مقاربا ت تاريخية :كيف انتصرت الشعبية في مرحلة الثورة .. ولما ذا فشلت فى مرحلة الدولة …؟؟ عمر جابر عمر
9-Apr-2013
المركز
مدخل : قيا م تجربة ما على ميراث تجربة سابقة حتى وأن اختلفت معها وانطلقت لتحل محلها ظاهرة مرت بها العديد من التجارب الإنسانية وحتى الدينية .. التجربة الجديدة تحتفظ بما هو إيجابي في التجربة السابقة… وتتخلى عن ما هو سلبي وما يمكن أن يعيق حركتها. وقد تحتفظ الحركة الجديدة بشعارات سابقة لم تستطع الحركة الأم تطبيقها وتجد هوى في نفسها ( تنظيم واحد – قيادة واحدة ) !! لكن كل حركة تحمل في داخلها منذ البداية عوامل نجاحها و( بذور) فشلها ! سنرى ذلك في مسيرة الجبهة الشعبية – حتى وأن ظلت عوامل الفشل تحت السطح وبعيدة عن الأعين – لكنها تنمو بهدوء ومن وراء الستار حتى يحين أوان قطافها !
مرحلة الثورة : كان البناء مضادا ومعاكسا لما كان قائما ( جبهة التحرير ) لكن بهندسة جديدة وطلاء جذاب وخطا ب مختلف!1- سياسيا – تم حسم الصراع في السلطة مبكرا ولم تشهد الشعبية صراعا يعيق حركتها أو يشغلها عن معركة التحرير…. 2- قامت بتوظيف كل طاقات عضويتها و مساعدات الأصدقاء لمهمة التحرير… 3- أتبعت سياسة خارجية براجماتية ( اللى تغلب به ألعب به) — رفض الضغوط السوفيتية – عدم أعطا ء أي جواب في وساطة الرئيس الجزائرى بومدين — 4- منذ البداية اعتمدت خطابين – أحدهما دا خلى .. موجه إلى أبناء المرتفعات الإرترية من المسيحيين ( استغلال قضية ولداى وكدانى – سرية أديس ) – ملخص الخطاب وهدفه يقول : لا بد أن نقود الثورة وأن نحكم إرتريا – وأمن هؤلاء بالخطاب .. ولم لا ؟ السؤال : كيف ولما ذا آمن الآخرون ( أبنا ء المنخفضات والمسلمون ) ؟ هنا ك سببا ن رئيسيان – الأول صراعا ت جبهة التحرير و التي أدت إلى توجه هؤلاء بعيدا بحثا عن حليف حتى وأن كا ن لا يتفق معهم في كثير من التفاصيل …يقول الأمين محمد سعيد في كتابه ( الدفع والتردي ) عن تحالف قوات التحرير وعوبل مع أسيا س ( ما كا ن يفرق بيننا أكثر مما كا ن يجمع بيننا – ) أي ليس حبا في معاوية ولكن كراهية في على …أنه العداء لجبهة التحرير !؟ أما السبب الثاني ربما كا ن ثقا فيا حسب إجتهادى …المسئول من أبنا ء المرتفعات عندما يتحدث لا يقول ( أنا ) – بل يقول ( نحن ) — وأبناء المرتفعات من المسيحيين يفهمون ذلك ويقبلونه ..أي أن أسيا س كان عندما يقول ( نحن ) فأنه يقصد نفسه وهم موافقون على ذلك … أما الآخرون عندما يسمعون كلمة ( نحن ) يعتقدون بأ نهم معنيون بالأمر .. أي أنهم جزء من القيادة وأصحاب القرار – وهذا جعل أسياس فى نظرهم ليس حليفا يمكن الركون إليه بل أنه متواضع لا يحب التفرد بالقرار !؟ هذا الخطاب الداخلي كان ( شفاهة ) – أى غير مكتوب إلا وثيقة ( نحنا ن علاما نا) . الخطاب الثاني كان خارجيا إلى الارتريين كافة والعالم الخارجي – تقديم أنفسهم كحركة تحرر هدفها التحرر من الاستعمار الأثيوبى …وفى سبيل أثبات ذلك قامت باتخاذ خطوات عملية : تم تشكيل اللجنة المركزية ( القيا دة ) من أغلبية مسيحية والمكتب السياسى من أغلبية أسلامية والرئيس مسلم … لكن صاحب القرار والذى يمسك بمفاصل التنظيم كا ن رجلا واحدا ( أسيا س أفورقى ) !! 5- التربية السياسية – منذ البداية كا ن المجند الحديث يتعلم ثوابت لا يجب أن يتجا وزها – لا نقد – لا سؤال – تنفيذ التعليمات من أعلى إلى أسفل .. الوصول إلى القيادة يتطلب ( رحلة عمر ) أو أن يرضى عنك صا حبالأمر … في مؤتمر جبهة التحرير عام 1975 جاء أحد الأعضا ء ها ربا من أثيوبيا وكان عضوا فى ( الدرق )- القيادة الأثيوبية – ورشح نفسه لقيادة جبهة التحرير!؟ 6-العامل العسكري – قام على العلم العسكري الحديث ومتطلبا ته – التدريب – قراءة الخرائط – التخصصات ( أرسلت بعثة إلى العراق لدراسة الأسلحة المضادة للدبابا ت )—تطوير الاستخبارات – الاستفادة من الأسرى الأثيوبيين في بنا ء شبكة مواصلات داخلية – وأخيرا وليس آخرا التحالف مع ويا نى تقراى ! جاء في تقرير المخابرات السودا نية الذي أشرنا اليه فى الحلقة السابقة : الشعبية هي دولة في حين أن جبهة التحرير ثورة يؤيدها الشعب !! كان عدد مقاتلى الجبهة الشعبية عندما دخلت قوات جبهة التحرير إلى السودان عام 1981 ( خمسة عشر ألف مقاتل ) – كان عددهم يزيد على ستين ألف !! بعد ذلك كان الطريق ممهدا لتنفرد بالساحة ومع بدء انهيار نظام الدرق – معارك مفصلية حاسمة خاضتها الشعبية وانتصرت فيها – معارك نادو أز – فنقل – دقى أمحرى الخ .. تلك المعارك جعلت الشعبية أمل الارتريين في النصر النهائي .. لكنها في الوقت ذاته حجبت البذور المميتة التي كانت تنمو تحت السطح !مرحلة الدولة : الذين لا يقرأون التاريخ ولا يتعلمون من دروسه يعيدون التجارب الفاشلة وعندها تقع المأساة. بعد الحرب العالمية الثا نية خرج ( ونستون تشرشل ) رئيس وزراء بريطا نيا منتصرا وأصبح بطلا قوميا –وفىأول انتخابات خرج يتجول فى الدوائر الانتخابية وهو واثق من نجاحه .. التقى أحد الناخبين الذي أدلى بصوته فسأله لمن أعطيت صوتك ؟ قال الرجل بلا تردد – للحزب الآخر – دهش تشرشل وسأله لماذا؟ قا ل الرجل : أنت أديت واجبك – نحن الآ ن فى مرحلة البناء – نريد قا ئدا للبنا ء والسلام – وسقطتشرشل !! الشعبية بدأت مرحلة الدولة بخطاب أوله ( كفر ) ! أنكرت دور المناضلين الآخرين في مرحلة الثورة وطلبت من الجميع الخضوع لرايتها وهنا كانت الراية متناقضة وغير واضحة المعالم – فريق منهم كان يؤمن بما اتفقوا عليه وسجلوه فى مؤتمراتهم ( وضع الدستور – تعدد الأحزاب – حريا ت ديمقراطية )—مجموعة ال 13 ثم ال15 — وفريق كا ن يعمل من أجل أن يقطف ثمار ما بدأ زرعه فى مرحلة الثورة ( الانفراد با لسلطة )وتقليد النموذج الكورى والصينى ( أسيا س ) ! ذلك الصراع نتج عنه نظام دكتاتورى فردى – وتصدق عليه كل الأوصاف – حتى الطائفية – وهذه بحا جة إلى شرح :الطائفية في مفهومها الأجتماعى – السياسي هى بنية تقوم على الطاعة والانقياد والإذعان خوفا أو طمعا ولا تقوم على المجادلة والإقناع وتفا عل الآراء – أنها طريقة ونهج فى أدارة المنظومة الأجتماعية. بدأ الفشل تدريجيا –ويمكن تلخيص أهم العوامل في الآتي : 1- فقدت أيجابيات و( فضائل ) مرحلة الثورة ولم تكتسب معرفة ومتطلبا ت مرحلة الدولة.. 2- عطلت الطاقا ت الفاعلة فى مرحلة الثورة ولم تكسب قوى جديدة فى مرحلة الدولة. 3- فقدت الحلفاء والأصدقاء – ليس السياسيون فحسب بل والاستثمارات الخارجية. 4 – اعتمدت عل رهان ( الفرس الواحد ) – القائد الواحد والملهم والمعلم — انتصارات مرحلةالثورة جعلتهم يتمسكون به ويؤمنون أنه قادر على النجا ح أيضا في مرحلةالدولة . فشلت الشعبية منذ الاستقلال في أعداد جيل جديد من القيا دات – يقول صحفي أمريكي زار ارتريا بعد التحرير والتقى با لعديد من القيادات :أسيا س هو القائد الأوحد …. وبعد ذلك هنا ك فراغ حتى رقم عشرة يبدأ بعدها التنافس بين الآخرين! 5- السؤال – كيف أصبح أسيا س دكتاتورا ؟ لا يمكن أن يكون قد وصل إلى تلك الحالة فجأة .. وجهت ذلك السؤال إلى ( مسفن حقوس ) وزير الدفاع الإريترى السابق ورفيق أسيا س في مرحلة الثورة – قال الرجل : كانت لنا ملاحظا ت في السلوك وبعض علاما ت الاستفهام في الخطاب – لكننا كنا نقول دعونا ننتهي من مهمة التحرير وبعد ذلك لكل حادث حديث ! كان أسيا س قد انتهى من أعداد دولته – وكان في مرحلة البحث عن الشرعية الدولية باستقلال ارتريا – لذلك كان يخفى حقيقة برنامجه – عندما التقينا به في أسمرا ( وفد التنظيم الموحد ) قال لنا : أمامنا صفحة بيضاء سنكتبها معا …كان يكذب على الله والوطن !؟ كان أسياس سبب انتصار الشعبية في مرحلة الثورة … لكنه أصبح سبب فشلها في مرحلة الدولة !! انفراده بالسلطة جعل منه بطلا لمسرحية ركيكة النص – سيئة الإخراج ولا يشاهدها إلا الكومبارس – أنفض من حوله الجميع وانتهى إلى أنيتحدث إلى نفسه ويشاهد صورته في التلفاز ويظن أن الشعب كله يحبه!والحاشية من حوله يؤكدون له ذلك – لكنه أفاق على صرخة( ودعلى ) وأدرك أن هنا ك دينا مستحقا يجب عليه أن يقضيه – كيف ؟؟ ما العمل وأين المخرج ؟؟ الغريب في الأمر أن يكون المخرج في يد الرجل الذي كان سببا في فشل الدولة .. … كيف ؟ أتحدث هنا عن المخرج الأسرع والأقل كلفة وتوفيرا للجهود وربما للدماء! هنا ك مخرجا ن لا ثالث لهما : الأول – أن يقوم أسيا س بالدعوة إلى عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية يجمع فيه كل فصائل المعارضة الارترية والشخصيات الوطنية والدينية والحزب الحاكم ( ماتبقى منه !) – مهمة المؤتمر هي :1- وضع ميثا ق وطنى يكون مرشدا ودليل عمل الى حين وضع الدستور الدائم . 2- انتخاب ( هيئة تشريعية ) تكون بمثابة برلما ن مؤقت إلى حين انتخاب البرلمان الشرعي بعد وضع الدستور .3- انتخاب حكومة وحدة وطنية مؤقتة تعكس كل أطيا ف المجتمع الإرترى وتقود البلاد إلى حين انتخاب حكومة من البرلمان القادم . 4- انتخاب مجلس رئاسي يدير البلاد إلى حين انتخاب رئيسا للجمهورية بعد وضع الدستور … يجب أ ن تسبق مثل هذه الدعوة بعض الأجراءات – أطلاق سراح المعتقلين – أطلاق الحريات العامة – رفعالقبضة الأمنية عن الحياة العامة في البلاد …..المخرج الثاني — هو أن يخرج أسيا س من المشهد السياسى ….. با لطبع هنا ك مخرج ثالث تصنعه الأقدار ولا يعلمه إلا الله !! كان الله في عون الشعب الإرترى