الإستراتيجية المفقودة/المطلوبة لقوى التغيير في ظل التطورات الحالية ! بقلم/ عبد الرازق كرا ر
12-Mar-2021
عدوليس
• بتصريح المتحدثة باسم البيت الأبيض جين باسكي “أن الرئيس بايدن يشعر بقلق عميق وأنه مهتم للغاية بالوضع الإنساني في إثيوبيا” فإن الاهتمام الدولي بما يجري في إثيوبيا وتداعيات الكارثة الانسانية الناجمة عن ذلك يكون قد وصل أعلى مراحل صناعة القرار في المجتمع الدولي.• ورغم هذا الاهتمام غير المسبوق، فإن خيارات المجتمع الدولي في هذه المرحلة هى الضغط الدبلوماسي والتلويح ببعض العقوبات على إثيوبيا من أجل إخراج القوات الإرترية ومليشيات الأمحرا من اقليم التغراى والإكتفاء بتواجد الجيش الإثيوبي الفيدرالي في الاقليم، وفتح المسارات لمنظمات الاغاثة وتقديم المساعدات، وفتح تحقيق دولي بخصوص الادعاءات حول الانتهاكات وجرائم الحرب التي تم ارتكابها ويحاول كل من أطراف الصراع تحميلها للآخر.
ان الدفع بملف التحقيق الدولي حول الانتهاكات إلى مجلس الأمن قد لا يكون متيسراً في ظل تحفظ عضوين دائمين في المجلس وهما (الصين وروسيا) ودول أخرى غير دائمة العضوية مثل الهند. والرفض الروسي الصينى وأن اختلفت دوافعه، لكن ينطلق من مبدأ (عدم التدخل في شئون الدول الداخلية) ولكن اذا استمر الحال على ما هو في ظل التغطية الإعلامية المؤلمة لهذه الكارثة الانسانية، فإن الصين وروسيا ربما لن تتمسكا بموقفهما الحالي لفترة طويلة، ولدينا نموذج السودان واحالة الملف الى محكمة الجنايات الدولية بواسطة مجلس الأمن، رغم أن الصين كان لها مصالح حيوية في السودان.
• للاسف لا يملك المجتمع الدولي كروت ضغط فاعلة يمكن أن يستخدمها ضد النظام الإرتري، فلقد اختار النظام العزلة الاختيارية منذ فترة طويلة، ولهذا فإن الضغط الدولي على إرتريا لن يكون ذو جدوى ملموسة، على عكس الضغط على إثيوبيا والذي يتوقع أن يؤتي أكله بحكم العلاقات المتشابكة لإثيوبيا مع المجتمع الدولي، والتي لا يمكنها الاستغناء عنها اقتصاديا وسياسياً ودبلوماسياً.
• وإذا كان من الصعب تصور استغناء إثيوبيا عن علاقاتها ومكانتها الدولية، فإن الخيارات أمامها محدودة، وهى الاستجابة للضغوط الدولية بالطلب سراً أو علناً من إرتريا سحب قواتها من الاقليم، والسماح بتحقيق دولي في الادعاءات المثارة.
• وإن كان هذا الخيار يبدو سهلا ومقبولا في ظاهره، لكنه على المستوى العملي ليس بهذه السهولة، إذ ان هنالك شكوك حقيقية حول قدرة الجيش الإثيوبي الفيدرالي على السيطرة على الأوضاع الأمنية والميداينة في الاقليم، وإذا أجبر العالم إثيوبيا على سحب مليشيات الامحرا، فإن عودة الوياني الى مسرح الأحداث بشكل أكثر قوة هو احتمال كبير، وهذا آخر ما يرغب فيه كل من رئيس الوزراء الاثيوبي آبي احمد والرئيس الإرتري أسياس أفورقي، فالمعركة في تصورهم مع الوياني هى معركة صفرية.
• هذه التصور الصفري للمعركة قد لا يشاركهم فيه جزء كبير من المجتمع الدولي، والذي ينطلق في حله للصراع من خلال تصور الدفع بالأطراف الى نوع من الحوار يؤدي الى قسمة السلطة واشراك الوياني بشكل أو آخر في الحكم من أجل سلام مستدام.
• وأياً كان خيار إثيوبيا، فليس أمامها غير فض الشراكة مع النظام الإرتري، والذي لن يتقبل بسهولة سحب جنوده خاصة إذا كان لديه اى تقييم أو اعتقاد أن ذلك ربما يسهم في عودة مؤثرة للوياني ليس فقط لأنهم يفسدون “لحظة أفورقي في التاريخ” ويحطمون أحلامه التي كاد أن يمسك بها، ولكن لأن أفورقي يدرك أنهم سوف يهددون عرشه، لأنهم أيضاً يتصورن المعركة صفرية مع نظام أسياس.
• فض آبي أحمد الشراكة مع أسياس هى سترة النجاة التي يحاول أن يلقيها العالم لآبي احمد، ويبدو أنه أو بعض مراكز القوى في نظامه أدركت هذه الرسالة ولهذا جاء هذا الجهد المنسق لتحميل القوات الإرترية الانتهاكات التي تتحدث عنها التقارير ورأينا كيف أن اتهام القوات الإرترية بذلك جاء على مرأى ومسمع (إن لم يكن تنسيق) الحكومة الفيدرالية والاقليمية في تغراى.
• المجتمع الدولي لا يثق مطلقاً في اسياس افورقي، ولا يعتبره شريكاً يمكن أن يعول عليه في المساهمة إيجاباً في أمن الإقليم، ولهذا خرقاً لما تعارف عليه في منح جائزة نوبل للسلام قسمة بين الموقعين على اتفاقات السلام (السادات، بيغن- عرفات رابين..الخ) فإن الجائزة منحت فقط لرئيس الوزراء الاثيوبي، رغم أن الاتفاق يوقع بين دولتين، وهو مؤشر واضح تجاه شكوك المجتمع الدولي تجاه أسياس فيما يتعلق بالسلام والأمن الاقليمين.
• إن تركيز المجتمع الدولي على إخراج القوات الإرترية ينطلق من شكوك سابقة هو أن أسياس عائق أمام السلام والأمن الاقليمين وليس لاعب إيجابي في هذا الملف، والأمن والسلام الاقليمين هو ما يحرك المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي، وهذا ربما يساعد الكثيرين في فهم لماذا لم يهتم العالم على هذا المستوى، بالانتهاكات التي ارتكبها النظام ضد الشعب الإرتري طوال ثلاثة عقود، ولكنه انتفض لأن هنالك إدعاءات بانتهاكات من قبل القوات الإرترية خارج حدودها، وهو فى صلب مهام وصلاحيات مجلس الأمن الدولي.
• إذ ادركنا دوافع تحرك المجتمع الدولي، فإن أمام المعارضة بكافة اشكالها وهياكلها ومظلاتها فرصة كبيرة للاستفادة من الظروف الحالية لصالح مشروع دولة ديمقراطية تحتضن كل مكونات شعبها، ومتصالحة مع إقليمها ومساهمة إيجاباً في السلم والأمن الإقليمين.
• هذا يستدعي تغيير خطاب المعارضة، وبدلاً من التركيز على انتهاكات النظام لحقوق الانسان في إرتريا، أو عدم دستوريته، الى التركيز على دور النظام في خلخلة الأمن والسلم الاقليمين وهى حقيقة بات العالم كله شاهد عليها.
• وإذا كانت هذه حقيقة معلومة لدى المجتمع الدولي، فالمطلوب من المعارضة مقاربة تطرح من خلالها قدرتها على أن تكون بديل يمنع حدوث فراغ في حال تهاوي أركان النظام، لأن الفراغ هو المقدمة المنطقية لعدم الاستقرار، وعليها أن تذهب أبعد من ذلك وهو طرح مقاربة للاسهام إيجاباً في الأمن والسلم والاقليمين.
• إن طرح خطاب سياسي يتوافق ومتطلبات التطورات المتسارعة من جهة، ويستجيب لقضايا الأمن والسلم الاقليمي يحتاج وقبل كل شئ لملمة أطراف المعارضة عبر تحرك عاجل يرقي لمستوى هذه التطورات المتسارعة.
• تبدأ المقاربة الاقليمية التي يفترض أن تطرحها المعارضة بإدانة سلوك النظام بالزج بالجيش الإرتري في الصراع الداخلي الاثيوبي، والاسهام سلباً في عدم استقرار المنطقة والكارثة الانسانية التي ترتبت عليها، والتأكيد أن خلخلة الأمن والسلم الاقليمين هو سلوك راسخ لدى النظام الإرتري ضمن استراتيجات البقاء في السلطة، وأن ترسيخ السلم والأمن الاقليمي يستحيل تحقيقه مع استمرار هذا النظام في السلطة.
• الركن المكمل للمقاربة الخاصة بالسلم والأمن الاقليمين هو رفع الصوت عالياً والانضمام الى المجتمع الدولي بالمطالبة بتحقيق دولي محترف في كل الادعاءات المثارة بخصوص الانتهاكات، ومن ثم انصاف الضحايا وعد السماح بالافلات من العقاب.
• صحيح أن قضية التحقيق الدولي هي ذات بعد اخلاقي يتعلق بحقوق الانسان ومبدأ العدالة، لكنها أيضاً ذات بعد أهم في مقاربة الأمن والسلم، وايقاف دائرة الانتقام التي أصحبت لعنة تطارد شعوب هذه المنطقة.
• وإذا تركنا أنصار النظام جانباً، نجد أن هنالك أصوات في صف المعارضة ترفض الاتهامات الموجه للقوات الارترية المتواجدة في تغراي بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، وتعتقد أن هذه حملة ممنهجة لاضعاف الجيش الإرتري، كما أن التعاطي مع مثل هذه الاتهامات سوف يكون مدعاة لحروب أهلية قادمة تتوارثها الأجيال.
• إن هذه المخاوف حقيقة ومبررة، ويجب أن لا يستهان بها بل تؤخذ مأخذ الجد، فالجيش الإرتري رغم انه أداة النظام في البطش وايصال البلاد الى ما وصلت اليه، فالجيوش عادة تحكمها تراتبة قيادية، وغالب جنوده وضباطه من الرتب المتوسطة والدنيا هم أنفسهم ضحايا للنظام، وبالتالي أى مقاربة للتعامل مع هذه القضية يفترض أن تطال فقط قيادة الجيش السياسية والعسكرية، وأيضا عقيدة الجيش ليكون جيشاً يمثل الوطن ومهمته حماية سيادة البلاد ودستورها، ولا يكون أداة طيعة في يد الأنظمة.
• القلق من أن تؤدى هذه التقارير الدولية والاعلامية الى حروب أهليه وسلسلة انتقامات بين شعوب المنطقة أيضاً هو حقيقي، فلا يزال الإرتريون يستعيدون المذابح الاثيوبية بحق شعبنا إبان فترة الاستعمار، ولا تزال هذه الصور حاضرة في المخيلة الجمعية لشعبنا وسوف تستمر، كما أن البعض لا يزال يذكر الانتهاكات التي قامت بها القوات الاثيوبية عندما كانت الوياني في السلطة في إثيوبيا إبان الحرب الإرترية الاثيوبية 1998-2000م ، ويعتبرون ما يحدث للوياني وشعب تغراى هو دين مستحق جراء فعلتهم السابقة.
• إن تفهم قلق البعض بهذا الخصوص وإن كان مطلوباً، لكن المقاربة لكسر دائرة الانتقام وفق تحول مراكز القوى، لا يكون من خلال الانكار، أو التقليل من ألم الضحية، سواء كان الظلم حقيقي أو متصور، والمقاربة الصحيحة لتجاوز ذلك هو التعاطف مع الضحية، والدعوة الى تحقيق دولي محترف وشفاف، وحينها إذا كانت هذه الادعاءات (بروباغاندا سياسية) ولا وجود لها على الأرض فستختفي، وإذا كانت كلها أو بعضها حقيقي فإن من حق الضحية والمجتمع أن يتم معاقبة المجرم أياً كانت دولته، أو عقيدته أو اثنيته، وهذه هى الطريقة الوحيدة لطىّ صفحة مظلمة في التاريخ، وتنقية الذاكرة الجمعية للشعوب التي تحس بالظلم، ذلك أن الانكار أو الهروب من المسئولية يضيف الملح على الجرح وحينها ستكون مسألة زمن قبل ان تتبدأ دورة جديدة من دورات العنف والانتقام.
• إذاً قضية التحقيق الدولي، ليست قضية أخلاقية أو قانونية وحسب، بل تتعلق بالأمن والسلم الأقليمين والذان هما ضرورة لضمان المصالح الدولية، وعالم اليوم مهما تشدق بالقيم الانسانية فإن المصالح هى الدوافع الأساسية لتحركه، وإدراك ذلك ومخاطبته هى الحلقة المفقودة/المطلوبة في استراتيجية المعارضة للتحرك في الظروف الحالية.