بشير إسحاق في إفادات ساخنة: الإثيوبيون مهوسون بإستعادة إريتريا وهذا موقفنا من مشاريع ” الوياني “
أثار البيان الذي أصدرته الحركة الفيدرالية الديمقراطية الإريترية بمناسبة الذكرى الـ ( 31) للإستقلال ردود أفعال متباينة، وحرك البيان المياه في حياة المعارضة الإريترية البعيدة عن المشهد العام للإحداث في منطقة القرن الإفريقي عامة والصراع الإثيوبي الإثيوبي والتدخل الإريتري في صراع إقليم تقراي الإثيوبي مع الحكومة الفيدر الية الإثيوبية.
” عدوليس ” تواصلت مع بشير إسحاق رئيس المكتب السياسي للحركة الفيدرالية الديمقراطية الإريترية في حوار مطول حول البيان الصادر وتبان موقف الحركة ورؤيتها ، كما تطرق الحوار لعدد من القضايا الخاصة بالعارضة الإريترية.
تواصل معه : جمال همـــد
/ في بيان صادر عن حركتكم بمناسبة الذكرى ٣١ للاستقلال تحدثتم عن غزو خارجي يتهدد إريتريا تعرفون أهدافه ومكوناته وأبعاده وهذا الأمر “لا يتطلب توصيف النظام ونقده تكرارا وإنما الوقوف موحدين لدحر اي عزو خارجي” حسب نص البيان. السؤال ما هي أبعاد وأهداف ومكون هذا الغزو الذي تقصدون وماهي مؤشرات ذلك؟
أسمح لي وكمقدمة للقاء اولا ان اشكرك أخي العزيز والصحفي المرموق الاستاذ جمال همد، واشكر عبرك كذلك موقع عدوليس المحترم الذي تديره بجدارة واقتدار، على إتاحتك لي هذه الفرصة لتوضيح – ما استطعتُ – ما التبس على البعض في البيان المذكور وحول مواقف الحركة الفيدرالية بصفة عامة. وانتهز هذه السانحة أيضا بأن أوضح بأننا في الحركة الفيدرالية الديمقراطية الإريترية نتابع بحرص شديد وبشكل دقيق كل تطورات الاحداث في إريتريا ودول الإقليم الذي تحيط بها، كما نتابع كل الغث والثمين في وسائل التواصل المختلفة، ونصنف ونوثق بكل عناية كل الكتابات والتعليقات المؤيدة والمنتقدة على حد سواء التي تتناول مواقفنا عامة وبياننا الأخير بشكل خاص. لأن آراء الناس ومواقفهم عامة هي مرآة تساعدنا اولا على قراءة نبض الشارع بصفة عامة – على الاقل للقلة المغتربة التي تملك إمكانية استعمال هذه الوسائل – كما تساعدنا على مراجعة كيفية تعبيرنا بما نؤمن ونقتنع به وملئ الثغرات وتوضيح الغموض فيه. لذا وجب الشكر وعبر موقعك هذا للجميع وبدون استثناء بما فيهم من ذهب الى شخصنة المواقف السياسية وغلّب حظ نفسه على الموضوعية، ومن نحى منهم منحى الشتم والتخوين وانتقاء الكلمات الغليظة والجارحة للتعبير عن موقفه واحاسيسه، فهذا أيضا يساعدنا على تقييم المستوى الثقافي والسياسي والأخلاقي ليس للأفراد فحسب، بل لنخبنا ولطبيعة الوسط السياسي الذي نتفاعل معه، وفي النهاية وكما يقال، الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
وعودا الى سؤلك
ان أبعاد هذا الغزو يعلمه الجميع وهو بأن كل الاثيوبيين بدون استثناء مهووسون برغبة استعادة اريتريا الي احضان اثيوبيا وامتلاك منفذ على البحر لأحمر، ولم تستوعب الكثير من النخب الإثيوبية الواقع بإن إريتريا أصبحت دولة ذات سيادة. ومع علم السياسيين المستنيرين منهم بأنه من الأفضل لكلتا البلدين والشعبين الاعتراف ببعضهما بعضا وعدم تدخل كل منهما في شؤون الآخر، وأن الاستثمار على القواسم المشتركة بينهما لتحقيق السلام في الإقليم والتكامل الاقتصادي والامني ممكن أن يحقق مكاسب جمة تربح منه الدولتين ويفيد الشعبين، وذلك بدل العيش في أحلام وتمنيات بعيدة التحقيق ينتج عنها خطابات الكراهية والعدائيات والحروب المستمرة التي تضر باستقرار إثيوبيا ووحدتها الداخلية أكثر مما تضر بإريتريا. إلا ان السياسيين الإثيوبيين وبشتى توجهاتهم ومن أجل مصالحهم الحزبية والمناطقية والشخصية يستغلون هذه الأحاسيس العاطفية والتمنيات واسعة الانتشار بين الجمهور الإثيوبي – والذي قلَّ ما يعرف شيئا عن تعقيدات العلاقة الإريترية الإثيوبية غير حديث العوام المتداول بان اريتريا كانت جزء اصيل من اثيوبيا وانتزعتها منهم “شابيا” الجبهة الشعبية (The bad boys)، حسب فهمهم – وقد أصبح هذا الأمر بدون استثناء ورقة سياسية يستعملها الجميع وقت الأزمات ومادة دعائية تحريضية للنخب الإثيوبية ضد بعضهم بعضا. وفي هذا السياق روجت نخب قومية الأمهرا في العقود الثلاثة الماضية من مواقعهم في أمريكا وغرب أوروبا -الذين ظلوا خارج السلطة- هذه الورقة الدسمة لتأجيج عاطفة جمهور الإثيوبيين ضد ملس زناوي ونظام حكمه. كما إن نخب وقيادات الوياني القومية الشوفينية اثناء حكمها في المركز، كانت تصر وتتفنن في ابتزاز هذه الورقة بوجهها الأول :(نحن منحنا اريتريا الاعتراف والاّ لما تحقق الاستقلال) فيما تروج بين قواعدها واتباعها الوجه الثاني من نفس الورقة: (الوصول للبحر شرط لقيام واستمرارية دولة تجراي). وبعد وفاة ملس زيناوي سقط استعمال الوجه الأول واستمر ابتزاز الوجه الثاني بشكل شبه علني ومنظم ومُمَول، حيث صارت تُجّمَع وتُفرَّخ وتُنَظَّم مجموعات من الإريتريين وأشباه الإريتريين باسم المعارضة تحت شعارات الوحدة والإخوة والتاريخ مع التجراي (بلوص- زرئي = العرق المتفوق، بروه مصائي = المستقبل الباهر، تجراي تجرينيي، سمرت، سداقي … الخ). وفي خضم صراعها الراهن على السلطة مع الحكومة المركزية في اثيوبيا تستغل نخب الوياني المجروحة والمكلومة بفقد السلطة في الراهن السياسي، تستعمل نفس الورقة الفجة والتأجيج العاطفي الممجوج: “الوصول الى البحر ووحدة أبناء العرق الأجعازي” بين أبناء فقراء الفلاحين والرعاع في اقليم تجراي لتبرير غزو أريتريا والنيل من سيادتها.
اما مكون الغزو المتوقع في الوقت الراهن فليس ذلك تهمة نوجهها نحن ضد هذا او ذاك، بل يعلنها أصحابها الوياني وملحقاتهم من الإريتريين جهارا نهارا طول عامين او ثلاثة من خلال تصريحات قياداتهم، وبياناتهم، وإعلامهم المكتوب، والمسموع. ونحن في الحركة الفيدرالية الديمقراطية الإريترية نرى بأنه ومع بقاء الرغبة العاطفية الاثيوبية للقضاء على استقلال إريتريا وسيادتها حية خلال العقود الثلاثة الماضية، إلا أنها ظلت هامدة ومغمورة من الناحية العملية وبقت بشكل أساسي مجرد اضغاث أحلام لنخب قومية الأمهرا المنفية في دول الغرب، وأداة سياسية دعائية لهم موجهة نحو خصومهم في الحكم من الوياني وحلفائهم في الـEPRDF – الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية الإثيوبية. ولم تكن في الواقع العملي تشكل أي خطر حقيقي على اريتريا وسيادتها الوطنية، ولم تتحول الي مهدد حقيقي عسكري ماثل للعيان الا بعد أن فقدت ويأني تجراي السلطة في المركز وبدأت تبحث عن احلامها القديمة الجديدة وتُجيٍّش وتُدرٍّب وتُسلِّح الآلاف من فلاحين الإقليم، وتهدد وتتوعد اريتريا بالويل والثبور وعظائم الآمور، وبدأت بجدية في تفعيل وعسكرة وتدريب وتسليح صنائعها من الأجعازيان وبروه مسائي ووحدة ارتريا وغيرهم ممن رضى ووظف نفسه طوعا تحت أمرتهم، وذلك تمهيدا لتنفيذ الغزو بالاختباء وراء هذه الأسماء المملوكة لهم.
أما أهداف قيادة الوياني في غزو اريتريا فهي سبيلا في تحقيق حلم قيام “دولة تجراي التاريخية الكبرى” المزعومة، دولة “الأجعازيان العظمى” التي “امتدت امجادها الى اليمن والحجاز وأخضعت البجا وسوبا ومروي ونبته” في السودان. بل قيام إمبراطورية تجراي العظمى في العصر الحديث، أخت إسرائيل وتوأمها في غرب البحر الأحمر، وشبيهتها وحليفتها الموعودة بالسيادة على من حولها من الرعاع الأمهرا والأقو والأرومو والعفر والمسلمين “الطبح طبح ” وتعني الشلحون. دولة التجراي الكبرى التي تقوم على أنقاض دولتي اريتريا وأثيوبيا الحديثة المعاصرة معا، وتسود عليهم وذلك “لعدم وجود مثلنا تنظيما وقوة وتجربة وإرادة” (راجع الوثيقة المفصلة التي خرج بها مؤتمر الحزب الأخير، وراجع تسجيل اجتماع قيادات الوياني في مدينة مقلي قبيل الرابع من نوفمبر2020). ويرى هؤلاء بأن هناك عقبات يجب تجاوزها وشروط ومكتسبات يجب عليهم تحقيقها تمهد الطريق امام قيام الدولة الحلم. تجاوز العقبة الأولى نحو الحلم تتمثل في استغلال العزلة الدولية للنظام الإريتري وطبيعته القمعية الداخلية والقضاء على اسياس افورقي ودولته وجيشه المكون من “الطبح طبح- بطح بطح” الرعاع الأجلاف، القتلة الذين تم اثبات تهم الإبادة والاغتصاب والنهب عليهم بدليل بيانات الإدانة التي صدرت من مواطنيهم في المعارضة قبل ان تثبت عليهم من خلال تحقيق دولي محايد. كما يرى هؤلاء بإن هزيمة الجيش الإريتري ودخول الوياني الى اريتريا وتنصيب كرزاياتها كواجهات يفتح لهم طريق الوصول للبحر الأحمر ويحقق لهم الشرط الأكبر لقيام الدولة المنشودة، ويمهد ضم كل أراضي اريتريا أو على الاقل جزء كبير منها بعد تمكين اتباع الأجعازيان من الإريتريين واشباههم البلهاء من شؤون البلاد ومقدراتها (لا قدر الله). ويجعل هذا النصر مسالة استرجاع الأراضي الإثيوبية الزراعية الواسعة المحادة للسودان والاحتفاظ بها كجزء من تجراي أمرا سهلا، وتتكون هذه الأراضي من محافظات الحمرة ووالقايت وسقدي وارماشو، وبذلك يتحقق الحلم الذي يستحق ان يقدم من اجله مئات الآلاف من فقراء التجراي ارواحهم قربانا لتحقيقه في حين ان أبناء القيادات والأغنياء والسادة يحاربون من أمريكا وأوروبا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وعبر راديو وتلفزيون أسنا.
ويعتقد منظري حلم دولة التجراي في جامعة مقلي وامريكا وقيادات الوياني المتنفذة بأن تجاوز تلك العقبات وتحقيق تلك الشروط ممكنة في الواقع “لو صمدنا وقدمنا ما يلزم من التضحيات”.
٢/ ماذا تعنون ب (موحدين)؟
“موحدين” بشكل عام وبكل بساطة تعني الاتفاق الجماعي على ترتيب الأولويات حسب أهميتها واوزانها وتقديم التصدي المشترك للخطر الأعظم، والعمل على التناقض الرئيس وتقديمه على التناقض الثانوي. هذه الوحدة تسبقها الاتفاق فيما هو رئيسي وما هو ثانوي في مرحلة زمنية معينة ومحددة، وامام ظروف سياسية استثنائية لا تشبه ما قبلها ولا بعدها. هكذا تعلمنا ابجديات السياسة وهكذا قرأنا التاريخ. فعلها الصينيون الذين كانوا يحتربون حينما تعرضت بلادهم للغزو الياباني الأجنبي في الحرب العالمية الثانية، كما فعلتها شعوب عدة في مواجهة الأجنبي ومنها الولايات في شمال أمريكا التي كانت متدابرة وتوحدت ضد الحكم الإنجليزي، وفعلها الألمان في حرب الألزس واللورين ضد فرنسا، وفعلتها الشعوب المحتلة من قبل الإمبراطور مينيليك الثاني من الأورومو (السلطان أبا جفار من جما، وارومو ولليقا وسلولتا وكميسي- مثالا) والقوراقي والسيدامو والولامو والتجراي (رأس منجشا مثالا) وغيرهم من شعوب اثيوبيا في مواجهة الأجنبي الإيطالي في معركة “عدوا” الشهيرة، وذلك رغم جراحاتهم ومواقفهم المضادة من دموية الإمبراطور مينيليك وقهره لهم. بل وفي العموم فعلها الشعب الإريتري (مع بعض الاستثناءات) حين اصطف خلف ثورته ضد الاحتلال الإثيوبي رغم تبايناته الداخلية حول مفهوم الهُوِيّة واللغة وشكل الحكم. تقديم الأهم على المهم في اطاره الزماني مسألة مبدئية ومن لا يعرفها فليعمل في شيء آخر غير السياسية، ومن يعرفها ولكنه لا يقوى ولا يقدر أو لا يجرؤ عليها خوفا من كلام العامة العاطفي فهو أحمق تقوده عواطفه واحقاده الإنتقامية. إن الشروط والأحكام في العمل السياسي تختلف عن تلك التي تحكم العلاقات الوشائجية القبلية وعقليتها وشروطها، ولكن وللأسف يبدوا ان هناك البعض المُبرمج على هذا الأساس ولا فكاك له منها. ولكن بصفة عامة لا اعتقد ان هناك من يختلف نظريا في ضرورة ترتيب الأولويات والتصدي للأهم والأخطر أولا مع تجميد الثانوي والأقل أهمية وتأجيله لوقت آخر، ولكن الخلاف يكمن في أهمية الحدث الطارئ وتحديد الصراع الرئيسي من الثانوي.
في الواقع وبعيدا عن المواقف النظرية بأنه قد تم استفزازنا بالأحداث والأفعال لآتية لنتخذ هذا الموقف الضروري والواضح لمواجهة تلك الاستفزازات وقطع الطريق امامها وفضحها وافشالها، بل ومنازلتها ومقارعتها في الميدان السياسي من خلال : –
1. معرفتنا عن قرب لنوايا الوياني واستعدادهم لشن حرب على اريتريا وخطابهم السياسي والإعلامي المستفز
2. تكوين تحالفات ومظللات وتجمعات علنية من صنائع التجراي – الحقيقية منها والوهمية – والتي نعرفها جيدا، للاصطفاف مع الوياني في حربها على اثيوبيا وغزو إريتريا بجرأة، وتبرير وتجميل اجندات الوياني وحربها على إريتريا بوقاحة، ووصفها زورا وبهتانا بأنها من اجل “التغيير الديمقراطي وموجهة ضد اساياس أفورقي ونظام حكمه”!! (انهم يكذبون، ويعرفون انهم يكذبون، ويعرفون اننا نعرف بأنهم يكذبون)، ان هذه الحرب موجهة ضد الشعب الإريتري وضد الدولة الإريترية وسلبا للسيادة والاستقلال الإريتري، وليس لها البتة أي علاقة بتغيير او اصلاح ديمقراطي والذي نحن بمثابة القلب والعقل منه وبدون مزايدات من أحد.
3. لهس بعض الكيانات التي حسبناها وطنية وراء هؤلاء الصنائع، تارة باسم التنسيق وتارة اخري باسم الوحدة والتماهي معهم في تبرير الحرب على إريتريا، بل التحالف معهم وترفيعهم لأعلى المواقع في مظلاتنا النضالية. وانتهازية هؤلاء بالوقوف في مناطق رمادية حتى ينجلي الأمر ليقولوا للمنتصر أيا كان “إنا كنا معكم”.
ونتيجة لهذه الاستفزازات الجريئة من اشباه الإريتريين، وكذا المواقف غير المبدئة الزئبقية من البعض الآخر، قررنا منازلة أصحاب الهوى مع التجراي بطريقتنا الخاصة، وكانت كلمة السر هي “موحدين”، حيث تم البحث والتواصل مع جل القوي والتجمعات والأفراد في معسكر المقاومة الوطنية العريضة التي تتطابق او تتقارب مبادئهم وآرائهم ومواقفهم مع مواقفنا في هذا الأمر، وكان نتيجة الجهد الجماعي هو الاتفاق على منطلقات مشتركة فيما اسميناه “مانفستو 2021، للحراك الثالث – نحو بناء الوعي الإستراتيجي للتغيير”. ثم انطلقنا نحو توحيد وتنسيق الكلمة والجهد لكل الوطنيين في وسائل التواصل الذين عبروا كل بطريقته منفردين وصدحوا عاليا في مواجهة الحرب على ارتريا وعلى فكرة الركوب على دبابات الوياني، وفي جعبتنا الكثير الكثير في هذا الاتجاه الذي سيعلن كل في وقته المناسب. هذا كان منطلقنا الأول في “موحدين”، ولا زال اهتمامنا محصورا في المقاومة الوطنية، ولكن إذا كان يروغ للبعض لهوى في نفسه حشرنا في زاوية مع النظام بدل محاورتنا فنقول له اننا اهلا لها فلا تخشى علينا، وان مبادئنا تشمل الجميع بما فيهم النظام ان كان هذا الجميع على استعداد للقيام بما عليه من استحقاقات تفرضها عليه شروط “موحدين”.
نحن في الحركة الفيدرالية الديمقراطية الإريترية – نفهم عواطف البعض الجياشة ضد النظام، ونفهم ونحس بالجراحات التاريخية والاجتماعية التي تسبب فيها انفراد النظام وسلوكه السياسي ورفضه للحوار وتجاهله بما سببته وتسببه سياساته من غبن وتطرف ويأس وكفر بكل مبدئ جميل آمن به الشعب وناضل وضحى من أجله. ولكننا وبنفس القدر – وبما نؤمن به من مبادئ- نرفض السقوط في مأزق “عدو عدوي صديقي” بشكل مطلق. كما اننا نجاهد أنفسنا دوما حتى لا نقع في كسل فكري وسياسي يقودنا الى حالة التيبس والتكلس في التاريخ وفي مكان واحد، شتاء وصيفا، وحربا وسلما. ولا نقبل ان نحبس أنفسها في عالم الكراهية والثأر لنجتر عذاباتنا وبكائياتنا ونتجرع سموم هزائمنا. ولهذا فإننا نحب دوما ان نتجدد ونطمح الى تبني المبادرات الوثابة ونحاول مغادرة محطات المألوف المكرر الى اكتشاف غير المألوف المحسوب بعناية. عاهدنا أنفسنا ان لا نرهن اذهاننا وعقولنا للكسل ولا نركن للسهل الموروث المكرر المألوف. ولهذا قلنا وسوف نقول رأينا وبدون ان يرف لنا جفن: –
1. أن النظام القائم في إرتريا هو نظام شمولي انعزالي قمعي يحكمه فرد بمنطق “لا اريكم الا ما أرى” وانا وحدي لا شريك لي فيها، انا وجدتها، وانا وحدي اعرف كل ما هو خير لكم ولها، وانا هي وهي انا، فاصمتوا والا ف “عيلا عيرو” تكون مثواكم التي لا اعرف ان احاوركم الا بها. قلنا هذا الكلام عبر السنين وسوف نقوله حتى يحكم بلادنا دستور وحتى يتمكن الشعب الإرتري من اختيار حكومته ونظامه السياسي بإرادته الحرة. ولا نقبل في ذلك مزايدات أي يافع مستجد ينعق باتهاماته لنا في وسائل التواصل الاجتماعي.
2. ان اثيوبيا عموما ومهما تعاقبت الأنظمة المختلفة فيها تظل مهدد كامن، وعلى الشعب الإريتري ودولته وحكوماته اللاحقة مهما كان شكلها وتوجهاتها عبر السنين مراقبة الوضع هناك بحرص ودقة والتوثب الدائم للدفاع عن الذات. وإن جماعة الوياني المنفلتة وميلشياتها المتمردة على السلطة المركزية في بلادها تمثل في الوقت الراهن الخطر الداهم والأكبر منذ حملات الكولونيل منجسو في غزو ارتريا وتفتيت وحدتها الاجتماعية والنيل من استقلالها وسيادتها الوطنية.
وهنا الصورة واضحة امامنا ولا لبس في ترتيب اولوياتنا، ونعتقد ان الوياني لو (لا قدر الله) ووطئت اقدام جحافل ميليشياتها الحاقدة ارض إريتريا فإنها سوف تكرر ما فعلته في قوبو وولديا ودسي ودبريسينا وما بينهما من قري، ستكرره وبأبشع مما كان في صنعفي وعدي قيح ومندفرا واسمرة وكرن واغوردات وتسني ونقفة وما بينهما من قرى وبدو وحضر. إننا لا نتحمل ولا نريد ان نرى ولا نسمح بكل ما استطعنا حدوث ذلك، وإننا وبشكل واضح نعتبر ان الوياني في هذه اللحظة تمثل الخطر الأكبر على الوطن والشعب الإريتري، وتمثل التناقض الرئيس في نضالاتنا الوطنية في الوقت الراهن. وأن هذا الموقف لا يعني بالضرورة اننا نراهن على حسن نية النظام تجاهنا، كما لا يعني نداؤنا واستراتيجيتنا “العمل من الداخل” الاستسلام للنظام أو التنازل عن تقييمنا له أو الدفاع عن اساليبه القمعية وسلوكه السياسي الداخلي، كما أشار البعض في مداخلاته غير الموفقة المحكومة بالتقليدية والتكلس.
٣/ هل تملكون مبادرة مصالحة مع النظام محددة الملامح والآليات.. ام ان الامر فقط تسجيل موقف سياسي عام.؟
نحن في الحركة الفيدرالية نمتلك رؤي تقدمية نظرية وعملية واضحة ومحددة الملامح والسمات للمصالحة الوطنية والعمل المشترك، وتقدمنا بها كمبادرة مكتوبة في مؤتمر التحالف الديمقراطي في الخرطوم 2005 (“لماذا، وفي ماذا، وكيف، نتحالف؟” أو نتصالح؟) وظللنا الى يومنا هذا نعمل فيها تطويرا وتنقيحا. وبناء على فهمنا “للوحدة الوطنية” و”المصالحة الوطنية” حينها نظّرنا وبادرنا ومهدنا وتصدرنا ملتقى الحوار الوطني الذي عقد في اثيوبيا في 2010 والذي بنى عليه مؤتمر أواسا المعروف، ولكن وبطبيعة بعض شركاؤنا من تنظيمات المعارضة وبعض شخوصها الموغلة في العشائرية والإثنية والدينية الرافض لكل جديد غير مألوف لديهم، ومدعومة بالأجندات التفتيتية (بهير بهيرسبوش) المدمرة لحكام اثيوبيا حينها ومحاولاتهم فرضها علينا بالقوة حينا وبالتحايل والخداع حينا وبشراء الذمم أحيانا اخرى، تم لي زراع رؤيتنا وافراغها من مضامينها والانحراف بها إلى هذا الواقع الأليم المخترق الذي نعيشه.
ودعني اساعدك في سؤالك حتى تكون صريحا معي، انك تعني “هل هناك مبادرة قائمة بينكم والنظام” فأقول لك ان هذا لا يوجد البتة إلى هذه اللحظة، وأكرر كلمة الى هذه اللحظة ، ولا نعتقد بإمكانية ذلك في الوقت الراهن لان اي مصالحة لها استحقاقات علي كل الاطراف المتصالحة، وحتى مسألة الوحدة أمام العدو الغازي الخارجي التي ندعو اليها تحتم علي الاطراف استحقاقات واقعية ملموسة على الأرض، فهي لا تتم من طرف واحد بل تكون بتضافر جهود الأطراف جميعا، الكل يقوم من جانبه بما يليه من تنفيذ شروطها وتسهيل عملياتها ، فهي ان كانت تحتم علينا توجيه امكاناتنا وقدراتنا نحو الداخل وتوجيه سهامنا تجاه العدو ، فهي أيضا تحتم على النظام الانفتاح على من يخالفونه الرأي من الوطنيين في الداخل والخارج ، وإعلان العفو العام عن الجميع وتسهيل وقبول مساهماتهم دون قيود وبطريقتهم التي يفضلونها، واطلاق سراح السجناء السياسيين ليسهموا كذلك بدورهم، وإعلان التعبئة الوطنية العامة حتي يتم تأطير كل طاقات البلاد في مواجهة الخطر الخارجي، ونحن على استعداد للحوار حول تلك الاستحقاقات لو وجدت مبادرتنا اذان صاغية.
انها في الحقيقة محاولة لوضع النظام أمام مسؤولياته التي تحتمها عليه ظروف تربص أجنبي واضح بهذا الحجم، آخذين في الاعتبار إمكانات من يقف خلف الوياني ويدعمها انتقاما وغضبا من موقف إريتريا في بعض القضايا الخارجية. وهي كذلك محاولة جادة للارتقاء بخطاب المعارضة السياسي الذي بات مثل خطب الجمعة المكتوبة ايام الفاطميين في مصر ويلقيها بعض ائمة المساجد في الأرياف مقروءة من كتاب قديم، وان اتي الإمام بشيء جديد من عنده احتج عليه الناس واتهموه بالوهابية لأنهم لا يستسيغون الخروج عن المألوف. فخطاب المعارضة في وقت السلام هو خطابهم في وقت الحرب، وجمهور المعارضة التقليدي أيضا أدمن طقوس البكائيات ولا يقبل بغيرها. لقد مللنا من تكرار نفس الأسطوانة. أخي العزيز أرجوك أن تقرء كل البيانات التي صدرت بمناسبة الاستقلال هذا العام بما فيها بيان المجلس الوطني وقارنها بكل البيانات التي صدرت خلال الثلاثون عاما منذ الاستقلال، لا جديد فيها يستدعي الأخذ والعطاء، انها جسد بلا روح، تكرار اسطوانة واحدة وكأن العالم قد توقف في 91 يوم قيل لكم “ناي ودبات حشويي يلين”.