مقالات

قراءة في كتاب سيرة المناضل محمد نور أحمد ( 9 )

قراءة عبدالفتّاح ودّ الخليفة في:

كتاب “سيرة مناضل”
الحلقة التاسعة

في الصفحات (51، 52، 53) يروي الأستاذ محمد نور أحمد قصة البحث عن العلم والأمان، ورحلته من الخرطوم إلى حلفا القديمة، حيث حمله قطار الشمال، وكان رفيقه في الطريق أحد أبناء الحلفاويين أصحاب الفنادق، الذين عاشوا سابقًا في تسني وعلى قدر.
ومن هناك واصل الرحلة عبر السمبك النهري إلى قرية فرس، ثم تابع السير على الأقدام عشر ساعات للوصول إلى بلانة، ومنها استقلّ الباخرة إلى أسوان.
وقد تجاوز مشكلة إبراز الهوية بأعجوبة أخرى، بفضل تجربته السابقة في حرب السويس وصحراء سيناء عام 1956، حين شارك ضمن إحدى الفرق الفدائية مع بعض الإرتريين.

ويعتذر الكاتب للأستاذ عن نسيانه أو عدم تدوينه لاسم بطل سيناء ورفيق الشهيد سعيد حسين.
ويبدو أن الرحلة من قرية فرس إلى بلانة النوبية المصرية لم تكن سهلة، إذ كانت طويلة وشاقة، خاضها السير على الأقدام مع ضرورة التخفّي وتجنّب كشافات حرس الحدود المصري، وسط الإعياء الشديد حتى دخول أسوان راجلًا عبر قرية دهميت، وهو يقود بقرة كوسيلة تمويه بمساعدة خبراء الطريق.

إنها حقًا رحلة البحث عن العلم والأمان، والتاريخ يعيد نفسه، فالمشاق ذاتها يتحملها شباب إرتريا اليوم بعد مرور أكثر من ثلاثة وستين عامًا، بحثًا عن الأمن وحياةٍ أفضل وطلبًا للعلم، عابرين الصحارى، وإن نجوا من رمالها، فـ”مارد البحر” بانتظارهم، يختار من بينهم ضحاياه. إنها حقًا لعنة القرن.


في الصفحة (54)، يذكر الأستاذ محمد نور قصة انتدابه إلى إرتريا لإقناع معارفه وزملائه من أعضاء حركة تحرير إرتريا بالانضمام إلى جبهة تحرير إرتريا، مستفيدًا من قرار العفو العام واختفاء العميد شرطة تدلا عقبيت.
وفي رحلته هذه التقى بعددٍ من القامات السامقة من رفاقه وزملائه، مثل محمد كرار ومفتش التعليم الشيخ سعد الدين، وقد أصبحا أعضاء نشطين في تنظيم الجبهة. كما التقى الجنرال زرئي ماريام أزّازي، الذي شهد له الأستاذ محمد نور بوطنيته ومعاونته الكبيرة.
كذلك التقى بزميله القديم الأستاذ عبدالقادر إبراهيم حنفط للمرة الثالثة، في وضع مختلف هذه المرة، وهو الذي ضمن خروجه من البلاد بتأمين منزله في كرن.

ومن أهم مكتسبات تلك اللقاءات وصية الجنرال أزّازي، التي قال فيها:

“أحسّ بالحيرة، لأنّ التقاتل أصبح إرتريًّا – إرتريًّا، لكنني لست ضد الثورة.”

وقد شهدت المواقف للجنرال زرئي ماريام أزّازي بوطنيته، إذ كان سببًا في إطلاق سراح العديد من السجناء السياسيين في إرتريا، ومنهم المناضل حامد أحمد عثمان والمناضل علي معتوق، الذي أصبح لاحقًا نائبًا لقائد المنطقة الرابعة، المناضل الأسير محمد علي عمرو، فكّ الله أسره.


كما علم كاتب هذه السطور من أبناء الشيخ البرلماني عثمان أحمد هندي (اتقوا الله)، أن عمّهم السيد حسين أحمد هندي، حين اعتُقل عام 1963 بسبب عضويته في خلايا الثورة بمدينة مصوّع، كان الجنرال زرئي ماريام أزّازي هو من ساعد في إطلاق سراحه.

وللجنرال أيضًا دور مهم في عام 1968، إذ قام بإتلاف سجلات الملتزمين بجبهة التحرير الإريترية التي استولى عليها الجيش الإثيوبي في قرية سِبِر، عندما قادهم إليها المستسلم علي بخيت. وقد كادت تقع كارثة لولا تدخل الجنرال في الوقت الحرج، حيث حضر شخصيًا إلى مدينة كرن وأتلف الوثائق بطلب من قيادة الجبهة، وعلى رأسها الشهيد عمر حامد أزاز والفدائي الشجاع سليمان موسى حاج.

ولا يساورني أدنى شكّ بأنّ للجنرال مواقف وطنية أخرى شجاعة وكريمة ليست هنا محلّ تفصيلها، لكني أوردتها إثراءً لما ذكره الأستاذ محمد نور أحمد، وإشادةً بلفتته الذكية حين أشار إلى نماذج من أبناء الوطن الذين خدموا الثورة في الخفاء رغم حساسية مواقعهم داخل أجهزة دولة الاستعمار المنهارة. لقد كانت إشارة معلّمٍ موفّقة أدّت الغرض بامتياز.

جانب من تدشين كتاب سيرة المناضل الاريتري محمد نور أحمد – ملبورن استراليا – مايو 2025

وإلى أن نلتقي في الحلقة العاشرة، لكم تحية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى