مقالات

شتاء “الأكاذيب” الشهية، والسيناريوهات الغامضة : ماليليا بخيت *

2-Feb-2013

hglv;.

لسبب أو آخر – ليس من المهم إيراده هنا-، حدث أن ولدت في أرض تدفء ابنائها على صفيح الحرب الأهلية المشتعلة، لم يكن مهماً على الإطلاق أي من الأطراف كانت تحقق الأنتصارات المتخيلة، وأي من الأطراف كان يتجرع خيبات الهزيمة، كانت الأطراف جميعها جزءً من المشكلة، وكانت الأطراف كلها تتصور أنها منتصرة لا محالة!

لكن الثابت الوحيد، أن “الوطن” وحده كان هو الخاسر الأكبر، في وسط الانتصارات الصغيرة المتخيلة، لهذه الطائفة او تلك .. وهذا الفصيل أو ذاك .. كان مشهداً معبأ بذاكرة الموت والخراب ..وكان الأمراء يحتفون بإنجازاتهم “الصغيرة” المفترضة، في شارع “الحمرا” يتبادلون التحايا و ويقرعون الكؤوس “في صحة الوطن”.. !! وفي خضم تلك الحرب التي لم تكن قد وضعت أوزارها، ولدت ..وعشت .. أطلال ذاكرة تأبى –اليوم-أن تلتئم أو تشفى ..وفي ظل تلك الصراعات الكبرى، كانت المهمة الأكبر لأمٍ وضعت ابنائها في مساحة قدرٍ غير محتمل، أن تربي فيهم “الأمل” .. لم تكن معنية بشيء اكثر من ذلك.. كيف يمكن أن تشرع نوافذ مضيئة في مدن العتمة والرصاص.. كانت تدرك بالفطرة والوعي أن لا ناقة و لا فرس لأبنائها في هذه الدائرة المغلقة من الصراع المفتوح على كل احتمالات الأنهيار ..كانت الصحف / ملاذ المحاصرين والمترقبين والحالمين ايضاً / تنقل تفاصيل أولئك “الأمراء” الذين التقوا في ذات موقعٍ أو ثغرٍ من ثغور الفداء، او في ذات “ملهى ليلي”، حيث يضع “المحاربون” عتادهم جانباً.. حيث تنتصب اللافتات: “كازينوا بيروت يرحب بالمناضلين القادمين من المعركة، ويضمن لهم استراحة محارب” !!وغالباً ما تحرص الأعمدة الصباحية في الصحف على صك عناوين تبشر بإقتراب الفجر .. سيما بعد لقاء ما، جمع لفيف من الأشقاء الألداء ..فينبري “المحللون” ليشبعوا اللقاء تمحيصاً وتمعيناً، ويبشروا العامة، “أن الاتفاق قريب”، وأن الأزمة في نهايتها، لكن لسبب ما، كان كل “محلل” يدلق نكتهة الخاصة على الوجبة، مؤكداً أن الفصيل الفلاني يكون قد حقق “نصره” بعد هذا اللقاء! فيعود “المناضلون” من جديد نحو “ثغورهم” لينفوا ذلك الخيال، أو يقضوا على تلك النكهة المتصورة .. و ثمة من كان يقتات (زاد يومه) من تلك الأخبار و نفيها في آن ..يبيعنا أحلاماً وردية، كل صباح، ثم ما يلبث أن يذيقنا سوط نفيها مساءاً .. كانت تلك مهنته، وربما لا يجيد سواها، لكن كانت مهنة آخريين أن يقولوا “لا تصدقوا سراب تلك الأكاذيب الشهية” .. أو أن يربي “الأمل فينا لكن دون فجر كاذب”، دون “توابل تفقد الحقيقة بكارتها”.. دون تخندق “ايدولوجي/ سياسي” يقود نحو تلة “التصورات المجانية العالية” ثم يدفعنا بعدها نحو هاوية ما .كانت تلك مهنة “والدتي” التي ربما لم تجيد صناعة شيئاً ما أكثر جودة من ذلك.. “تربية الأمل الصادق” ..ولم تكن اكثر حرصاً على فعل شيء أكثر أهمية من ذلك، سوى إذا ما تعلق الأمر، بمقارعة “الأكاذيب الشهية، او التصورات المتخيلة التي لا تقدم برهانا على صدقيتها”، كان ذلك مساراً حياتياً ممتداً بقدر ما ساهم في تربية “الامل داخلنا كابناء” فهو ايضاً انعكس على كل التجارب السياسية اللاحقة، لهذه السيدة التي للمفارقة أنها مثلت كل فسيفساء الطيف اللبناني في احدى أكثر المنظمات الدولية حرفيةً وتوقاً للإختلاف، دون أن يثير احداً غبار معاركه الأهلية حولها، او يدعي انتمائها له او للخندق الآخر النظير ! .أعود لحيث بدأت لأكتشف ان (مقالي) هذا قد حاد عن “سكة “، ما أردت، لأن الهدف لم يكن تقديم “شهادة” بحق سيدة لها من الأنجازات ما يحتفى به غيرها، ولكن محاولة امساك الخيط في هذه التجربة، ونحن نعيش ظروف مشابهة ان لم تكن على الأرض تماماً، فعلى كل مساحات الافتراض الاليكتروني والضوئي، تواصلاً وإعلاماً وعلامات .. !فصائل كثيرة اضحت تطعمنا وجبات شهية، وآخرى تعدنا، وثالثة تدعي وجود ثمة خيط بينها وبين ما يجري هناك في اسمرا .. وخيوط كثيرة تنسج على هذه المساحة الأفتراضية دون أن تقوى على أن تخرج الينا رداءً يضمن الدفء في هذه الليالي الشتوية الطويلة .. وبين كل هؤلاء، ضحايا كثر يقتاتون زاد احلامهم وأمانيهم من ذات المائدة التي تحفل بالكثير من الأمور الشهية، بجانب احتفاءها ببعض الوجبات الأخرى ..لم يعد هناك ثمة خيطاً حقيقياً يقود نحو خيط الفجر الصادق .اصبحنا متلقين متلهفين يبحثون عن ثمة خيط هنا وخيط هناك ..لكن يطول الصمت والغموض، ويشتد برد الشتاء .. ولا شيء يدفء سوى “المتخيل” من السيناريوهات الغامضة التي لا تضيف “يقيناً” بقدر ما تضيف “الغموض والعتمة” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى