إريتريا وشعاع الأمل بقلم/ صالح .م. تيدروس
3-Feb-2020
عدوليس
المراقب للراهن السياسي الاريتري يتوقف عند حالة الركود التي تبدو ماثلة في غياب أي نشاط او تحركات ملفتة لها تأثير مباشر على مستقبل الدولة الاريترية سواء كان من جانب النظام الحاكم او من القوى المناهضة للنظام. هذا إذا استثنينا بطبيعة الحال التحالف الجديد بين افورقي وابي احمد والذي أدى الى خلط بعض
الأوراق هنا وهناك. ولكن حتى هذا التحالف لا يبدو انه سيدوم طويلا وسيظل تأثيره محدودا لأنه في نهاية المطاف تحالف بين شخصين وليس بين قوى سياسية.
أما الحقيقة فإن هناك مياه كثيرة تجري تحت الجسر وبصمت مطبق لأحداث التغيير الأنسب في الوطن المغتصب. حديثنا هنا هو عن الحراك الداخلي لإحداث التغيير الذي يمكنه انقاذ الدولة الوليدة من حافة الهاوية التي يجرها اليها افورقي ونظامه المهترئ. الحراك الداخلي الارتري ليس ظاهرة جديدة مستحدثة وليس تقليدا لما يحدث في دول الجوار بل هو حراك وطني يستمد آلية ديمومته من التجربة الارترية خلال الـ70 عاما الماضية. تمظهر هذا الحراك خلال السنوات الثلاثين الماضية في عدة تحركات سياسية معارضة للنظام القائم بدءا بإضراب المقاتلين في العام 1993 ثم ثورة المعوقين ومرورا بمجموعة الـ15 في العام 2001 ثم حركة 21 يناير في العام 2013 او ما عُرفت بحركة فورتو التي استشهد فيها العقيد سعيد علي حجاي وصولا الى انتفاضة مدرسة الضياء التي فجرها الشهيد الشيخ موسى محمد نور في العام 2017. صحيح ان بعض هذه التحركات كانت تأخذ بُعدا مطلبيا أكثر من كونها ثورة تصحيحية ولكن العامل المشترك بينها انها قوبلت بالعنف المفرط من قبل النظام لإدراكه بأن أي تحرك مطلبي حتى لو كان في مدرسة نائية يمكن ان يتحول الى ثورة عارمة تعم الوطن بأكمله وترمي به في مزبلة التاريخ. السجن والاعتقال المؤبد والتغييب الكامل لكل من شارك في الحراك هو التكتيك الذي تتبعه الأجهزة الأمنية للنظام حتى لا يفكر أحد في أي عمل معارض مستقبلا. وغاب عن هذه الأجهزة حقيقة ان صوت الشعب لا يمكن اسكاته بالوسائل القمعية مهما كان مستوى القمع حيث ان الزمن كفيل باهتراء سيف الجلاد.
لقد استفادت قيادات الحراك الداخلي في الوقت الراهن من التجارب الماضية وابتكرت أساليب جديدة للعمل الوطني تتخطى مستوى تفكير الأجهزة الأمنية وتتجاوز الأنماط التقليدية للمجابهة بين نظام دموي وشعب اعزل. التحدي الماثل الآن امام هذا الحراك هو كيفية الانتقال الى دولة يسود فيها القانون وتحترم فيها الحريات بعيدا عن الهيمنة والتغول، دولة العدالة والسلم الاجتماعي، اذ ان إزالة النظام الحالي ليس بالمهمة الصعبة حسب تقديرات الكثيرين من قيادات الحراك. لقد أحدث نظام افورقي جرحا عميقا في اللحمة الوطنية وساهمت بعض مجموعات المعارضة في الخارج في تعميق هذا الجرح من خلال تبنيها لرؤى تتعارض مع الاطروحات الوطنية الامر الذي أدى الى تسرب حالة من اليأس والقنوط في نفوس قطاعات واسعة من شعبنا وجعلها تعزف عن المشاركة والتفاعل مع أي نشاط يتعلق بالوطن. إعادة الثقة الى الانسان الاريتري هي من المهام الأساسية للحراك الداخلي وذلك من خلال حملة تنويرية وتوعوية واسعة رغم القبضة الأمنية للنظام. ثم يأتي التواصل مع معارضة الخارج ممن يؤمنون بأن اريتريا هي وطن للجميع بعيدا عن مؤثرات الماضي ومخلفات التجارب الماضية. لقد قامت الأجهزة الأمنية باعتقال بعض الناشطين في الحراك الداخلي خلال الستة أشهر الماضية على خلفية رصد مكالماتهم الهاتفية ومع ذلك لم تستطع هذه الأجهزة من الوصول الى غايتها حيث ان زخم الحراك يزداد يوما إثر آخر مما يؤكد بأن المسألة ليست (بوخة مرقة) هذه المرة.