إرتريا وحوار اللبنة الأولى بقلم/ ابوبكر كهال
26-Nov-2015
عدوليس ـ نقلا عن القدس العربي
بانتهاء فعاليات ورشة فرانكفورت التحاورية التي جمعت على مائدتها عدداً من الأحزاب والتنظيمات السياسية للمعارضة الإرترية وممثلين عن المنظمات المدنية ونشطاء مستقلين ومراقبين ألمان، يكون المشهد السياسي الإرتري، الذي لازمته التعقيدات والفشل منذ إمساك الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة بمقاليد السلطة لما يقارب ربع قرن من الزمان، قد شهد أولى محاولات جمع كيانات سياسية إرترية معارضة لتدارس مشكلات البلد، وفق ما ورد في مذكرة الدعوة التي وجهت إلى الكيانات المشار إليها والتي تمارس جميعها أنشطتها في الخارج.
ويضم بعض هذه الكيانات في عضويته أكاديميين ووزراء وسفراء وأصحاب رتب عسكرية عليا وكوادر سابقين انشقوا عن الحزب الحاكم وتحولوا إلى معارضين له.وقد تبنى الورشة التي عُقدت في الفترة 13- 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، معهد فيلسبيرغ الألماني المتخصص في الدراسات الأكاديمية، تلبية لطلب تقدمت به مجموعة مهتمة من إرتريي الشتات بتنظيم اللقاء والإشراف عليه لبحث ووضع التصورات للعملية السياسية في إرتريا في مرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس الإرتري أسياس أفورقي وضمان انتقال سلمي وسلس للسلطة.والحقيقة، حتى وإن جاءت دواعي عقد ورشة «فيلسبيرغ» لبحث «ما بعد مرحلة أسياس أفورقي»، إلا أن المتمعن في مسميات الكيانات التي دعيت وتلك التي تم تغييبها من المشاركة، يتيقن أن الورشة ونقاطها التي وُضعت تحت مجاهر المتحاورين تمت بموافقة أثيوبيا، الدولة الجارة التي أصبحت تدخلاتها في الشأن الإرتري تزداد باضطراد. ويمكن الذهاب بعيدا في الإعتقاد ونقول إن النظام الحاكم في إرتريا حتى وان غاب كان حاضراً هو الآخر. ويمكن رؤية ظلاله وتأثيره على النقاط التي تم التوافق عليها لتكون الأساس نحو البحث عن الحلول.نقول ذلك أولاً، بالنظر إلى العلاقة القديمة والوطيدة بين المشرف على أعمال الورشة جونتر شرودر من جهة، وبين كل من الأطر السياسية الفاعلة في أديس أبابا. كما إن شرودر كان يتمتع بعلاقات قديمة مع النظام الحاكم في إرتريا تعود إلى ما قبل فترة التحرير. والملاحظة ان شرودر هذا يقال إنه كان في زيارة إلي أديس أبابا قبيل إنعقاد الورشة !! وثانياً، فيما يتعلق بالجهات التي تم تجاهلها – على الرغم من ثقلها في الحراك – يأتي في المقدمة المجلس الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي الذي يجمع تحت مظلته معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة، وذلك بغرض تهميشه وإنهاء دوره أو تحجيمه لأهداف تعلمها الجهات المتشاركة في وضع محاور الورشة.وفي رأيي أن اصحاب الورشة الفعليين الذين وضعوا خريطة طريقها هم من استثنى هذا الكيان واستثنوا معه الأحزاب والتنظيمات ذات التوجهات الإسلاموية، لأن لدى أثيوبيا تحفظاتها تجاه مثل هذه المكونات، ربما لخشيتها من انتقال العدوى إلى أراضيها وشعبها الذي تدين فيه الأغلبية بالإسلام. وأما الحزب الحاكم في إرتريا، فله رؤية قديمة حول مسألة الأحزاب الإسلاموية كان قد بلورها منذ مرحلة ما قبل التحرير، وهي عدم السماح بتأسيس كيانات حزبية تتكئ على الدين والمعتقد.ومما تقدم، فإن الخلاصات التي تم التوافق عليها في ختام الورشة ترينا بوضوح بصمة الأطراف التي تسعى إلى حصر التغيير في حدود معينة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فالنظام الإرتري الحالي إذا افترضنا أنه سيكترث بمخرجات الورشة، فإنها ترضيه هو أيضاً على الأقل – جزئيا – لأنها لا تمسه كثيراً بسبب هبوط سقف المطالب إلى أدنى المستويات، وهذا يظهر أن كلمة الفصل في النقاشات كانت لأولئك الوزراء والسفراء والقادة العسكريين الذين يشتركون مع النظام في جملة من المفاهيم والرؤى السياسية ويختلفون معه في تغول الرئيس ودكتاتوريته.عموماً، نتائج الورشة كانت مرْضية لأطراف كثيرة في الحراك السياسي المعارض ومحبطة لبعضها الآخر، ولكن ما بات يتفق عليه الجميع هو أن البلاد برمتها تواجه عواصف جمة ينبغي مواجهتها لدرء عوامل الفوضى التي تتمدد على خريطة المنطقة بأكملها. وإن البعض الذي يرى أنها ناقصة ولا تلبي كل المطالب يجب على مثل هذه الاعتبارات أن لا تقعده عن لعب دوره والمشاركة في الدفع بالعملية السياسية التي ستتبلور وستنقح خلال المشوار وصولاً للتتويج الديمقراطي، وما فرانكفورت في اعتقادي سوى محطة أولى ستتبعها محطات للنقاش والتحاور. http://www.alquds.co.uk/?p=440610