أسياس والدستور بقلم / محمد نور احمد ـ ملبورن ـ استراليا
23-Jun-2014
عدوليس
قال أسياس في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال، انه سيضع دستورا للبلاد . جاء هذا الكلام أثر أسئلة تقدم بها حضور الندوتين في كل من سينما (أوديون) ومقر المعارض (اكسبو) قبل ايام من موعد عيد الاستقلال ادارهما آبرها كاسا مدير جهاز الامن العام وولد مكئيل ابرها، يبدو ان الهدف من الندوتين كان في الاصل استطلاع رأي المواطنين حول الاوضاع التي تمر بها البلاد والقضايا التي تشغل بالهم. كان اول سؤال في ندوة سينما أوديون تقدم به احد الحضور هو سبب عدم تفعيل الدستور حتي الان وكانت الاجابة علي السؤال فوق طاقة أبرها كاسا كما قال في رده علي السائل . من البديهي أن يسبب هذا السؤال قلقا لاسياس فقد كانت قضية الدستور احدي القضايا التي كانت مثار اهتمام الشعب الارتري خاصة في السنوات التي اعقبت الاستقلال، فقد صارت قضية الدستور والديموقراطية بعد ما حدث من تحول في الاتحاد السوفيتي بعد عملية الاصلاح التي قادها غورباتشوف في الاتحاد السوفيتي في عام 1979 وانعكاس ذلك حتي علي اوروبا الشرقية وحتي ان صداهم عم انحاء كثيرة من العالم حرمت شعوبها من حقوقها الديموقراطية. وتظاهرت الجبهة الشعبية نفسها بتبني الديموقراطية واقتصاد السوق
في مؤتمرها في عام 1980 وكانت رسالة موجهة الي الغرب بهدف الحصول علي دعمه ولم يكن ايمانا منها بالمبدأ وتكرر هنا الموقف في قرارات مؤتمر نقفا عام 1994 وتاكيد علي ذلك شكلت مفوضية لوضع مسودة للدستور وكان ينبغي ترك هذه المهمة للمفوضية التي كان بها خبراء في شؤون الدساتير امثال الدكتور برخت هبتي سلاسي والدكتور سيوم حرقوت الا أن أسياس كلف بصياغتها كل من يماني غبرآب مسؤول الشؤون السياسية بحزب الجبهة الشعبية وزمرت يوهنس نائب ديوان الوثائق بعد ان املي عليهما مضمونها ثم تم تسليمها لرئيس المفوضية الذي استنسخها ووزعها علي اعضاء المفوضية وفي الجلسة التي عقدت لمناقشتها طلب الدكتور سيوم حرقوت عضو اللجنة التنفيذية بالمفوضية الاذن بابداء وجهة نظره وقال :ـ ان هذه المسودة لا تتضمن ايا من الحقوق والحريات الاساسية التي نص عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان لهذا فهي لاتصلح لأن تكون مشروعاً لدستور نظام ديموقراطي وعندما انبرا له بعض الاعضاء المواليين لاسياس والمؤيدين للمسودة هدد بتقديم أستقالته وانسحابه من المفوضية اذا اقرت هذه المسودة . كان انسحاب الدكتور حرقوت من المفوضية حتما سيرتب نتائج سلبية تنعكس لا علي المفوضية وحسب بل وعلي النظام الارتري برمته لأن سيوم حرقوت كان مستشارا اقتصاديا لحكومة ارتريا الوليدة مفوضا من قبل الامم المتحدة وخروجه من المفوضية كان سيحرمها من الدعم الذي كانت تعهدت به الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الاوربية للمفوضية لانجاز مهمتها وكان سينعكس ذلك ايضا علي الحكومة الارترية التي كانت في امس الحاجة الي دعم المجتمع الدولي فسحبت تلك المسودة وكان ذلك بالتاكيد بأمر من أسياس وتحملت المفوضية بعد ذلك مسؤوليتها لوضع مسودة للدستور الذي ستحكم البلاد بموجبه وانجزت المفوضية مهمتها بوضع المسودة في الفترة الزمنية المحددة وقام الدكتور برخت هبتي سلاسي بعرضها علي الرئيس أسياس في مكتبه بحضور عبدالله جابر رئيس مكتب الشؤوون التنظيمية بالحزب وطلب اسياس من الدكتور برخت حذف الفقرة التي تنص علي اللغتين العربية والتغرينية لغتيين رسميتين للبلاد. كانت الحجة هي نفس الحجة التي قالها في اجتماع شمال بحري لقيادة اللجنة الادارية لقوات التحرير الشعبية _ الجبهة الشعبية فيما بعد وذلك في عام 1975 وهي ان اعتماد لغة رسمية سيحرم بقية اللغات الارترية من التطور كما ان جميع اللغات الارترية متساوية واجازت الجمعية التأسيسية التي تكونت من 150 عضو 75 هم اعضاء قيادة الجبهة الشعبية و75 تم انتخابهم في الداخل والمهجر من قبل الجماهير وذلك في شهر مايو عام 1997، اجازت الدستور الارتري.كان هذا الدستور باستثناء غياب اللغة الرسمية دستورا ديموقراطيا فقد تضمن كافة الحقوق والحريات الاساسية وحدد عمر كل حكومة منتخبة بخمس سنوات. لا جدال في ان ذلك لا ينسجم وعقلية اسياس الدكتاتورية. الا انه ماكان بمقدوره رفضه عند اقراره، لما سيرتبه من أثار سلبية علي الصعيدين المحلي والعالمي لذلك افتعل الحرب مع اثيوبيا، باصدار أمر للقوات الارترية التي كانت ترابط في منطقة اعالي القاش بالاستيلاء علي قرية بادمي المتنازع عليها لجرف توجهات الشعب الارتري التي كانت مركزة علي تطبيق الدستور الي ما أسماها بالسيادة الوطنية ألتي تأتي فوق كل ألاعتبارات، لكن الحرب انتهت وقضت محكمة التحكيم الدولية بأن بادمي أرض ارترية ورغم أعلان اثيوبيا التزامها بقرار المحكمة الا أنها تعللت بقضايا حدودية عالقة تتطلب التشاور حولها بين الدولتين وأقنعت المجتمع الدولي بذلك فعين مجلس الامن وزير خارجية سابق لكندا لادارة الحوار بين الدولتين حول تلك القضايا الحدودية العالقة فجاء الي أثيوبيا التي أستقبلته الا أن حكومة أرتريا رفضت اعطائه تاشيرة الدخول لاراضيها وبالنتيجة تجمد الحوار، سبق ذلك اجتماع المجلس الوطني للجبهة الشعبية في اغسطس 2000 وشكل لجنة لوضع مسودة لقانون ألاحزاب وكان علي رأسها محمود شريفو وزير الحكومات المحلية حينئذ وتقرر تقديمها للاجتماع المقبل الذي حدد أن يعقد في ديسمبر من نفس العام (2000) وأنجزت اللجنة مهمتها في الوقت المحدد وطلبت من الرئيس دعوة المجلس للنظر في مسودة قانون الاحزاب التي أعدتها لكن أسياس صار يماطل متحججا بأسباب واهية فاضطرت اللجنة الي تجميع توقيعات ثلثي أعضاء المجلس وقدمتها الي الامين العام للحزب لدعوة المجلس لكن الامين قال أن هذا ليس من تقاليد الجبهة الشعبية مما اضطر اعضاء اللجنة الي اللجوء الي الجماهير باصدار بيانها المشهور وباقي القصة لا يحتاج الي اعادة . ويفاجأنا أخيرا أسياس بانه سيعمل علي وضع دستور للبلاد، أي نوع من الدساتير يريد اسياس وضعه ؟ قطعا دستورا مفصلا علي ذاته دستور يؤمن له البقاء في السلطة مدي الحياة، لكنه موجود في السلطة كحاكم مطلق فما الذي سيغيره دستور يقنن الواقع الحالي. المسألة لا تعدو أن تكون مناورة لا متصاص الرغبة الجماهيرية في تطبيق الدستور الذي يؤمن لها الديموقراطية وحكم القانون، أسياس يعرف جيدا أن الشعب الارتري سوف لن يقبل الدستور الذي سوف يفصله علي نفسه لانه يصنع مصير باكمله ولأجل غير محدود الا بحياته.ان استمرار نظام أسياس كل هذه السنين الطويلة عيب كبير وعار يلحق بالشعب الارتري فالشعب الارتري عاجز حتي الان عن الانتفاضة والقاء هذا العبئ الثقيل عن كاهله والعيب الاكبر في القطاع الجماهيري وفي المهجر ولا سيما الذين يعيشون في دول ديموقراطية تحفظ لهم حقوقهم وكرامتهم فلم يقم هؤلاء باي جهد يمكن ان يزيد من عزلة النظام وتضييق الخناق عليه وتفعيل العقوبات المقررة هذه وقد مضت سنتان ونصف حتي الان دون أن يعقد المجلس الوطني مؤتمره الثاني المقرر اوحتي ان يعلن عن موعد المؤتمر القادم .اذا كان البطش الذي اخمدت به حركة فورتو 2013 والسجون المليئة بالمعارضين تجعل المواطن في الداخل يتردد قبل الاقدام علي أي عمل ولا يري من مواطنيه في ارض المهجر والذين يعيشون في أمن وأمان لا يحركون ساكنا ولايقومون بعمل يغرس فيه الشجاعة والفدائية للقضاء علي هذا النظام الفاجر وليسمح لي الاخ عمر جابر لاستعير عبارته التي يختم بها مقالاته لأختم كلامي وهي : كان الله في عون الشعب الأرتري.