المحاولة الثانية للهروب .. ذكريات كتبها المناضل الكبيرعبدالله حسن الحلقة ( 4)
10-Mar-2016
عدوليس ـ ملبورن
في سجن “ماركاتو” ان تمكنت من تحرير يداي من القيد وكنت أنام و أنا اضع القيد في يدي الواحدة فقط دون ان علم رفاقي . وعندما علمنا بأن محيط باب الغرفة التي كنا فيها مبنية بالطوب ، قررنا انا وكابلي ان نحاول الهروب بالحفر . وسأقوم به المهمة العسيرة لوحدي لكوني طليق اليدين وعليه اتفقت مع الكابلي ان اقوم بهذه المهمة لوحدي وفي حال الانكشاف ايضا ان اتحمل المسؤولية لأن انا اصلا لا انتظر حكم خفيف . عادة لا ينام السجناء بالنهار ، لكن توخيا للحذر قررنا منع النوم أثناء ساعات النهار بشتى السبل، لكي ينام الجميع بعمق ليلا ، وحسب الملاحظات ان ساعتين هي الفترة التي يمكن ان يكون النوم فيهما عميقا ، وكنا نعتقد بان أزالت طوبة واحدة تمكن من تسحيل زحزحت بقية الطوب وان وساعتين ستكونان كافية
للنجاح . وفي منتصف الليل بعد ان تأكدنا من نوم زملائنا تحركت اتجاه الباب للحفر ومعي سلك صغير متين يستخدم في عجلات السيارات وجدته في الخارج ، وقد تمكنت من سنه بهدوء في بلاط الغرفة. وبدأت المهمة بينما تظاهر رفيقي المناضل الكابلي بالنوم وهو يتابع حركة النائمين، أو إي حركة خارجية. حائط الغرفة عريض بحث يمنع للقادم من الإتجاه الآخر من رؤية من هم داخل الغرفة ، التصقت بالباب وبدأت بإزالة الطبقة الأولى من الجير ووصلت للطوب الأحمر، ثم حاولت معالجة المادة القاسية التي تربط الطوب ببعضه ، واستطعت إنتزاع طوبة واحد . وبينما انا منهمك استيقظ فساهاي البوليسي من النوم ولم يراني في موقع النوم ، وكما اخبرنا لاحقا قال فساهاي انه رأي حلم مزعج واستيقظ مفزوعا . وفساهاي كان يحرسنا لكي لا نهرب او ننتحر ، ليس رحمتة بنا بل لأنه كان من الشرطة ويعرف القوانين ويخاف على نفسه لكي لا يواجهه تساؤلات قانونية بسكوته او عدم سماعه او عدم مشاهدته الخ. فسهاي هذا عندما لم يراني في مكاني المعتاد قام من مرقده واتجه نحو الباب ،فقلت له لا تخف انا كنت احاول الحفر في محاولة للهروب والآن سأكف عن هذا حتى لا تواجهون أي تهمة بالتواطؤ وأثناء حديثنا . استيقظ جميع من في العنبر . وأقترح فساهاي بضرورة إبلاغ الحراس بذلك حتى نكون في مأمن عن إي تهم بجريمة محاولة الهروب بينما فض البقية الفكرة وقالوا نبلغ في الغد بدل من طرق الباب وإبلاغ الحراس واثناء الجدال طرق فسهاي الباب بقوة ، ولكن لم يسمعه الحراس لكون مقرات نومهم بعيدة عن العنابر بينما سمعت بقية العنابر الجلبة والطرق ، أعتبر فسهاي ان اسئلة بقية العنابر ستكون شهادة براءة له في الغد وتوقف عن محولاته. . وعند شروق شمس اليوم التالي وفتح عبلولوم الباب وهومن يأتي الينا دائما تفاجأ بتهدم الجزء الداخلي للحائط حول الباب وقال بهلع ، ماذا حصل ؟ من دخل فيكم ؟ وفورا أعترفت له : “انا الذي أحدث الضرر وكنت احاول الهروب حفرت وعندما أحس بي زملائي في الغعنبر توقفت”.أغلق عبللوم الباب سريعا ورجع إلي الوراء لتبليغ الحراس وكان يردد مفردات الدهشة والعجب .جاء الحراس مسرعين وعلامات الخوف ترتسم على وجوههم . وقال لي مسؤولهم لماذا فعلت ذلك؟كان ردي حاسما وقاطعا وفي محاولة لإبعاد التهمة عن زملائي : ( أعلم أنني سوف لا أغادر السجن حيا فأردت الهروب لأضع حدا لآلام التعذيب ، والأفضل بالنسبة المحاولة أو الموت بدلا من هذا العذاب ). وكان رده جافا وقاسيا .( لا عليك ولا تتعجل ) وكأنه يؤكد لي انهم بصدد إعدامي قريبا ، وذهب.وبعده امر مسؤول السجن “شامبل بلو” ان يتم أخراجنا من العنبر وتصطف ، ثم وقف أمامنا وهو يحمل سوطا غليظا ، ثم فصلني وزميلي الكابلي وبدء بضرب البقية ضربا مبرحا لا رحمة فيه ،وفي كل مكان من أجسادهم ، وأنا أصرخ إستعطافا : انا الذي فعلت ذلك ولا علاقة لهؤلاء بالمحاولة ، لكنه لم يعر إي إهتمام لأقوالي ولم يلتف إليً، وكان يصرخ بهم ( أين كنتم وهو يحفر ولماذا لم تبلغوا عنه .. الخ وأذكر ان بينهم كان سجين أسمه عمر من بلدة “عدردي” اصاب السوط إحدى عينية ولكن والحمد لله لم يصاب بالعمى. بعد ذلك وجبة الضرب العشوائي الذي طال رفاقي في العنبر تم تحويلنا لزنزانات صغيرة ، لكنهم قيدوا يدي مع بعضهما بإحكام ، إلا انني أستطعت تحرير واحدة ولكن أبقيتها مع رفيقتها حتى لا ينكشف أمري، كما أنني إذا أخرجتها من مكانها يصعب علي إعادتها وهذا الوضع كان مؤلما وقاسيا أثناء الحركة وتناول الوجبات، وفي صباح اليوم الثاني استدعاني العقيد “قرما” ووجهني بعدد من الأسئلة ، عن كيف تحصلت علي السلك الذي حفرت به ، ومن ادخله لي ، وهل ادخل لي مع الاكل … الخ.فأبلغته انني محروم من الزيارات وبالتالي لا طعام يأتي إلي من الخارج. اما عن (السلك) فقد لفقت قصة قلت فيها (أتذكر عندما استدعيتني في احد الايام واصطحبني إليك العسكري “تادسي” ، لم يدخلني اليك مباشرة ، بل انتظرت في الخارج ريثما يبلغك ويأخذ الأذن بالدخول ، اثناء انتظاري وانا جالس لقيت هذا السلك في الارض ورفعته ,ادخلته في جيبي دون أي تفكير مسبق هو الذي أستعملته في الحفر ) والحقيقة هي مره كنت كنت عائدا مع عدد من المعتقلين وكان حارسنا “عبليلوم” ووجدت (السلك ) بجوار العنبر قبل الدخول وقد ألتقطته دون ان ينته لي “عبليلوم”. و”عبليلوم” إريتري الجنسية هو من الذي كان يرافق المعتقلين في كل تحركاتهم ، اما “تادسي” الإثيوبي فقد كان تحركه معنا ومعي تحديدا لذا قلت في نفسي لأحمله بدلا عن الإريتري “عبليلوم”. كان إستدعاء العقيد جرما لي ليس بهدف التحقيق كما بدا لي بل استهل حديثه بود بعد ان اجلسي أمام مكتبة الفخم وقال في مستهل حديثه بانه من الطبيعي ان يفكر أي سجين في الهروب عندما تسنح له أي فرصة، ثم عرفني بنفسه بانه أب لثلاثة اطفال، ثم دلف للسياسة وقال بانه ممن يريد ان يكون في اثيوبيا نظام جمهوري، ولكن ازاحة الملك هيلي سلاسي صعب جدا لأن إثيوبيا سوف تتعرض اثيوبيا للتفتت فهو رمز لوحدة اثيوبيا. ثم ودعني ورجعوني الي زنزانتي دون ان افهم ما كان يريده بالتحديد، وكانت الأسئلة تضج في ذهني المتعب. أسئلة من شاكلة : هل محاولة هروبي هذا خلق فيه نوع من الاعتقاد بانني يمكن ان أكرر المحاولة وربما انجح في الهروب ؟ أم اراد بحديثه الودود هذا ان يعرفني بأنه شخص طيب خوفا ؟ أم حقا هو من الشخصيات التي تكره النظام الملكي مهما تكن مبرراته خاطئة ؟ الله اعلم . ثانيا قبل قدومنا إلي “ماركاتو” بقليل كانت قد وصلتهم بعض المعلومات الجديدة ولذلك استمرت جلسات التحقيق ،ولكن دون تعذيب . وكما نوهت احد الحلقات من هذه الذكريات ، كان جمع النقود او التبرعات يتم من اصحاب الاموال . وكانوا اصحاب الاموال نوعان الاول هم من يمتلكون مؤسسات كبيرة مثل شركات تجارية وممتلكات اخري مثل سيارات النقل والشحن .. الخ. ، ومعظمهم يبادرون بالدفع خوفا من إجراءات مضادة ضد ممتلكاتهم عند الرفض . والنوع الثاني هم من يدفعون بدافع وطني عند الطلب منهم . وجميعا هؤلاء كانت تكتب لهم رسائل لذلك ويعطي لهم ايصال رسمي عند الدفع ومن الذين طلب منهم ان يدفعوا مبلغ معين علي سبيل المثال كان شخص يدعي “تادسي برهي” وكان يمتلك شاحنات وهو اثيوبي الجنسية ، وعبده جهار الذي كان له محل تجاري لبيع الاقمشة في شارع المسجد الكبير مسجد خلفاء الراشدين ، وهو من ذهبت الي منزله واستقبلني استقبال جيدا وكنا ننتظره ان يتبرع عن طريق عضويتنا .أتهم عبد جهار بانه اعطاني نقودا ، وقد اعترف ايضا بقدومي لبيته لإستلام المبلغ والقيام بكرم الضيافة لي ومبررره كان انه كان ينتوي القاء القبض وتسليمي ولكنني أفلت منه ، وقد عرفت كل ذلك عن طريق عضويتنا المقبوض عليهم ، وقد أكدت للمحققين كل أقوله بما فيها نيته القبض علي لتسليمي للحكومة، ولكن نفيت إستلامي لأي مبالغ منه. لذا فقد أفرج عن الرجل سريعا فيما بعد.وبخصوص “تادسي برهي ” استدعوني العقيد قرما ومعه الصول “تيفيرا” وقالا (انت قلت لنا لا توجد أي نقود اخرجناها من اسمرا ولكن نحن علمنا بانك اخذت النقود من تادسي برهي فماهو ردك ؟). (صحيح نحن اخذنا النقود فقط من “تادسي” ، ولكن عدم ذكري لأسمه ليس لمصلحة الجبهة اولا ، وثانيا هو أثيوبي الجنسية أقليم من تجراي، وليس اريتريا ، ثالثا الرجل دفع النقود تحت ضغط التهديد بإنه سيتم أحراق ممتلكاته وعليه لم يسمح لي ضميري لكي اعود وابوح باسمه ليسجن وهذا هو سبب إخفائي لهذه المعلومة.كان هذا ردي لهما. الصول تيفيرا أيد كلامي هذا وقال انه إنساني . و لهذا ايضا اعتقد أُطلق صراح “تادسي ” فيما بعد. استمرت حتي الشهر الرابع من وجودي وخلال هذه المدة لم تُكشف إي معلومات خاصة بالعمل السري نتيجة التحقيقات في أوساط المعتقلين في السجن. وكانت هناك أيضا عضوية غير معروفه لرجال الأمن، وهذا ما كان يقلقنا ومن جانب آخر كنت أخاف ان عملية القبض علي تؤثر في معنوياتهم أو الوضول إليهم من خلال عمليات التضليل.وخوفي لم يكن في مكانه فقد أستمر الصمود وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر الشهيد الشيخ صالح حامد مدير مدرسة الجالية العربية وإمام جامع الشيخ عبدالقادر في اسمرا هو احد اللذين كنت التقي معهم وكانوا زملائه منقستو بايرو واخرين معظمهم معلمين وعناصر هامة . وكما علمت لاحقا الشهيد شيخ صالح عندما تم القبض عليا كان يلتقي معهم ويشجعهم ويطمئنهم بأنه لا يمكن ان يخرج أي سر من جهتي . وبعد خروجي من السجن وقبل ان يتقتله حكومة الدرق كان من ضمن اللجنة التي كانت تأتي للقاء مع الثورة وقد التقيت معه في ضواحي اسمرا . اما شيخ صالح حامد ومنقستو بايرو فهما من عضوية الجبهة الأوائل في اسمرا ،وهم من العناصر التي تحملت الصعوبات كثيرة ولم تبوح بأي سر للعدو إطلاقا ، وخاصة الشيخ صالح فقد كان مثالا للصمود والتضحية وعاني كثيرا في سجون إثيوبيا وكان له دور كبير في التحاق الشباب بالثورة .