوقت الذي يجري فيه التزوير المعلن للتاريخ الإريتري عموما وتاريخ الثورة الإريترية على وجه الخصوص، لم تبذل الجهود المقابلة لذلك ليس من أجل فضح لممارسات النظام وزبانيته بل من أجل تدوين صحيح الخبر وناصع التاريخ .الإكتفاء بصب اللعنات والشتائم والدخول في معارك توصيف النظام ( طائفي .. لا.. ديكتاتوري لا .. الخ ) لايجدي نفعا والمكنسه تعمل بهمة لتشكيل ذاكرة الجيل الجديد .والثورة الإريترية وخاصة جبهة التحرير الإريترية ، لم تولى التوثيق والتدوين والبحوث والدراسات أهمية خاصة ، لذا قلما نجد البحوث والدراسات التاريخية والفكرية وحتى الإهتمام بالآداب والفنون، إلا بما يخدم شعار المرحلة المرفوع . ولانغفل هنا عن البحوث والدراسات والترجمات والإهتمام بالكتاب من قبل الزعيم عثمان صالح سبي ورفيقة محمد سعيد ناود الذين أسسا لمكتبة اريترية، وبعض كتب المذكرات لبعض المناضلين.
ولمواجهة الديكتاتورية علينا النضال في عدد من الجبهات ومنها جبهة التوثيق والتدوين وهذا يحتاج لمؤسسات وتمويل وخبرات … الخ . كعاتها (عدوليس) تساهم في إثراء الوجدان الإريتري بسلسلة من الحوارات ذات الطابع التاريخي وهذا الحوار واحد منها مع المناضل العم محمود جابر . من هو محمود جابر سوف تجيب الصفحات القادمة عن ماهيته ومن خلاله نسلط الاضواء على عدد من الأحداث التاريخية التي عاصرها وساهم فيها .جلست مع العم محمود عدة جلسات متباعده ، ولأن السنوات التي نتحدث عنا تبعد عنا أكثر من نصف قرن ، بهت بعض الوقائع في ذهن محدثي ، وتكاثفت على بعضها الغبار ، وتعب ذهن محدثي وهو يحتفظ بها طويلا ، متعة الله بالصحة والعافية .في الذكرى الـ ( 25 ) للإستقلال يسعدنا في ( عدوليس ) ان نجلس للعم محمود الذي ناضل في أكثر المراحل صعوبة وقسوة ، وفي منطقة إدارية وعسكرية شديدة الخطورة والأهمية اقصد هنا ـ المنطقة الخامسة ـ وما أدراك ما المنطقة الخامسة ووالداي كحساي و”سرية أديس” ..ألخ . في منطقة هي الأكثر أهمية تولى موقع يمثل صمام الأمان فيها ، فقد ناضل جابر وهويتقلد المسؤولية الأمنية في المنطقة . الرجل لم يبخل ولم يتردد قال لنا صراحة هذا ما احتفظ به في صدري من أحداث سواء تلك التي شارك فيها أو تلك التي عاصرها ، وليعذرني القاريء بشأن بعض التواريخ ، علما بانني كنت أحتفظ بالكثير من الوقائع والأحداث اليومية في دفتر يوميات إلا ان التنقل المفاجيء ولأكثر من مكان تسبب في ضياعه . هو مشوار طويل من العلاقات الإنسانية والنضالية .. أحداث جسام .. تواريخ ومنعطفات .. إنفراجات .. عسر ويسر .. الخ صعب أختزاله في صفحات ، لكنه جهد المقل نقوم به مع غيرنا حتى لايلعننا التاريخ والأجيال .في هذه الحلقة سوف نسلط الضوء على النشأة والتكوين.. والجيش السوداني .. ثم العمل بالشرطة الإريترية. .جلس إليه وحاوره : جمال همــد يعرف العم محمود نفسه بالقول : “من مواليد كرن ـ حي كرن لعلاي من أب عمل في البناء وأم رؤوم . درست مع شقيقي إسماعيل الله يرحمه في خلوة سيدنا آدم التي تبعد كثيرا عن منزلنا ، ثم إنتقلنا لخلوة سيدنا بلال في حوش سيدي ..ثم إنتقلنا للتعليم النظامي، اذكر من المعلمين نور سرق ابرهام وعمر عمران وبشير محمود و ابوبكر وصالح سعد الدين مدير المدرسة رحمهم الله جميعا. درستنا كانت بالمنهج العربي والإنجليزية ندرسها كلغة . وفي المدرسة كانت اللغتين العربية والتجرنية حسب الإختيار . واصلت حتى الصف الثالث المرحلة الاوسطى ، توقف بعدها بينما واصل أخي إسماعيل رحمه الله الذي كان يجيد العربية والتجرنية والانجليزية و الأمهرية والقليل من الايطالية .حينها كانت الحركة بالبصات ـ والحافلات من تسني لكسلا دون أي عوائق وكان برفقتي صديق.”هربت” للسودان وعمري حوالي 17 عام وقد ذهبت دون موافقة الوالد ، وكان ذلك في السنوات الأولى لإستقلال السودان . وأول المحطات كانت مدينة القضارف بالصدفة المحضة سكنت مع شباب عزابه من مختلف المدن الاريترية وكان المنزل بجوار ” أشلاق ” معسكر للجيش السوداني أو الأورطة الشرقية عرب كما كانت تُعرف آنذاك ، في حي ديم النور بالقرب من مبنى الكنيسة ، كنت اشاهد طابو التمام بـ لغة الجيش .العزابة كانوا عمال عاديين وبينهم شرطي وأظنه من سكان مدينة أغوردات ان لم تخني الذاكرة . في يوم ما جاء للمنزل الصول محمد عبدالله بركاي وكان رحمة الله زوجا لخالتي يسأل عني . وإنتقلت لمنزله الذي ساعدني لكي إلتحق بالتعليم العام مرة أخرى وتوقفت لإلتحق بالجيش السوداني في ذات المعسكر وتخرجت ، حيث عملت بالمشاة في كل من القضارف وكسلا و في بمنطقة (توقان) على الحدود الشرقية للسودان . في نهاية خدمتي في الجيش التي أستمرت ثلاثة سنوات لم أجددها ، مكثت عاطلا في مدينة كسلا لبعض الوقت ، حينها بدأت الاحاديث حول تحرك الاريترين السياسي وسمعت لأول مرة أسم حركة تحرير إريتريا . وقد عرفت ذلك عن طريق مجموعة من الاريترين كنت أشاركهم السكن في حي الجسر جوار نادي الميرغني ومن ضمنهم زوج بنت عمي . كانوا اعضاء أو متعاطفين مع حركة تحرير ارتريا … كما كانت تتردد أيضا أخبار شحيحة عن إنطلاق جبهة التحرير الإريترية، دون ان ألتقي باحد منها .عدة شهور مكثتها في كسلا لأعود لإريتريا، حيث إنتظمت في سلك الشرطة في إريتريا .تلقيت الدورة التدريبة في مدينة دقي أمحري وكانت المقر الرئيسي لتدريب وتأهيل الشرطة ، مع عدد كبير من العساكر.بعد التخرج تم توزيعي في مدينة تسني و كنتُ أقيم في منزل مع صديق الله يرحمه اسمة محمود حمد همجاي و يجاورنا في السكن الشرطي “قري مسقل” وكان في مركز الشرطة ” قري خيدان ” تم قتله من قبل الثوار لاحقا في كرن . كان رئيس المركز في تسني (ميجر عبد القادر ) وحدث ان تلقينا إشارة من مركز الشرطة في (مقولا) بالقرب من بلدة قلوج وفيها جهاز إتصال ( مورس ) يرسل لمدينة بارنتو وهي ترسل أو تعيد الإشارة لتسني بالتلفون ، مع أن ( مقولا ) هي الأقرب . أتت الإشارة ببلاغ يتحدث عن ان مجموعة من ( الشفتا ) أغاروا على أبقار لمواطنين من المرتفعات الإريترية ، سلمت الإشارة لقائدي حينها ( قري خدان ) الذي طلب مني كتمان المعلومة حتى لا تتسرب ، وفي اليوم ذاته تم تجميع كل أفراد الشرطة وتحركنا إلى منطقة ( قرست ) ، كان الجو ممطر وبارد وبدأت عملية مطاردة (الشفتا) وسط تحذيرات من قائدنا ( ميجر عبدالقادر) الذي كان يقول أحذروا ان جماعة (الشفتا) يقودهم حامد عواتي المعروف آنذاك ان طلقته تصيب هدفها . وكان هذا أول عهدي بإسم الشهيد عواتي .بعد ثلاثة أسابيع عدنا لموقعنا ، في تلك الفترة بدأت الأمور تتضح وتردد أسم جبهة التحرير الإريترية بقيادة حامد إدريس عواتي . ماذا حدث في مركز تسني للشرطة ؟ وكيف جرت الأمور داخل جهاز الشرطة الإريترية، والكثير من الأحداث التي تلتإنطلاقة الثورة الإريترية .. ! هذا ما ستتناوله الحلقة القادمة.