اسمرا وخيوط التحولات الإقليمية. بقلم/ فتحي عثمان
17-Jul-2016
عدوليس ـ باريس
المتابع لمسار العلاقات الاريترية السعودية بشكل خاص يصل إلى قناعة بأن صانع القرار في اسمرا والمهتمين بهذه العلاقة يظنون وبشكل خاطئ بأن الرياض ذات فهم غير عميق للشأن الاريتري وأنها سياساتها قصيرة النظر وغير مؤثرة على الاحداث المحيطة بأريتريا. ليس هناك أكثر خطأ من هذا الموقف القاصر عن فهم آليات عمل السياسة الخارجية للمملكة التي تقع ارتريا ضمن مجال أمنها الحيوي. تسع سنوات من متابعة مؤشر العلاقات الثنائية من محطة الرياض أتاح لكاتب هذه السطور زاوية نظر مختلفة لمسار هذه العلاقات ماضيا وحاضرا ومستقبلا أيضا. على العكس من القناعة السائدة في اسمرا فإن سياسة
الرياض تجاه اسمرا تتسم بقدر عال من طول النفس والتروي والتغاضي الذي يصل في كثير من الأحيان إلى حد التجاهل، هذه المواصفات اسيئ تفسيرها في دوائر صنع القرار الخاص بهذه العلاقات ويمكننا تتبع ذلك في هذه العجالة. بدعم الرياض لاتفاقية جدة المؤسسة للتنظيم الموحد كان لها نظرة لما يجب أن يكون عليه مسار الاحداث في الساحة الارترية وهو الأمر الذي أدى إلى تضارب مبكر في وجهات النظر بين الحكومة الاريترية المؤقتة والرياض بعد التحرير مباشرة. محطة ثانية تعاملت معها الرياض بحذر في العلاقات كانت إقامة ارتريا لعلاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل. الانزعاج السعودي لم يصل إلى مرحلة عرقلة أو إدانة هذا التصرف السيادي من جانب اريتريا، بناء على فهم الرياض الراسخ بأن الأدوات المتاحة لها للحد من ضرر هذه العلاقة يفوق الإمكانيات المتواضعة للحكومة الارترية الوليدة. محطة أخرى حاسمة في العلاقات كانت قيام الحكومة الارترية وبعد فترة تشديد ورقابة أمنية ومضايقات بإغلاق مقر هيئة الإغاثة الإسلامية السعودية في حي ماي جهوت في اسمرا في عام 1995 وطرد الموظفين السعوديين واعتقال زملائهم الارتريين حتى اليوم دون توجيه أي تهم محددة لهم. الخطوة لم تثر ردة فعل عاصفة في الرياض. انخرطت اريتريا في تلك المرحلة أيضا وبالتعاون مع حكومة ملس زيناوي وبدعم امريكي مباشر في تصفية نشاط حزب الاتحاد الإسلامي في الصومال الاثيوبي، وفتح جبهة الحرب ضد حكومة الخرطوم والمنظمات الإسلامية الارترية هناك، تابعت الرياض هذه التطورات حتى وصلت إلى حد المواجهة العسكرية المباشرة بين حليف السعودية على عبد الله صالح واسمرا حول جزر حانش في البحر الأحمر. خلال هذه المرحلة لم تعلن الرياض موقفا دبلوماسيا مضادا لاسمرا. اعقب ذلك فترة بدأت اسمرا فيها التقارب مع الرياض وذلك عبر محاولة تشجيع الاستثمارات لرجال الاعمال السعوديين ولكن أغلب هذه الاستثمارات توقف بعد فترة قصيرة من بدءها لأسباب تتعلق بسياسات اسمرا بشكل خاص. في اعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر ومطالبة الرئيس الأمريكي بوش وتحت تأثير الصدمة من دول العالم بتحديد موقفها إما بالوقوف مع واشنطن او ضدها، قدم الرئيس اسياس محاضرة للرئيس الأمريكي عبر وسائل الاعلام قال فيها بأن اريتريا “اكتوت” وحاربت التطرف “الوهابي” قبل أن يهاجم الولايات المتحدة. وقدم وصفته من خلال تجربته في الحرب ضد الإرهاب للإدارة الامريكية حينها قائلا بأن الحرب الدولية على الإرهاب لن تنتصر إلا بالقضاء على الخلوة أو المدرسة الدينية الحاضنة الأساسية للإرهاب من وجهة نظره، وهي وجهة نظر مؤسسة على فهم عقيدي لدى الرئيس اسياس لدور الإسلام “الوهابي” حسب ما يفهمه ويصرح به ويمكن الرجوع إلى كل تصريحاته للصحافة المحلية خاصة حول الإرهاب وسبل مكافحته.الحكومة الاريترية لم ترحب بالاستثمارات السعودية بل أن الاستثمارات التي بدأت في التسعينات مثل شركة المكيرش لتصدير المواشي إلى السوق السعودية واستثمار الشركة السعودية للأسماك توقفت بسبب العوائق التي خلقتها السلطات الارترية لعرقلة هذه المشاريع. ومثال ذلك مساهمة الملياردير السعودي الوليد بن طلال في شركة خطوط البحر الأحمر للطيران التي اجهضت في بداياتها. لذلك فضل العديد من المستثمرين السعوديين استغلال الفرص التي اتاحتها لهم اديس ابابا مقابل التضييق الذي تعاملت به اسمرا ضدهم. لذلك فضل العديد من المستثمرين السعوديين استغلال الفرص التي اتاحتها لهم اديس ابابا مقابل التضييق الذي تعاملت به اسمرا ضدهم. التحولات الإقليمية التي ترافقت مع الازمة في اليمن دفعت اريتريا للانضمام إلى الحلف الإسلامي ولتقديم التسهيلات اللوجستية للحرب هناك. رغم ان الحلف يجعل الشركاء يقفون صفا واحدا إلا ان اسياس رغم وقوفه في الصف فإنه لا زال يلبس حذائه مقلوبا؛ فهو لم يوظف موقفه التفاوضي الداعم للحكومة الشرعية والحلف الداعم لها في تحسين أوضاع الجالية الارترية في المملكة خاصة فيما يتعلق بقوانين الإقامة والعمل والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية؛ هذا ليس مستغربا منه لأنه ينظر للجالية الارترية في المملكة نفس النظرة التي ينظر بها للاجئين الاريتريين في السودان، باستثناء واحد ومهم وهو النظر اليهم كبقرة حلوب عبر ضريبة الدخل اثنين في المئة. المعاملة التفضيلية للجالية حققتها تنظيمات الثورة الارترية في عهد العاهل الراحل فيصل بن عبد العزيز وخلال خمس عشرين سنة من العلاقات الثنائية لم تحقق الحكومة الارترية اية منافع للجالية هناك وذلك بسبب العنصر المكون لها وموقف الحكومة منه.محاولة الاستفادة من الأوضاع الناشئة من الحرب في اليمن تركزت في تعزيز الصلة والتعاون مع صندوق التنمية السعودي الوكالة السعودية للعون الخارجي من اجل الحصول على القروض الميسرة وحل الضائقة المالية الخانقة. وبإعلان الامارات انهاء مشاركتها العسكرية في العمليات العسكرية في اليمن والمسعى الدولي لحل الازمة سلميا سوف تجد اسمرا نفسها إزاء مستجدات لم تعد نفسها لها. وكما لم يستفد الشعب من مشاركة ارتريا في حرب اليمن فإنه حتما سوف لن يستفيد من أي مستجدات أخرى للأسباب التي اوردناها أعلاه.