الصومال وأهمية نجـاح اتفاقيـة المصالحـة والســـلام «3 -3» [محمد عثمان علي خير]
11-Jun-2006
المركز
إن هذه الفئة المكلفة بتنفيذ المخططات الخارجية، لابد من قطع دابرها وإخراجها من اللعبة السياسية الصومالية، إذا كان الشعب الصومالي يريد إعادة موقعه وبناء مؤسسات الدولة الصومالية، والتي تسير بخطوات بطيئة لكنها ثابتة حتى الآن.
إن الشعب الصومالي مطالب وبقوة أن يتمسك بقرارات مؤتمر المصالحة والسلام في نيروبي وهي آخر محطة وفرصة تاريخية، وأن قتل هذا النجاح الذي تحقق في هذا المؤتمر وبذلك الحضور الدولي لرعاية مشروع المصالحة والسلام، فإن الصومال لن يجد أحد يهتم به بعد هذا الجهد الدولي، وسيكررون خطأهم القاتل في بداية الأزمة عندما تدخلت قوات الأمم المتحدة في عام 1992م وبدعم أمريكي وعربي وأممي ملحوظ، والذين نجحوا في إنقاذ الشعب الصومالي من كارثة المجاعة، بسبب الحرب الأهلية المدمرة، ودخلت قوات اليونصوم للأمم المتحدة، إلى معظم المدن الصومالية ومقديشو وتحت دعم القوات الأمريكية، وافتتحت أكثر من 60 موقعاً لتوزيع الإغاثة في معظم الأقاليم الصومالية، ولكن المليشيات المسلحة تصدوا لتدخل القوات الدولية بقيادة أمريكا والتي اشتركت فيها أكثر من ثلاثين دولة كانت من بينها دول عربية وإسلامية مثل السعودية ومصر وباكستان، وكان هدفها إعادة الأمن ونزع أسلحة المليشيات وتدمير قواتهم وإخراجهم من الصومال، وتحت شعارات مضللة أضاعت تلك الفصائل الصومال تحت زعم مقاومة التدخل الأمريكي – الأوربي، ولم تكن لهذه الدول في ذلك الوقت أي مصلحة في بلد تحطم فيه كل شيء وفقد دولته وسيادته وكيانه، وأصبح الحرب والقتل وسفك الدماء والنهب وتشريد شعبه هو ديدنه، لو كان الصومال مستعمراً من كل تلك الدول وبرعاية الأم المتحدة، لكان أفضل له، بدلاً من حالة التيه التي عاشها، وكان يمكن أن تتوحد جهود الشعب الصومالي لاستعادة الصومال من جهة معروفة دولياً، ولكن من الجهة التي كانت مسئولة عن الصومال طيلة الفترة التي أضاعوا فيها فرصة التدخل الدولي؟؟؟ستة عشر عاماً!!! بعد إخراج الأمم المتحدة والقوات الدولية، والصومال مستباح من مجرمي الحرب والعصابات وأصبح مركزاً لتدخلات الدول الإقليمية، بل والأخطر من ذلك ما تدفق فيه من قمامات المصانع النووية الأوروبية لدفنها في الأراضي الصومالية، والتي راح ضحيتها عشرات الألوف من الصوماليين الذين لازالوا يعانون من الأمراض الفتاكة، وكان تصريح (جيمس جون) في 7/1/1992م مساعد الأمين العام للأمم المتحدة واضحاً عندما قال:بأن الأولويات الضرورية في الحرب الدائرة في الصومال تتمثل في وقف القتال وتجريد المليشيات من الأسلحة، وعبرت زيارة الرئيس الأمريكي بوش – الأب في 31/12/1992م على جدية المجتمع الدولي على إنقاذ الصومال، والإدارة الأمريكية كان يهمها في ذلك الوقت بأن لا تتعرض مصالحها الإستراتيجية في البحر الأحمر وباب المندب إلى مخاطر هذه الحرب الأهلية الدائرة في الصومال والذي تمر من خلالها السفن التي تحمل البترول إلى أمريكا ودول العالم، وكان السيد (عصمت الكناني) ممثل الأمين العام مخلصاً إلى أبعد الحدود لوضع حد للمأساة الصومالية، وأضاعت الفصائل والعصابات في وقت مبكر من الشعب الصومالي فرصة التدخل الدولي وبذلك الحجم الكبير من المشاركة الفعلية من دول العالم، ويكفي أن المجتمع الدولي من خلال الأمم المتحدة قد أنقذ شعب البوسنة والهرسك بتدخل أمريكي أوروبي، وكوسوفو، وسيراليون والحرب الأهلية في رواندا وبوروندي والكونغو، وننصح الصوماليين الآن بأن لا يكرروا هذا الخطأ الفادح بعرقلة وإفشال اتفاقية السلام التي جاءت كمحصلة نهائية من القوى والمؤسسات الدولية، إنها آخر فرصة لو ضاعت سيظل الشعب الصومالي يمارس عملية التدمير الذاتي إلى ما لا نهاية.إن الدول العربية قد ساهمت بشكل كبير في محاولة إنقاذ الصومال من بداية تفجر الأزمة وأن تطاول بعض القادة الصوماليين، على الدور العربي دليل على عجزهم في معالجة مشاكلهم بالدرجة الأولى، يكفي أن السعودية بعد اجتياح الحرب الأهلية للعاصمة مقديشو وعدم تمكن الحكومة من ممارسة مهامها في تلك المرحلة التي كان يرأسها السيد (عمر غالب عرته) تم نقلها إلى الرياض في السعودية عام 1991م، وأخلت الحكومة السعودية أحد القصور وحولتها إلى مقر للحكومة الصومالية، واعتمدت ملايين الدولارات لتسهيل مهام هذه الحكومة ودفعت بقوات الواجب السعودية إلى داخل الصومال، وحشدت معظم الجمعيات الخيرية السعودية لإنقاذ شعب الصومال من المجاعة، وبشهادة من الأمم المتحدة فإن هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية كانت قد فتحت عدداً كبيراً من المطابخ لتوزيع الأكل الجاهز لإنقاذ ضحايا المجاعة وفتحت مراكز متعددة من 27/7/1992م، ودفعت بآلاف الأطنان من المواد الغذائية وفتحت مراكز صحية ومستشفيات متحركة، ولكن المليشيات والعصابات حالت دون تمكين الدور العربي من إنقاذ الصومال، ولم يكن بالإمكان القيام بأي دور عربي في بلد مفقود فيه الحد الأدنى من العقلانية والتفاعل مع المشاريع السلمية، الشعب الصومالي كان غائباً ويتقلب في مأساته المروعة، والفصائل تتحكم في الموقف ولا تريد أن يتحرك الصومال لتجاوز كارثته.من هنا فإن نجاح مؤتمر المصالحة والسلام الذي انبثق في نيروبي في أكتوبر 2004م، يجب أن تكون من أولويات مهامه قطع دابر المليشيات المسلحة التي لا تمثل حزباً سياسياً ولا تمتلك أية برامج وأفكار ومشاريع لإنقاذ الصومال، وأن مهمتها الوحيدة هي إبقاء الصومال وشعبه خارج خارطة العالم المتحضر، وأن يقف الشعب الصومالي في هذه المواجهة خلف المحاكم الشرعية الإسلامية والقوى الخيرة، والحول دون التدخل الإثيوبي الذي طالما عانى منه الشعب الصومالي خلال مراحل الأزمة الصومالية بمراحلها المختلفة.إن أحداث مقديشو والمليشيات المسلحة ومن خلال بعض الوزراء المشاركين في الحكومة باعتبارهم من هذه العصابات، إذا لم يتم حسمها لصالح الشعب الصومالي وأمنه واستقراره ونجاح اتفاقية السلام المدعومة من المجتمع الدولي، سيفقد آخر أمل له في استعادة الدولة الصومالية المستقلة والتي لازالت تتمتع بعضوية ثابتة في كافة المؤسسات الدولية.فهل ستنجح إرادة الشعب الصومالي هذه المرة في إنقاذ الصومال؟؟؟أعتقد ذلك لأن خروج الشعب الصومالي في مقديشو بمظاهرة كبرى لإبعاد المليشيات وتجريدها من السلاح، هو شعار الشعب من الداخل وهذا هو الاتجاه الصحيح لنجاح الحكومة الحالية بقيادة (عبدالله يوسف) والذي يجب أن يلتف حولها الشعب الصومالي لأنه المشروع الوحيد الممكن في الوقت الحاضر، والذي نعتقد بأنه سينقذ الصومال ويعيد الدولة الصومالية إلى ممارسة دورها القيادي، وإعادة الاعتبار للشعب الصومالي بهويته الإسلامية…محمد عثمان علي خيركاتب وصحفي إريتري