مقالات

النهضة الديمقراطية للمعارضة الارترية (1) بقلم / الدكتورعبد الله النور

12-Jun-2014

عدوليس

الديمقراطية هي وسيلة العصر للبحث عن الأفضل و المتقدم تعريفنا للتطور هو التجدد والتقدم في مستوي تحقيق الاهداف المعلنة والخفية ، والنهضة هي الانتباهة والقيام لفعل الواجب او المطلوب من مجتمع المؤسسة وفقا للحاجات الانية والمستقبلية او هو التحول الايجابي السريع في المؤسسات السياسية وغيرها من اجل تقديم أفضل اداء ، وتطوير الوضع القائم عبراستبدال بعض الوسائل والافكار منتهية الفاعلية، من أجل مواكبة الاجواء المحيطة قريبا والبعيدة .

أيضا هو تحول وتحويل في استراتيجيات الفعل والفكرمن اجل اللحاق بالواقع المحلي والاقليمي والدولي . وقد يكون اختراقا ايضا فكريا أو ماديا ، وهنا يكون اختراقا ايجابيا من أجل مصلحة المؤسسة . واذا ما مورست الديمقراطية باي اسلوب ووضع فهي افضل من الجمود الشخصي والفكري لاي مؤسسة ، فهي بذلك تحقق انقلابا طبيعيا مقبولا بعض الشئ لافراد المؤسسة ومموليها ، يدعو للتفكر والمراجعة و رفع مستوي الطموح والمنافسة من اجل تقديم الاحسن لدي افراد المؤسسات . إذا فالديقراطية وسيلة للتطوير والنهضة والتقدم ، وليس غاية وصورة لتدوير السواقي لتعطي البحر منه .
كما هي محاولة ووسيلة لتلبية الطموح وتنميته لدي الاجيال الحديثة التي تربت بعيدا عن الابوية التقليدية للادارة الاهلية والادارة الدينية القابضة في الطوائف الارترية . وسببها التعليم الحديث الذي يرسخ مفهوم المسائلة الذاتية للفرد والمجتمع حول تحقيق المصلحة الخاصة والعامة من المؤسسة ، عبر وسائل الاعلام المستحدثة وتوفر فرص مواجهة وبث اية فكرة عبر ديمقراطية وحرية السايبر التي يعيشها الجيل الحديث من المجتمع الارتري خارج ارتريا . أو البحث عن البديل الامثل لمواصلة مشروع الحياة في موقع آخر أسهل .
والناظر للمشهد التنظيمي والإداري للمؤسسات الارترية التي تعمل من اجل تغيير النظام الارتري من الخارج ، يري ومنذ عقد ونيف من الزمان ، تحولا كبيرا واقبالا نحو تغيير الاسلوب الاداري والتنظيمي الذي بدات به هذه المؤسسات حياتها فعليا . والذي كان امتدادا للفكر العسكري الموروث من ايام الثورة والنضال ، او تراث اجتماعي ديني توارثته بيئات وافراد المؤسسات هذه . ورغم الصورة الباهتة للتحولات الادارية سابقا ، الا انها لم تكن بمفهوم الديمقراطية . اذ لا منافسة حقيقية ولا مساحة لذلك اصلا ، فهي محصورة في افراد هم قيادات المجتمع والدين والجيش ، كل مؤسسة حسب الزخم الذي يكونها . وهو بادرة تحسب للفترة الأخيرة بعد الدخول في اثيوبيا والجمود الذي اصابها ، والذي ولد التحلل والتفسخ الذي هو ملازم طبيعي لاي ركود ، كذلك هو فرض من الواقع الاجتماعي للبيئات التي يعيش فيها المجتمع الإرتري في المنافي والملاجئ . وهنا يصبح هذا التحول حياءً سياسيا تمارسه المنظمات هذه وتلك من أجل تثبيت اسباب الوجود وضمان استمرار التمويل .
يعتبر السودان رغم ديمقراطيته الشكلية واحدا من اهم البيئات التي شكلت الفكر الديمقراطي والتحول الاداري السلمي وتجربته لدي المؤسسات الارترية بكل اشكالها والافراد ، وعلي كل مستوياتها . فالمجتمع السوداني الذي احتوي اللجوء الارتري لستين عاما ويزيد ، شكل الاستراحة الفكرية والنفسية للارتريين . فهو اول موقع واقرب مساحة سهلة للتواصل والتفكير الحر والمتقدم للارتري اللاجئ ، القادم من كبت وجهل التجييش وسيطرة الفكر الاهلي والديني . فمنذ دخول اللاجئ الارتري للسودان يجد تحولا كبيرا في التعامل الشخصي ، قد لا يستوعبه لفترة من الزمان ، لكنه يسطر عليه ويحسه في حياته منذ اليوم الاول . فالفرد والشرطة والجيش السوداني والقانون مختلف جدا ، فالانسانية في السودان اوفر بكثير منها في ارتريا ، وهو هنا يستطيع ان يناقش ويعترض ويتحاور بما لديه من اسلوب او وسيلة ، ويجد من يتواصل معه ويتقبل منه ذلك . وهذا وضع وتحول بدرجة المائة والثمانين لديه . فقد تعود علي الكبت وفقدان الحوار وسلب الارادة تحت سيطرة الحديد والنار ، اضافة الي تعتيم الثقافة الدينية والاهلية . فمن هنا تبدأ العقل والروح الارترية في تنفس هواء مليئ بالاكسجين ليخرج زفيره بحرية كاملة . وتصيح الروح فيه بكل مالديها من قوة . فمن يسيطر عليه بعد ذلك الا العقل والمصلحة الشخصية والعامة . كان للتجربة الطلابية والشبابية دور كبير في الترويض والتمرين الديمقراطي السياسي الارتري علي مستوي الوحدات مفردة ، ثم الجماعة في اتجاه التحول الديمقراطي الصحيح ، الا انها كانت ديمقراطية شكلية فرضتها ظروف الحركة السريعة للتحول الفصلي والسنوي للطلاب والخروج المفروض من الساحة الطلابية ومحاكاة للوضع السوداني والمنفي الذي تعيش فيه المنظومة . اضافة الي الرغبة في توفير كوادر متقدمة للتعامل مع الممولين فكريا وماديا للمؤسسات التي تحتوي علي الطلاب والشباب . والاحتكاك هنا يكون سببا رئيسيا في هذا التحول والتطور الاداري والتنظيمي . اذ تفرض المؤسسات العالمية والاقليمية اسلوبا اداريا وقانونا يفرض الرقابة ويبحث في تنفيذ المشروعات المتبادلة والمشتركة . بعد أن وضح ضياع الكثير من الامكانيات المادية وفشل المشروعات المستهدفة لسبب الادارة التقليدية في هذه المؤسسات الارترية .
الاتحادات الطلابية لارترية في كل مواسمها ومواقعها خلال العقدين السابقين ، والروابط الاجتماعية والفئوية او الجهوية ، والجماعات المذهبية والطائفية الشبابية ، كانت هي المحرك لطموح الشباب من اجل تحقيق اهدافهم الخاصة والعامة عبر مؤسسات الطلاب ، ومن ثم المؤسسات الحاوية . واصبحت الموتور الذي لن يرحم اية مؤسسة ، فمن لم يجد حظه في مؤسسته تركها وانسحب منها الي اخري ، او ركن الي تحقيق ذاته بعيدا عن معترك المؤسسات الارترية . في العام 2000م وعبر اتحاد طلاب التجمع الوطني الارتري المعارض ، وفي خطوة فكرية شبابية رائعة وجريئة ، تم طرح تكميل فكرة المنافسة والترويض الديمقراطي للمجتمع الارتري ، عبر الاتحاد العام للطلاب الارتريين في السودان ليكون موقعا تتنافس عليه المكونات الطلابية السياسية ، بالاساليب الديمقراطية البحتة ، محاكيا بذلك التجربة الطلابية السودانية المتميزة سابقا ، والتي انتجت المفكرين والخبراء والعلماء والاحزاب السياسية . وليكون نموذجا متقدما لدراسة وبحث امكانية الحوار التعايش والحياة الديمقراطية بين المكونات المعارضة ، وقدم ذلك في دراسة ومشروع متعقل . الا ان الجهات المسيطرة رفضت الفكرة ، خوفا علي هذه البقرة الحلوب ، من تقاسمها مع بقية الجوعي واللاجئين باسلوب مرض وعادل .
و بعد سنتين او ثلاثة تمت محاولة أخري باسلوب اخر مبسط للروابط والاسر المشاركة في الاتحاد الا انهم وأدو الفكرة ودفنت حية بتعليل ان القيادةالعليا للتنظيم المسيطر ترفض اية فكرة خارجية ولو كانت قرآنا يتلي . وهي ما تزال تنبض تحت التراب ، لعلها تجد رجلا شابا لا يخاف من أولئكم الرعاة . وأنا من بين تلكم الثلة التي طرحت الفكرة ، أعيد طلبي وإصراري علي أن يكون الاتحاد العام للطلاب الإرتريين في السودان موضوع المنافسة الديمقراطية بين المكونات الطلابية الارترية في السودان ، لان السودان هو الموقع الوحيد الذي يمكن فيه ممارسة التمرين الديمقراطي لعوامل كثيرة . وليكون الامل للارتريين ، ولنزع الخوف من المحبطين من الحالة الارترية اقليميا ودوليا . فلن تكون هنالك ديمقراطية بدون التجربة الطلابية والشبابية . و حقيقة ذلك ونتيجته أن ما يزيد عن سبعين الف متخرج من مؤسسات التعليم العالي لا وجود لهم في أية مؤسسة سياسية أو تابعة ، والعدد المضيع في زيادة سنوية داخل وخارج السودان ، (كما ظهر أخيرا الجهل السياسي الكبير للطلاب والشباب الارتري في الاجيال الحديثة المعاصرة )، ونقول السودان لانه اكبر ماعون طلابي للارتريين في العالم . إذا فإن حجم وعدد افراد التعليم العالي في كل مؤسسة يمكن ان يكون مقياسا لمدي تحولها الديمقراطي ونجاحها في تحقيق اهدافها في الحالة الارترية .
إن أنواع الديمقراطيات السائدة في العالم الثالث هي السائدة علي التجربة الارترية من ديمقراطية تبديل الكراسي بين القوة المسيطرة واستمرار نفس النهج بدون التقدم والتحول للافضل ، ثم ديمقراطية الحزب الواحد والقبيلة الواحدة والطائفة الواحدة واستبدال الوجوه مع استمرار ودوام التخلف والرجعية (الرجعية هي الرجوع الي الوراء بالمؤسسة او الركود وعدم التقدم في ظل تقدم الاخرين ) في الوسائل والأفكار . والسؤال الذي يؤرقنا هنا ويحتاج إلي بحث حقيقي فيه هو : هل يعتبر تبديل المواقع ديمقراطية من أية نوع ؟
في الجلسة الختامية للمؤتمر التأسيسي لحزب النهضة وعند تقديم الرئيس المنتخب الأول ، قال مقدم المتحدثين ، وفي وجود معظم قيادات التنظيمات السياسية الارترية الستينيين والسبعينيين والثمانينيين المخضرمين : لقد اخترناك يا أبو ادريس رئيسا لنا لاربعة اعوام فقط ، وسنستبدلك بعدها باي ثمن ، فان انجزت و قدمت قدمناك اربعة اخري ، وبعدها لن ندعك تخرف بنا وتعجزبنا وتهرمنا ، وستتحول لمهمة اخري في العمل مهما كان إنجازك ، فمن يريد ويستطيع الاصلاح يستطيعه من اية موقع في العمل والمؤسسة . وغضبت جميع القيادات العليا من الضيوف . لانها عرفت مغزي رسالة المقدم . فهل أنجزت النهضة وأوفت بوعدها لنفسها أولا وللآخرين ثانيا لتكون المبادر والنموذج ؟ و أن التحول الحقيقي والمنافسة الموضوعية القوية هي من سيسود فيها ؟ أقول النهضة لانها أول تنظيم سياسي ارتري نص دستوره ونظامه الاساسي علي فترة رئاسة الحزب . والله اعلم .
هل أثر ملتقي الحوارالوطني الارتري ومنتجاته ، علي الفكر السياسي الأرتري المعارض ؟ هل سنري ديمقراطية حقيقية في العمل السياسي الارتري المعارض . ام سنظل نحلم يقظة ونحن نجلس في منتزهات وكافتريات وقاعات اوروبا والخليج بحسناء اوروبا البعيد المنال ؟
متي سنجد الشجاعة السياسية الارترية والقدوة الحسنة لتحقيق امل المجتمع الارتري المعروض في سوق النخاسة الاقليمي والدولي ، عبيدا واسبيرات ، وطعاما للاسماك ووحوش البرية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى