أخبار

أسمرا تحتفظ ببيضها في سلال متعددة .. .. والخرطوم في سلة الجيران!

19-Aug-2006

الراي العام

أديس ابابا :أحمد يونس – الرأي العام
عندما لاحت في الأفق بوادر وفاق سوداني إرتري طلبت الحكومة السودانية من المعارضة الإرترية نقل مؤتمراتها من السودان إلى أثيوبيا، رغم أن إرتريا لم تفعل ذات الشيء وسارعت بتأسيس جبهة الخلاص الوطني «الدارفورية» أثناء التفاوض بين الحكومة السودانية وجبهة الشرق في يونيو الماضي

ويبدو حسب ما يراه المراقبون ان قرار الخرطوم نابع من رغبتها في الوصول لتسوية سريعة للتوتر في شرق البلاد، وإنزال الشوكة العالقة في مدخل السودان الشرقي، بجرعة ماء إرترية، دون أن يستصحب هذا القرار تجارب العلاقات بين البلدين. وكانت الخرطوم قد سارعت بعيد استقلال إرتريا بطرد المعارضة الإرترية من السودان ووضعتها أمام خيارات ثلاثة، إما العودة للداخل الإرتري، أو البقاء كلاجئين، أو الطرد من السودان، وتخشى المعارضة الإرترية من تكرار السيناريو مرة أخرى وإبعادها من مجالها الحيوي الذي ظلت تعمل فيه دون أن تتعرض لحساسيات العمل من أثيوبيا وتعقيداته. وتبدو المعارضة الإرترية حريصة على علاقتها بالحكومة السودانية ما جعل مسؤول العلاقات الخارجية في التحالف الديموقراطي أحمد محمد ناصر يستبعد أن تقوم الخرطوم بتصفية الوجود الإرتري المعارض، وقال في تصريحات للمركز الإرتري للخدمات الإعلامية «إذا حدث ـ لا قدر الله ـ فنحن مناضلون ولنا خبرتنا وتجاربنا ونستطيع التكيف مع أي واقع مستجد في الساحة»، مبدياً استعداد التحالف الذي يقوده للجلوس مع الحكومة الإرترية بدون شروط مسبقة سوى الاعتراف بالمعارضة ووجود رعاية من شركاء ووسطاء، وحل المشكلة جذرياً معلنا عن نهج معارض يقوم على المقاومة السلمية ويستبعد الخيار العسكري. لكن مراقبين يصفون موقف الحكومة السودانية، بأنه متسرع ولا يعبر عن رؤية استراتيجية تستبطن سيرة العلاقة بين البلدين، وطبيعة نظرة الحكومة الإرترية لعلاقاتها الدولية، ويعتبرون أن السودان فرط في فرصة أتاحتها له تعقيدات الوضع في الإقليم بمحض إرادته، وأنه تبرع بمحض إرادته بوضع كل البيض في سلة واحدة، هي سلة إنهاء النزاع في شرق السودان، قبل أن تطلب منه الحكومة الإرترية ذلك، فحسب التقارير الصحفية فإن الرئيس الإرتري أسياس أفورقي ذكر أن بلاده لم تتطرق لموضوع المعارضة الإرترية في السودان، وأيده في ذلك أمين عام الجبهة الشعبية الحاكمة في إرتريا الأمين محمد سعيد مبدياً استعداد حكومته للجلوس مع المعارضة التي وصفها بأنها لا تملك منهج تفكير واضح، واكتفت بقول الرئيس أفورقي للصحافة الإرترية «كل شئ رميناه في الزبالة». وفي ذات الوقت فإن إرتريا بمجرد أن أحست بأن مصالحها تقتضي الوصول لتسوية لقضية جبهة الشرق التي ظلت تدعمها طويلاً، وإن الضغوط الدولية والأزمات المحيطة بها تدفعها لهدنة ما مع الخرطوم جنت ثمارها سريعاً تمثلت في تزويدها بالوقود الذي كان يتسبب في أزمة خانقة تشهدها المدن والأرياف الإرترية، فإنها ما أن أحست أن ملف الشرق لم يعد ذلك الملف الذي يمكن أن تمارس به ضغوطاً على حكومة الخرطوم لمتغيرات استراتيجية وتكتيكية، سارعت بدعوة المجموعات الدارفورية التي رفضت توقيع اتفاقية سلام دارفور تحت ذريعة دفعها للتوقيع، لكن المحصلة كانت تكوين جبهة الخلاص الوطني التي تمارس الآن نشاطاً معارضاً مسلحاً في دارفور بلغ ذروته بالهجوم الشهير على «حمرة الشيخ» شمالي كردفان، ما جعل الخارجية السودانية تحتج رسمياً على دعم إرتريا التي تقود الوساطة في الشرق، وردت الأخيرة بأنها تحاول دفعهم باتجاه التوقيع على الاتفاقية، لكن واقع الأمر يقول بغير ذلك، فقد ذكرت التقارير الصحفية الورادة أخيراً أن جبهة الخلاص اعتبرت الحكومة والاتحاد الإفريقي وحركة تحرير السودان جناح مني أهدافاً عسكرية لها، وقامت بعمليات عسكرية أدت لزيادة الاضطراب في الإقليم المضطرب أصلاً.وفي المقابل فإن الحكومة فوتت الاحتفاظ بكرت الضغط المتوافر لها وهو المعارضة الإرترية وطلبت منها بلطف عقد مؤتمراتها خارج السودان، رغم الفارق بين المعارضتين الدارفورية التي تقود عملاً مسلحاً ضد الخرطوم، والإرترية التي تتبنى المعارضة السلمية وتعتبرها طريقاً لتغيير الحكم، وترى في العمل المسلح زيادة لأزمات الشعب الإرتري. رغم كل هذا، ورغم أن قادة المعارضة الإرترية يرون أن موقف الخرطوم موقف جزئي ومرحلي، لأن الخرطوم وفرت لهم دعماً مادياً ومعنوياً لانعقاد المؤتمر، ويرون أنه موقف رهين بمآلات مفاوضات الشرق، لكن بعض قادة هذه المعارضة لا يستبعدون أن تذهب الخرطوم بعيداً وتكرر سيناريو أوائل التسعينات، وتتساءل عن إمكان معاملة الحكومة السودانية للمعارضة الإرترية بالمثل والسماح لها بعقد مؤتمراتها، ولماذا تسرعت بالتضييق على المعارضة الإرترية بمنعها عن مؤتمراتها بعد بدء توافد المشاركين! مع كل هذه الأجواء فإن جبهة الإنقاذ الإرترية تواصل جلسات مؤتمرها التوحيدي الذي انطلق في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في الخامس عشر من الشهر الجاري، بمشاركة ثلاثة تنظيمات وبحضور مقدر من قواعدها وقياداتها التاريخية، منهم رئيس جبهة التحرير والمؤتمر الوطني الدكتور بيني كيداني، ورئيس الحركة الشعبية الإرترية السفير السابق عبد الله آدم، ورئيس الحركة الديمقراطية الإرترية برهاني يماني، فضلاً عن رئيس المكتب التنفيذي للتحالف الديمقراطي الإرتري حسين خليفة. لكن هذه القيادات رغم التخوف الذي تبديه من تطور الموقف السوداني ضد مصالحها، والحرج الخفي الذي يتسبب فيه عملها من أديس أبابا، رفضت التنديد بالموقف السوداني، واكتفت بتذكير السودان بمزاجية تعامل الحكومة الإرترية مع السياسة الخارجية، وحذرت من مغبة التعرض لذات اللدغة مرة أخرى، ورفض السفير عبد الله آدم رئيس الحركة الشعبية الإرترية التعليق على قرار الحكومة السودانية الطلب من المعارضة عقد مؤتمرها خارج السودان، وقال لـ«الرأي العام» إن المعارضة الإرترية تقدر موقف الحكومة السودانية وتقديراتها السياسية التي دفعتها لاتخاذ هذا القرار. وفي المقابل فإن قيادات سودانية إنقاذية ترى في موقف حكومتها موقفا لا يستوعب طبيعة العلاقات السودانية، فالقيادي الإنقاذي قطبي المهدي كان قد قال لدورية «صدى الأحداث» الصادرة عن المركز الإرتري للخدمات الإعلامية إن الحكومة الإرترية تسعى لإخضاع الحكومة السودانية لرغباتها عن طريق استخدام المعارضة ككرت ضغط في وقت تقبض فيه الثمن من جهات دولية، ودعا السفير السابق في إثيوبيا عثمان السيد وهو يتحدث لذات الدورية الحكومة الإرترية بدلاً عن التتبع الاستخباري لمعارضيها أن تقوم بحوار معها على النسق الذي تتبناه مع المعارضة السودانية، وأضاف أنه لا يمكن بأية حال أن تقود أسمرا المفاوضات بين الحكومة السودانية وجبهة الشرق وتتناسى أن هنالك معارضين لها في السودان. وفي كل الحالات فإن الخبراء يرون أن الخرطوم ربما تكون بفعلتها تلك قد دلقت «ريّها على السراب»، ووضعت بيضها المخصب في سلة الجيران!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى