حصار إريتريا وترتيبات القرن الإفريقي : د. أحمد القاضي
10-Jan-2010
المركز
أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا تحت رقم1907 يوم الأربعاء2009/12/23 يقضي بفرض عقوبات دولية علي اريتريا, بسبب اتهامها بزعزعة استقرار الصومال بدعمها للحركات الإسلامية المتشددة بالإضافة لاتهامها برفض سحب قواتها من المنطقة الحدودية المتنازع عليها مع جيبوبي.
إن دراسة وتحليل هذا القرار من حيث توقيت صدوره وتأثيراته علي منطقة القرن الإفريقي وأمن البحر الأحمر, وارتباط كل منهما بالأمن القومي المصري يحتم عرض مواقف الاطراف الإقليمية والدولية من هذا القرار…في البداية فإن موقف الحكومة الانتقالية الصومالية من هذا القرار, وهي الطرف الرئيسي الأكثر تأثرا بهذا القرار, حيث يعدصدور هذا القرار نجاحا لمساعيها الدبلوماسية في إقناع الرأي العام العالمي بالدور الرئيسي الفاعل لاريتريا في دعم الجماعات الإسلامية المتشددة المناهضة لها, وأن فرض العقوبات الدولية علي اريتريا سيؤدي إلي انحسار الدعم المالي والعسكري لتلك الجماعات, وبالتالي إضعافها, وإمكانية فرض الأمن والاستقرار في ربوع الدولة الصومالية. أما إثيوبيا فإنها تجد أن القرار قد يؤدي إلي تشديد الحصار الدولي علي عدوها اللدود بالمنطقة, وبالتالي يترتب عليه بطريقة غير مباشرة تفعيل الدور الإقليمي لإثيوبيا خصما من الدور الإريتري الذي قد ينحسر لفترة زمنية تكفي لإعادة ترتيب الأوضاع بالمنطقة لصالح إثيوبيا.بينما نجد اريتريا وهي الدولة المجني عليها بهذا القرار الدولي فإنها تري أن فرض العقوبات عليها سيدخل منطقة القرن الإفريقي في دورة أخري من الصراع, وذلك من خلال تصريحات سفير اريتريا لدي الأمم المتحدةالذي وصف القرار بأنه مخجل, ووصف العقوبات بأنها إجراءات عقابية سخيفة.أما موقف الولايات المتحدة وهي ذات المصلحة في صدور هذا القرار فإنها تتهم إريتريا بإمداد حركة الشباب الإسلامية المتشددة بالمال والسلاح في قتالهم للإطاحة بالحكومة الانتقالية,وهو الأمر الذي نفته إريتريا مرارا, ويكتسي الخلاف الحدودي مع جيبوتي أهمية خاصة لأمريكا لأن هذا البلد يؤوي قاعدة عسكرية أمريكية يتمركز فيها نحو1200 جندي أمريكي.وفيما بدا تحركا أمريكيا لتعزيز قدرات الصومال الذاتية, قال فيليب كارتر, القائم بأعمال مساعدة وزيرة الخارجية للشئون الإفريقية: إن إدارة الرئيس باراك أوباما تعتزم التركيز علي الأمن الداخلي للصومال علي المدي البعيد. وفي الوقت نفسه, محاربة القرصنة قبالة سواحله. ولكن ماهي إشكالية هذا القرار؟ تبرز إشكالية هذا القرار في أن صدوره جاء نتاج تلاقي مصالح بعض القوي الإقليمية مع مصالح الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية في تحقيق الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي, وجنوب البحر الأحمر, وقناعة كلا الطرفين في أن تحقيق الاستقرار النسبي في الصومال, ورفع قدرة الدولة الصومالية علي تأمين سواحلها علي البحر الأحمر سيترتب عليهما القضاء علي عمليات القرصنة قبالة الشواطيء الصومالية, خاصة في ظل فشل المجتمع الدولي في تحقيق ذلك.وهناك شبه اتفاق بين كلا الطرفين علي أن النظام الإريتري يعد هو العامل الرئيسي المحرك لعدم الاستقرار في المنطقة, حيث يوجه لها أصابع الاتهام بدعم حركة الشباب الإسلامية وفصيل المحاكم الإسلامية المتشدد بقيادة طاهر عويس, وتستند في اتهامها أن النظام الإريتري كان هو المأوي الرئيسي لحركة المحاكم الإسلامية بعد سقوطها ودخول القوات الإثيوبية للصومال, وما تلاه من حدوث انشقاق في الحركة الي فصيل معتدل بقيادة الشيخ شريف اتخذ من جيبوتي مقرا له, وفصيل متشدد بقيادة طاهر عويس اتخذ من أسمرة مقرا له.الصورة الآن في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر ضبابية, ولكنها خلال منتصف العام القادم ستدرج في الوضوح, ويبدو في الأفق أن الحصار الدولي لاريتريا سيفقد السودان الضلع الثالث بعد مصر وليبيا الداعم الرئيسي لوحدة السودان, وتلهث بعض القوي الإقليمية ـ دون أن تعي تأثيراته السلبية عليها ـ إلي الانحياز للتوجه الأمريكي الجديد نحو انفصال الجنوب, ويبدأ إعادة تركيب القرن الإفريقي الكبير. ولكن برغم تلك التحركات الدولية والإقليمية, فإن الفرصة سانحة لمصر أكثر من أي وقت مضي للعودة للقيام بدورها الطبيعي والذي لا تمتلك باقي قوي المنطقة القدرة عليه, في ظل انغماس الولايات المتحدة في أزمات أخري في مناطق أكثر حساسية في الوقت الراهن, ومنها أفغانستان والعراق, لذا يجب علي مصر سرعة القيام بدورها الرئيسي في تسوية أزمات منطقة القرن الإفريقي بداية من النزاع بين إثيوبيا واريتريا, وهو مفتاح تسوية باقي الأزمات, ومنها يمكن إيجاد الأرضية المناسبة لتسوية الأزمة الصومالية بمشاركة كل من الدولتين وبدور ليبي فاعل وتحت مظلة الاتحاد الإفريقي, أما النزاع الإريتري ـ الجيبوتي فهو ليس نزاعا حدوديا بقدر ما هو اختلاف توجهات سيمهد لتسويته تسوية الأزمات الأخري.صحيفة الأهرام -5 يناير2010م