الإفلاس … و البحث في الدفاتر القديمة بقلم/ محمد نور بركان
3-Sep-2014
عدوليس
تطل علينا ذكرى إنطلاقة الثورة الارترية في الفاتح من سبتمبر هذا العام، و لا تزال بلادنا ترزح تحت نير الظلم و الإستبداد … هناك أسباب عديدة لإستمرار هذا الحكم الدكتاتوري البغيض في ارتريا الى يومنا هذا. منها ماهو ذاتي كحالة الضعف و التشرذم التي يعاني منها المناوئين للنظام ، ما يعني ان أفورقي باقٍ في سدة الحكم حتى إشعار أخر. و منها ما هو اقليمي، كالدور الذي تلعبه الجارة أثيوبيا، في عرقلة أي جهود لتوحيد الصف. بحجج و زرائع غير منطقية، لاتخدم إلا أجندتها الخاصة في المنطقة. إضافة لمصالح قوى دولية ما تزال معنية بتحقيق إستقرار نسبي في شرق إفريقيا و مضيق باب المندب.
إلا ان ما يجب التوقف عنده هي النقطة الاولى، و المتمثلة في حالة الوهن و الإنهزامية التي يُعاني منها الكثير من مثقفينا و نُخبنا من الناطقين بلغة الــ ( ض) و لهجاتنا المحلية. فقد جرت العادة ان يخرج علينا بعضهم بين الحين و الاخر، عبر الشبكة العنكبوتية و صفحات التواصل الإجتماعي بكتابات و مشاركات تنُم على الحنين لمرحلة رمادية في تاريخنا المعاصر. على الرغم من ان مياه كثيرة قد جرت في النهر منذ تلك الفترة كانت كافية لتزيل كل الرواسب. و على الرغم من كل تلك التضحيات التي قدمها الشعب الارتري في سبيل و حدته و إستقلاله. فالحديث عن فترة الحكم الفدرالي في ارتريا، و عن دستور وطني أقره أول برلمان منتخب. و كذلك إختيار العلم الارتري كرمز لتلك المرحلة، يحمل الكثير من المغالطات. ويوحي و كأن هذا البرلمان بمجموع أعضائه البالغ عددهم 68 ، كان حريصاً على الشعب الارتري وعلى إستقلال الوطن و وحدته. و هو مالم يكون صحيحاً. عندما جرت الإنتخابات في ارتريا عام 1952 كانت النتائج كالتالي. الحزب الإتحادي (اندنت) بزعامة تدلا باريو 32 مقعد، الجبهة الدمقراطية (الكتلة الإستقلالية) بزعامة كل من ابراهيم سلطان و ولدأب ولدماريام 19 مقعد، الرابطة الإسلامية (للمديرية الغربية) بزعامة علي راداءي 15 مقعد، بالإضافة لمقعد واحد لكل من الحزب الوطني و الرابطة الإسلامية المستقلة (مصوع) … كان المتوقع، ان تتحالف الجبهة الدمقراطية مع الرابطة الإسلامية، ليكونا معاً الغالبية في البرلمان و من ثم تبني المشروع الوطني الارتري، و تحجيم الحزب الإتحادي الحليف التقليدي لاثيوبيا. إلا ان ما تم هو تحالف بين الحزب الإتحادي و الرابطة الإسلامية ( تدلا باريو و علي راداءي ) و كنتيجة لهذا التحالف، ترأس الأول الحكومة فيما أُنتخب الثاني رئيساً للبرلمان، وبالتالي اصبح لاثيوبيا اليد الطولى في وضع الدستور عبر حلفائها، و بشكل يخدم مصالحها الإستعمارية. و قد قبل البرلمان بوجود ممثل للإمبراطور في ارتريا. على الرغم من ان القرار الفدرالي الدولي لم ينص على ذلك. أما العلم الفيدرالي الذي يتشدق به البعض اليوم، فلم يكن صناعة ارترية خالصة … مع إحترامنا و تقديرنا للدماء الزكية التي روت التراب الارتري تحت رآيته في فترة الكفاح المسلح. حيث انه لم يتم إختياره من قِبل البرلمان حينها، و لا حتى لجنة صياغة الدستور، برأسة القاضي موسى عمران، كما يزعم البعض … كانت هناك عدة مقترحات لشكل العلم. لم يتم الإتفاق حولها. بل وصل الأمر لحد التجاذب بين الأطراف المختلفة على شكل العلم. كلٌ يدافع عن رآيه الذي يُعبر عن هويته وثقافته. مما حدى بالمبعُوث الأُممي للتدخل، مقترحاً ان يكون العلم بأرضية زرقاء، في مايُشبه شعار المنظمة الدولية نفسها. و ان تتوسطه أغصان الزيتون التي ترمُز للسلام. و ذلك كحل توافقي بين الكُتل السياسية المُتنازعة. فكان له ما أراد. و كان لعضو البرلمان محمد عمر هكيتو دور في تحديد شكل اغصان الزيتون و عددها. لكل أُمة تاريخ نعتز و تُفاخر به و يُمكن ان تستدعيه عند الشدائد و المحن وتاريخنا الارتري القديم منه و الحديث زاخر ببطولات و أحداث يمكن ان نتكئ عليها في التصدي لما تعانيه بلادنا من ظُلم و تسلط اليوم، دون ان تختلط علينا الأُمور، و دون الخوض في مسميات مناطقية و قبلية تساهم في تمزيق النسيج الإجتماعي لأبناء الوطن الواحد … إبان فترة تقرير المصير، برهن الشعب الارتري عن وعي مبكر و مقدرة كبيرة على المطالبة بحقوقه السياسية بشكل سلمي. و حين و صل به الأمر الى طريق مسدود، نتيجة لتحالفات الإمبراطور الهالك هيلي سلاسي مع المجتمع الدولي، و كذلك نجاحه في شراء ذمم البعض من أبناء جلدتنا. حينها تحول هذا الشعب الصامد من النضال السلمي الى الكفاح المسلح. و أبلى فيه بلاءً حسناً، لعقود من الزمن، و حقق مشروعه الوطني، في قيام دولته المستقلة … نعم فالمشروع الوطني الارتري لم يسقط في مطلع الثمانينيات كما يردد البعض. من يملك هذه التجربة الثرة لقادر على ان يُعيد الأمور الى نصابها و ان بدى لنُخبنا عكس ذلك، فندفعوا دون خجل أو مواربة يحتمون بمرحلة في التاريخ تجاوزها الشعب الارتري منذ امدٍ بعيد. لاشك ان اليأس و عدم المقدرة على مجابهة التحديات، تدفعان بالمرء إلى كثرة الشكوى من سوء الحال و التباكي على مآلت إليه الأمور. و هى ردة فعل عاطفية، تودي الى القفز فوق الواقع، وبالتالي محاولة إنتاج تجارب فاشلة … و الله المستعان.