الخرطوم وأسمرا تقتسمان العزلة الغربية
11-May-2014
عدوليس
محمد الخاتم : صحيفة اليوم التالي السودانية -في أبريل الماضي استضاف التلفزيون الأريتري، الوحيد بالطبع، أسياس أفورقي رئيس الحزب الحاكم، والوحيد أيضاً، ليقول آخر ما عنده، حيث بلغت العزلة الدولية المفروضة على نظامه ذروتها، وهو يتذيّل كل القوائم الأممية المعنيّة بسجل حقوق الإنسان وحرية الصحافة والشفافية وغيرها من روافد العدالة.
جريئا كان الرجل أو يائسا قال: “إن من ينتظرون أو يتوهمون أن نمارس الديمقراطية في هذا البلد يعيشون حتما في كوكب آخر”، ولهذا فقط يمكن فهم لماذا يمضي الرجل ثلاث أيام بلياليها في الخرطوم، التي تزوّده بنحو ثلثي ما تحتاجه بلاده من الوقود والذرة والتموين، كرئة وحيدة لاقتصاده الذي يصفه الكاتب الأريتري حجّي جابر بأنّه “مهدد بقيام ثورة جياع”.
لم يكن سهلا على أفورقي وربما غالبية شعبه التخلص بسهولة من مرارات 30 عاما من الحرب ضد أثيوبيا لينالوا استقلالهم، فكان طبيعيا مزاحمتها لهم ومزاحمتهم لها سياسيا وعسكريا، بعيد عزفهم لنشيد وطني منفصل، لكنها اليوم وبعد 23 عاما من العزف المتواصل تظل مصدر الإعاقة الرئيس لأسمرا، التي أكثر ما يؤرق مضاجعها في أيام عزلتها هذه اضطراد معدل التقارب بين خصمها القديم ورئتها الوحيدة، مخافة أن تنضم هي الأخرى لقائمة المقاطعة.
لعوامل كثيرة يمكن اعتماد أديس مصدرا أساسيا لعملية الإعاقة الأريترية، لكن العامل الأساسي هو الحرب التي تشنها الدولة الأم بتفويض غربي على الجماعات الإسلامية في الصومال، ما مهد الطريق لتحالف بين تلك الجماعات وأسمرا، فكانت العزلة الغربية عليها، والتي نجحت أديس في تغذيتها، مستغلة نفوذها الإقليمي، وكانت على الدوام تخيّر الغرب بينها وبين جارتها اللدودة، التي لا يقارن نفوذها بها؛ فيختارها الغرب طائعا أو مكرهاً!
أضف لذلك أن دعم أسمرا للجماعات الإسلامية أكسبها عداوة قوى إقليميّة أخرى، تصارع الجماعات الإسلامية في الصومال؛ مثل كينيا، فصارت تلقائيا حليفا لأديس في حربها ضد أسمرا، وكان ميسورا للدولتين عزلها أيضا عن محيطها الأفريقي، للدرجة التي لم يبق لها حليف يمكن أن يعينها غير الخرطوم، لأسباب تخصها؛ مرتبطة بإيواء افورقي سابقا لفصائل المعارضة السودانية، سواء المسلحة أو المدنية، وإيواء الخرطوم لمعارضيه، قبل أن تتحسّن العلاقة بينهما نسبيا في 2003، وتتحسن أكثر برعاية النظام الأريتري لاتفاقية الشرق في 2006.
من هنا يمكن فهم حاجة أيّ بلد للآخر، لكن السؤال المحوري هو: أيهما يحتاج أكثر للآخر؟ مع الوضع في الحسبان أن كليهما يقتسمان العزلة الغربية، لكن الخرطوم تسعى إلى تلافيها بينما لا تبدو أسمرا مكترثة لها، من واقع تعمد أو إحباط، يشرحه المعارض الأريتري حجي جابر في مقال له علق فيه على إعلان أفورقي زهده في الديمقراطية قائلاً: “حالة الإحباط هذه من شأنها أن تجعل الأمور أكثر وضوحا، فلا يوجد للنظام ما يخسره، ولم يعد بحاجة لمداراة نهجه خصوصا أن تلك المداراة أصبحت أكثر كلفة اليوم، والنظام لم يعد بمقدوره أن يتحمل خسارات أكبر”.
حسناً، جاء أفورقي لحل أزمته الاقتصادية وحصل من الخرطوم على “خطاب اعتماد” لتوفير الوقود، وشبكة ربط تزوّده بالكهرباء لإنارة مدنه التي تشهد “انقطاعاً في التيار الكهربائي، يدوم لساعات طوال” كما يروي حجّي، فماذا كان حافزه للخرطوم؟ يجيب على الاستفهام المحلل السياسي الطيب زين العابدين: “هناك تململ في شرق السودان، والحكومة بالطبع تحتاج لمساعدة أفورقي هناك، كمقابل لما قدمته له”.
لكن توفير الخرطوم طوق نجاة لأسمرا لا يبدو مرضيا لأديس ابابا، التي يرى زين العابدين إنّها “أهم حليف للخرطوم، ولا يمكن مقارنتها بأريتريا، والخرطوم حريصة عليها أكثر”، وهذه معضلة يتوفر حلها في رغبة ربما تكون عند أفورقي نفسه، وهو أن “تتوسّط الخرطوم بينه وبين إثيوبيا لأنه أدرك عجزه عن مواجهتها”، طبقا لما يشير إليه محدثنا.
والرغبة ربما تكون أيضا عند أديس، حيث أشار الرئيس البشير في ديسمبر الماضي إلى رغبته في التوسط بين البلدين خلال حديثه في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الأثيوبي هايلي ديسالين الذي كان في زيارة للخرطوم وقتها واستدل البشير بقدرته على إنجاح الوساطة بالعلاقة المميزة التي تربطه بالخصمين حيث سبقت زيارة ديسالين زيارة أخرى لأفورقي بأيام.
لكن المؤكد أن ديسالين، الذي تقل أضرار النزاع عليه بكثير مما هي عليه عند أفورقي، لا يريد سلاما، بقدر ما يريد إقرارا من خصمه بأنه لا يقوى على مواجهته.. وحتى إن كان ذلك حقيقة، فإن المؤكد أيضا أن أفورقي لا يقوى على إعلانه، بالنظر إلى “انسداد الأفق”، الذي يصفه به حجي ويتهمه باستغلال الحرب مع أثيوبيا لتعزيز هيمنته قائلاً: “لم يتبق في البلاد غير تلفزيون واحد وصحيفة واحدة، وإذاعة وحيدة، جميعها تمثل الحزب الحاكم وحده، وعطّل العمل بالدستور، وتم حل البرلمان، وكل هذا يحدث والنظام يبرره دوماً بالحالة الخاصة التي أفرزتها الحرب مع إثيوبيا، وبدواعي الحفاظ على الأمن القومي”!