المهاجـرون غير الشرعيّين يفرّون من موت إلى موت/ أوروبا تُقفل أبوابها وتتشدّد في منح اللجوء السياسي
4-Nov-2013
عدوليس ــ نقلا عن النهار اللبنانية
الى متى تستطيع الدول الغنية في العالم ان تتجاهل مأساة آلاف المهاجرين غير الشرعيين الذين يبتلعهم البحر سنوياً ويلفظهم جثثاً هامدة على شواطئها؟ والى متى يقتصر تحرك دول العالم على التنديد والتأثر والتفجع على الموتى من دون البحث عن حل حقيقي وجذري لأهم مأساة انسانية يشهدها القرن الحادي والعشرون؟
رنـدة حيدر
من حادثة غرق سفينة المهاجرين بالقرب من شواطئ لامبيدوزا الإيطالية، إلى غرق العبارة على مقربة من الشواطئ الاوسترالية الاندونيسية، ثمة وجه واحد للمأساة. انها مأساة فقراء دول العالم الثالث المتخلفة الذين يحاولون الهرب من جحيم العنف والحرب والفقر والتهميش في بلادهم بحثا عن الحلم المستحيل بحياة كريمة ولائقة، فاذا بهم يجدون انفسهم ضحايا مجرمي شبكات التهريب، والسفن المعطوبة، والبحر الذي لا يرحم، والدول الأوروبية التي اقفلت حدودها في وجوههم.
ان مشكلة الهجرة غير الشرعية ما هي الا وجه من وجوه الخلل في النظام العالمي الجديد الذي لا يقسم دول العالم دول الشمال الغني والجنوب الفقير، وانما دولا تعاني عدم استقرار سياسي وحروبا اهلية وعنفا دمويا وارهابا اصوليا، ودولا أوروبية متحضرة تتمتع بحماية انظمة امنية صارمة في البر والبحر والفضاء، وتبني الجدران الامنية من حولها، وتزداد تقوقعاً على نفسها، وترفض وجود دخلاء وغرباءعلى ثقافتها وقيم مجتمعها.
من موت إلى آخر
خلال السنوات الاخيرة، سجلت حركة الهجرة غير الشرعية ارتفاعاً بسبب عدم الاستقرار الذي عم عدداً من دول المنطقة. ولوحظ ارتفاع في اعداد المهاجرين من دول الثورات العربية مثل سوريا وتونس وليبيا ومصر وتونس، الى اعداد متزايدة من المهاجرين من الدول الأفريقية ولا سيما منها أريتريا والصومال والسودان.
تفيد احصاءات رسمية للوكالة الدولية للهجرة أنه خلال 20 عاماً مات نحو 25 الف مهاجر غير شرعي لدى محاولتهم دخول أوروبا خلسة، من دون احتساب الذين غرقوا من دون العثور على جثثهم. كما تشير الارقام الى غرق اكثر من 3300 مهاجر منذ عام 2002 بالقرب من لامبيدوزا حيث غرقت سفينة المهاجرين الشهر الماضي وقضى فيها 300 شخص من اصل 500 كانوا على متنها.لكن الغرق في مياه البحر ليس السبب الوحيد لموت المهاجرين غير الشرعيين، فهناك مهاجرون ماتوا عطشا وجوعا وبردا واختناقا داخل مستوعبات الشاحنات (مما يذكّر برواية غسان كنفاني الشهيرة “رجال تحت الشمس” التي تصور موت شخصيات الرواية اختناقاً داخل صهريج لدى محاولتهم دخول الخليج خلسة)، وهناك من مات لدى سقوطه عن شاحنة او مات دهساً، ناهيك بالذين قرروا الانتحار يأساً.
استناداً الى ارقام الوكالة الدولية للهجرة يفر ثلاثة آلاف أريتري شهرياً من بلادهم هرباً من العنف وذلك بعدما تحولت أريتريا على حد وصف احد الصحافيين الاجانب “معسكر اعتقال كبير”. وخلال الاشهر التسعة الاولى من هذه السنة وصل نحو 7500 مهاجر من سوريا وعدد مشابه من أريتريا الى الشواطئ الايطالية.
عملياً يلاقي قسم من هؤلاء المهاجرين حتفه قبل وصوله الى هدفه، ويقع قسم آخر في قبضة خفر السواحل فيعتقل ويرحل الى بلده، وقلة قليلة تستطيع بلوغ الأراضي الأوروبية سالمة. وهنا يبدأ المشوار الصعب، إذ يجد هؤلاء انفسهم امام خيارت صعبة، فإما ان يتحولوا مقيمين غير شرعيين ويعيشوا في العالم السفلي للمدن الأوروبية الكبرى حيث يزدهر الاجرام، واما ان يتقدموا بطلب للجوء السياسي، ليواجهوا عملية قانونية شاقة غالباً ما تنتهي برفض طلبهم.
أوروبا تقفل أبوابها
وبينما فتحت أوروبا حدودها بعضها على البعض باقامة منطقة شنغن، اقفلت حدودها في وجوه المهاجرين. ومن الاسباب التي حدتها على ذلك الازمة الاقتصادية الحادة التي تعانيها غالبية الدول الأرووبية وتنامي مشاعر العداء للاجانب وانتشار الاسلاموفوبيا بين الجمهور الأوروبي.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي قد اقامت منذ عام 2005 نظاماً رقابياً صارماً على حدودها، تنفذه شركتا أوروسور (Eurosur) وفرونتكس (Frontex). وهو مزيج من جهاز استخباري وشرطة وجيش وجهاز ديبلوماسي مشترك بين دول الاتحاد الأوروبي مهمته التعاون في ما بينها على اقفال حدودها دون المهاجرين وتنسيق عمليات الطرد والابعاد والاعتقال. وقد تضاعفت اهمية عمل هاتين الشركتين الى حد كبير خلال السنوات الاخيرة، وبرز ذلك خصوصاً من خلال تضخم الموازنات المخصصة لهما. فخلال خمسة أعوام تضاعفت موازنة “فرونتكس” وارتفعت من ستة ملايين أورو عام 2006 الى 118 مليون أورو عام 2011. أما موازنة “أوروسور”، فقد تصل في 2020 الى 244 مليون أورو. ومن المهمات الاساسية الملقاة على عاتق الشركتين تجهيز الحدود الأوروبية بتقنيات المراقبة الحديثة من كاميرات ومجسات للحرارة والحركة وطائرات من دون طيار، كما بات مطلوباً منها في الفترة الاخيرة المساهمة في انقاذ المهاجرين من الغرق.
ولكن بعد الحرج الذي شعرت به دول الاتحاد الأوروبي مع تكرار مآسي غرق سفن المهاجرين على شواطئها، تداعت هذه الدول الى عقد اجتماع في بروكسيل يومي 24 و25 الشهر الجاري لاعادة النظر في سياسة الهجرة التي تنتهجها وادخال الاصلاحات المطلوبة عليها. لكن المزاج العام في الشارع الأوروبي اليوم معاد تماماً لسياسة اكثر مرونة في التعامل مع موضوع الهجرة، وابرز دليل على ذلك الاعتداءات التي تتعرض لها احياء المهاجرين في المدن الأوروبية الكبرى.
تشدد في اللجوء السياسي
وتسعى دول الاتحاد الأوروبي، في سياق كبحها موجات الهجرة اليها، الى التشدد في قوانين منح اللجوء السياسي. والواقع ان كل دولة تحاول قدر المستطاع التضييق على طالبي اللجوء من أجل اجبارهم على الرحيل سواء بوضعهم في معسكرات لا انسانية وجعلهم يتحملون ظروف حياة قاسية، ام ببساطة بتركهم في الشارع.
عام 2012 بلغ عدد طالبي اللجوء في إيطاليا اكثر من 17715 شخصاً. وتستغرق فترة درس الطلب 10 اشهر يقيم خلالها اللاجئون في محطات السكك او الابنية المهجورة او ببساطة في العراء. وقليل منهم يعثرعلى عمل في مقابل أورو أو اثنين يومياً، وثلث هذه الطلبات مصيرها الرفض.العام الماضي أيضاً، اوقفت اليونان نحو ثمانية آلاف سوري دخلوا اراضيها خلسة، بينما اثنان فقط تقدما بطلب لجوء سياسي. وفي ظل الازمة الاقتصادية الحادة التي تعانيها اليونان، ثمة رفض قوي من الجمهور اليوناني لوجود هؤلاء المهاجرين. أما فرنسا التي تعاني مشكلة المهاجرين من رومانيا الذين تسببوا بازمة سياسية واجتماعية حادة، فقد شهدت زيادة كبيرة في طلبات اللجوء بلغت نحو 73% خلال السنوات الخمس الأخيرة، ليبلغ عدد طالبي اللجوء السياسي في فرنسا اليوم 61468. غالبية مقدمي الطلبات يحصلون على اقامة موقتة مدة 70 يوماً، لكن عملية درس طلباتهم قد تستغرق 20 شهراً، مع احتمال بنسبة 90 % لرفض هذه الطلبات. واستناداً الى تقرير لوزارة الداخلية الفرنسية، فان نحو 37 الف شخص يدخلون سنوياً سوق العمل غير الشرعي في فرنسا. وتبلغ كلفة ايواء طالبي اللجوء سنوياً في فرنسا نحو 550 مليون أورو.
اما بريطانيا التي كانت تعتبر سابقاً جنة اللجوء السياسي، فقد باتت تحتل اليوم المرتبة الرابعة بعد ألمانيا وفرنسا واسوج. يحصل مقدم طلب اللجوء على 36 جنيهاً استرلينياً اسبوعياً، الى جانب العناية الطبية المجانية واستخدام وسائل النقل العامة مجاناً.وكثفت إسبانيا جهودها لمنع الهجرة اليها، فبنت سياجاً حدودياً عالياً وزرعت كاميرات على طوله، الى تشديدها الرقابة على سواحلها. وقد أدى ذلك الى الحد من موجة الهجرة غير الشرعية، فهناك اليوم نحو 2580 طلب لجوء قدم أكثرها من سوريا والجزائر ودول أفريقيا الغربية مثل نيجيريا والكاميرون.
واستقبلت أسوج العام الماضي 43900 طلب لجوء، ومن المنتظر أن يقبل ثلث هذا العدد فقط.وليس الحال في أوستراليا بأفضل منه في الدول الأوروبية، وخصوصاً في ظل قوانين الهجرة الصارمة التي اصدرها اليمين الحاكم.
وتدفع الدولة الاوسترالية مبلغ 19 أورو شهرياً للمهاجرين من اجل سكنهم . وخلال العام الماضي تقدم 17500 مهاجر طلباً للجوء الى أوستراليا غالبيتهم من أفغانستان وروسيا وباكستان، وعلى هؤلاء ان ينتظروا خمس سنوات قبل ان يتخذ قرار في شأنهم.
الأغنياء فقط
ووقت تتشدد حكومات الدول الأوروبية في منع المهاجرين الفقراء من دخول أراضيها، نراها من جهة أخرى تقدم عروضاً مغرية لتوفير الاقامة للأثرياء من المهاجرين في مقابل توظيف أموالهم في اقتصادها الذي يعاني ازمة حادة.
فعلى سبيل المثال، تعرض إسبانيا الاقامة مدة خمس سنوات على اراضيها على كل من يستثمر نحو 500 الف أورو في السوق العقاري. بينما تقدم اليونان الاقامة الموقتة لخمس سنوات لكل من يشتري عقاراً بقيمة 250 ألف أورو. وبدءاً من تشرين الأول 2012، قدمت البرتغال “الفيزا الذهبية” واقامة لمدة سنتين لكل من يشتري عقاراً بقيمة 500 الف أورو. اما المجر التي تشن حملة شعواء على المهاجرين، فعرضت شراء سندات خزينة تابعة للدولة بقيمة 250 الف أورو على الاقل للحصول على اقامة على أراضيها. لكن لاتفيا ضربت الرقم القياسي وقدمت العرض الاكثر اغراء، فكل من يشتري عقاراً بقيمة 71 ألف أورو يحصل على اقامة لمدة خمس سنوات. غالبية الذين يفعلون ذلك لا يسكنون لاتفيا وانما يصير في امكانهم التنقل بحرية بين 26 دولة أوروبية.
هذه الازدواجية في المعايير الأوروبية في التعامل مع موضوع الهجرة تكشف مرة أخرى لامبالاة المجتمعات الأوروبية بمشاكل الحرب والفقر والتخلف التي تحولت قنبلة موقوتة تنفجر من وقت الى آخر في وجه العالم كله.