فكرة الوطن سابقاً وما بعد الحداثة .. ايهما احق بالاقتداء؟ بقلم/ محمد قناد
5-Jun-2014
عدوليس
اكثر ما يصدمك به فرانسيس فوكوياما في كتاب -بناء الدولة- النظام العالمي ومشكلة الحكم والإدارة في القرن الحادي والعشرين، ان الدول الفاشلة هي مشكلة قائمة، وحلها في اعادة بناء مؤسسات الدولة الفاشلة علي الطريقة الغربية للنظام العالمي الجديد، ما يعني انفكاك العقدة التي تصنع العقيدة الوطنية داخل الدولة، والاعتماد علي المؤسسية الادارية كما هو حال الشركات العابرة للقارات، لتكون الدولة مثل الشركة علاقتها بالمواطن مبنية علي عقد عمل بموجبه يكون عبدا للضرائب، وان ميلاده بقانون الشركة يعني انتاجه من قبل -والدته- حيث تختفي صفة معنى الأمومة، وموته عند هذه الشركة يصبح -انتهاء صلاحيته- ليكون هو واحد من الآلات التي تضخ الطاقة في جسد الاقتصاد، وذلك بما عليه من ضرائب تلاحقه حتى لحظة الممات حين القبر، وما بعد الممات في التأمين الاجتماعي والمعاش، وهنا تختفي صورة الوطن المقدس، لتحل محلها صورة الوطن الذي يتعامل معي علي اساس انتاجي، حيث لا مكان للعاجزين فيه، كإعادة للفلسفة المايويه، او ما يعرف بالأحكام العرفية لإستالين.
فالطبيعي ان الانسان سيحس بالخوف من المستقبل عندما ينتهي فكره حيث انتهاء فوكو في كتابة المشار اليه في المقدمة، لكن المصيبة هي عندما تكتشف ان دولة قائمة علي هذا الأمر وتقود العالم، هنا سيشرق الأمل فيك مرة اخرى، وسرعان ما ستفقد ذات الأمل، عندما تكتشف ان هذه الدولة قائمة علي سقف دين لن تستطيع تخيله ابدا، ما يعني انها حالة غير طبيعية ولا يمكن تفسيرها بنظرتنا القديمة للدولة، وسيخيب فكرك ما تبقى من أمل في دواخلك، لتنقلك الفاجعة الفكرية الي حيث القيمة الانسانية التي تتوفر داخل هذه الفكرة فتكون هي الحجة لفوكو وانصاره، و وسط هذا التفكك الحضاري القائم اليوم، والذي لم يسبقه مثيل علي مر التاريخ البشري، وما يصعب عملية البحث والتقييم لنوع هذا النظام الذي يدعوا له فكوياما، باعتباره ظاهرة جديدة لم توجد في التاريخ من قبل، والعجز التحليلي يأتي لغياب النموذج التاريخي، لان أي عملية نقدية للفكرة مع فقدان النموذج يعني صعوبة الدخول فيها، واستحالة استخلاص التجارب لعدم وجود النموذج التاريخي المفقود، وذلك لاستشراف مستقبل الفكرة القائمة للدولة الحديثة، او ما يعرف في علم الاقتصاد بالدولة الشركة. فقد انتقلت وتطورت نظرية الدولة بالتطور الاقتصادي، من انها فكرة وطن له عقيدة تأتي من استنشاق عطر الماضي الذي يتربع في صفحات التاريخ، الي شركة لا تصنع أي عقيدة وطنية لفقدانها التاريخ، وانفصال قاطرتها عن الرأس الماضوي، فتتعايش معها كمواطن علي اسس قوانينها والعقد الذي بينكم، ما يعني انك لست ذلك الانسان الذي تم تعريفه في الاعلان العالمي لحقوق الانسان، لكنك ستجد بنود حقوق الأنسان تطبق حرفياً وعملياً دون نقصان في الدولة الشركة، لتعيد من جديد فكرة البحث عن التجربة او النموذج، لتقوية الأمل الذي داخلك وقتل الخوف الذي يتضخم ايضاً داخلك كلما ذهبت لنافذة دفع الضريبة، لان هذه النافذة تُعرفك و تترجمك كمصدر من مصادر الطاقة، الطاقة التي يجب ضخها في عروق وشرايين الشركة الدولة، فتصبح المؤسسات الامنية والدفاعية مجرد انكشارية عسكر، يفعلون واجبهم الوطني داخل الشركة بموجب عقد نفعي لا تضحية فيه، وهنا تكمن مصيبة الدولة التي يحاول فكوياما ترجمتها لنا في القرن الحادي والعشرين. إن هذه المشكلة التي يستعرضها فوكوياما باعتبارها حل للدول الفاشلة في عالم اليوم، نجد من يروج لها ايضاً باعتبارها الحل الوحيد، لتجاوز الدولة القومية التي فشلت كفكرة، اما من يعارضها ينطلق من رصيف لا يُعرفها ويبين ملامحها، ولا ينظر لها من زاوية جيده المساحة والتمركز الفكري، وخطابه في محاربتها مبني علي هواجس الأمن الثقافي والديني والتاريخي، لان الرعب القادم من هذه الفكرة يكمن في خلخلتها لمرتكزات خيمة المجتمعات الشرقية، ولأنه لا يمكن استيعاب نوع هذا التفكير ستكون الحرب ضد الفكرة -الدولة الشركة- كمن يحارب طواحين الهواء، لان الفكرة هنا تضرب صميم تمركزك الفاشل كعالم ثالث، فيما يسمى العقيدة الوطنية التي تاخذ اشكال متعددة، وما لم يتعامل معها كتطور فكري، يمكن مجابهته بالفكر والحجة، للغالب في السجال احقية التموضع في صيرورة التاريخ، او سيكون تعامل البعض نافر من الفكرة من الاساس، ما يعني انك تعجل من سقوط المجتمع في براثن الفكرة -الدولة الشركة- لفقدانك الحجة المنطقية، ويعتقد بانها دولة تهدم القديم لتبني شيئاً جديد، حيث ينتهي الأدب الانساني المفعم والمعتق بالوطنية داخلها، وتصبح الدولة ورشة عمل لا قيمة لذلك الأدب فيها، إلا داخل الاطار المادي، والذي يقنع اللاشعور بوجود شيء يحسسهم بالأمان، من حالة الخوف التي تتجدد عندهم سنوياً في شباك الضرائب.إن هذا النوع من التفكير والفكرة جعلني اتساءل، هل يمكن تحقيق ذلك كحل في وطننا، خاصة وان الخطاب السياسي عجز عن تبلور عقد اجتماعي، يمكن التعايش علي اساسه، دون ان يكون هنالك خوف من قبل المجتمع الارتري من ضياع الادب الذي شكل وعيه، الادب الوطني الذي يتشكل بالدرجة الاولى علي ارضية الوطن كأم حنون، وحاضن لأبنائها، رغم صعوبة تحقق ذلك حتى الان، وكيف يمكن عرض الفكرة في قوالب تتجاوز فكرة القومية واللغة وخلط التاريخ والطائفية والمناطقية، لتنتج لنا وطن اخر تحت تعريف -الدولة الشركة- الكل فيها سوأ، والكل فيها ذا تعريف واحد، يتشكل بين الانسان والدولة، وما بينهم من عقد، ما يخفي باقي التعريفات، التي اقعدتنا كل هذه السنين في من نحن وما هي مركزيتنا للهوية الجامعة، وكيف يمكن تجاوز العقيدة الوطنية لأجيال نشأت علي اساس ان الوطن هو الأم التي طرد من حضنها، غيرة من احدى ابنائها كما يفسرها فرويد، او العكس في التفاسير الطبيعية لمعنى الغيرة بين الاخوة حين يرتبط الأمر بحضن الامومة.اعتقد ان الجميع معارضة وحكومة طارد ومطرود سيستشعر الخطر داخله، وسينتج حركة دفاعية، لا يجد لها ترجمة لحظية غير مصطلح المؤامرة، لان الخطر هنا يصيب الام والحاضنة والدفء، ومتى ما فقد الانسان هذا الاحساس او احس بانه سيفقده، ستكون المعركة هي معركة اللاشعور ضد ما هو معرف و واضح في بلورة نفسه وتسمية مؤسساته، سيحارب الجميع طواحين الهواء وستزداد حجم تضخم المؤامرة علي الوطن، وداخل ذلك قد يظهر من يستغل المعركة، لينتج لها تعاريف غير صحيحه، مما يجعل منه الامير الذي سيقود القطيع الي الهلاك العظيم -الديكتاتورية المقننة وفق القانون والتفويض الشعبي، وسيختار الجميع الأمن الثقافي -المظهري- علي الحرية الفكرية، التي قد تطورت من مفهوم الدولة الشركة، إن استطعت استيعابها داخل حركتها التاريخانية، الي مفهوم اكثر انسنه من شباك الضرائب، وقد تظهر هنا قوة الثقافة، التي يعتمد عليها شعبنا، او ضعفها وهشاشتها وفي الحالتين يعتبر الاختبار مغامرة، والمغامرة بالأوطان جريمة لا تغفر، لكن ما هو الحل في ظل سقوط وانهيار مفهوم الدولة البدائي عندنا كمجتمعات شرقية، اول ما تعرف به الوطن ونفسها هي الطائفة أو الديانة وفي افضل التعاريف الهوية اللغوية.اعرف ان الجميع هنا سيخوض معركة فكرية بين ذاته القديمة وما يطرحه العالم الحديث لمفهوم الدولة في سياق حداثوي قفز الي ما بعد الحداثة، وهي النبوة التي ادركها هيقل في زمن لم تكتمل ملامح تعريف الدولة الشركة فيه كما هي مطروحة الان، وهذه المعركة حتى تكون متكافئة يجب التعامل مع مفهوم الدولة الحديث كحالة حل وقتي يحل اشكال ثقافي واشكال في الهوية، متأزم ولا يوجد له بصيص أمل من الحل، لان الكل مستمسك بأطراف هذه الأم، يريد استمالت عطفها بنظرة حنون، وبعض من بريق العين يعكس الشعور بالخيبة، التي قد تحدث في حال اختيار احدى الطرفين او اذا ما اختارت احدهم دون الاخر لرفضهم العيش معاً، ما جعل الام مجبورة علي اختيار هذا الوضع المعيشي -الدولة الشركة- حتى تجد ارضية حوار تبنى علي المشتركات الثقافية والانسانية، وكذلك مشترك اخر وهو نظرة العدو الواحدة لهم، ما يعني اعطا فرصة لخلق واقع جديد، سيتطور بدوره الي واقع افضل، لان الأمل يبعث من قلب الام في تجانس ابنائها وايقاف نشر ثقافة ما يفرق، مع اعتماد وتسليط الضوء علي ما يجمع من مشتركات.الاخوة القراء اننا هنا نقول شيء محدد، وهو قبول مفهوم الدولة الجديد والتعريف الحديث لها كمرحلة، وذلك للعبور الأمن نحو تعريف افضل، لان الجميع عجز عن اظهار نوع من حسن النية والظن، واقصد هنا -العمل الوطني- لان الخطاب السياسي الارتري عجز تماماً في اظهار نوع من التعايش السلمي، وفي افضل حالته التوافقية يكون اتحاده تحت ظلال نظرية المؤامرة، او واقع الاستعمار سابقاً، ومن ثم قد كُشفت عورة المستور من خطاب سياسي متنافر، عندما اخذت الثورة تتبلور، وظهرت فيها ملامح الدولة، فبدأت مرحلة الاستقطاب الحاد في من يفوز بالدولة، وللأسف لم يتحصل علي كيكة الدولة أي احد من المتصارعين، حتى الحاكمين للدولة قد يكون اعتقادهم بانهم المنتصرين في تلك المعركة، لكن من يحاول منهم السفر للمستقبل القريب، ويستشعر كيف سيقرأ تاريخهم، حينها سيعلم بانه لم ينتصر بقدر ما انهزم في المعركة الحقيقية، وهي معركة التعايش وتطور التجانس المجتمعي، وذلك لتبنيهم خيار فرق تسد كعقيدة سلطوية متجذره منذ الاف السنين.فالوطن الأم ينتظر الحل، والحل لن يتولد من خطاب سياسي صب فيه الحقد والكراهية وشيطنة الاخر، بحيث لا تعتقد انه قد يحصل ذات يوم عودة لحضن الأم جماعية طواعية، وفق إرادة حره واختيار رحيم لنوع خطاب جديد يتبلور علي اساس الحد الادنى، والتوافق علي المشتركات، ونبذ ما هو مودي الي التناحر السياسي، والتفرقة الاجتماعية، التي قد تصل حد الانتهازية في استعمال ادوات تزيد التشرزم اكثر مما كان، والتي تلوح بها بعض المجموعات في الساحة المعارضة، لذا يجب ان يكون الحل مرضي لكل الاطراف، ولا رضاء عن الدولة ما لم تكن مستعدة لتعريف نفسها كحاضن للجميع دون تفرقة وطبقية، والي حين ذلك يصبح الوطن حلم من احلام اليقظة، لكثيرين من هم في هجرة عن الصورة الحقيقة، والتي رسمها لوطنه ذات يوم في لحظة صفاء ذهني، ليأتي الاستبداد من داخل فترات الثورة المتأخرة، يضع اسنانه علي اوردة هذا الوطن، ليشرب من دماء الثوار، تاركاً الاثر الواضح علي فمه وتصرفاته الغير طبيعية، والتي تفقد فيها الانسانية، اذا ما احببت ايجاد الانسانية بداخله معارضة وحكومة، وحتى اشعار اخر ونبأ جديد، ضعونا نحتسي شراب النسيان، ونتوه سفرا في الخيال المعارض رغم مرارة الواقع الانساني ورغم ما يفعله الخطاب الاستقطابي الحاد جدا.