أفق بعيد : محمد سعيد ناود فيصل محمد صالح *
17-Sep-2013
عدوليس
في ذكرى رحيل المناضل والكاتب الإريتري الكبير محمد سعيد ناود نعيد نشر شهادة الأستاذ الكبير فيصل محمد صالح متعه الله بالصحة والعافية . شهادة فيصل محمد صالح ليست ككل الشهادات التي تدبج لكي تقال في المناسبات ثم يطويها النسيان ، فهو الكاتب الملتزم وهو المتابع الدقيق وهو الصديق للشعب الإريتري عامة ولكتابه وصحفييه ومنهم الراحل محمد سعيد ناود .
في هدوء يليق بطبعه وشخصيته، رحل المناضل والكاتب الاريتري محمد سعيد ناود يوم الخميس الماضي بالعاصمة الاريترية اسمرا بعد حياة حافلة بمعنى الكلمة، فهو رجل المبادئ الذي لا يحيد، وهو الوطني الغيور الذي يتعالى على جراحاته الشخصية في سبيل خدمة الوطن، وهو الكاتب الباحث المنقب الذي يحفر في تاريخ بلاده وعلاقاتها وجذورها بدأب الشباب وقوتهم، ويقيني أنه ودع الدنيا بابتسامة رضى على ما قدمه، وبمرارة على ما آل إليه حال الوطن. لا يستطيع أي مهتم بتاريخ اريتريا ونضال شعبها أن يتجاهل اسم محمد سعيد ناود مؤسس حركة تحرير اريتريا، التي لو قيض الله لها النجاح لربما غيرت تاريخ اريتريا والمنطقة. ومن محاسن الصدف إني حين فرغت من قراءة السفر العظيم الذي كتبه ناود عن حركة تحرير اريتريا، كان أمامي محمد نور أحمد، أحد كوادر الحركة وأحد أهم المثقفين الاريتريين، في اعتقادي، فأعانني على وضع الحركة في مسار التاريخ الاريتري، وأفادني في معرفة خفاياها وأسباب الإخفاقات التي لم تجعلها تحتل موقعها الذي تستحقه، فتقدمت عليها جبهة تحرير اريتريا التي شاركتها منصة التكوين في المنخفضات الرعوية، ثم الجبهة الشعبية التي خرجت من رحم مجتمع زراعي حديث. سبقت حركة اريتريا كل الحركات المسلحة في اريتريا، لكنها سبقتها أيضا بمحاولة وضع أساس نظري وفكري للنضال، وكان معظم كوادرها من المتعلمين، لكن ربما فاتتهم معرفة بعض الأشياء، وربما تجاوزا بعض حقائق الواقع، لأن الذي حدث أن جبهة تحرير اريتريا بدأت الكفاح المسلح ونالت قصب السبق والشرعية التاريخية، دون اجتهادات نظرية، وربما هذا ما أدى لتمزقها وتشتتها بعد ذلك. وقد انضم ناود بعد ذلك لقوات التحرير الشعبية بقيادة المناضل عثمان صالح سبي، ثم رأس التنظيم الموحد لجبهة تحرير اريتريا. وحين تحقق النصر بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا ونالت البلاد استقلالها، عاد ناود ليساهم في بناء الوطن كمواطن، وأكرمته الجبهة الشعبية فمنحته منصب حاكم إقليم، ثم تقاعد بعد ذلك واكتفى بان يقف في موقف الناظر لكل التجربة من موقع الكاتب والباحث. أنتج محمد سعيد حوالي ثماني كتب سياسية وتاريخية، بجانب أنه أول من نشر رواية اريترية باللغة العربية وهي رواية “رحلة الشتاء-صالح”, وحين اصدر الكاتب والشاعر الاريتري أحمد عمر شيخ في منتصف التسعينات عمله الأدبي “نوراي” ثار جدل حول ما إذا كانت هي أول رواية ارترية، لكن الذين عاصروا صدور رواية رحلة الشتاء، في السبعينات أعادوها للأذهان لتظل تحتل مكانة الرواية الأولى، وأعيدت طباعتها عام 2007. ثم هناك الجانب السوداني في شخصية محمد سعيد ناود، فهو نشا في بورتسودان وكان عضوا بحلقات الجبهة المعادية للاستعمار، كما كان من مؤسسي مؤتمر البجا مع الدكتور طه بلية ودكتور جريتلي. ولعل كوني من بورتسودان كان سببا في بشاشة زائدة قابلني بها في المرات القليلة التي التقيته فيها، وإن كانت بشاشته هذه مبذولة لكل السودانيين، فهو من المؤمنين بالمصير المشترك للبلدين. محمد سعيد ناود رمز سوداني اريتري ورمز للنضال الإنساني، وليت جهود الناشطين السودانيين والاريتريين في السودان تلتقي لتكرم سيرة هذا الرجل العظيم بما يستحق. رحمه الله. * صحيفة الأخبار السودانية – 21 سبتمبر 2010م