إشكاليتنا هل هي في وجود التنظيمات أم فاعليتها؟؟؟
15-Jan-2016
عدوليس ـ ملبورن نقلا عن .harnnet.org
مصطلح التنظيم وإن كان مصطلحاً مألوفاً، إلا أنه نسبةً لاعتماد موضوعنا عليه، لا نرى بأساً في إلقاء بصيص من الضوء عليه، فالتنظيم من حيث المبدأ والغرض من إقامته أمر يهم جهات متعددة تريد أن توحد جهودها ورؤاها لتكون أكثر قوةً وفاعلية. التنظيم بالطبع ليس محصوراً علي النشاط أو العمل السياسي بالضرورة، فقد تمليه ضرورة اقتصادية، اجتماعية، رياضية …الخ، لكن تناولنا له في هذه المناسبة سوف يقتصر علي السياسي منه. التنظيم لا يقتصر علي مجرد جمع الطاقات والأفكار المشتتة لتتحد وتتقوَّى ببعضها البعض، ذلك أن الاتحاد والقوة لابد لهما من هياكل دستورية قانونية وفكرية منظمة وهياكل قيادية تقود وينقاد بها التنظيم من القمة الي القاعدة. وكل تنظيم قائم علي مجرد الرغبة المزاجية بلا قواعد تنظم عمله سرعان ما يهوي الي الفوضى وينهار. إن مجرد إقامة أو صناعة تنظيم لا تعني أن هدفك قد تحقق، فالتنظيم وسيلة لتحقيق غاية وليس غاية في حد ذاته.
أما فاعلية التنظيم فتعتمد علي فاعلية وتفاني وإخلاص مؤسسيه أو أعضائه، وكل قصور يبدر من الأعضاء سرعان ما ينعكس علي التنظيم، لكن قصور وعجز الأعضاء أو حتى التنظيم كمؤسسة في تحقيق الهدف المنشود لا يعني نسف فكرة التنظيم من الأساس واعتبارها وسيلة غير مجدية علي الإطلاق. لذلك لا يعقل أن يـُــعـْـــزَى ضعفُ معسكر المعارضة اليوم الي وجود التنظيمات، كثرت أم قلت. كما أنه ليس من العيب وجود تنظيم يعاني من خلل في سياساته أو في هيئته القيادية أو في أداء تلك الهيئة، فكل هذا مقدور عليه إن وجدت الرغبة الصادقة في التغيير لدى أعضائه. أما أن يؤدي وجود انحرافات أو عيوب سياسية أو قيادية في تنظيمٍ ما أو هيئة مظلية جبهوية الي رفض فكرة التنظيم نفسها والكفر بضرورة وجودها وبالذات في حال كحالنا اليوم في مواجهة النظام الدكتاتوري فليس إلا تحطيم ونحر لوسائل نضالنا لإسقاط الدكتاتورية وبالتالي انحياز لصفوفها، شئنا هذا أم أبينا.لا أحد ينكر علي الشعب أن يتأطـَّــر ويتسلح بالوعي والتنظيم ليسترد حقوقه، إلا أن هناك من يدَّعون الإيمان بالتعددية التنظيمية وتحقيقها في النظام الديمقراطي وفي ذات الوقت ينشرون ثقافة اللا تنظيم والتفرُّج السلبي علي الأوضاع وادعاء أن كل تنظيم أو انتماء تنظيمي مضاد لمصلحة ورغبة الجمهور. لكن للحقيقة والتاريخ فإن ضعف التنظيمات القائمة قد يؤدي لدى البعض الي الكفر بنظرية التنظيم. لنفترض وجود خلل في التنظيم فكراً أو ممارسة، إلا أنه ودون الاتجاه الي إدانة فكرة التنظيم أو المصادرة عليها، هناك طريق واحد لتفادي أو معالجة الخلل التنظيمي أو السياسي، ألا وهو أنه بدلاً من معالجة العجز بالسلبية، يجب أن نكون إيجابيين فنعمل داخل التنظيمات القائمة أو خارجها الي فرض بديلنا التنظيمي وطرحنا السياسي البديل.لا يمكننا أن ننتقد وضعاً ما دون اقتراح البديل له، أما أن ننتقد غيرنا ولا نبادر بالتصحيح ولا بأخذ المبادرة للتقويم فإننا بذلك نجانب المصداقية والصواب. إن اقتناعك بعدم صلاحية الموجود من التنظيمات يجب أن يقودك الي تأسيس بديلك التنظيمي لتنافس به التنظيمات المنحرفة في تقويم ذلك الانحراف. إن حقك في التنظيم حق شخصي لا تنتظر فيه الإذن من أحد. أما أن تحرم هذا الحق علي الآخرين لتحتكر أنت الساحة السياسية تجول فيها وتصول كما تشاء فلن يقبل ذلك أحد. إن ادعاء النضال ضد الدكتاتورية والاحتكار نظرياً وممارستهما عملياً لا يجتمعان، بل يثيران الشك والبلبلة.إن إنكار حق التنظيم علي التنظيمات لا يلتقي مع دعوة الشعب الي التأطــُّــــر والتنظيم. في قناعتنا تنظيم الشعب وتوعيته أمر ضروري للنصر في معركتنا مع الدكتاتورية التي تحرم الناس جميعاً من حرية التنظيم بدلاً من إضاعة الوقت في نبذ التنظيمات والحق في تكوينها. كما نعلم جميعاً فإن التنظيم يبدأ بعدد محدود من الناس في مناسبة بعينها ورؤية مشتركة للمؤسسين ثم يتنامى عبر الزمن. ومما يجعل التنظيم ينمو رأسياً وأفقياً امتلاكه لقيادة مرنة وواعية وأهداف ومبادئ معلنة، وبذلك يكتمل نموه ويستحق وصفه بالتنظيم، وإذا اتفقنا جميعاً علي مبدأ أن (التنظيم قوة) سوف نقر بالضرورة بأهمية تأسيس التنظيم. إبداؤك نقداً موضوعياً لما حولك من خلل سياسي ظاهر للعيان حق وليس خطيئة، بيد أن مجرد إبداء النقد ليس كافياً لإقناع الناس برؤيتك ما لم تتجسد الرؤية عملياً في كيان تنظيمي أفضل مما كنت تنتقده من الأوعية التنظيمية القائمةإن سيف النقد الذي تشهره في وجه أيٍّ كان، يجب ألا تشحذه بمبرد المزاج الشخصي أو الفئوي الضيق، احذر أن يدمي سيفك الأعوج هذا جسد الشعب والوطن، ولهذا نحرص دائماً علي تجاوز صغائر الأمور والالتفات لقضايا الشعب والوطن والهموم المشتركة عموماً. إن الخلافات التي نرى تأجيلها أو تأخيرها في سلم الأولويات، هي تلك القائمة علي الحزازات والمصالح الشخصية، اختلاف التجربة والخلفية الفكرية أو السياسية، التباين في المعتقدات….الخ.إن إقامة التنظيم بغرض إنجاز الأهداف المشتركة هو اللبنة الأولى في الصرح التنظيمي، أما اللبنة المتممة لهذا الصرح فهي التوفــُّـــق في اختيار قيادة رشيدة نابعة من بين الأعضاء تقود العمل وتنظمه مسترشدةً وملتزمةً بموجهات وقوانين التنظيم. عند الانخراط في العمل السياسي يعلم المنخرطون فيه أن من حقهم أن يقودوا أو ينقادوا بالآخرين، وحينما يناضل تنظيمٌ أو فردٌ ما لكي يحقق أهدافه في الساحة السياسية عبر منافسة شريفة ونزيهة فينتصر ويكسب الجولة فإنه بذلك يمارس حقه ولا ينتهك حقوق الآخرين. أن تنكر علي تنظيم سياسي تعهده بالحكم إذا كسب ثقة الشعب لا يمكن فصله عن إنكار حقه في النضال من أجل هدف من الأهداف أو مبدأ من المبادئ. إن السعي لأن تكون في الطليعة وتفوز بعطاء خدمة الشعب لا ينفصل عن الأسباب التي من أجلها التحقتَ بالعمل السياسي. أن تكون تنظيماً سياسياً يدعي النضال من أجل التغيير ثم ترفض ممارسة العمل القيادي والريادي يعني أنك ما تزال مراهقاً سياسياً لم تبلغ سن الرشد السياسي. وإذا حدث أن نافست الآخرين في الترشح لمقعدٍ أو مقاعد قيادية ولم يحالفك الفوز فهذا ليس نهاية حياتك السياسية، بل محطة من محطاتها وحدث من أحداثها الطبيعية يجب أن تتقبله بروح رياضية وسعة أفق سياسي. لا أحد يحجر علي أحد تقلد المناصب القيادية في مرحلة النضال من أجل التغيير. لذلك لا معنى ولا مكان لما يدور اليوم بين التنظيمات السياسية الارترية من خلافات ثانوية حول هذه الأمور، لذا عندما نقيـِّــم معسكر المعارضة وفق معطيات التحليل التي تخللت هذه السطور ندرك أن إشكاليتنا لا تكمن في وجود التنظيمات أو كثرتها وتعددها، إنما تكمن في تقصير تلك التنظيمات في بلوغ وتحقيق أهداف الشعب حتى اللحظة رغم سعيها الجاد ونضالها المقدَّر.