التحالف بين المسئولية التاريخية والادارية : محمود عمر *
11-Jan-2010
المركز
إن متابعة المهتمين من أبناء شعبنا وأصدقائنا للتحالف الديمقراطي الارتري بجدية، ظاهرة إيجابية جداً، وذلك لأنه عصارة جهد قوى المعارضة الارترية، بل يعكس مدى مقدرة أدواتنا المستقبلية لمواجهة قضايا الوطن الشائكة، فالاهتمام الاعلامي بالتحالف وتحليل مواقفه وعرض القصور بغرض التقويم والتنبيه، بل والتحول الي مرآة تعكس زينة من يجــَــوِّد أداءه، أمر إيجابي للغاية، لأن الاعلام أو الصحافة هو السلطة الرابعة في دولة المؤسسات، ومهمتها الأساسية تتمثل في رصد الأحداث والتعليق عليها، لأنها تعبر عن صوت من لا صوت له، فالشكر أجزله لإخوتنا الاعلاميين، وخاصةً المشرفين علي المواقع الالكترونية المستقلة لما بذلوه من جهد لكشف وتعرية النظام وكذلك لدورهم في إقامة حلقات التواصل بيننا لنشر ثقافة الحوار وإثراء الساحة بتبادل الآراء، فلتستمر الرسالة ولتمضوا برسالتكم قدماً لتكون مدرسةً إعلامية غنية ينهل منها شعبنا التواق للحرية ومعرفة الحقائق.
يعلم المهتمون بالشأن الارتري تحرق الارتريين في الداخل والمهجر شوقاً لحلول الساعة العاشرة ليلاً بتوقيت ارتريا، موعد انطلاق تلفزيون أخبار ارتريا، لشغفهم بمشاهدة أو الاستماع الي آخر التطورات علي صعيد المعارضة والوطن الارتري ككل. وباعتباري أحد مدمني مشاهدة هذا البرنامج التلفزيوني أدرت كعادتي جهاز التحكم نحو قناته في يوم الأربعاء الموافق 30 / 12 / 2009م، حيث سمعت ضمن مقدمة الأخبار انعقاد اجتماع طارئ لقيادة التحالف، فما كان مني إلا أن أصدرت تعليماتي الي كل من حولي بالهدوء والتزام الصمت، لأن الخبر يتعلق بأعلى مؤسسات التحالف التنفيذية، ثم جاء في التفاصيل ما مفاده أن الاجتماع الطارئ للمكتب التنفيذي ناقش قضية جبهة الإنقاذ واعتمد جناح ( أحمد ناصر ) وأظهرت أختي المذيعة صورة بطل الفلم الذي عرفه الشارع الارتري منذ 1975م، ذلك البطل الذي انتصر علي عملاق جبهة التحرير الارترية وصرعه في كركون وتهداي وغادر الي اوربا لاستلام جائزته، وإذا كان هذا المارد المسكون بعفاريت الانقسامات قد صرع جبهة التحرير وهي في عنفوان الشباب، فمن السهل جداً أن يصرع جبهة الإنقاذ الوطني، الطفلة السياسية البريئة التي بالكاد تبلغ الرابعة من العمر.إن وقت القارئ الثمين لا يتسع لزحمه بتفاصيل المواقف داخل الانقاذ، ولكن التباين تم بناءاً علي حق الفرد في اختيار من يخالل، فإن كان اختيار رفيق السفر لأيام مهماً، فمن باب أولى أن تدقق في خصائص من سوف ترتبط معه بعلاقة ذات صلة بمصير أمة بأكملها. يمكننا القول: إن جبهة الانقاذ بعد 4 أعوام علي مسيرتها الوحدوية تأرجحت فيها الرغبات بين المحافظة علي القديم والتشبث به، والرغبة في التجديد والتغيير وفق ضرورات المرحلة، فكان لكلٍّ رغبته. أعود الي جوهر الموضوع الذي هو الاجتماع الطارئ لقيادة التحالف التنفيذية في خضم هذه التطورات، هل موضوع الإنقاذ هو العائق؟! ماذا يشكل جناح عثمان شوم من خطورة؟ هل التحالف مؤسسة لتنسيق الجهود النضالية للمعارضة؟ أم حكم يدير لعبة كراسي المتفرغين في مؤسساته؟!، وإذا كان يجمع بين المهمتين معاً، فأيهما الأولى بالأسبقية والاهتمام في أجندته؟! لقد كنت أتوقع أن يتناول الاجتماع قضايا ساعة عديدة متراكمة تتزاحم في أذهان المهمتمين والمهمومين، وليسمح لي القارئ العزيز أن أشركه الاطلاع علي ما كان يدور في ذهني في تلك الساعة من موضوعات جديرة باجتماع مخصص لها دون غيرها، ناهيك من أن تكون جزءاً من أجندة اجتماع لم يخصص لها وحدها، منها مثلاً: قرار مجلس الأمن الدولي ضد النظام الارتري وأثره علي المواطن وما يعمقه من فجوة غذائية يعانيها المواطنون الذين يعيشون الفاقة الآن، لا سيما النساء والأطفال، ثم ما يترتب علي القرار من تدخل عسكري لحساسية الموقف في المنطقة، وخاصةً بعد تفاقم الأحداث في كلٍّ من الصومال واليمن، وزاد الطين بلة محاولة تفجير الطائرة الامريكية، الأمر الذي وضع اليمن والصومال في قائمة أهم معاقل تنظيم القاعدة، والنظام الارتري ليس ببعيد عن هذه الأحداث حسب تقارير المراقبين. ألم يكن هذا التطور وتحليله واتخاذ تدابير الحيطة والحذر والخروج برؤية مشتركة وتقديم مقترحات تجنب بلادنا مخاطر الانفراط الأمني ومآلاته الخطيرة، جديراً بالتفات التحالف وإثارة اهتمامه، وليس الاكتفاء بمجرد البصم علي تصريح الموافقة عليه؟ إنني أجزم أن هذا القرار كان يتطلب اجتماعاً طارئاً للقيادة المركزية للتحالف، دعك من مكتبه التنفيذي. يلي هذا في الأهمية، منتدى بروكسيل الذي انفردت به بعض فصائل التحالف دون الأخرى الي الدرجة التي أثارت حفيظة رئيس المكتب التنفيذي واضطرته الي تدبيج رسالة احتجاج غاضبة دون العودة الي مؤسساته أو الدعوة الي اجتماع طارئ، كان مهماً سواء قبل المنتدى أو بعده، ليقف علي ما حققه المنتدى من نقلة في نضالنا، لأنه لأول مرة تتبنى مؤسسة دولية وبحضور عدد مقدر ونوعي من الغربيين والارتريين بحث المشكل الارتري. إن مناقشة مثل هذا الموضوع في اجتماع طارئ، بل تخصيص الاجتماع الدوري أيضاً له، كان أمراً مهماً، فلو تشجع المكتب التنفيذي ونشط في تقييم نتائج المنتدى ومن ثم تطوير الإيجابي فيها وتلافي السلبي، لاستطاع نزع فتيل أزمة الثقة التي تركتها تصريحات بعض القيادات هنا وهنك. أما ما أعقب المنتدى فقد كان بدوره قضية، بل، قضايا أخرى تستدعي لقاءاً طارئاً، حيث تشكل بعد الندوة رأي عام نسبياً وما تلى ذلك من قرار مجلس الأمن وتسارع الأحداث في المنطقة، كل ذلك كان جديراً بتعجيل ملتقى الحوار الوطني الذي أقرت أهميته ورشة أغسطس 2009م وذلك لتوسيع المشاركة والاستئناس بذوي الرأي والمشورة ومنظمات المجتمع المدني الذين ضاقت عنهم أو لم تستوعبهم قوالب فصائل المعارضة، وكيفية حشد طاقات الجميع لعقد ملتقى الحوار الوطني الارتري تحت رعاية مظلة دولية، أو رعاية اقليمية تدفع بنضالنا وتزيد وتيرة تجميع وتكثيف الرأي العام الارتري، فمتى تتمكن قياداتنا من تجاوز عقلية التحالفات لإدامة سلطان الحرس القديم وتكريس مفهوم شخصنة التنظيمات وتفصيلها علي حجم القيادات والتصرف بعقلية القاضي الذي كثيراً ما تنتهي محكمته الي إعدام الضعيف مادياً أو معنوياً مع عدم الاستئناف، وقديماً قيل: ( كل إناءٍ بما فيه ينضح ).إن نظرتنا للخلاف يجب ألا تستغرب الاختلاف، بل علينا التمعن فيه لحل الأزمات بإدارة الحوار ووضع رأي الفرد بل المجموعة في الاعتبار، ليصبح التباين عامل تطوير للذات عبر مناقشة شفافة تخلص الي التراضي وحشد الطاقات لصالح المعارضة وذلك بالتعبير عن هموم عامة الشعب وإرساء مفاهيم العدل لتجنيب شعبنا الإخفاقات السياسية والاحتقانات الاجتماعية. لذا علي التحالف الديمقراطي إيقاف محاكم الطوارئ للقضايا الجانبية والاهتمام بالمشاكل الأساسية الملحة وأهمية وحدة موقف المعارضة وتقوية الجبهة الداخلية أمام القضايا الاستراتيجية وكسب ثقة الشعب والمتعاطفين مع شعبنا لتخليصه من محنته الحقيقية وإرساء دولة القانون ليقوم بدوره في النماء والاستقرار مع شعوب المنطقة خاصة، بل والمساهمة في حفظ الاستقرار والسلام في العالم كافة .* بورتسودان