مقالات

بعد زيارة افورقي : الخرطوم وأسمرا……جسر فوق رمال متحركة

14-Jun-2006

الصحافة

تقرير: عارف الصاوي
منذ قدوم الرئيس الارتري الي الخرطوم صباح امس الاول ، دخل فورا في مباحثات مع الرئيس السوداني عمر البشير ببيت الضيافة (مكان اقامة الرئيس )، كان منظر الحراس المحيطين بمكان الاجتماع هو الطاغي علي كل شئ ، وعداهم لا احد بالخارج سوى الصحافيين الذين كانوا يبحثون عن حقيقة ما يدور في القاعة المغلقة ،

ولم تجد الكاميرات مشهدا للرصد الا صورة الفريق صلاح عبدالله مدير الامن والمخابرات الذي خرج للحظة من القاعة ليجري عدة محادثات هاتفية ويتحدث قليلا مع مصطفي اسماعيل مستشار الرئيس وقائد وفد الحكومة المفاوض مع جبهة الشرق في اسمرا .وطوال يومي امس وامس الاول ليس لدينا غير بعض التصريحات العامة علي شاكلة ، «ان الاجتماعات كانت جيدة ، وان الدولتين حريصتان علي انهاء فترة التوتر ، وبعض المجاملات البروتكولية» ، لكن واقع الامر يبدأ بالسؤال الاتي ، ما الذي دار في بيت الضيافة ؟وكيف تمت تسوية الملفات ؟وقبل الاجابة فان الحقيقة البديهية التي دفعت افورقي الي قبول اللعب وفق المستجدات الحادثة هي ان ما بين اسمرا والخرطوم تاريخ طويل من المرارات والملفات العالقة ، وكلها تبدو سهلة الاختراق بفعل الزمن. وكانت اسمرا تأمل في لعب دور ايجابي في السودان عبر التوسط في مباحثات الحكومة وفصائل جبهة شرق السودان ، ولكن الحكومة كانت تكرس وقتا لانهاء ازمة دارفور ، ورغم الزيارة التي قام بها سلفاكير بعد تسلمه مهام النائب الاول عقب وفاة الدكتور جون قرنق الا ان اسمرا كانت تري التحولات في السودان تسير بمعزل عن خطتها .ففي فبراير 2005 عقب التوقيع علي اتفاقية السلام سجل الدكتور قرنق زيارة تاريخية تم الترتيب لها في سرية كاملة الي اسمرا وهناك كان الاستقبال علي غير العادة ، جماهيريا تتصدره كلمة «شكرا» من الحركة الشعبية ، وتساؤلات ارتسمت علي وجوه الارتريين الذين استقبلوا زعيمها في المطار حول المستقبل بكل توتراته ومآلاته .ووصف عبدالعزيز الحلو القيادي في الحركة الشعبية والذي رافق قرنق الي اسمرا في تلك الزيارة ، فضلا عن انه كان مسؤول الحركة في جبهة الشرق في حديثه معي بنيروبي عقب الزيارة مباشرة، بانها كانت مهمة ذكية جدا ، حيث اطمأنت فيها القيادة الارترية علي سير الامور بصورة جيدة. وكان المفكر الاستراتيجي ابوالقاسم حاج حمد حتي وفاته يتوقع باستمرار ان قرنق عندما يدخل الي القصر سيكون قراره الاول اعتماد اوراق السفير الارتري بالخرطوم او الضغط في هذا الاتجاه .لكن قرنق لم يمكث كثيرا في القصر فبعد 21 يوما من تسلمه مهام النائب الاول سقطت طائرته في الحدود السودانية اليوغندية وتسلم سلفاكير مهام المنصب ، ودخلت الحركة الشعبية حالة من الفوضي ، كادت ان تفقد بوصلة الطريق الصحيح. وفي الاول من ديسمبر الماضي قام سلفاكير بصفته نائبا اول لرئيس الجمهورية بزيارة الي اسمرا ، والتقي فيها بالقيادة الارترية ، وكانت الموضوعات المطروحة خلافا لتطبيع العلاقات بين اسمرا والخرطوم تناول العلاقة بين اثيوبيا وارتريا ، وكانت تلك اشارة ايضا الي موضوع اخر يلعب دوره في رسم ملامح العلاقة مع الخرطوم ، وهو ماعني الي مسؤول حكومي كبير من المؤتمر الوطني في حديثه معي شريطة عدم التطرق الي اسمه ، ان واحدة من القضايا التي يجب النظر فيها بعمق حينما تحتاج الخرطوم الي تطبيع علاقتها باسمرا هي قضية الخلافات بين اثيوبيا وارتريا ، ويعتقد هذا المسؤول ان توجهات الحكومة في سياستها الاقليمية هي التحالف والانحياز الي اثيوبيا في النزاع ، وكشف هذا المسؤول ان السودان ليس لديه مصلحة في ان يستمر في سياسة العداء مع اسمرا ، وهذا ربما يفسر الزيارة الثانية التي قام بها سلفاكير الي اديس ابابا والتي استغرقت ثلاثة ايام بعد اقل من شهر علي زيارته لاسمرا ، وكشفت مصادر قريبة من الحركة الشعبية ان اديس ابابا حاولت ان تتفهم مادار بين المسؤولين الارتريين والنائب الاول ، ولديها سؤال ابلغته الي عدد من الدبلوماسيين السودانيين المرتبطين بملف اثيوبيا (هل تنوي الخرطوم تطبيع علاقتها مع اسمرا علي حساب التحالف القائم بين السودان واثيوبيا؟)وربما كانت زيارة سلفاكير الي اديس لشرح هذه المسألة .وتاريخيا كانت لاسمرا عداءات مع ثلاث من دول الاقليم (اثيوبيا، حول اقليم بادمبي المتنازع عليه، واليمن حول جزيرة حنيش الحدودية علي البحر الاحمر ، ومع السودان حول ايواء المعارضين من كل جهة )مما دفع هذه الدول لتأسيس حلف سمي بتجمع صنعاء يضم السودان واليمن واثيوبيا ، واعتبر هذا الحلف ان ارتريا تسعي الي زعزعة الامن في الاقليم ، ومنذ انعقاد قمة التجمع باديس ابابا في 30 ديسمبر 2003 الذي اعتبرت فيه الدول الثلاث رسميا ان ارتريا تسعي الي زعزعة امنها ، حيث قال الرئيس البشير في فاتحة اعمال قمة اديس ابابا (ان اسمرا تسعي الي جلب مقاتلين سودانيين الي اراضيها لمهاجمة الحكومة )وحتي تاريخ قيام القمة الاخيرة بالخرطوم في 2004 مرت كثير من المياه تحت الجسر .فاولا ، حدث الاختراق بزيارة مهمة قام بها اسياس افورقي الي صنعاء في 17 ديسمبر 2004 بمبادرة من قطر التي اتكأت علي دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن حول امن البحر الاحمر ، كانت ثمار هذه الزيارة التي اعادت تطبيع العلاقات بين اليمن وارتريا الي باحة التداول المباشر ، وعلي اثر هذه الزيارة حمل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح حيثيات رغبة اسمرا في انهاء ازماتها الاقليمية الي قمة صنعاء في الخرطوم بعد اسبوعين من تلك الزيارة ونقل لقيادتي اثيوبيا والسودان رؤية توسيع حلف صنعاء لتنضم اليه جيبوتي والصومال وارتريا ، وبدا ان اليمن باتت قاب قوسين او ادني من تطبيع علاقتها مع ارتريا ، وبعد وقت ليس بالطويل في نهاية العام 2004 كان رئيس الوزراء الاثيوبي يعلن في البرلمان قبوله بقرار لجنة التحكيم حول بادمبي (المنطقة المتنازع عليها بين اسمرا واديس )وقبل زيناوي مبدأ التفاوض مع ارتريا لاعادة ترسيم الحدود بينهما ، لكن اسمرا التي كانت تري الامور تسير لصالحها رفضت التفاوض قبل انسحاب القوات الاثيوبية من بادمي .كانت الخرطوم تبدو واقفة علي جبهة تصعيد المواجهات مع اسمرا وحدها ، لكن القاهرة اهدت الخرطوم واسمرا معا هدية باستضافة احتفال التوقيع علي اتفاق بين فصائل التجمع الوطني والحكومة السودانية في يونيو 2005 ، وكان هذا الاتفاق يعني فعليا تصفية وجود المعارضة في اسمرا ، مع ان هناك فصائل جبهة الشرق ودارفور ، وهذا فعلا ماحدث .وبعد وفاة قرنق ، قابلت عبدالله جابر المسؤول السياسي للجبهة الشعبية الحاكمة في ارتريا جوار سرادق العزاء لقرنق وكان يتحدث بمرارة عن فقد قرنق ، وبدا لي وكان ما كانت تطمح فيه ارتريا بوجوده تبخر ، غير ان اسمرا عادت الي الاجواء مرة اخري حينما طلبت الحركة الشعبية دخول ارتريا كوسيط في محادثات ابوجا ، وحتي حينما رفضت الحكومة وتمسكت الحركات المسلحة بدور لارتريا لم يكتمل الا في اللحظات الاخيرة قبل التوقيع حينما لعب عبد الله جابر دورا ايجابيا في تليين مواقف الحركات (بالتحديد حركة مني اركو ميناوي )وبمبادرة ايضا من الحركة الشعبية اثناء اجتماع مكتبها السياسي في رومبيك في ابريل الماضي ، بان تكون مفاوضات الشرق في اسمرا ، ووافق المؤتمر الوطني علي هذه المبادرة حتي دون ان تنهي اللجان المشكلة بين البلدين اعمالها ، وفي مايو الماضي قام علي عثمان نائب رئيس الجمهورية بزيارة الي اسمرا حسبها المراقبون بانها الزيارة التي ستحدث الاختراق المطلوب في علاقة البلدين وسوف تسرع بوتيرة عمل اللجان التي تعمل في اكثر من اتجاه ، اولا علي صعيد تحضير اكمال عملية التطبيع ، وثانيا التباحث مع الوسيط الاوحد في محادثات الشرق في عملية التفاوض مع فصائل شرق السودان. وتجئ زيارة افورقي امس الاول الي الخرطوم ربما لتكمل الملفات العالقة بين البلدين ، وهي بحسب الدكتور غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية في وقت سابق لزيارة افورقي الي الخرطوم تقف بصورة رئيسية في مسألة دعم الفصائل المعارضة ، وبما ان المعارضة السودانية انهت وجودها الفعلي باستثناء بعضها فان علي الحكومة اتخاذ الخطوات الكفيلة في هذا الجانب .والان نعود الي طرح السؤال ما الذي عاد به افورقي من زيارته الي الخرطوم ؟، فحسب الدكتور مصطفي اسماعيل رئيس وفد الحكومة في مفاوضات الشرق ، فان المباحثات تركزت حول التحضيرات لمباحثات الشرق ، وقال اسماعيل في تصريحات صحفية امس الاول بمنزل الرئيس ان الحكومة تتوقع ان تتقدم اسمرا بوثيقة اتفاق يطرح بعد الجلسة الافتتاحية (امس)، لكن هل هذا كل شئ ؟وهل مكث افورقي كل تلك الساعات مع الرئيس ونائبيه ليتحدث عن مفاوضات الشرق ؟بالطبع لا ، فافورقي الذي بادر الي ترفيع بعثته الدبلوماسية في الخرطوم الي درجة سفير كان يرافقه مدير المخابرات الارتري وانضم الي اللقاءات مع المسؤولين بصورة رئيسية الفريق صلاح عبد الله مدير المخابرات السوداني ، مما يعني ان ملفات البلدين طرحت علي طاولة البحث بصورة جادة ، ذلك لان كلا البلدين كانا يديران ملفاتهما من مكاتب المخابرات ، ورجحت مصادر ان من بين الاجندة التي تداولها افورقي مع البشير هي مسألة المعارضة الارترية في الخرطوم ، والحد من نشاط الفصائل السودانية المعارضة التي يتوقع نشاط لها في الايام القادمة ، وقد بادرحسن علي اسد من قيادات المعارضة الارترية في حديثه امس مع الصحافة عبر الهاتف لا ستباق ما يمكن ان يسفر عنه اجتماع الرئيسين قائلا(انهم لن يفرضوا أنفسهم علي دولة اذا رغبت في التخلص منهم )، ويبدو ان هذا هو استباق لخطوات قادمة ، وهو تخوف شرعت المعارضة الارترية في الاحتياط له ، مع اننا علمنا من مصادر خاصة ان الحكومة السودانية ربما تطلب من اسياسي الدخول في تفاوض مع المعارضين الارتريين في الخرطوم ، لكن حسن علي اسد نفي ان يكون لديه علم بهذا الطلب مع انه لا يمانع في ذلك .بالمقابل بدا شريف حرير الذي تحدث معي عبر الهاتف من اسمرا امس اكثر تفاؤلا من المعارض الارتري بشأن مستقبل تواجده في اسمرا ، ويعد حرير مع اربعة من قواد الفصائل في دارفور لتأسيس جبهة معارضة لاتفاق ابوجا ووقع الاسبوع الماضي علي بيان مشترك مع عبد الواحد ودريج وخميس ابكر ، وعندما سألته عن مدي تأثير تطبيع العلاقات بين اسمرا والخرطوم علي تواجدهم باسمرا ، اجابني (نحن في اسمرا منذ سبع سنوات)، والتعبير الاوضح ما قاله الحاج ادم القيادي في المؤتمر الشعبي العائد حديثا من اسمرا التي لجأ لها بعد مطاردته من الاجهزة الامنية هنا حينما قال (اسياس رجل وفي )، لكن هل كل ذلك يمنع المساومة بفصائل المعارضة من اجل التطبيع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى