مقالات

رحيل إبراهيم ليمان وتعدد الخسائر !

بقلم / جمال همد

كثيرة هي الفرص التي تضيع وتتسرب بين مشاغل الحياة وعنت تصاريف اليومي والأشياء الطارئة لحياة  تحكمها عوامل الطارئ،.

 ومع ذلك تلح الذاكرة بالدفع بتلك الفرص الضائعة إلى افق التفكير لتلازم المرء لتضاعف حسرته.

وقطعا أضاعت الفرصة الثمينة ، ليست مؤامرة يحكها المرء ضد نفسه  وخططه ولا هي بالضرورة بفعل فاعل، بل هي نتاج سوء تخطيط.

إهتبال الفرص في لحظتها والتأجيل لإنضاج الموضوع أو ظرف ما طارئ أو ظروف موضوعية أو كل ذلك أو بعضه مجتمعا وان بنسب مختلفة وحياة مركبة التعقيد أحالت حياة أبناء جيلي بعد التحرير إلى جحيم وحسرات متكررة .

كل تخطيطي وتدابيري، ذهبت أدراج الرياح وأنا أحاول إجراء حوارا توثيقيا معه ، أيام الجمع والعطل الرسمية أذهب إليه مخططا ان أجري الحوار و( أقيل ) بين أسرته في تلك الحاراة الأمدرمانية البعيدة جدا عن جنوب الخرطوم حيث أسكن.

يضحك قائلا : ” خلينا  أولا نتغدا ونشرب القهوة “.

ولأن الجمعة يوما جامعا وإبراهيم هو إبراهيم من زمن مستشفى  أروما في شرق السودان، حيث  باب الحوش المشرع دائما على مصراعيه وزواره كُثر كل حسب حاجته، تضيع الفرصة وأعود أدراجي ، مخططا ان استدرجه لوسط الخرطوم ، ولم تأتي الفرصة إلا مرة ولكن لسبب مختلف وبطلب منه أن أوصله لمنزل الأستاذ المرحوم سيد أحمد خليفة  صديق الشعب والثورة الإريترية لتقديم واجب العزء.

يصعب استعادت الخسائر وتحويلها للضد إلا باللجوء إلى الذاكرة وعلى  الكتابة ان تتصدى لذلك.

إبراهيم حسن ليمان شكل ترسا مفصليا في مرحلة من مراحل جبهة التحرير الإريترية كان صعبا جدا ان تدور إلا به ،وكان هذا الترس وتلك البداية لما سُمى بالجهاز الصحي لجيش التحرير الإريتري.

فقد نظم وتخرجت على يدية أول مجموعة من الكادر الطبي لجبهة التحرير الإريتري  في عام 1946  قبل بشهور من إندلاع ثورة أكتوبر السوداني.

يقول المناضل الكبير صالح جمجام في حوار حول تجربته النضالية مع موقع عدوليس : ”  المداهمات الليلية وزوار الفجر.. إختفاء الثوار الإريترين من المقاهي وإغلاق قسري لمكتب الجبهة الغير رسمي بحي الثورة والخوف المسيطر كانت السمة العامة للوجود الإريتري في المدينة، ونحن لانعرف أزقة المدينة ودروبها.
تفتق ذهن مستضيفنا بفكرة السفر لبلدة ” أروما ” القريبة من مدينة كسلا للإختباء هناك حتى تنجلى الأزمة، وكان ذلك بعد ان زودنا بمعلومات بمن سنلتقيهم والذين سيتدبرون أمرنا في البلدة الهادئة التي تقع بالقرب من الطريق الذي يربط مدينة كسلا بميناء بورتسودان..
دون بحث وعناء إلتقينا برئيس فرع جبهة التحرير بأروما المناضل المدني محمد حقوص وكان حينها يعمل ( ترزيا) في السوق وكذلك الأخ إبراهيم حسن ليمان الذي كان يعمل ممرضا بمستشفى أروما وأسس ودرب أول خلية للجهاز الصحي في منزل ياسين الذي كان يعمل سائقا لإسعاف المستشفى بالبلدة”.

في هكذا ظرف سياسي وأمني دقيق أسس إبراهيم حسن ليمان أول قاعدة للقواعد التي أسس عليها الجهاز الصحي لجبهة التحرير الإريترية، عمل بطولي كان يمكن ان يكلف أبو خليل أسباب شغله في مرفق خدمي حكومي لدولة وحكومة كانت تعادي نضال الشعب الإريتري والتي إطاحة بها بثورة شعبية عرفت بثورة أكتوبر.

لم تكن مساهمة إبراهيم ليمان في تأسيس الجهاز الصحي وإعداد كوداره فقط ، بل هو واحد من مغني الثورة وصياغة برنامجها ثقافيا وفنيا وصاحب أولى أغنيات الثورة  مع رفاقه أمثال محمد باعيسى ورمضان محمد حاج وإدريس محمد علي وبقية العقد الفريد،  ومن منا من لا يترنم بـ ( ردؤ ردؤ أباي هل ديب عدنا ) و ( منديرتنا خبر سما).

كان منزل أو لنقل “حوش” إبراهيم ليمان ببلدة أروما ملجأ الثوار وكل الهاربين من جحيم الإبادة الجماعية في إريتريا منذ ستينات القرن الماضي من أبناء مدينة اغوردات وغيرها من مدن إريتريا.

وإذا الثورة الإريترية قد قوية شوكتها داخل إريتريا و إنتصرت في مايو 1991م فان محركات وتروس كثيرة ومتنوعه قد دفعت بها نحو ذلك ، قد محيت من الذاكرة أو إعتبرت تلك الأعمال البطولية غير ذات بال لأصحابها، مقارنة بالنضال البطولي الذي خاضه الشعب الإريتري قاطبة.

إبراهيم حسن ليمان الكادر الطبي وكبير ممرضي المشفى الريفي ببلدة اروما السودانية طالت مهنته التغيرات التي غيبت الطبقة الاوسطى في المجتمع السوداني في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وما تلاها من سنوات ليلحق النسيان والإهمال بذلك المستشفى الكبير وليدفع بأبو خليل للبحث عن بدائل أخرى فكان ان عمل مساعدا صيدليا وسط غابات رأس المال الإسلاموي الذي أطاح بكل الخدمات العلاجية وحولها لتروس رأسمالية تدر المال ولا شأن لها بالجوانب الإنسانية، ولا تضع مثقال تقدير للإنسان.

وظل إبراهيم هو هو ضاحكا في مواجهة كل تلك المتغيرات لم تكسره ولم تفت من عزيمته.

رحم الله أبو خليل رحمة واسعة، وقطعا الذاكرة الشخصية لا تفي الرجل حقه وسفر التاريخ الإريتري لا زال مفتوحا ولم يكتب جله بعد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

·     رحل إبراهيم حسن ليمان في 27 مايو 2023 بمدينة أمدرمان بالسودان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى