الذكرى الـ 13 لإغلاق الصحف الخاصة في ارتريا واعتقال الصحفيين بقلم/ صلاح الزين
18-Sep-2014
عدوليس نقلا عن إذاعة المنتدى
مع إنتهاء نهار اليوم السابع عشر من سبتمبر وولوج ليل اليوم التالي له يكون صحفيون زملاء لنا قد أمضوا السنة الثالثة عشر في معتقلات وسجون نظام اسمرا الرهيبة والموحشة منذ اختطافهم في يوم الثلاثاء 18سبتمبر من العام 2001، وغيرهم أخرون تم إعتقالهم في فترات سابقة ولاحقة، حيث وصل العدد الكلي لثمانين معتقل من الحقل الإعلامي والصحفي وحده.بعضهم اعتقل بالجملة وأمضى سنوات غالية من عمره في حفر التعذيب في معتقل ( عدي ابيتو) مثل ما صادف طاقم ( راديو بانا) التابع لوزارة التعليم والذي اُعتقل بالكامل لسنوات خمس منذ فبراير 2009، قبل ان يطلق سراح القليل منهم لتتواصل مأساة البقية حتى الآن.
بعض المطلق سراحهم اصيب بمرض نفسي وعصبي منعهم من مزاولة حياتهم الطبيعية، وأدى في بعض الأحيان لفقدانهم لحياتهم مثل ما حدث للصحفي / دانئيل كبروم المذيع السابق في الفضائية الإرترية الذي خرج من المعتقل مختل العقل، ثم توفى بسبب أثار التعذيب الذي تعرض له أثناء فترة اعتقاله. عدد من الصحفيين المعتقلين ترددت أنباء عن وفاتهم في مختلف الظروف ذات الصلة بالمعتقل لكن لم يتسن التأكد حتى هذه اللحظة من صدقيتها، إذْ لم يصدر أي تبليغ رسمي من الحكومة بخصوص أوضاعهم، لكن الأكيد ان المجموعة التي تضم كل من الصحفيين : زمنفس هيلي ،وقبري هويت قلتا، و يوسف محمد علي – وهم من جريدة صقناي الخاصة، و أمانيل أسرات رئيس تحرير صحيفة زمن، ومدهني هيلي وزميله تمسقن قبري يسوس – صحيفة قستي دبنا، ورئيس تحرير صحيفة مقالح / داويت هبتي مكائيل وزميليه ماتيوس هبتي آب، وسلام ينقس بيني، ورئيس تحرير صحيفة أدماس/ سعيد عبد القادر، وداويت إسحاق و فسهايي يوهانس (جشوا) من صحيفة سيتيت والصحفي والمصور المستقل/ سيوم صاهيي المدير الأسبق للتلفزيون الإرتري الحكومي .. كانت هذه المجموعة محتجزة في زنازين خاصة في قسم الشرطة رقم (1) حتى منتصف نوفمبر من العام 2001، ثم صدرت أوامر بمنع ادخال الأغراض التي كانت تأتي إليهم من ذويهم، ثم نقلوا لأماكن غير معروفة بدعوى شروعهم في تنفيذ إضراب جماعي عن الطعام. منذ ذلك التاريخ لم يشاهد أي من الأسماء المذكورة أعلاه باستثناء الصحفي/ داويت إسحاق الذي اُطلق سراحه لمدة يومين ثم اُعيد إعتقاله وهو يقبع الآن في معتقل (ونجل مرمرا) مع مجموعة أخرى من الصحفيين بينهم الصحفي باذاعة صوت الجماهير صالح إدريس سعد – المعروف بالجزائري وحامد محمد سعيد الصحفي الرياضي بالفضائية الإرترية وجمع كميل الصحفي بالقسم الرياضي بصحيفة ارتريا الحديثة والمصور آدم شلشل من مجلة الشرطة والناس ( بوليسن هِزبِن)، والإعلاميين من مختلف التخصصات في وزارة الإعلام: سنايت تسفاي، دانئيل موسى، تورا كوبابا، تمسقن أباي، هيثم مبرهتو، يماني هيلي، يوهانس حسابو، إساق أبرهام، قرماي أبرهام، ملس نقوسي، والصحفية سعدية أحمد نصر الله التي أمضت سنوات من عمرها رهن الاعتقال قبل أن يطلق سراحها دون تقديمها لأي محاكمة، ومثلها كثيرون ممن أمضوا فترات متفاوتة في الاعتقال، تعددت الأمثلة وكثرت بحيث يتعذّر ذكر كل الأسماء في هذا الحيز. وفق إفادات شهود عيان ممن عملوا ضمن أطقم حراسة تلك المعتقلات، نقلت الأنباء عنهم تأكيد وفاة عدد من المعتقلين في معتقل (امبا اتكلا) ومعتقل (عيرو عيرو) سيئ السمعة، بينهم الصحفيون: يوسف محمد علي، و فسهايي يوهانس (جشوا) وسعيد عبد القادر، مدهني هيلي. ولسنا هنا بصدد التأكيد أو النفي، فقط أردنا التذكير بأن مجرد تغييب شخص أيً كان ومنع ذويه من معرفة اوضاعه هو فعل كافي ليُعدّ جريمة في حق الإنسانية، أمّا إذا مات الشخص المعتقل وسط تلك الظروف فهذه جريمة إضافية يُسأل عنها النظام الحاكم بشكل مباشر إن عاجلا أم آجلاً. أما الأكيد والمحقق والثابت هو وفاة الصحفي/ باولس كيداني في ظروف غامضة قيل لذويه وقتها إنّه توفى متأثراً بداء الكلى أثناء محاولته العبور للسودان، هذه الحادثة المفجعة محل البحث والتحقيق للتأكد من الملابسات التي صاحبت وفاة الصحفي الذي كان معتقلاً قبيل ما قيل عن محاولته الهروب.الإنتهاكات في حق الصحفيين الإرتريين لم تنحصر فقط في تعرضهم للسجن والاعتقال والتغييب والتصفية فقط، بل طالت حتى اؤلئك الذين هم خارج أسوار السجن، حيث انعكست عليهم السياسات المقيدة للحريات المهنية وجعلتهم يعانون من حالة نزاع نفسي بين ما يعتقدون وما يجبرون على ممارسته من إعلام دعائي، هذا إلى جانب عملهم ضمن واقع السخرة وغياب شروط العمل السليمة وبيئة العمل الصحيحة، كل ذلك جعل الصحافة في إرتريا نموذجاً للصحافة الرديئة وجعل الصحفيين محض أدوات ليس أمامها إلا أن تُنفذ ما يُطلب منها أو تتحول إلى شخوص مفقودة، وهذا ما يبرر اعتبارنا لهم كفئة تعاني من القهر المنظم. من المؤسف حقاً أن تكون حِقب الإحتلال الأجنبي المتعاقب على ارتريا هي فترة إزدهار الصحافة، وأن يصبح حكم الإرتريين لأنفسهم فترة ضمور في الحركة الصحفية وتقلّص للحريات العامة والخاصة، وتدخُّل للرقابة أنتج صحافة كسيحة. هذا، بالطبع، إلى جانب فئة أخرى من الصحفيين الإرتريين يعانون الأمرين في المهجر بعد ان تمكنوا بشقّ الأنفس من الخروج من قبضة النظام لتتلقفهم متاعب من أنواع أخر، هي أيضاً بسبب تضييق المنافذ وملاحقة نظام أسمرا لهم. بعضهم قابع في دول الجوار القريب ويحمل قلبه على يده حيث لا ضمان يحميه ولا سقف أخلاقي يؤمن له عيشاً كريماً وإقامةً آمنةً، ومن الممكن جداً أن يُخطف ويعاد إلى ارتريا لينضم إلى فئة المغيبين. أما الموجودون في قارات أبعد فليسوا بأحسن حال رغم توفر حد من الأمان، إلّا أن مضايقات أذرع النظام تلاحقهم، والأمر الأكثر إيلاماً هو الواقع الذي أجبرهم على ترك وطنهم والتحول الى أوطان أخرى لن تفلح في أن تكون بديلة .. لأنهم يحملون هموم وطنهم الأصلي وآمال مواطنيهم. بين سجون ومعتقلات ارتريا توزع الصحفيون المعتقلون، وبينهم توزعت الحسرة، على الوطن الذي ناضل الجميع من أجل أن يتبوأ مكانه بين الأمم. والمفارقة التي يعيها بوضوح كبار السن هي أن الإحتلال كان قد أتاح للشعب الارتري حد من الحريات هو اليوم محروم منها، وإن فعل الإحتلال فظائع أخرى فذلك متوقع ومنتظر منه، لأنه في البدء والمنتهى استعمار قميئ. لكن أن تعيش إرتريا اليوم وضعاً غريباً وشاذاً، فهو أمر غير مقبول ويستوجب النضال ضده، فالحزب فيها واحد.. أعضاؤه فقط هم الوطنيون – حسب زعمهم – ويعتبرون غيرهم ” خَوَنة ومارقين ” وعليهم الإنتقال لأي كوكب يتقبل هرطقاتهم عن ضرورة إيجاد أجواء تتنفس حريةً وديمقراطيةَ وعدلاً !. كل ذلك وبلد (الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة) يتربع على انفاسها حاكم غير منتخب، فلا برلمان يضع التشريعات والسياسات ولا جهاز تنفيذي يدير شؤون البلاد !. بين كل تلك الفوضى يرزح الإعلام المحتكر والموجه، تحت طائلة أنه يعمل لخدمة الرجل الواحد، ومن رفض من الصحفيين والإعلاميين أن يردد ما يُملى عليه، يُزجّ به في غياهب سجون لا يعرف أحد أماكنها ولا حال من فيها ومصائرهم. وبالطبع يصبح الحديث عن حق المواطن في ايجاد المعلومة الصحيحة او الخبر اليقين، أو الإرشاد المستحق، نوعاً من أنواع الخيال وبذا يكون قد أُسقط جزء أساسي من حق المواطن في تلقي المعرفة وإمتلاك المعلومة، وتكون وزارة الإعلام الإرترية قد ميعت سبب وجودها كوزارة خدمية في المقام الأول قبل كل الوظائف الأخرى للإعلام. بينما سنّت الحكومة الإرترية في منتصف التسعينيات قانوناً للصحافة يتيح لها المطلق من التحكم في العمل الصحفي والإعلامى وذلك الخاص بالمصنفات الفنية والإبداعية، وبما يتماشى مع ضروراتها وليس مع خيارات الشعب، صدرت صحف خاصة بإمكانات متواضعة توخت أن تكون مرآةً تعكس آمال وآلام الشعب الإرتري عبر الكلمة الصادقة المنحازة لإرادة الشعب وليس للحاكم. تلك المحاولة المنحازة للجمهور قُوبلت بوحشيةٍ لا مثيل لها من قبل النظام، إذْ أُوقفت الصحف عن الصدور، وألقيى القبض على أصحابها ومحرريها وتم خطفهم بصورة غير قانونية وبأسلوب غير حضاري. ومورست ضدهم أبشع أشكال التنكيل، من سجن وتعذيب وإجبار على الهجرة وملاحقات في الخارج أو الخنوع والعمل وفق شروط مؤذية للفرد الصحافي ولمجتمعه، كل ذلك يجعل إذاعة صوت المنتدى تهيب بالجميع من ناشطين حقوقيين، واتحادات وروابط ومنظمات معنية بشأن الصحافة والصحفيين، في العالم أجمع أن تلتفت لمأساة الصحفيين الإرتريين المعتقلين والمهجرين قسرا والمجبرين على العمل عكس قناعاتهم، وأن لا تدّخر جهداً في اتجاه اطلاق سراح الصحفين الإرتريين بمختلف فئاتهم وتصنيفاتهم، كما تهيب بالصحفيين الإرتريين ان يجعلوا من ذكرى مرور 4700 يوم على إعتقال زملائهم مناسبة للم الشمل ولطرح رؤى جادة حول إصحاح واقع الصحافة الإرترية في الداخل والمهجر وأن يعملوا جاهدين وبتفاني يرسخ الدور التنويري للصحافة والصحفيين وأن يخرجوا من الدائرة التي يسعى النظام لإدخالهم فيها بزرع أسباب الشتات واليأس. الحرية للصحفيين الإرتريين المعتقلين ولكل سجناء الرأي والمعتقدات، المجد والخلود لمن قضوا نحبهم خلف قضبان السجون، عاجل الشفاء للمتضررين من جراء التعذيب في السجون.إذاعة المنتدى الوطني للحوارلندن 17 – سبتمبر 2014