قراءة نقدية في توثيق أحداث 1967 بكتاب سيرة مناضل.(12)
بقلم/ عبد الفتاح ود الخليفة
في الفصل الثامن، وفي الصفحات (83–96)، جاء ذكر الأستاذ لـ«مؤتمر التضامن الأفروآسيوي» وللمناضل حامد محمد آدم «همرشولد». وكانت إعادة التذكير بالمناضل المرحوم «همرشولد» ذكرى نافعة، وقد كنت أتوقّع تعليقًا من الأستاذ محمد نور حول لقبه هذا. كما جاء ذكر «اتحاد الطلاب العالمي» وسكرتيره العام السوداني فتحي فضل، زميل دراسة للمناضل زين العابدين يسن، وقد ذكر محاسنه وأنه أوصى وشجّع على تكوين الاتحاد العام لطلاب الإريتريين في يناير 1969 بمدينة دمشق في سوريا، وعن مجاهداته في قبول عضوية الاتحاد في «اتحاد الطلاب العالمي».
كما عرّج الأستاذ على عام 1967 وسماه «عام الكوارث»، وذكر من أبرز تلك الكوارث خبر مهاجمة الشرطة السودانية لمقرات ومكاتب الثورة في كل من كسلا وبورتسودان بتاريخ 12/08/1967، واعتقال أعضاء القيادة الثورية والمقاتلين الذين كانوا في كسلا لأسباب مختلفة. وأرجع الأستاذ قرار الحكومة السودانية إلى الظروف الضاغطة حينها بسبب الحرب العربية–الإسرائيلية. وبفضل نشاط الجبهة وكوادرها وقتها، ومن بينهم المناضل محمد نور أحمد والمناضل سيد أحمد محمد هاشم، تراجعت الحكومة السودانية عن قرارها وأُطلِق سراح المقاتلين.
لكن 21 من هؤلاء المقاتلين طلبوا تسليمهم إلى القنصلية الإثيوبية لإعادتهم إلى بلدهم، وقد نفذت القنصلية طلبهم، وسُلِّموا إلى شرطة تسنّى، وكان معظمهم من المنطقة الخامسة. ويذكر الأستاذ أن الذين سُلّموا كانوا 21 مقاتلًا، بينما يذكر المناضل عثمان دندن في كتابه معركة إريتريا (ص 294) العدد نصًّا «واحد وعشرون»، لكنه يورد 19 اسمًا فقط. ويميل الكاتب إلى أن الأسماء منقولة من صحيفة «الوحدة» الإثيوبية الصادرة في أسمرا، والتي نشرت أسماءهم وصورهم.
وفي هذا السياق، يورد الكاتب الملاحظات التالية:
أولًا:
نقل الأستاذ محمد نور في الهامش (ص 95) أسماء المستسلمين للقنصلية الإثيوبية في كسلا عام 1967، مع تحسين وتصحيح بعض الأسماء عند نقلها من كتاب المناضل عثمان دندن، إلا أنه أسقط الاسم الأول من القائمة، وهو «أبرها عنتيلة».
ثانيًا:
ورد في كتاب الأستاذ محمد نور، في رقم (6) من قائمة من سلّموا أنفسهم، اسم «هبتي ماريام»، وقد نقله وصحّحه؛ إذ ورد في الأصل: «هبني مارسام».
ثالثًا:
وبالطريقة ذاتها، ورد في رقم (7) اسم «زرآي تكئو»، ونقله الأستاذ بعد التصحيح إلى «زرآي تكو»، بينما يُكتب غالبًا «زرآي تكوء». ويرى كاتب هذه السطور أن كتابة الأسماء بطريقة صحيحة —وبما يوافق نطقها باللغات الإريترية— أمر بالغ الأهمية، بخاصة في الكتابات التوثيقية.
رابعًا:
في ما يتعلق بدقة نقل الوثائق: قرأتُ قبل أشهر كتابًا يُوثّق حياة القائد المناضل الكبير إدريس محمد آدم بقلم الأستاذ إمنتو تسفاي (بالتغرينية)، وقد أورد الكاتب أسماء أعضاء البرلمان الإريتري في دورته الثالثة (1960–1964)، وفيها نحو عشرين برلمانيًا يبدأ اسمهم الأول بكلمة «سعيد». ومن ذلك ما ورد هكذا: «سعيد حسين كافل مسمر»، والمقصود حسين كافل مسمر، الذي مثّل في الدورات الثلاث (المنسع–بيجوك–عد تماريام). ويتضح أنّ كلمة «السيد» الواردة كثيرًا في الوثائق —ربما الإيطالية أو الإنجليزية— قُلبت إلى «سعيد»، ما أحدث التباسًا. وهذا الخطأ شائع عند العديد من الكتّاب والإعلاميين الناطقين بالتغرينية.
خامسًا:
خلط الأستاذ محمد نور عند النقل في رقم (8)، إذ ذكر المناضل والوزير هيلي ولدي تنسائي «درّع»، بينما المذكور في كتاب معركة إريتريا هو هيلي ولدي مكئيل الملقب بـ«هيلي جبها»، وهو من الذين عادوا إلى الثورة عامي 1971–1972، وكان مسؤول قسم التحقيقات في «أمن الثورة» في «بليقات» بالساحل الشمالي، وأُعدم لاحقًا ضمن مجموعة «اليمين»، ومنهم سلمون ولدي ماريام و بطاي قويتؤوم برهي و الدكتور أيوب قبري لؤول. أمّا المناضل الوزير «هيلي درّع»، فهو مذكور في رقم (14)، بينما نقل الأستاذ في رقم (11) اسم «تسفاي تسفا قابر»، والصحيح هو «تسفاي تسفا بروخ» كما ورد في كتاب عثمان دندن.
سادسًا:
ورد في رقم (20) اسم المناضل يوهنس مبرهتو كما أورده دندن. ويُضاف هنا أن هذا الاسم مشهور في الحراك المعادي لجبهة التحرير الإريترية، وهو أحد أقطاب المعارضة في «قوات التحرير الشعبية 2». وبعد تسليمه وعودته إلى إثيوبيا واصل دراسته الجامعية، مثل زميليه هيلي درّع و موسى تسفامكئيل. وفي عام 1972 اختطف طائرة إثيوبية مع زميله موسى من مطار «بهدار»، وأجبرا طاقمها على الهبوط في طرابلس الغرب–ليبيا، ومن هناك عبرا الجزائر إلى عدن، ليعودا إلى الثورة عبر «بليقات». ويتردد في الكثير من أدبيات التغرينية أن اسمه يوهنس سبهتو لا مبرهتو، مع التحفظ على اسم الأب أو العائلة، لكثرة تغيير المناضلين أسماءهم لأسباب أمنية. وتذكر شهادات عديدة أنه أُعدم مع رفاقه موسى و أفورقي تخلو عام 1978 في الساحل.
سابعًا:
أورد الأستاذ 21 اسمًا ممن سُلّموا للعدو الإثيوبي، لكنه ذكر في النصوص عشرين اسمًا، وربما كان السبب إسقاط الاسم الأول «أبرها عنتيلي». أما دندن فيذكر 21 اسما، لكنه يورد 19 فقط، بينما تُظهر الصورة المنشورة في جريدة «الوحدة» الإثيوبية 18 مقاتلًا، وربما كانت هناك ملابسات أخرى لغياب بقية الأسماء.
ثامنًا:
يُعتقد أن الذين سلّموا أنفسهم لإثيوبيا كانوا ثلاث مجموعات:
- مجموعة كسلا: وفيها أسماء بارزة مثل نقوسي حزباي، أول مفوض سياسي للمنطقة الخامسة، والمناضل الشهير هيلي درّع (عاد للثورة في 1972 عبر الصومال وعدن)، والمناضل موسى تسفامكئيل، والمناضل يوهنس سبهتو، والمناضل هيلي ولدي مكئيل–جبها.
- مجموعة الخرطوم: بقيادة ولداي كحساي، ويُقال إن معه المقاتل محمد نور بصيري و«النقيب» المتهم بتدبير الفتنة وآخرون.
- مجموعة الداخل: وهم من سلّموا أنفسهم في أقرب مراكز الشرطة أو الجيش الإثيوبي، ومنهم المناضل المعروف إرمياس دبساي، شقيق المغنية الوطنية السجينة سنايت دبساي، وبعض عناصر «سرية أديس» عام 1970.
تاسعًا:
كتب الأستاذ محمد نور عن قائد المنطقة الخامسة ولداي كحساي قائلًا إن دوره كان هدّامًا في المنطقة، خصوصًا بعد التقاءه بخاله «القسيس» و«النقيب» —حسب الروايات— في قرية «حديش عدّي» في أعالي عنسبا. والمعلومة الجديدة التي قدّمها الأستاذ هي أن المناضل ولداي كحساي كان قد رُشّح لدورة عسكرية في الصين، وسافر مع الأستاذ من كسلا إلى الخرطوم. ولمن أراد المزيد عنه، تُوصى قراءة مقالات الأستاذ عبدالله أسد بعنوان صفحات مجهولة من تاريخ مدينة أغردات الباسلة.
عاشرًا:
هناك سبب إضافي لضعف وعدم استقرار المنطقة الخامسة، وهو ما ذكره المناضل هيلي ولدي تنسائي (درّع) في مقابلاته الشهيرة في مارس 2001 مع الأمريكي دان كونيل —كما ورد في كتاب محادثات مع سجناء السياسة— وهو الصراع بين ولداي كحساي ومجموعة من مقاتلي المرتفعات بقيادة أسياس أفورقي. ولم تتوفر فرصة للجلوس مع ولداي كحساي لتوضيح تفاصيل هذه المرحلة، إذ عاش منذ استسلامه عام 1967 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة وتوفي هناك عام 2023.



