إقليم “التغراي” في إثيوبيا.. توتر متصاعد يفتح الباب لـ”تقرير المصير ! بقلم / عبد المنعم أبو إدريس.
8-Oct-2020
عدوليس نقلا عن الشروق
تشكل انتخابات إقليم “التغراي” في شمال إثيوبيا، أزمة سياسية في ظل رفض الحكومة المركزية برئاسة آبي أحمد لها، بحجة أنها تفتقد “السند القانوني”.أحمد وصف في مقابلة مع التلفزيون الرسمي، الانتخابات التي جرت في إقليم “تغراي” بصورة منفصلة، بأنها” تشبه أولئك الذين يبنون أكواخاً في الظلام، وهم مقيمون بشكل غير قانوني”.وتعكس تصريحات آبي أحمد، طبيعة الخلاف بين الحكومة المركزية، وإقليم “التغراي” عقب إجرائه الانتخابات المحلية التي شارك فيها 2.7 مليون ناخب من سكان الإقليم، الذين يمثلون 6% من سكان إثيوبيا، البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة، وفقاً لإحصاء عام 2015.
ويعتمد نظام الحكم في إثيوبيا على التجربة الفيدرالية، التي قُسمت بموجبها أقاليم البلاد إلى 10 أقاليم تتمتع جميعاً بالحكم الذاتي، وفقاً للدستور.
واحتدت الأزمة بين الطرفين، بعد قرار مجلس الاتحاد في إثيوبيا (الغرفة الثانية من البرلمان) تأجيل الانتخابات العامة التي كان يفترض إجراؤها في أغسطس الماضي، لمدة عام، نتيجة انتشار فيروس “كورونا”، مع التمديد لحكومة آبي أحمد.
أسانيد دستورية:
وبالرغم من اللغة الحادة لرئيس الوزراء الإثيوبي تجاه خطوة إجراء الانتخابات في إقليم “التغراي”، إلا أنه “ربط شرعية الحكومة المنتخبة في الإقليم، بالمشاركة في الانتخابات العامة المقبلة”، وفقاً لما ذكره خلال لقائه مع التلفزيوني الإثيوبي.
ويستند آبي أحمد في إشارته إلى عدم دستورية انتخابات إقليم “التغراي” إلى المادة (70) من الدستور الإثيوبي، والتي تنص على أن “المجلس الانتخابي، هو المسؤول عن الانتخابات في البلاد على المستويين الاتحادي، والولائي، بوصفه هيئة تنفيذية للدولة، منوطة بإجراء الانتخابات، طبقاً للدستور”.
وكان المجلس الانتخابي المركزي رفض الإشراف على انتخابات “التغراي”، ولكن المادة (76) من الدستور الإثيوبي نصت على إجراء الانتخابات على المستويين الاتحادي والولائي كل 5 سنوات.وبحسب المادة المذكورة، فإن الانتحابات كانت مقررة في مايو الماضي، وجاء التأجيل من قبل الحكومة الإثيوبية نتيجة تفشي جائحة “كورونا”، ما استدعى تأجيلها عاماً آخر.
الأزمة أعمق:
تبدو الأزمة بين حكومة آبي أحمد، وإقليم “التغراي” بمنزلة خلاف دستوري يمكن حسمه عبر المحكمة الدستورية، إلا أنها في الواقع أكثر عمقاً منذ ذلك، إذ إنها بدأت مع تقلد آبي أحمد رئاسة الوزراء في إثيوبيا، خلفاً لهيلي ماريام ديسليين عقب احتجاجات شعبية، قامت بها إثنية “الأرومو” التي ينتمي إليها أحمد، وهي أكبر الإثنيات في البلاد، من حيث العدد، وتمثل نحو 36% من إجمالي سكان البلاد.
وطرح رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي خطوات إصلاحية في البلاد، أزاح بموجبها عدداً من أبناء “التغراي” من مواقع استراتيجية، ظلت حكراً عليهم منذ وصول “الجبهة الشعبية لشعوب إثيوبيا” إلى حكم البلاد، بعد الإطاحة بـنظام منغيستو هايلي ماريام في عام 1991.
وأتبع ذلك بمصالحة مع الحكومة الإريترية، التي كانت على عداء مع جبهة “تحرير التغراي”، إذ كان إقليم “تغراي” المتاخم لإريتريا، وقوداً للحرب التي جرت بين البلدين، بين الأعوام 1998 و2002 بسبب خلافات حدودية.
وفي ديسمبر الماضي، أقدم آبي أحمد، على خطوة جرئية للغاية بتأسيسه لـ”حزب الازدهار”، متخطياً الإرث الإثيوبي في تأسيس الأحزاب على “الخلفية الإثنية”، فقد بلغ إجمالي الأحزاب ذات “الخلفية الإثنية” في البلاد، 50 حزباً خلال الفترة من 1976 إلى 1991.
وطرح أحمد، حزبه الجديد كبديل للتحالف بين “الأحزاب الإثنية”، المتمثلة في (الجبهة الشعبية لشعوب إثيوبيا)، والتي نشأت في عام 1988، كتحالف لـ”النضال ضد الديكتاتورية”، وسيطر “التغراي” على قيادة التحالف، على الرغم من أنهم ليسوا الإثنية الأكبر عدداً بين مكونات الجبهة. واستمرت تلك السيطرة طيلة فترة حكم رئيس الوزراء الأسبق مليس زناوي، التي استمرت 21 عاماً.
وتصاعدت وتيرة التوتر بين حكومة آبي أحمد، وإقليم “التغراي”، على خلفية الخطوات السابقة، حتى بلغت ذروتها مع إجراء انتخابات الإقليم الأخيرة، والتي تبدو رسالة للحكومة المركزية، بأن “الإقليم يمضي نحو تحقيق مزيد من الاستقلالية، ويسعى لنسج تحالف سياسي جديد، مع حزب من إقليم (العفر)، وآخر من إقليم (الصوماليا)”.
ويبقى التخوف الأكبر من استخدام إقليم “تغراي” للمادة (39) من الدستور الإثيوبي، والتي تعطي الحق لأقاليم البلاد المختلفة، في الحصول على “تقرير المصير”، والذي يفتح الباب واسعاً لتهديد تماسك الدولة التي يوجد بها 80 مجموعة إثنية، تتحدث لغات مختلفة، وقسمت أقاليمها على أساس إثني.
مخاوف الجوار :
وتثير الأزمة مخاوف كبيرة لدى دول الجوار الإثيوبي، خصوصاً السودان وإريتريا، اللذين تجمعهما حدود مع إقليم “التغراي”، الذي يرتبط إثنياً مع إريتريا، التي يتحدث 50% من سكانها بلغة “التغراي”، إذ إن فتح باب الاستقلالية للإقليم، يشكل تهديداً للأمن الإريتري.
وترتبط الحكومة الإريترية بتحالف قوي مع نظيرتها الإثيوبية، بعد المصالحة التاريخية بين البلدين، والتي تجعل أسمرا تتخوف من أي تهديد لحكومة آبي أحمد، وتحديداً إذا كان قادماً من إقليم “التغراي”.
أما السودان، الذي تشهد حدوده الشرقية مع إقليم “التغراي”، انتشاراً واسعاً لعصابات النهب المسلح، والاتجار بالبشر والتهريب، فيخشى توترات أمنية تزيد العبء على إقليمه الشرقي المحتقن.
* عبد المنعم ابو إدريس علي: صحافي وباحث سوداني في شؤون القرن الإفريقي