فصل جديد في اللجوء الأريتري إلى السودان :«130» إلى «150» معدل التسلل عبر الحدود يومياً … عبد المنعم أبو إدريس
5-Mar-2006
الصحافه
صحيفة الصحافة السودانية -5مارس 2006م
بدأت فصول قصة اللاجئين الاريتريين في السودان منذ حوالى اربعين عاماً تحديداً في العام 1967م، وذلك عندما شددت الحكومة الاثيوبية من هجماتها على الثوار الاريتريين آنذاك، وقد عبرت الحدود السودانية مجموعة وصلت الى ثلاثين الف لاجئ، واستمر الامر حتى نالت اريتريااستقلالها،
ومن ثم بدأت حملة شركاء فيها ثلاث جهات هي الحكومة الاريترية والحكومة السودانية ممثلة في معتمدية اللاجئين والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، ومر الامر بمراحل كثيرة حتى أعلنت المنظمة الدولية في مارس 2003م انتهاء الوضع القانوني للاجئين الاريتريين في السودان.وبحسب الاجراءات الرسمية كان من المفترض ان يكون هذا الاعلان آخر سطر في فصول هذه الرواية الطويلة، ولكن مؤثرات كثيرة جعلت العرض مستمراً للذين رفضوا برنامج العودة الطوعية وقبل ان يغلق هذا الباب يبدأ فصل جديد في الرواية ولكن بوقائع جديدة لذا سنحاول ان نروي ما الذي يحدث. مشهد أول:ترحاس فتاة اريترية لم تتجاوز الثانية والعشرين من عمرها كانت تستقل حافلة قادمة من الجريف غرب وما لفت نظر كل من على الحافلة أنها فشلت في التواصل مع «الكمساري» لغوياً لانها لا تتحدث العربية فاستعانت بكلمات من لغة التقراى ولما لم تجد فتيلاً اتبعت الامر بعبارات انجليزية وعندها سألتها منذ متى هي في السودان قالت ان لها في الخرطوم عشرة ايام ولكن في السودان ككل شهر.بدا الامر بالنسبة لي مثيراً فسألتها مزيداً من الايضاح فأجابت بأنها دخلت الى السودان وهي تسير على قدميها مع مجموعة من رفقائها ورفيقاتها، وكانت اولى المحطات في منطقة ود شريفي الواقعة على بعد «15» كيلومتراً جنوب شرق كسلا، ومن ثم معسكر «26» بمنطقة حلفا.الآن ندع ترحاس تهيم على وجهها في شوارع الخرطوم تبحث عن مصدر رزق يقيم أودها ولنبحث عن صور أخرى في هذا الفصل. من التاريخ والحاضر:وصلت الموجة الاولى من اللاجئين الاريتريين للسودان عام 1967م ارتفعت الوتيرة في العام 1975م بسبب تطورات سياسية وعسكرية مثلت منعطفاً في النضال الاريتري، فالمناضلين الذين عبروا الحدود السودانية بأسرهم بأكملها كانت الاراضي السودانية تمثل ساحة خلفية للمناضلين يداوون فيها جراحهم ويتركون اسرهم في مأمن.وارتفعت الوتيرة في فترة الثمانينات بسبب دخول عوامل طبيعية هي الجفاف الذي ضرب منطقة القرن الافريقي، حتى انه في العام 1993م وصل عدد معسكرات اللاجئين الارتريين داخل الاراضي السودانية ستة وعشرين معسكراً، وبلغ عدد الذين يعيشون في تلك المعسكرات وفقاً للاحصاءات الرسمية «430» الف نسمة.واعلن استقلال اريتريا وبدأت ترتيبات عودة اكبر مجموعة من اللاجئين الاريتريين موجودين في بلد واحد.فشهدت مدينة جنيف السويسرية توقيع اتفاقية ثلاثية اطرافها الحكومة السودانية ممثلة في معتمدية اللاجئين والحكومة الاريترية والمفوضية السامية للاجئين التابعة للامم المتحدة، وذلك في يوم 6 سبتمبر 1994م، وتقضي المذكرة بإعادة «430» الف لاجئ خلال اربع سنوات كان من المفترض ان تنتهي بنهاية عام 1997م. ولكن البرنامج توقف في العام 1996م بسبب توتر العلاقة بين السودان واريتريا.ويقول تقرير صادر عن مركز سويرا لحقوق الانسان عن اوضاع الانسان في اريتريا في العام 2004م بان جملة الذين عادوا فعلياً في الفترة من 1994م بلغ «23741» نسمة مقارنة بـ «160» الفاً كان هو العدد المخطط له.ومن بعد تم توقيع مذكرة جديدة في 7 أبريل 2000م لاستئناف برنامج العودة الطوعية، وبسبب هذه المذكرة الثانية عاد الى اريتريا 94360 لاجئي يبلغ عدد كل الذين استفادوا من البرنامج في مرحلتيه 118101 لاجئ وهؤلاء يمثلون «36%» من المستهدفين.وفي مارس 2003 أعلنت الأمم المتحدة انتهاء الوضع القانوني لحالة اللجوء الاريتري في السودان في مواجهة حوالى 000،300 لاجئ ما زالوا موجودين في معسكرات وهذا غير الذين دخلوا المدن واصبحوا جزءاً من نسيجها.لتدخل الامم المتحدة مع معتمدية اللاجئين في السودان في ما عرف بالفحص القانوني وهي عبارة عن مقابلات تتم مع اللاجئين لتكييف وضعهم القانوني بعد ان يتم تسجيلهم. ويقول يس محمد عبد الله مدير مركز سويرا لحقوق الانسان بان الذين سجلوا لمقابلة لجان الفحص القانوني بلغ عددهم «785،18» ألف اسرة وبحسب رأيه انها نسبة بسيطة حيث نجد انهم يبلغون 56 ألف نسمة فمن قابلوا اللجنة نسبتهم لا تتعدى الـ 15% من المسجلين، ويضيف يس امراً آخر بقوله ان احصائية صادرة عن معتمدية اللاجئين السودانية في مارس 2005م قالت بان عدد اللاجئين الأريتريين الموجودين في السودان هو 405 آلاف لاجئ.ثم يدهمنا ذات التقرير ان 200 ألف دخلوا للسودان بحثاً عن اللجوء في الفترة من 2002 وحتى 2004م وهؤلاء جاءوا وفق معدل تسلل حتى اغسطس 2005م يتراوح بين 30 إلى 40 متسللاً في اليوم. مخاطرنعود لترحاس التي تقول بانه داخل اريتريا هناك اشخاص اصبحت حرفتهم ان يأخذوا الذين يريدون التسلل الى السودان عبر طرق غير معروفة نظير مبلغ مالي.ولكن ألا يعد هذا الامر مخاطرة وما هي احتمالات ان يقع هؤلاء في قبضة السلطات الاريترية.ورواية قالها احد السودانيين كان محتجزاً في سجن اريتري قرب الحدود السودانية بانه احصى خلال شهر واحد حوالى ثلاثة آلاف تم القبض عليهم وايداعهم هذا السجن بتهمة التسلل.ولا تتوقف المخاطر داخل اريتريا ففي الارض السودانية يواجهون خطر الموت عطشاً وجوعاً، ويس محمد عبد الله يؤكد انهم وثقوا حالات وفيات بين المتسللين. وغير حديث يس فعندما حاولت التوغل في ريفي كسلا باتجاه الحدود الاريترية وصلت الى مشارف أحد معسكرات القوات المسلحة فأسرع قائد المعسكر يحثنا على السلامة من الالغام فالارض هنا تنوء بها، ويؤكد حديث قائد المعسكر عبارات التحذير من الالغام وخطرها تقابلك وانت في طريقك لمغادرة مدينة كسلا، كما ان المنطقة تم ادراجها في برنامج نزع الالغام الذي بدأ بعد توقيع اتفاقية السلام السودانية.اذن مخاطر الطريق هناك في اريتريا وسلطات اذا ألقت القبض على المتسلل تودعه سجناً سيئ السمعة وان دخل الى الاراضي السودانية قد يموت عطشاً او جوعاً قبل ان يصل الى السلطات السودانية واحياناً يزداد حظه سوءاً فينفجر عليه لغم يودي بحياته او يسبب له عاهة مستديمة . معدلات عاليةمنذ اغسطس الماضي يتراوح معدل التسلل ما بين 130 إلى 150 شخصاً في اليوم ويرتفع هذا المعدل في يوم السبت الى 200 شخص، واكد لنا ذلك قائد معسكر تابع للجيش السوداني يقع في المنطقة ما بين الحدود السودانية الاريترية وبلدة ود شريفي محطة استقبال اللاجئين الأولى.عندها ثار سؤال لماذا هذا المعدَّل الكبير في التسلل رغماً عن كل المخاطر اذ يرى يس محمد عبد الله ان الخدمة الوطنية عامل كبير وذلك لان سنواتها في اريتريا غير محدودة رغماً عن ان القانون هناك حددها بـ عام ونصف العام ولكن هناك من بقوا الى عشر سنوات خاصة بعد تصاعد التوتر بين اريتريا واثيوبيا والنزاع الحدودي كما ان الحكومة تستخدم هؤلاء المجندين في اعمال رصف الطرق والزراعة مقابل اجر زهيد يتقاضاه المجند.وهناك سبب آخر ما يحدث في المعسكرات من ممارسة على سبيل المثال الاضطهاد الديني ويس يقول إنهم وثقوا حالات لمجندين ربطوا على الاشجار عندما ضبطوا وهم يؤدون الصلوات كما ان الكتب المقدسة مثل القرآن الكريم والانجيل اذا وجدت بحوزة المجند تعتبر هذه جريمة.يضاف لحديث يس ان ترحاس قالت انها ركبت هذه الصعاب حتى لا تدخل لمعسكر الخدمة الوطنية سيئ السمعة وخوفاً من سوء المعاملة ضحت ترحاس بمواصلة دراستها فقد كان عليها قبل الانتقال للمرحلة العليا المرور عبر بوابة معسكر الخدمة الوطنية.ومع كل الصعوبات يصل المئات الى محطة الاستقبال الاولى في بلدة ود شريفي وفي طرفها الشمالي الشرقي لافتة تعود لمفوضية اللاجئين ومبنيين مسورين بسلك شائك احدهما مبني بمواد ثابتة والآخر مثل منازل الاهالي من مواد محلية.كما ان السلك الشائك امتلأ بملابس تم غسلها وشباب اغلبهم دون الخامسة والعشرين يتحركون في فضاء المبنى فهنا على المتسلل ان يبدأ اولى خطواته من خلال التسجيل والحصر الاولى، ولان المتسللين من الجنسين خصص المبنى من المواد الثابتة للنساء والآخر للرجال لان عليهم البقاء هنا مدة تمتد ما بين 24 ساعة الى 72 حيث يتم حصرهم وتقدم لهم إغاثة مصدرها برنامج الغذاء العالمي.وبعد هذه الخطوة يتم نقلهم الى معسكر يقع في منطقة القرية 26 بحلفا الجديدة.وفي المحطة الثانية على اللاجئ ان يقنع لجنة الحصر القانوني بأحقيته بنيل شرف اللجوء!ويقول يس إنه في هذه المرحلة ان اقناع اللجنة القانونية يعتمد على قدرات اللاجئ في عرض قضيته، والذين ينجحون في الغالب تكون لديهم خلفيات سياسية، اما الذين لا تقتنع اللجنة بدفوعاتهم هؤلاء يواجهون ظروفاً صعبة.فبعد المعونة الاولى من برنامج الغذاء العالمي لا يتلقون شيئاً كما انهم لا يحق لهم الخروج من المعسكر والتجول في السودان لانهم دخلوا بصورة غير قانونية.تجارةللخروج من هذا المأزق نما نوع جديد من البزنيس اناس يمتلكون سيارات مهيأة للأسفار لديهم وكلاء داخل المعسكر يرصدون حركة الذين قابلوا اللجنة وفشلوا في اقناعها ويرمون لهم باحتمالات طوق نجاة لدينا سيارة لتقلكم الى مدينة الخرطوم فقط عليكم دفع مبلغ يتراوح احياناً ما بين «150» ألف جنيه سوداني الى «200» ألف جنيه.وفي جنح الظلام تتسلل المجموعة التي تمتلك المال من المعسكر وفي مكان محدد تنتظرها السيارة البوكس التي تكتفي بحمولة عشرة اشخاص فقط، وفي ظلمة الليل تنهب بهم الارض شاقة سهول البطانة تاركة الطريق المسفلت لان فيه نقاط تتحقق من هوية الذين يمرون عبر السيارات حتى انها احياناً تنزل من السيارات سودانيين ينتمون الى قبائل مشتركة لا يحملون اوراقاً ثبوتية ولا تتركهم إلا بعد التحقق من هويتهم، وان كان من بين مستخدمي السيارة لاجئون عليهم الحصول على تصريح بالمرور من السلطات الامنية.ولكن هذه السيارات تسلك طريقاً معروفاً في البطانة يستخدمه المهربون، ومع الخيوط الاولى للفجر تضعهم في اطراف سوق الوحدة بالحاج يوسف، وهذا هو ذات الطريق الذي اتى بترحاس ورما بها في شوارع الخرطوم.وفي المحطة الثانية ينقسمون الى مجموعتين الاولى وهذه تتكون من الذين لديهم معارف أو اقارب بالخرطوم، وهؤلاء حظهم جيد فقط عليهم مهاتفة ذويهم والذين يأتون لاخذهم من سوق الوحدة.. اما الفئة الثانية سيئة الحظ والتي منها ترحاس فهناك سماسرة في انتظارهم بعضهم اريتريون ومن بينهم سودانيون يأخذونهم الى منازل تنتشر ما بين الجريف غرب والحاج يوسف وجبرة للإقامة لفترة حتى يجدوا مصدر رزق مقابل اجر يومي يتراوح ما بين «10» الى 20» ألف جنيه، وحتى الذين لا يملكون مالاً تسجل ديناً عليهم ولان هؤلاء السماسرة الذين يتولون مهمة البحث لهم عن اعمال إما في المطاعم أو المنازل وأحياناً في الشركات، وبحسب ترحاس فإنهم غير اجر السكن يتقاضون عمولة بعد ان تجد عملاً.عندما سألت احد المسؤولين الامنيين بولاية كسلا عن واقعة التسرب من معسكر 26 لم ينفها او يثبتها فقط التزم الصمت.ولكن يس يقول إن هذه الطريقة غير تعريضها للاجئين للمخاطر فانها تجعلهم يقعون تحت سيطرة واستغلال السماسرة الذين يوفرون لهم السكن والعمل. آخر المطافترحاس تهيم في شوارع الخرطوم باحثة عن العمل وآخرون من ابناء جلدتها تشارف السيارة ان تقطع بهم سهل البطانة وصولاً الى مرافئ الامان!! والبعض ينتظر في معسكر 26 من أجل هذا الخروج وهناك في ود شريفي ما زال آخرون في المحطة الاولى.ولكن المجموعة الاخرى تمضي نحو المجهول ما بين الحدود السودانية الاريترية غير عابئين بالمخاطر، والمئات هناك يتحسبون إلى بدء هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر وإزاء كل ذلك منذ مارس 2003م أعلنت مفوضية اللاجئين انتفاء صفة اللجوء وكل العالم يمارس الصمت.. وفصل جديد من الرواية يكتب في كل هذه الاراضي دون ان تصل الرواية الى ختامها.