كبسولة موت أسياس : أبوبكر حامد كهال
26-Apr-2012
المركز
( 1 )
مات الرجل ؟ نعم قد مات .. لا ، لم يمت .. إنه مصاب بالمرض .. هكذا يدور الجدل في أوساط الأرتريين بعد ما لاحظ المراقبون عدم ظهور ( أفورقي ) في أي منشط منذ ما يربو على الثلاثة أسابيع . واشتطت التخمينات وذهبت كل مذهب . فمنهم من قال إصابته بالفشل الكلوى ، وهناك من يؤكد أنه مريض بالكبد ، وآخر يرى عودة الملاريا .. وهلم جرا . وخلص الجميع في النهاية إلى أن الرجل ( أعريفُوا ) بالتجرنية يعنى ، مات . يوازيها في العربية : استراح . وفي التجرى يقولون ( عارفا ) . بمعنى استراح وهذه كلها جاءت من ويوم ( عرفة ) الوقوف بجبل عرفات هو يوم عيد ( عرفة ) .. وهو يوم عطلة يعنى استراحة ( عرف ) بكسر ( العين ) و( الراء ) في التقرى ، راحة من تعب أو عطلة/ إجازة . وهي بذات المعنى تقريبا بالتجرينية . وكل تلك المعاني محملة بدلائل الاستراحة عبر الوفاة من تعب الحياة وعللها
و( أعريفوا ) هذه ترددت كثيرا في ( غرف البالتوك ) خاصة غرفة ” سمر ” وتوابعها . إذن يبدو أن هذه الكبسولة ، ( موت افورقي ، أو مرضه الشديد ) ، التي بات يمضغها القوم فيها من الحلاوة ما فيها .. ولأنها تعد كبسولة من العيار الثقيل جداً ، فها هي تشغل دنيا قطاعات واسعة من الارتريين أينما كانوا .. دافعهم من كل ذلك خوفهم على البلاد ، وتوقهم للتخلص من رجل قتل كل شيئ في حياتهم . حتى الأحلام كانت له سطوة وأدها ، شهية القتل لديه لا تضاهى .. ضحايا بالآلاف .. السجون تنوء بما لا طاقة لها به .. سيناء أكلت الأكباد .. البحار والصحارى شبعت .. حروبه العبثية فجعت البلاد التي حولت إلى دولة مسخ ..وإذا ما صحت الإشاعة فالجموع التي اعترض طريق مستقبلها ومسار تاريخها رجل الصدفة الخبل هذا .. تشارف على الخروج من ظله البغيض .. لا أميل ، بل ولا أصدق كل الحبكات والتخمينات والتضخيم الذي صاحب انتشار الشائعة . ففي ظل غياب المعلومة الصحيحة من مصادرها الموثوقة ، ليس على المرء سوى التريث وعدم الانجرار وراء سراب الكلام مهما تلاحقت حيثياته أو وافقت الهوى والرغبات في رؤية الرجل يترك المسرح مرة وإلى الأبد ، بالطبع ليس بالموت فلا أحد يتمنى الموت لأي كائن حتى ولو كان لإسياس نفسه الذي لم يتورع عن القتل بدم بارد .( 2 )حالما بدأ الخبر أو الإشاعة بالانتشار ، ضحكت وقلت في نفسي . هذه المرة يريدوننا أن نبتلع هذه ( الكبسولة ) أجل ابتلاعها دونما نقاش أو تمحيص ، ووردت إلى ذهني فكرة أن تكون قد خرجت هذه الكبسولة في الأصل من مطبخ النظام نفسه الذي عرف بصنعه لمثل هذه الإشاعات ونشرها بين الناس ومن ثم الإتيان لاحقاً بما يدحضها . وتكون بذلك أحجاره قد ضربت عصافير كثيرة بحجر واحد . وفي نظري كان الأمر يستحق من حيث المبدأ إطلاق إشاعة ذات عيار ثقيل لخلق الصدمة والخلخلة التي تحدثها والتأثير في توجهات الرأي العام المستهدف فالنظام في حاجة ماسة إلى ( حدث ) ما يحور تجاهات الرأي العام الإرتري أي جذبه وشد انتباهه صوب بؤرة حادثة معينة – إشاعة موت الرئيس _ وتحويله عن القضايا الحقيقة التي تشغله .وبعد أداء الإشاعة لدورها واستنفاد أغراضها كاملة يأتون بما يبطلها . لإحداث صدمة هائلة وعميقة عبر نفى الإشاعة عملياً بظهور أسياس ربما في 24 مايو المقبل أو قبله .وهم بالفعل في حاجة كما قلنا إلى مثل هذه الإشاعات ( المفترضة ) هذه لتحقيق أهداف محددة وهى :• كسر موجة الشباب المتصاعدة نحو معارضة النظام التي نلاحظ حضورها القوى في المشهد السياسي الإرتري .• التعتيم على مكاسب المعارضة التي أصبحت تتحقق على الساحة العربية والعالمية .• تغطية كثير من الكوارث والأزمات التي حاقت بالنظام من مثل فقده لأهم حليفيه مبارك – القذافي .. العزلة الدولية .. العقوبات الأممية .. الإدانات من المنظمات الحقوقية والإنسانية..• قرار أمريكا مؤخراً بحظر سفر رعاياها إلى إرتريا .. الهجوم الأثيوبي ووقوف النظام مكتوف الأيدي أمامه .. تراجع عروض الأجندات الخارجية التي كانت تحركه ضد كل من السودان واليمن .. ثم ما يقال عن تململ بعض المحسوبين على كلب صيده أسياس السابق نايزقي كفلو أثر منع إدخال جثمانه . ونكبات أخرى كثيرة يصعب حصرها . فحروب الإشاعات والإشاعات المضادة هي صناعة أجهزة الاستخبارات بامتياز تطلقها عقب دراسة ( سيكولوجية ) معمقة لتوجهات الرأي العام بغية التأثير فيه . من هنا وانطلاقاً من كل هذه الاعتبارات لم استبعد الجانب المصنوع منها .( 3 )وللشعبية سوابق مشهودة في ذلك ، فحتماً كل من عاصر مرحلة ما قبل الاستقلال يذكر أساليب الشعبية التي كانت تتبعها في خلق ونشر الإشاعات ضد التنظيمات الأخرى . وضد رموز إرتريا صناع التأريخ فأنا أذكر مثلا واقعة تشهد على أن الإشاعة كانت ضمن أسلحة الشعبية . فحين رحل الشهيد الشيخ إبراهيم سلطان وأحضر جثمانه من مصر إلى السودان لدفنه بمدينة كسلا بجوار أخوته الذين رحلوا قبله حسب وصيته أو رغبة الأسرة لا أجزم بالضبط ولكن الذي حصل هو عندما رأت الشعبية مظاهر الحزن العميق وتأسي الشعب الإرتري بكل فئاته على رحيل ذلك الرجل الرمز العظيم حاولت أن تتدخل لتخريب اللحظة التي تعنى التقاء وجدان الناس ومشاعرهم فعمدت من فورها إلى إطلاق إشاعة مؤداها أن الراحل سيدفن في الساحل وأن جثمانه في الطريق إلى هناك عبر بورسودان . كان الهدف واضح جدا وهو حجز الناس من طوكر وسواكن وبورسودان وسكان المناطق المجاور للساحل من عدم حضور مراسم الدفن والمشاركة في العزاء في كسلا . كانت المسألة مسألة ساعات فقط والدقيقة في تلك الظروف الضاغطة كانت بحسابها . فإذا تمكنت الشعبية من إرباك الجماهير المحبة لرمزها وسرقت منها بعض الساعات فإن مسعاها في تغييب الجماهير سينجح ولكن هيهات فالجماهير هناك بفطنتها ومعرفتها بأساليب الشعبية لم تنخدع لها وتمكنت من الزحف نحو كسلا للماركة في مواراة فقيدها الكبير . وخاب مسعى ( درقي الصغيرة ) كما كان يطلق عليها ذلك الزمن .( 4 )وحالة أخرى هي عندما اغتال أسياس المناضل إبراهيم عافة ، حيث عمد مجرمي الشعبية على إطلاق إشاعة موت عافة في الميدان . وراح الناس يمضغون الإشاعة مدة طويلة . ليظهر بعدها عافة في كامل عافيته نافياً بذلك إشاعة مقتله . ولكم أن تتصوروا ما كان يردده أذناب الشعبية آنذاك عقب ظهور عافة متهمين الآخرين بفبركة الإشاعات ضد تنظيمهم الوطني!! . ولاحقاً في المرة التي تمت فيها تصفيته فعلياً وغيابه عن الساحة لم يهتم الناس حول سر هذا الغياب أو الاختفاء إلى أن أعلن عن استشهاده رسمياً في مؤتمر التنظيم ولكن بعد أن اتخذت الشعبية كل الاحتياطات لاحتواء ردود الأفعال التي قد تظهرها القواعد والسيطرة عليها وهذا ما تحقق لها !! .تلك عينات بسيطة من أحداث ووقائع من الماضي القريب . ولكن ما يهم أن أختم به هذه الأسطر هو أنه مهما حصل غاب الرجل أم لم يغب . مات بالداء أو رمياً بالرصاص . أو يكون قد أنقلب عليه الرفاق وأوثقوه بالحبال والجنازير .فأن مسيرة المقاومة من أجل صنع الديمقراطية ستستمر وبزخم أقوى من أي وقت مضى .. ونرجو إن ذهب أسياس أن يأخذ من يعقبه العبر من التأريخ الماثل أمامه ولا يتجبر .