حوار مع أنصار النظام … أم ياسر
30-Jan-2007
المركز
أجرت الأخت أم ياسر الحوار التالي مع فتاة إرترية تربت في كنف أسرة ظلت تؤيد النظام وتواليه وتظهر دائماً نظام الجبهة الشعبية بأنه نظام وطني حقق الإستقلال ويسعى لجعل ارتريا دولة في مصاف الدول المتقدمة ولم تجد الفتاة فرصة للتعرف على حقيقة نظام أفورقي القمعي حيث كانت تدور في ذهنها العديد من التساؤلات لكنها دوما كانت تتلقى الإجابات المغلفة من قبل والدها الذي يعيش في حالة تناقض مستمر حيال أسئلتها
فيحاول جاهداً أن يجد للنظام صورة مثالية في مخيلته تناقض الحقيقة الواقعية على الأرض ويلقى بالآئمة على بقية الفصائل الاارترية وهي حالة عبر عنها الشاعرقديماً حين قال :- ( وعين الرضا عن كل عيب كليلة ) هذا حوار حقيقي جرى مع فتاة في مقتبل العمر، نشأت في أسرة موالية للنظام ،لم تكن ترى إلا بعيون أبيها فكان هذا الحوار ، نقطة تحول في حياتها ، ولما تذكرت أن هناك الكثير من مثيلاتها رأيت ضرورة نشره. أم ياسر بداية الحوار كان بالسؤال عن إن كانت قد سمعت عن آخر ما تفتق به عقل نظام أسياس” إذ فكك جامعة أسمرا إلى كليات ..ليجعل لكل منطقة كلية خاصة ؟.قالت : ربما يهدف الى تطويرها أو ليجعل من كل كلية جامعة قائمة بذاتها في كل منطقة على حدة. لكن أنا لم أقل أنه أفتتح فرعاً لكل كلية في عدة مناطق بل أغلق الكلية تماماً ونقلها إلى منطقة أخرى .قالت : ربما لديه خطة تطويرأنت لم تدركيها؟قلت : يتولى عملية تطوير الجامعة بنفسه ؟ لماذا؟ هل هو وزير التعليم أم هو مدير الجامعة ؟ أم هل لديه اختصاص تربوي علمي ليفعل ذلك ؟وأردفت : وما رأيك إن أخبرتك أن مدير الجامعة ووزير التعليم أبلغوا بالقرار فقط ولم يكن لديهم أي دراية بحيثيات الموضوع .. وقوبل القرار بالرفض والاعتراض من الأساتذة .. وإذا كنت تعلمين أن طلبة الجامعة سبق وأن انتفضوا وتظاهروا مطالبين بحقوقهم فقمعهم النظام وأظن الهدف واضح من تفكيك الجامعة ، فالقرار سياسي وأمني ، فتوزيع طلبة الجامعة في كليات متباعدة بدلاً من جامعة واحدة يسهل منع تكتل الناشطين من الكليات المختلفة وبالتالي يمكن أن يطالبوا بحقوق طلاب الجامعة.قالت : يبدو أنك متحاملة عليه ، الرئيس ليس بهذا السوء .. ؟ الذي أعرفه أن الوطن عنده فوق كل شيء ..على الإنسان الإرتري أن يشقى ويتعب ليعمر بلده وما يضر الناس لو سقوا أرضهم بعرقهم كما سقاها الثوار بدمائهم ؟!قلت: الثوار سقوا أرضهم بدمائهم ليعيش الإنسان الإرتري في أرضه عزيزاً كريماً هذا هو الهدف الرئيسي.ثم أردفت: لنرجئ الحديث عن عمل الإنسان الإرتري سخرة في بناء المباني وتنظيف الشوارع ولنتفق أولاً عن معنى الوطن ، فالوطن ليس مجرد قطعة أرض وإنما يتكون من الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع وهذا المجتمع لا يرتبط ببعضه بقطعة جغرافية فحسب وإنما تجمع بينهم قواسم مشتركة كثيرة منها :-اللغة – الدين – العرف – الثقافة – التاريخ – العادات والتقاليد .. فهل تتفقين معي أن الوطن ليس مجرد قطعة أرض عليها مباني ؟قالت: نعم هذا صحيحقلت: إذً لكي نعرف هل النظام الحالي يخدم وطنه أم لا.. وهل حقاً أن الوطن عنده فوق كل شيء ؟لكي تعرفي هذا علينا أن نبحث بتجرد ماذا قدم للإنسان الإرتري بعد التحرير .. هل وفر له الأمن والحرية والصحة والاقتصاد ولو بقدر محدود فأنا أسلم لك بأنه نظام حريص على الوطن، وإن كان غير ذلك فعليك أن تسلمي لي أنه ظالم ودكتاتوري تسلطي .. هل اتفقنا؟قالت: أنا لم أنكر أنه دكتاتوري، ولكن ذلك لمصلحة البلد فلا يوجد في إرتريا إنفلات أمني أو وضع خارج عن السيطر ة بفضل النظام الحاكم وانظري لمن حولنا مثل الصومال يقتل بعضهم بعضا ويعيشون في فوضى عارمة .قلت: كيف يكون الإنسان محب للحرية ويعمل لإستقرارالوطن ورفاهية الشعب وفي نفس الوقت دكتاتوري؟ الحاكم الحريص على الحرية والديمقراطية هو من يعمل لصالح وطنه بينما الدكتاتوري يعمل دوما لأجل ذاته وعرشه .قالت: أنا لا أتفق معك فهتلر وعبد الناصر وصدام كانوا دكتاتوريين ، ولكنهم كانوا أيضاً وطنيين لم يرضخوا لأي قوة أجنبية .قلت: هذه إيجابية لكنها لا تثبت له مطلقا أنه يعمل لصالح وطنه لأننا اتفقنا أن الوطن ليس مجرد قطعة أرض ولأن هدفه من الحروب التى خاضها ليس شرطاً أن يكون لاستعادة الأرض فيجب أن لا تنسي أنه زج بالجنود من قبل في حروب خاسرة مع دول الجوار وهي حروب لاطائل من ورائها مع اليمن في جزر “حنيش” وضد السودان وجبوتي وأخيرا إثيوبيا كما وأن هناك أعداد من الجنود الإرتريين الذين قضوا في حروب دول البحيرات بإفريقيا في صراعات ليس لإرتريا ناقة فيها ولا جمل .. فهلا بدأ بحل المشكلة بالسياسة والتفاوض أولاً؟! ألهذا الحد دماء الإرتريين عنده رخيصة ؟! الحقيقة أنه يسعى ليلهي الشعب الإرتري بالحروب ويشغله عن المطالبة بحقوقه ، فلا يمكن أن أقول عنه أنه يعمل لبناء الوطن بل هو يحطم الوطن ويدمر شعبه بتعطيله للتنمية ومصادرة الحقوق والحريات !قالت: إذاً اشرحي وأثبتي لي كيف يدمر شعبه في كل الأمور التي ذكرتيها سالفاً؟قلت: حسناً سأبدأ لك بالأمن .. الإنسان في إرتريا مضطهد وتنتهك حقوقه غير آمن على دينه وعرضه وعقله وماله ونفسه .. هذه الكليات الخمس التي أمر الإسلام بحفظها لم يحفظها النظام فهو يعيش في خوف وقلق دائمين ويترقب فرق الخطف والإعتقال تحت أي لحظة .قالت: كيف؟قلت: لنبدأ بمعسكرات التجنيد في”ساوا ” مثلاً.قالت: أنا رأيته في قناة إرتريا .. إنه ليس كما كنت أظنه .. صحراء قاحلة .. إنه أشبه بفلل جميلة .قلت: أولاًأراك تستشهدي كثيراً بقناة إرتريا فهي قناة النظام والحكومة تعرض من خلاله ما تريد أن يشاهده الناس أما ملا تريد إظهاره فلا يمكن ان يعرض ، ولا شك أنها تقوم بدعاية مضللة ، ثم إن معسكر “ساوا” وإن كانت مبانيه جميلة فإن ما يجري بداخله يندى له الجبين تمارس فيه أبشع صور الإستغلال والقهر حيث مظاهر الإغتصاب للفتيات كما تناقلته وسائل الإعلام المستقلة كالتحقيق الذي أجراه الصحفي الإسترالي في العام الماضي ثم أننا قد اتفقنا سابقاً أن العبرة ليس بالمظهر وإنما بالجوهراليس كذلك ؟ .قالت: ماذا تعنين؟قلت: لو كانت “ساوا ” تدريباً عسكرياً تخرج رجالاً يخدمون الوطن ويسهرون على رعاية الشعب وأمنه لما أعرض عنه أحد ، ثم أن الجندية أو الخدمة الوطنية نظام عالمي متعارف عليه في كل الدول لكن هناك قوانين تنظم الخدمة الوطنية بحيث تراعي مصلحة الفرد والوطن فمثلاً هناك إعفاء من الخدمة العسكرية مقابل دفع مبالغ مالية وكذلك هناك إعفاءات لأسباب أخرى كأن يكون الشاب وحيد أبويه ، بينما في إرتريا الأمر مختلف تماما في ظل نظام أفورقي التسلطي الدكتاتوري قد يكون أبناء الأسرة كلهم شهداء ولم يتبق منهم إلا واحداً ومع ذلك يساق إلى الخدمة العسكرية حتى لو كان هو العائل الوحيد لأسرته وفي جميع دساتير العالم لا يجوزأن ينتسب المواطن الى الخدمة العسكرية إلا بعد إنهاء المرحلة الثانوية العامة أي قبل الجامعة بينما النظام أخترع قانوناً فريداً من نوعه وهو أن تكون الثانوية العامة في “ساوا” حيث يقضى طلاب طالبات السنةالنهائية إمتحاناتهم في داخل ساوا !!قالت: لعل هدف النظام من سن هذا القانون هو تضييق فرص هروب الشباب من “ساوا” .قلت: ولماذا لا يعمل على حل المشكلة من جذورها .. ألم تتسائلي لماذا كان الشعب الإرتري يسارع إلى الثورة طوعاً أيام الاستعمار بينما الآن يهرب من الخدمة العسكرية؟قالت: لم تذكري لي كيف يكون الشاب في “ساوا ” غير آمن ؟قلت: المسلم أعز ما لديه هو دينه فما رأيك أن الصلاة ممنوعة في “ساوا” حتى حكى أحدهم أنه كان يجمعها في ظلمة الليل على خوف من القائد أن يكتشف أمره فيعاقبه إذاً حرية العبادة مصادرة وحرمة الدين منتهكة والحرية مقيدة لأنهم يصنعون بالمجندين ما تشاءوا وليست هنالك مدة معينة للخدمة بل هي الى مالانهاية وليست هنالك قوانين فعصابات ساوا تضرب عرض الحائط بكل التقاليد والأعراف و الثوابت والمعتقدات . قالت: ولماذالا تلاحظين كيف أن “ساوا” قد تطور ليصل الى المستوى الذي بلغه الآن ؟.قلت: وهل تظنين حينما أصبح بشكله الحالي قد تطورت في مضمونه؟ هل يفرح العصفور أن تضعيه في قفص من ذهب . كذلك هو حال من في “ساوا” .. فهل سمعت يا عزيزتي بآخر قوانينالنظام إلى أين تطورت؟ إذا هرب المطلوب للخدمة العسكرية يعاقب والده إما بالسجن أو الغرامةأكثر من 50000 نقفة . هل سمعت بمثل هذا القانون في العالم أو في التاريخ؟ اليس هذا حكم جائر .. يؤخذ الإنسان بجريرة غيره ؟ “ولا تزر وازرة وزر أخرى” .. وتعلمين أن الشعب الإرتري فقير لا يملك تلك المبالغ الكبيرة ليدفع الغرامة. لذلك العقوبة المحتومة هي السجن .. وفي السجن يكلف الوالدان- الأب والأم – بالأعمال الشاقة كأي مجرم ثم قلت بحسرة وأنا أتنهد: امرأة مصونة في مثل عمر والدتي أو والدتك تسجن وتهان مع المجرمين ؟ هل تعلمين أن هذا كان من الكبائر حتى في عهد الاستعمار .. هنا تحضرني قصة حقيقية طريفة تبين لك كم كانت المرأة مصونة ومكرمة بين قومها حتى في عهد الاستعمار الإثيوبي .. ذات يوم تشاجرت امرأة مع زوجها لكونه يخونها مع “مومس” ورفعت عليه قضية في المحكمة الشرعية ولما علم زوجها بذلك أخذ يهددها ويتوعدها وهو مسافر أنه سيحرمها وأولادها من الميراث ، فذهبت إلى جدي تشكو حالها ثم توجهت إلى الله بالدعاء ألا يعود زوجها سالما فعاد مشلولاً أبكماً ومات بعد فترة قصيرة وأرادت المومس الانتقام من المرأة فحرضت عليها ضابطاً حيث قدم إلى بيت المرأة ليصادر ممتلكات الأسرة فاعتدت الأسرة بالضرب المبرح على الضابط فأخذت الشرطة المرأة إلى الحجز “السجن” فقام جدي ومعه أعيان البلد وطالبوا بإخراج المرأة من الحجز فوراً فحاولت الشرطة إقناعهم بضرورة بقائها في السجن ولو ليلة واحدة فهددهم بإخراج مظاهرة كبيرة ، إن لم تخرج المرأة فوراً وأنكروا أشد الإنكار ، أن تتعرض المرأة للسجن مهما فعلت فاضطرت الشرطة لإخراجها وقد جاء الأمر من جنرالات الاستعمار لأنهم لم يسبق لهم أن سجنوا امرأة ولك أن تقارني حال المرأة بين الأمس واليوم تحترم في ظل الإستعمارلكنها تهان في ظل الحكم الوطني!!!!! ؟!قالت: بالعكس المرأة كانت جاهلة ومتخلفة لكن النظام طورها منذ أيام الثورة .قلت: ولذلك يسجنها لأن إبنها هرب من الجندية أهذا هو التطور؟!قالت: هذه حالة مؤقتة لن تستمر .. هو يريد أن يجعل من هؤلاء عبرة يعتبر بها الآخرون وبالتالي لا يهربون أولادهم .. لكن أنظري إلى الأمور الإيجابية الأخرى .. المرأة أصبحت وزيرة وتعمل في البرلمان و.. و..و.. قلت مقاطعة : وتكنس في الشوارع ؟!قالت: وماذا في ذلك تخدم وطنها قلت: لو كان ذلك طوعاً لوافقتك ولكن المرأة مجبرة على هذا العمل .. المرأة الإرترية العزيزة اليوم ينتقم منها الحاقدون بأن تكنس شوارع عريضة دون مراعاة لصحتها أو مركزها الاجتماعي أو العلمي بل تجد فوق رأسها من يشرف عليها بالسوط والصراخ وكأنها خادمة ؟! ولا توجد أي مراعاة حتى لذوات الأعذار . إحداهن كانت مصابة بالربو فلم تستطع إكمال (الكنس )التنظيف فهرعت إلى بيتها هرباً من الغبار فلاحقها المشرف أن تدفع غرامة وإلا تعود لذلك العمل المهين والمميت لها.. وأخرى إمرأة بدينة جداً لا تستطيع الحركة فألزمها بإحضار مكنسة طويلة لتكنس واقفة !! أهذا هو التطور؟!قالت: ألا ترين أنك برجوازية ؟قلت: لست كذلك ولست اشتراكية الإسلام يعترف بحقوق الفرد لأنه دين الفطرة .. لا يقسر الفرد أن يقوم بعمل لا يناسبه قال تعالى ( لايكلف الله نفساً الا وسعها ) ” والله فضل بعضكم على بعض في الرزق “وقال تعالى “ليتخذ بعضكم بعضاَ سخريا” الناس تتفاوت في العلم والذكاء والقدرات والمال فلا يمكن تكليفهم بعمل واحد .. لأن هذا إهدار لطاقات البلد واقتصادها .. فليس مهمة الطبيب أو المهندس تكنيس الشوارع .. فلابد من إنزال الناس منازلهم . والمرأة عندنا مكرمة لا تهان بابتذالها في تكنيس الشوارع .. وإذا كانت الظروف اضطرتها لذلك فيجب أن يكون باختيارها ومرادها وبمقابل مادي أما أن تعمل سخرة فهذا انتهاك صارخ لحقوقها .قالت: ولكن هذا دعم لاقتصاد البلد فلا تحتاج إلى ما يسمى بالبلدية ونفقاتها.قلت: البلد يعاني من البطالة فلو وظف الشباب العاطل لهذا العمل بمقابل مادي يكون قد دعم اقتصاد البلد ونفع الشباب.قالت: تفكيرك غريب .. لا ترين حسنات للنظام جعلت أعماله كلها سيئة .. حتى تطوير المرأة لم تعترف به. قلت: لم أكمل لك ماذا فعل النظام بالمرأة .. عندما يبحث الجلادون على المطلوبين للخدمة العسكرية لا يحفظون للبيوت أي حرمة ..فيدخلون على الزوج وزوجته من النافذة ليلاً !!ويمكن أن أذكر لك حادثة رواها شاهد عيان ومفادها أن امرأة كانت ترضع طفلها فأخرج المجرم الثدي من فم الطفل وضغط على الحلمة ليختبر الحليب هل الإرضاع حقيقي أم هو تصنع هربا من الخدمة العسكرية .. بأي حق يهتك ستر امرأة ؟ أي إهانة أسوأ من هذا؟ نعم هناك ما هو أسوأ حينما يصطفي الضباط في “ساواة” الفتاة الجميلة للفراش مقابل إعفائها من الأعمال الشاقة وهدية ” كرتونة حليب” لأهلها . أما الفتاة الدميمة فعليها حمل الأثقال وتكسير الحجارة وتسلق الجبال .قالت: ما هذه الجرائم البشعة ؟ من أين لك بهذه الأخبار؟قلت: للأسف هذه حقائق نقلها من شاهدها قالت: أعرف أنهم لا يحترمون الأديان قلت: ولا الأسرة ولا التقاليد والأعراف قالت: كل ما تقولينه أسمعه لأول مرة .. الصورة التي كان ينقلها والدي مختلفة تماماً .. وكذلك قناة إرتريا ..ثم أردفت كمن يحاول أن يتمسك بقشة : لكن لا يمكنك أن تنكري أن التعليم قوي في إرتريا فرأيت بنفسي في قناة إرتريا شباب استطاعوا أن يجعلوا الكمبيوتر بلغة ” التجرينية” قلت: هذا لا يدل على دعم التعليم وإنما هذا دعم لمشروع أسياس في دعم اللغة “التجرينية “قالت: أليست هي اللغة الرسمية للدولة ؟قلت: ليست وحدها بل معها اللغة العربية التي لم يعترف بها النظام وجعلها لهجة الرشايدة.قالت: وما المشكلة في ذلك ؟قلت: اللغة العربية قد أقرها البرلمان الإرتري مع التجرينية لغة رسمية لإرتريا في الأربعينيات فبأي حق يلغيها “أسياس” ؟قالت: ما دام هناك لغة إرترية لها كتابة لماذا لا نكتفي بها؟قلت: لأنا هويتنا وثقافتنا وجذورنا عربية وهو يريد أن يفصلنا عن ذلك .قالت : كيف قلت: إرتريا هي موطئ أقدام الصحابة في أول هجرة للمسلمين خارج مكة ثم ان ارتريا هي ارض الطراز الإسلامي حيث كانت تابعة للحكم الأموي ثم العباسي والعثماني لذلك هي ارض إسلامية واللغة العربية هي لغة الدين والثقافة للمسلمين الارتريين .قالت: هذا تاريخ ما علاقته بالواقع؟قلت: الشعب لا ينفصل عن تاريخه وجذوره وثقافته وإلا كان بدون هوية . ثم تبسمت وتذكرت إجابات الإرتريين عن هويتهم في برنامج في قناة “الجزيرة” عن إرتريا .وقد قلت مساكين لم يجرؤ أحد منهم أن يذكر هوية الشعب الإرتري .. كانت إجاباتهم من المبكيات المضحكات حين قالوا هويتنا “إرترية” !!!قالت: في إرتريا اللغة التي يفهمها معظم الشعب هي اللغة التجرينية لذلك لا داعي من لغة أخرى لا يفهمها الشعب .قلت: يبدو أنك لا تفهمين أهمية اللغة وأثرها وتأثيرها .. اللغة العربية يتمسك بها الشعب الإرتري لأنها تربطه بدينه وثقافته وجذوره وهويته والتخلي عنها يعني فصل الأجيال القادمة عن كل هذه الثوابت .. والواقع المرير الذي ذكرته في إرتريا هذا الواقع صنعه النظام فلا ينبغي أن نستسلم له بل نتمسك بحقنا وننتزعه بقوة فلا أحد يعطي الحقوق مجاناً .قالت: يعني اللغة العربية كانت سائدة في إرتريا قبل النظام ؟قلت: نعم ولكن الاستعمار كان يحاربها أيضا لنفس الأهداف ولكن ليس بنفس هذه الشراسة التي يقوم بها النظام حالياً .قالت: جعلته أسوأ من الاستعمار؟قلت: نعم .. وسأثبت لك ذلك .. أولاً بدأ بإلغائها كلغة رسمية بعد أن كان أجدادنا أقروها في الأربعينيات كما قلت لك ثانياً أخترع أن يكون التعليم الإبتدائي بلغة الأم حتى يتفرق المسلمون في لهجات عدة ليس لها حروف لتكتب بها وذلك بدلاً من أن تجمعهم اللغة العربية وقد إعترض عليه مدير معهد مصوع ” باعلوي ” رحمه الله أمام الملأ وذكر له مساوئ الفكرة كان أولها ليس لديه معلمين بتلك اللهجات ولا كتب وأن ذلك مكلف اقتصاديا بينما لو جعل التعليم بالعربية للمسلمين فإن الدول العربية بلا شك ستدعم التعليم بالكتب والمعلمين .. ولكن الرئيس نفذ خطته وأعلن الحرب على كل من يعترض عليه بالسجن والقتل حتى لو كان من أنصاره ذلك لأن القضاء على اللغة العربية كانت من أهم ثوابته التي تحقق أهدافه .قالت : أظنك تبالغين .قلت : كان أخي يتردد على أحد مطاعم الفول في السودان مع زملائه في الجامعة فقال له الفوال : انت إرتري أليس كذلك ؟ أنا إرتري مثلك .. كنت جندياً في الجبهة الشعبية لأكثر من عشرين عاماً .قال أخي: أبعد كل هذا النضال تعيش في الغربة وتعمل فوال ؟قال : بعد التحرير البقاء في إرتريا أصبح محالاً ذات مرة زارنا مسئول كبير يلقي علينا ما أملاه عليه “أسياس” فقمت وعرضت رأي بأهمية اللغة العربية لإرتريا وفائدتها فإذا بي لا أجد نفسي بعد تلك الندوة إلا في حفرة عميقة وحدي ينزلون إلي الرغيف بالحبل لا أعلم أين أنا وما ذنبي .. وبعد مرور أيام وشهور عصيبة أفرجوا عني والحساب والعتاب ممنوع ورفاقي تخلوا عني .. لم يستطع أحد أن يسأل عني فكان القرار الفرار بجلدي .قالت: هذه مآسي لا تطاق .. كيف يسكت عليها الشعب الإرتري .قلت: هذا ما أدركه رفاقه أخيراً وأرادوا تصويبه أو الانقلاب عليه فزج بهم في غياهب السجون ويقال مات منهم الكثير ، وأضفت ولمحاربة اللغة العربية والدين أغلق المعاهد الإسلامية وسجن المعلمين ويصادر المصاحف والكتب الإسلامية في الميناء والمطار ودبروا حوادث مرورية لقتل أصحاب الشهادات العالمية والثقافات العربية وسن جميع القوانين التي تمنع اللاجئين والمغتربين من العودة أو السياحة في إرتريا حتى لا يتأثر الشعب الإرتري في الداخل بأصحاب الثقافات العربية.قالت : ألهذا الحد؟ لكن أسياس يجيد اللغة العربية بطلاقة .قلت: نعم كان يخطط لتسلم زمام الأمور مبكراً لذلك أجادها كوسيلة لخدمة مصالحه “ومن تعلم لغة قوم أمن مكرهم” قالت: لكن أرى السفارة توفر المنح للجامعات لتعليم الشباب الإرتري .قلت: توفير المنح الجامعية والبعثات التعليمية هذا واجب أي دولة تريد النهوض بشعبها لكن للأسف النظام لم يحسن استغلال الكثير من المنح الجامعية التي أوهبت له من كل الدول بعد الاستقلال مباشرة . وهو الآن يحرم الإرتريين المقيمين في المملكة العربية السعودية من المنح المجانية التي يوفرها إتحاد الطلبة في مصر .قالت: كيف ؟قلت: قال للمصريين أنتم لم تخدمونا في التعليم إنكم تعلمون المغتربين في السعودية وهم في غير حاجة للمنح يمكنكم أخذ الرسوم منهم لكونهم تجار ومترفين .قالت: كيف يقول هذا؟ ألا يعلم حالهم في البطالة وإيجارات البيوت والإقامات والكفيل ؟قلت : يعلم ولكن يريد أن يحرمهم من فرص التعليم حقداً وحسداً كما حرمهم من قبل من فرص منح البنك الإسلامي .قالت: يكفي .. يكفي .. لقد سمعت منك أموراً جديدة مخالفة لما تربيت عليه من صغري لا يمكنك أن تقتلعي أثر كل تلك التربية في يوم واحد .. لكن طرحت في نفسي تساؤلات وجراح مؤلمة .قلت: ما أريده منك أن تناقشي والدك فيما أخبرتك به لأنه يعرفها ولم يخبرك بها .قالت: كنت دائما أرى أن والدي يعرف كل شيء.قلت: مصدر معلومات والدك هي قناة إرتريا والمقاهي والقادمين من إرتريا والصنف الأخير لا يستطيع أن يتكلم.قالت: ومن أين يمكن أن أحصل على المعلومات من غير تلك المصادر .قلت: وأنا أفتح لها “الإنترنت”تصفحي المواقع الإرترية واسمعي لمن ذهب إلى إرتريا ولن يعود إليها فإنه يتكلم بحرية .قالت : لن أحتاج للبحث فيما فعله النظام في قضايا أخرى يكفي ما عرفت ، فعله في الأمن والحرية والتعليم والمرأة .قلت: أخبرتك عن غيض من فيض ويمكنك أن تكملي بنفسك. وبعد أن إفترقنا ناقشت والدها وخرجت بنتيجة تقول فيها : لقد وجدت والدي يعرف كل شيء ولكنه مستسلم فهل سيظل الشعب الإرتري مستسلم للوضع في الداخل والخارج ؟ ألا هل من انتفاضة عارمة تعم البلاد والعباد ؟!قلت أضم صوتي لصوتك .أم ياسر18/1/2007م