مفاتيح : ناود الزعيم السياسي والكاتب المؤرخ : جمال همد*
24-Sep-2010
المركز
لو كتب لحركة تحرير إريتريا الإستمرار والبقاء لكان وجه التاريخ الإريتري قد تغير أو لربما كان الوضع ليس كما هو عليه الآن .حركة تحرير إريتريا التي أسسها الراحل الزعيم محمد سعيد ناود في عام 1958م بمدينة بورسودان استهدفت في تحركها القوى الأكثر وعيا وأكثر حيوية ، فقد كان قوامها المجتمعات المدينية من رجالات الخدمة المدنية والعمال المهرة ورجال شرطة وطلاب وصغار التجار وكذلك الرأسمالية الوطنية .
هذه الفئات سمحت لها من التغلغل سريعاً في أوساط المدن الإريترية وأماكن تجمعاتها من الأندية الرياضية والثقافية والنقابات العمالية والطلابية وكذلك المرأة ،وقد أستفاد مؤسس الحركة من الخبرة التنظيمية التي اكتسبها من الحركة الوطنية السودانية المعادية للإستعمار وعمادها الحزب الشيوعي السوداني .نقول لتغير وجه التاريخ الإريتري لكون جبهة التحرير الإريترية التي أعلنت الكفاح المسلح مباشرة في إنطلاقتها قد اعتمدت على الريف كقاعدة ومجتمع الرعاة والمزارعين كقوى للتجنيد ، وبهذا انتقلت الثورة من المدينة الأكثر حيوية وتطورا إلى الريف وهذا ما أضر بها وحدّ من حركتها في أوساط المدن لفترة طويلة . وقد استفادت جبهة التحرير من الزخم الشعبي العام و الخارجي لفترة طويلة و أهملت تنظيم الجماهير في الداخل إلا بما يخدم أغراضها ( استجلاب المؤن والأدوية والملابس ..) الخ. متكئة على الاعداد الكبيرة من الجماهير التي نظمتها حركة تحرير إريتريا، أيضا استفادت جبهة التحرير من سرعة حركتها ومن الهالة المقدسة حول حركة التحرر الوطني العالمية مستغلة بطيء حركة تحرير إريتريا الذي يتناسب ومنهجها ، وبعدها عن أسلوب الكفاح المسلح مما انعكس في تسرب قاعدتها والجماهير من حولها الى التنظيم الجديد وأشواق الإنعتاق السريع من نير الإستعمار ، وعندما تداركت الحركة ذلك وأخرجت عدداً محدوداً من العسكريين تم تصفيتهم في معركة ( عيلا ظعدا ) حيث استشهد محي الدين علي القائد العسكري للحركة وعدد من رفاقة بينما أسر البقية أو فر هاربا ولم تكرر الحركة المحاولة ، وقد تغلبت عليها جبهة التحرير ، لتنتهي بالإنضمام الى قوات التحرير الشعبية في عام 1971م .وتلاشت الحركة بعد هذا التاريخ وكلما ما ورد ذكرها كان التبرير المستخدم انها كانت ضد الكفاح المسلح وو قفت ضد إرادة الشعب الإريتري وهذا وحده كافي لطي سيرتها لسنوات طويلة لتنفتح مرة أخرى في أوساط الإتحاد العام لطلبة اريتريا في حواراته الداخلية وأسئلته القلقة المبكرة حول مآلات الثورة خاصة بعد المؤتمر الرابع للإتحاد والذي عقد في مدينة أغوردات عام 1977م .مؤسس الحركة الراحل محمد سعيد ناود قضى وقتا عظيما من تاريخه في قوات التحرير الشعبية التي كان يقودها الزعيم الراحل عثمان صالح سبي حتى التحرير ، هذه الفترة الغارقة في الإنقسامات لم تحد الرجل من هموم الكتابة والتأليف إلا انها قطعا استهلكت جزءً كبير من وقته وجهده . بعد التحرير نصب الراحل لوقت قصير حاكما لإقليم الساحل الذي ينتمي اليه إلا انه سرعان ما تفرغ للكتابة وكتابة التاريخ ليسد أهم ثغرة أهملتها الثورة الإريترية ، دافعا بعدد كبير من المؤلفات والأسفار أهمها ( تاريخ حركة تحرير إريتريا و،حيث تعد مؤلفاته –العروبة والإسلام بالقرن الإفريقي عام1993م ،وإرتريا –طريق الهجرات والديانات ومدخل الاسلام الي إفريقيا عام1999م ،وعمق العلاقات العربية الإرترية عام2004م ،والذى وصفه الإستاذ /عبد العزيزسعود البابطين في تصديره للكتاب :يعد الكتاب (مرجعا ضروريا لمن شاء أن يعرف إرتريا عن قرب لغة وثقافة وتاريخا )كما تعتبر رواية ( صالح … رحلة الشتاء ) أول رواية إريترية على الإطلاق .وهي بمثابة رواية زينب لهيكل بالنسبة للرواية العربية .يحمد للحكومة الإريترية توفير المنزل المناسب والراتب التقاعدي رغم قلته وكذلك الحركة للفقيد مما أتاح له التفرغ للكتابة في كل دروبها بعكس أقرانه في المنافي . وظل الفقيد يكتب حتى وافته المنية .** تلقينا عدد كبير من البرقيات التي تعزي في وفاة الاستاذ ناود والمساحة لاتتسع لنشرها كلها . فقد وردت برقيات نعي من : ناظر عموم قبائل الحباب الناظر كنتيباي محمود التي أكدت على عمق العلائق الإريترية السودانية ممثلة في الفقيد ، مذكرة بما ميز السياسي والكاتب والمؤرخ . كما تلقينا برقية من الرابطة الإريترية للوفاق الوطني بالسويد ومن المنتدى الوطني الإريتري في الخليج عنهم الزميل صلاح الزين . ومن ضمن برقيات التعازي برقية ارسلها المناضل النقابي السابق يا سين ابوجهاد والذي عدد فيها مناقب الفقيد معربا عن أسفه البالغ لهذا الفقد الوطني الجلل في وقت كان فيه الكل في حاجة لجهود الفقيد الفكرية . رحم الله الفقيد بقدر ما أعطى لشعبه وثورته .* نشر في صفحة نافذة على القرن الإفريقي – صحيفة الوطن السودانية – الجمعة 24/9/2010م