ارتريا الوطن حلم لم يكتمل
25-Apr-2014
عدوليس
محمود طاهر / زيوريخ24/04/2014مان مشروع الوطن ارتريا بحدوده الجغرافيه المتعارف عليها، هو مشروع جل المسلمين منذ نهاية الاربعينات اضافة الى قلة من المسيحيين، وهي فكرة بذل في سبيلها الاباء والاجداد الغالي والنفيس، لذلك ان يتم طرح مشروع فكرة الوطن بهذه البساطة وتقسيمه بهذه الاريحية هو امر مستغرب ومستهجن من قبل الكثيرين، لان المشروع لم يصل الى مبتغاه بعد، فالتحرير قد حدث بالفعل ولكن خطوات البناء لهذا الصرح لم تبدا بعد ابداً.
لكن اذا نظرنا الى الامر نجد ان مرد ذلك يمكن ان نعيده الى الثقة المفقودة بين المكونات المجتمعية، والتي بفعلها اصبحنا نعيش واقع التشرذم الحاصل منذ تشكل الفكرة الى الاُن، وقد اعيدها حسب فهمي المتواضع، في نقطة ارى انا محورية كانت وما زالت حتى الان تتمثل، في استحضار واستجلاب واقع اقليمي موجود جغرافيا، لكنه بعيد جداً عن مجرى صناعة الاحداث او دعمها، بل على العكس من ذلك تعتمد سياسته على التماهي مع السياسات الدولية التي تحكم حتى دولهم، لذا التعويل على هكذا واقع سلباً او ايجاباً كان تقدير خاطئ وقع فيه الجانبين ومازال .فموقع ارتريا الجغرافي في محيط معظمه عربي اسلامي واعتداد المسلمين بهذه الميزة كان في غير محله وقد ادى هذا الى حالة من الثقة المفرطة، ظهرت في سلوك قيادات جبهة التحرير الارترية، وعدم تقدير خصوصية التنوع الذي يزخر به الشعب الارتري، وزيادة على ذلك الانغماس في صراع النفود الذي كانت تموج فيه المنطقة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، الذي كان دور في افشال تجربة جبهة التحرير بعد ذلك، وبما ان فكرة النضال كانت الغلبة فيها للمسلمين فكرا وتأسيسا وقيادة، كانت نفس ميزة الموقع تمثل هاجس ومحل عدم ثقة بالنسبة لنسبة كبيرة من المسيحيين، والذين اثرت فيهم الدعاية الاثيوبية التي كانت تعمل على بث السموم في اوساطهم ابان تلك الفترة وما بعدها، وتصوير قضية الحقوق التي طالب بها الارتريين ووسمها بالمطالب الطائفية والعرقية، حيث عملت الكنسية الارترية على ترديد نفس العبارات، بسبب انها كانت مرتبطة بالكنيسة الام في اثيوبيا، حتى وان جاء الالتحاق بكميات كبيرة بالثورة بعد زول حكم الإمبراطور هيلى سلاسي المسيحي المتشدد في العام 1974م على يد الشيوعيين من العسكر، ما ادا الى تراجع المبرر الديني الذي كان يدعو بالتصدي لمشروع الثورة، و خفتت اصوت القساوسة المرتبطين عقائديا بفكر الإمبراطور، الا ان ترسبات تلك الدعاية المغرضة ما انفكت عن ذاكرة الذين التحقوا بالثورة ،وفي نفس السياق من الشحن خرجت وثيقة (نحنان علامانان) المشؤمة في العام 1970م لتروج لفرية مظالم متخيلة من عقلية مريضة بوساوس السلطة جعلت منها مطية لهدف نبيل، ولكن حتى ولو تم ذلك هل كان بطريقة منهجية كما نرى الان من سياسة الديكتاتور؟ فالأخطاء كانت موجودة ووقعت على الجميع، ولم ترتكب باسم المسلمين ولا يمكن ان تكون كذلك ولكن تم اُستخدام الشحن الطائفي لمأرب لا تعدو كونها كانت سلطوية اتضحت لاحقاً.
ومع ان مشروع فكرة الوطن كان مشروعاً بامتياز للمسلمين وبمشاركة من المسيحيين، جاء مشروع التحرير كذلك بامتياز مسيحياً بمشاركة من المسلمين، لذلك ما ان خرجت البلاد من الاستعمار لم يهنئ بها الشعب، حتى برز النفس الطائفي واضحاً في كل السياسات التي اتخذتها الحكومة ضد مكونات بعينها، وبما ان نواميس الكون كانت ومازالت تحكم الواقع حتى لو اراد البعض منا تجاوزه، ولكن في النهاية امتثلوا لأمر الطبيعة جبراً لان قواعدها تقول ( من اعان ظالماً ذل على يديه )وذاق الكل من هذه الكاس وان كانت بتفاوت طبعاً، لان الديكتاتور لا دين ولا طائفة له، الا بمقدار المصلحة، وعند ما استخدم كل هذه الوسائل الاجرامية في التمييز بين المكونات، انما قام ويقوم بذلك لتثبيت اركان حمكه، ولا يفعل ذلك حبا في اهله او طائفته، لان من يشرعن لسياسات استعمارية بالية تورث الحقد والضغائن، وتجعل منهم هدفا للانتقام من قبل المظلومين لا يمكن باي حال ان يكون محباً لأهله ، بل يفعل ذلك ليستقوي بهم في وجه الاخرين ويطيل من امد حكمه على اشلاء الوطن، لذلك علينا ان لا نعيد اخطاءنا جميعاً وبطريقة اسواء من السابق بل علينا ان نتعلم منها .
اخيراً لسنا في سعة من امرنا لتقبل الأفكار التي تزيد من الشقة والفرقة بين ابنائه، ولكننا نحتاج بشدة لنقاش مجتمعي عقلاني، متجردين فيه من كل حسابات الاقليم، دول جوار والمحيط ، اوالغلبة من منتصر ومهزوم، نتجاوز بها مرارات الماضي البعيد والقريب، لأجل الحاضر والمستقبل، بعيداً عن الصراع الطائفي والاثني والجهوي الذي لن يسقط الديكتاتور، ولو بثمن باهظ الكلفة، لان العالم لا يعنيه عدد القتلى ومسببات ذلك، الا بما تمليه عليه مصالحه في ذلك، فان لم نكن ارحم بحالنا فليس لنا الحق ان نطلب ذلك من الاخرين.