مقالات

اللاجئون بين الانتظار والعودة الممنوعة.. إعداد : نعمان حب الدين

10-Apr-2007

المركز

جغرافيا الحركة تنتظم الكون حتى لا يكاد يرى شيئا ساكنا ، تغيرات مناخية سكانية، جيولوجيه ،سياسية واقتصادية ، أدواتها الكوارث والحروب وتصحر الأرض وجفافها. الهجرة واللجوء من مظاهر التحولات فى العالم ، تتصاعد وتتشكل مدا وجزرا باختلاف المسبب والدافع . ويظل طلب السلامة والأمان وحفظ الكرامة الإنسانية هدف الإنسان حيثما هاجر والتجأ.واريتريا البلد الصغير مساحة وسكانا يجسد نتائج الحرب واللجوء ،ويصلح أن يكون مثالا حيا يعكس كل فصول كارثة اللجوء والحرب وآثارها الإنسانية .

قضية اللاجئين الاريتريين رغم أنها الأطول عالميا ، إلا أن الدراسات التي أجريت حولها محدودة . وقد سعدت بقراءة احدث دراسة عن اللاجئين الاريتريين للباحثة د.سعدية حسنين ووددت أن يتعرف عليها قارئ العربية. تبحث الدراسة العودة و الاندماج أو التوطين في بلد ثالث بالتطبيق على اللاجئين الاريتريين في مدينة كسلا . وتتفحص الدراسة خيارات اللاجئين والعوامل المؤثرة على قرارتهم. ومن خلال البحث الميداني تعرفت علي العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على قرار العودة والاندماج أو التوطين.وتنطلق الدراسة من تساؤلات جوهرية مبدؤها ؛لماذا لا يعود اللاجئون الاريتريون وقد انتصرت إرادتهم وتحقق حلم الاستقلال ؟ وتتنوع المداخل لتشمل الوطن ،المكان والكينونة، ومدى إدراك اللاجئون للتغيرات التي طرأت على حياتهم في المهجر وعلى وطنهم الذي تركوه خلفهم لعقود مضت في هذه البحوث المتعددة الجوانب والمعقدة المداخل ، تتيح الباحثة الفرصة للاجئين للحديث عن رؤاهم وآمالهم وآلامهم وخيارتهم ، وتقدم للقارئ البعيد والمعتم عليه شيئا من معاناتهم، الباحث كالفنان لا يقدم إجابات وحلول جاهزة ، ولكنه يبرز المخفي في المشهد ويجعله مرئيا ومحسوسا وفى متناول القارئ . في هذه الدراسة تحاول الباحثة تجلية حقائق مهمة حول مسيرة اللاجئين الاريتريين الطويلة. الدراسة صدرت في كتاب( 1) عن دار البحر الأحمر للنشر والتوزيع ، وهذه الدار صدر عنها العديد من الكتب والدراسات عن اريتريا ؛ مقرها الولايات المتحدة الأمريكية ولها فرع في اريتريا . يتألف الكتاب من ثمانية فصول، في أولها تقدم الباحثة لموضوع الدراسة، الهدف ، المشكلة والمحتوى والمصطلحات والمفاهيم وتتناول سياسات المجتمع الدولي و المفوضية السامية لشئون اللاجئين والحلول المطروحة .وفي الفصل الثاني تستعرض تطور دراسات اللجوء واهتمامات الباحثين ومراكز البحث . و تثمن تجاوز الباحثون لأسباب ومصادر اللجوء ودوافع الهجرة والهروب إلى مجالات أكثر عمقا تستلهم الحلول لتعقيدات عملية اللجوء . العودة وتحديات الاندماج والتواصل بين اللاجئين وأجيالهم والتحديات الثقافية والاقتصادية التي يواجهونها، كانت أبرز مجالات البحث العلمي في السنوات الأخيرة. وفى الفصل الثالث تعدد الباحثة وسائل وأدوات بحثها ومراحله المختلفة والعقبات التي واجهت البحث حتى اكتمل. والفصل الرابع يهيئ القارئ للدخول في عمق المشكل وقضية البحث بتقديم خلفية عن اريتريا ، الجغرافية، الإنسان والأرض ، التاريخ ،التركة الاستعمارية ،الثورة و الصراعات، الاستقلال الحلم الذي لم يكتمل ،والثلاثون التي انتهت إلى سجون ومعتقلات وهروب المئات من واقع الحلم المسروق. وتتناول أيضا السودان اقتصاديا وسياسيا وثقافيا والمكون المشترك في العلاقات الاجتماعية و الثقافية والتاريخية بين السودان واريتريا مع التركيز على الجوانب المؤثرة على تطلعات وقرارات اللاجئين. ومن الفصل الخامس وحتى الأخير تستعرض الباحثة نتائج الدراسة ، نقاشا وتلخيصا ، نقدا وتفنيدا ، من واقع نتائج العمل الميداني والدراسات المقارنة . وبأسلوب علمي سهل و رائع ، تقدم الكاتبة مرافعة قيمة ،معرفه ومفصلة للعوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المؤثرة على قرارات اللاجئين من حيث العودة والانتظار أو الهجرة إلى دول الشمال واستراليا .وتستعرض نتائج الدراسة والتوصيات المستفادة ، وتتبع ذلك المراجع وملاحق من تقارير المنظمات الدولية عن اللاجئين الاريتريين. ساحة البحث :المدخل العودة ، الاندماج أو إعادة التوطين والحالة اللاجئون الاريتريون في شرق السودان ومكان الدراسة مدينة كسلا الحدودية بوابة القدوم .سنوات مضت قبل أن تعود الباحثة إلى هذه البوابة التي عبرتها بعد حين إلى محطات لجوء أخرى إلى أن حل بها المقام في السويد طالبة وباحثة ثم محاضرة في جامعة استكهولم قسم الجغرافية البشرية، فعلاقتها بقضية البحث واختيار المكان ليست أكاديمية فحسب ؛ بل قد يغلب عليها الانتماء والمشاركة في المعاناة ، فهي لاجئة لاتزال مثل المئات من اللاجئين الاريتريين المحرومين من العيش في وطنهم والعودة إليه ، حتى لو كان ذلك زيارة، لاستجرار الذكريات والوقوف على الأطلال. وتؤكد أن اختيارها لهذه المجموعة من اللاجئين جاء مدفوعا برغبتها في فهم أحوالهم والتغيرات التي أحدثتها سنوات اللجوء فيهم ، مع تطلع اكاديمي لمعرفة العوامل التي تؤثر في قراراتهم المصيرية . تطلع اكاديمي مشفوع بدوافع إنسانية منها بعض الوفاء . ابتداء من عام 2001 والى عام 2003 ترددت الباحثة على موقع الدراسة حيث أقامت في عام 2002 بصفة مستمرة مع اسر لاجئة لمدة ثلاث أشهر خلال هذه الفترة الرئيسة من وقائع الدراسة أجرت الباحثة المقابلات والحوارات المهمة مع عينات البحث ، والتي انتخبتها وفق معايير بحثية بحته مع مراعاة الشمول والتنوع في الأعمار و الجنس و الدين والتعليم واللغة والحالة الاجتماعية وسنوات اللجوء والعمل . لقد انتخبت الباحثة 24 عينة أو حالة دراسية من لاجئي المدينة ، ومن ثم أجرت معهم المقابلات الشخصية للإجابة على أسئلة البحث وذلك بعد تقديم الباحثة لنفسها وإعطاء خلفية عن الدراسة وأهدافها مع التأكيد على سرية المعلومات التي يدلى بها المستجيب،و حقه في الانسحاب من المقابلة في أي مرحلة. لقد أجريت المقابلات باللغة العربية والتقرنية والتجري و البلين وهى لغات تتحدثها الباحثة بطلاقة ولذا تترجم الإجابات بنفسها إلى اللغة الانجليزية لغة البحث . وقد اعتمدت الباحثة جملة من الوسائل الأخرى لجمع المعلومات وتدوين الملاحظات من خلال المشاركة ، تنوعت وسائلها مابين اللقاءات الفردية ومجموعات النقاش والاجتماعات الرسمية وغير الرسمية و لقاءات المسئولين والواجهات الرسمية والشعبية و الزيارات المنزلية والدعوات الاجتماعية ، وظفت الباحثة عمقها الاجتماعي والثقافى لاستخلاص معلومات الدراسة.و في الإطار الرسمي أجرت الباحثة لقاءت مع مفوضية الأمم المتحدة ولجان تسجيل العائدين من الجانبين الاريتري والسوداني والسفارة الاريترية بالخرطوم ولجان وإدارات معسكرات اللاجئين . والعامل المساعد الأهم أن البحث الميداني صادف إجراءات المفوضية السامية لشئون اللاجئين لإنهاء حالة اللجوء للاريتريين في السودان ، وفد تحدد حينها ديسمبر 2002 كموعد فاصل. وتمكنت الباحثة من حضور اجتماعات عامة في كسلا وود شريفي والقربة والشجرابات والخرطوم. وهى لقاءات يعقدها أطراف العودة الثلاث ، السودان واريتريا ومفوضية اللاجئين ، بغرض تنوير اللاجئين بالتغييرات التي حدثت في بلادهم وحثهم للاستجابة لمشروع العودة الطوعية ، وهذه الاجتماعات أتاحت للباحثة الاستماع إلى الصوت المكبوت والطرف المغيب في مجريات العودة ،وهم أصحاب القضية اللاجئون أنفسهم اجتماع المضيف والمستقبل والضامن بحضور الضحية المغلوبة على أمره لاشك انه يعكس للشاهد والمراقب والباحث صورة ومشهدا نادرا قد لا يجود به الزمان مرة أخرى. لقد عكفت الباحثة في المرحلة ما قبل القيام بالعمل الميداني علي الإطلاع المكثف في الدراسات والبحوث الخاصة اللاجئين في مكتبات السويد، كما حصلت على بحوث وأدبيات من مراكز متخصصة في دراسات اللاجئين ومكتبات جامعية في بريطانيا . وللحصول على معلومات أولية ، أطلعت على ارشيف معتمديه اللاجئين وهو الجهاز الحكومي المسئول على اللاجئين في السودان.وتتبعت إجراءات طويلة مابين الأجهزة الأمنية ومعتدية اللاجئين لاستخراج عدم الممانعة. أن تكون جزء من واقع قوم، تشاركهم الهوية واللغة والثقافة والعاطفة والتاريخ والمصير؛ ثم تتقدم لرسم لوحة محايدة وتصدر حكم وفق أسس علمية أكاديمية بحتة. اهو سهل ممتنع ، أم عامل يعقد المهمة؟ الباحثة تؤكد الانتماء إلى ميدان البحث قد يسهل الحركة ، لكنه يفرض تحديات وعقبات وافخاخ تتطلب الحذر من الوقوع فيها ، لا شك أن الانتماء سهل الدخول إلى العالم غير المرئي للاجئين الاريتريين في كسلا المخفي في ظلال من ازدواجية الهوية والحذر من المجهول ، وجعل جمع المعلومات والملاحظات بالمشاركة أمرا يسيرا ومكننا. كما أن الذاكرة المشتركة توسع مداخل الحوار وتبعث روح الاطمئنان والثقة وتمكن الباحث من السيطرة على أدواته . ولكن التحديات التي يفرضها الانتماء كثيرة وقد تهدد المشروع برمته ،خاصة في مجتمع منقسم دينيا،متضرر ومعدم اقتصاديا،و متشعب قبليا و متوتر سياسيا ضمن استقطابات تاريخية وأخرى حاضرة ،والبحث معنى بالعامل السياسي وأثره في العوده . الوطن والخيارات الشائكة ( ليل طويل انجلى ، وأصبح صبح الاستقلال ، ثلاثون عاما كانت بطولات وانتصارات ،أحزان وأتراح ، شهداء بالآلاف ،أيتام وأرامل وثكالى ولاجئين، جرحى ومعاقين . ثلاثون كل يوم فيها كان مرا وبطيئا وحزينا وقاسيا . كل يوم فيها كان عرسا ثوريا وتلاحما فريدا بين الشعب والثورة ، ثلاثون آمالها داوت الأمهات ، ولولا الأمل بالفجر القادم لم تلد الأمهات الأبطال ولعقمت أرحامهن . الثلاثون وتضحياتها تكللت بالفرحة الكبرى وانتصار الإرادة وانكسار القيد . لكن المؤسف والمدهش أن هذا الشعب الصابر لا زال يعيش في معسكرات اللجوء وصفوف الإعانات ويتوسل بالحماية ، وقد ضاقت به الدنيا وتشعبت به السبل ،كيف وقد تمخضت ثلاثينية العجاف فولدت جحيما وسجنا كبيرا، وصار الحلم الحقيقة سرابا ) هكذا عبر بعض الذين حاورتهم الباحثة عن واقع الحال والأمل الضائع . لماذا لا يعود اللاجئون ؟ أو لماذا لم يعودوا حتى ألان وقد مر على الاستقلال أكثر من عشرة أعوام ؟وهل يفضل اللاجئون البقاء أو الهجرة عن العودة إلى وطنهم ؟ تتداخل العوامل والاعتبارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتتعقد ، لكن الباحثة ترجح العامل السياسي وتعدد دوره في مسار خيارات العودة أو البقاء. و تتحد ما ذهب إلية د.قايم قبرءاب من ترجيح العامل الاقتصادي وذلك في دراسته عن اللاجئين في مدينة كسلا والتي أجراها عام 1996م(2 ) . وتتساءل الباحثة عن المميزات الاقتصادية التي تتمتع بها كسلا و الواقع الاقتصادي المغرى في السودان الذي يجعل اللاجئ يحجم عن العودة طمعا في عيش رغد ، إن د. قايم في دراسته قفز على العامل السياسي وخلفية الصراع بين جبهة التحرير الاريترية والجبهة الشعبية لتحرير اريتريا وهو ما تعتبره د. سعدية متقدما على العامل الاقتصادي، إن إقصاء الجبهة الشعبية منافسيها من فصائل جبهة التحرير اريتريا من العملية السياسية ، وانفرادها بتسيير دفة الحياة في إطار الحزب الواحد يعتبره اثنان وعشرون من جملة الأربع والعشرون الذين استجوبتهم الباحثة عاملا أساسيا في فشل مشروع العودة واستمرار حالة اللجوء. ( إن جبهة التحرير الاريترية ليست تنظيما سياسيا هكذا أو حركة تحرر عابرة بل هي وجدان شعب بأكمله ، وهى إرادته وتاريخ شهداؤه ومناضليه ، معاركه الفاصلة وانتصاراته العظيمة ، هي حلم العذارى بانتظار الفارس المظفر وهى فوق ذلك هي محبة للحرية والسلام . إن أضعفتها الأيام وغدرت بها المؤامرات فهي باقية ما بقى جيل الانطلاق ، إن العودة دون جبهة التحرير كعودة الجسد دون الروح .) هكذا تحدث الذين استطلعتم الدراسة ،مؤكدين أن الجبهة الشعبية ارتكبت خطا استراتيجيا حين واصلت نهجها الاقصائى ورفضت مقترح حكومة الوحدة الوطنية ومثل ذلك اقصاء الغالبية العظمى من المسلمين وتمكين النصارى وثقافتهم من مقاليد السلطة والأرض. لقد أكدت تقارير متواترة أن حكومة الجبهة الشعبية لا تشجع العودة، بل افتعلت الكثير من العراقيل والعقبات لتحد من تيار العودة ، فهي تارة تدخل في عداء مفتوح مع السودان البلد المضيف وتغلق الحدود في وجه العائدين، وأخرى يشكك عملاؤها في انتماء اللاجئين وأعدادهم ، مراهنين على إن طول مدة اللجوء سيجعل اللاجئون يتخذون أوطانا بديلة ويتركوا أرضهم وحلم الثلاثين عاما، ولو تحدث اللاجئون لقالوا إن الجبهة الشعبية صممت وطنا لا يعرفونه وهيئت وضعا طاردا ناهيك أن يكون جاذبا لطاقات وقدرات اللاجئين . سياسات الجبهة الشعبية الاستئصالية شملت كل جوانب الحياة وان كان السياسي منها الأوضح والأفظع انتهاكات حقوق الإنسان – الاعتقال والتعذيب ، غياب القضاء والتحاكم ، القتل والاختطاف ،تقييد الحريات العامة والدينية وحرية الصحافة ،حكم الفرد وتعطيل الدستور وديكتاتورية الحزب الواحد – هي فصول في تقارير المنظمات الحقوقية و منجزات في سجل الجبهة الشعبة . لم يخف اللاجئون تخوفهم من نظام حكومة الجبهة الشعبية التعليمي برنامج لغة الأم ومحاربة اللغة العربية واثر ذلك على مستقبل أبنائهم ، والذين تنتظرهم الخدمة الوطنية المفتوحة ، احد معالم انتهاكات حقوق الإنسان ، وطن يشعر مواطنوه بالغربة واللجوء فيه ،وكثير ما تضطر الأمهات لاصطحاب مترجم لقضاء معاملة في الدوائر الحكومية والتي استجلب موظفوها من المرتفعات من الخفير حتى المدير ، وضع يذكر المعاصرون بالحقب الاستعمارية ، وقد يستحسنها البعض عند المقارنة. الولاء للجبهة الشعبية ليس هو معيار التوظيف والاستيعاب في مجالات الخدمة العامة ،كما هو الحال في دول العالم الثالث التي يسكنها الفساد والمحسوبية،ولكن حكومة الجبهة الشعبية ابتدعت الولاء الثقافي واللغوي . فقد سدت أبواب التوظيف في وجه العائدين من خريجي ما عرف بالشرق الأوسط ؛ ولم يشفع الولاء التنظيمي والكفاءة وحاجة البلد لقدرات أبنائها ، لاستيعابهم في دولاب الخدمة المدنية . و لان قدمت الدراسة شواهد لكفاءات في رحلة الهجرة المعاكسة ، فان كاتب هذه السطور كان شاهدا على اجتماع عقده مسئول سياسي رفيع في الحزب الحاكم اعترف فيه بعجز الحكومة في استيعاب العائدين من حملة الشهادات العربية . وأكد أنهم بصدد تصميم برامج لاستيعابهم ، لعل البلد تطير (تحبو) بجناحين ، لكن شيئا من ذلك لم يحدث . ولو جمعتني به الأقدار يوما فسوف اسأله عن انجازات سياسة الاقصاء والتهجير!!من محاور هذه الدراسة أيضا استطلاع خيار الهجرة والانتقال إلى دول الشمال واستراليا والتي يتطلع إليها سكان الجنوب ، هناك مؤشرات وعوامل تجعل هذا الخيار جاذبا ، لدى اللاجئين في مدينة كسلا ، خاصة في ظل ثورة المعلومات و تطور وسائل الاتصال وصول أعداد مقدرة من اللاجئين إلى هذه الدول. تتمايز هذه العوامل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، فاقتصاديا ، حركة التحويلات المالية تتجه جنوبا ، وما ينقل عن مستويات المعيشة وفرص التعليم و جودة الخدمات يجعلها منتهى الأحلام ومهوى الأفئدة ومشوشا هاما على خيار العودة. وسياسيا ، خيبة الأمل والفشل في تحقيق وطن يحفظ الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية لمواطنيه الذين انتظروا ذلك عبر عقود من التضحيات الجسام ، يشجع التطلع إلى ديمقراطية وحريات الشمال ، لعل هناك تتاح فرصة للعيش بسلام .واجتماعيا ، اللاجئون يتتبعون خطى أقربائهم ومعارفهم وأبنائهم الذين سبقوهم إلى الاستقرار في دول الشمال واستراليا حيث التأم شمل الكثير من الأسر . وتشير الباحثة إلى تحديات الاندماج التي تواجهه المهاجرين بعيدا ، هناك يعانون التهميش والعنصرية والتمييز في سوق العمل ، وكما هو سقف الوظيفة فان المشاركة السياسية محدودة . الدراسات تؤكد وجود مؤشرات على اندماج لاجئو مدينة كسلا في مجتمع البلد المضيف ، الدين والثقافة والعلاقات الاجتماعية والاثنية وطول المدة الإقامة تجعل ذلك ممكننا وجائزا. رغم أن ذلك لا يقلل من أهمية المغادرة المستمرة لمحطة السودان في رحلة اللجوء ، طلبا للحماية في ظل امتدادات الأذرع القمعية للجبهة الشعبية. وترى الباحثة إن فتح الحدود أمام (حركة) اللاجئين بين السودان واريتريا ، يقلل معاناة اللاجئين ، ويسبق ذلك تحسن العلاقات السياسية بين البلدين ، وإقلاع الحكومة الاريترية عن انتهاكات حقوق مواطنيها. وفى آخر فصول الكتاب تلخص الباحثة نتائج الدراسة وتورد أهم الأسباب التي تجعل اللاجئون يحجمون عن العودة إلى بلادهم ؛ وآخرون من دونهم يتدفقون هربا ، مما يجعل اريتريا مصدرا مستمرا للاجئين . وفيما يلي نورد بعضا من تلك النتائج بتصرف :-* اقصاء جبهة التحرير الاريترية من المشاركة السياسية والنهج السياسي للحكومة الاريترية .* انتهاك النظام الاريتري لحقوق الإنسان.* رفض المشاركة في الخدمة الوطنية المفتوحة (المستمرة دون سقف زمني).* الانتماء إلى تنظيمات المعارضة الاريترية الناشطة في الخارج.* استمرار حالة اللجوء لعقود وحدوث تغيرات اقتصادية واجتماعية ؛ هذا إلى جانب الميل الفردي للاندماج في المجتمع المضيف .* التطلع إلى الأفضل يشجع محاولات البحث عن فرص التوطين في دول الشمال واستراليا. الكتاب يقدم لحركة اللاجئين الاريتريين ، متكاملة في جوانبها التاريخية و الاجتماعية والاقتصادية مع التأكيد على محورية الحل السياسي ,معتبرا الديمقراطية ودولة القانون واحترام حقوق الإنسان عناصر مهمة لتطبيع العودة واستدامة التنمية. والكتاب يوثق لمعاناة اللاجئين الإنسانية في رحلة البحث عن الحرية والسلام ، ويستنطق الصامتون صبرا، ويلمس فيهم مكامن الألم والحزن على الوطن والنصر المخطوف ظلما وعدوانا . وهو أيضا مرافعة علمية هامة ،إذ يدحض نتائج دراسات وتأويلات ترجح اندماج اللاجئين الاريتريين في المجتمع السوداني، وان اريتريا لم تعد لهم خيارا وقد انشغلوا عنها بوطن آخر . رغم مرور أكثر من ربع قرن من الزمان ، قدم المبحوثون أنفسهم للباحثة أنهم لاجئون وأنهم على العهد باقون ولن يعودوا دون علم جبهة التحرير الاريترية . الكتاب لا يستغنى عنه الباحثون والمهتمون بالشأن الاريتري وتطوراته ، وأتمنى أن يكون الحصول علية ميسرا ، فيما سبق حاولت أن أقدم صورة عن هذا البحث الهام ، وأمل أن أكون قد وفقت والله من وراء القصد. ( 1)Repatriation, Integration or Resettlement the Dilemmas of Migration among Eritrean Refugees in Eastern Sudan(2) Ready and willing but still waiting, Eritrean refugees in Sudan and the dilemmas of return. Uppsala: Life and peace institute.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى