الوقوع في قبضة العدُو ــ الحلقة (2) من سلسلة ذكريات المناضل عبدالله حسن
12-Jan-2016
عدوليس ـ ملبورن
كالمعتاد كنت اذهب إلى اسمرا بشكل يومي مع الأخ صلاح الدين واحيانا لوحدي . وقبل أن يقبض علي بتاريخ 28 أكتوبر 1970م بأيام قليلة دخلت أسمرا لوحدي، كنت جالسا مع الأستاذ محمد سعيد في غرفة صغيرة داخل دكانه في السوق وهو من عضويتنا النشطة بعد منتصف النهار وهي الفترة التي تتضاءل فيها حركة الناس، خرجت من الدكان واتجهت إلى المنزل الذي كنا استأجرناه خصيصا للعمل في “جزاباندا حبيشا” وعند مرري بمصنع “ألم محارينا” للبسكويت شاهدت في الجانب الآخر من الشارع شخص عرفته في كسلا سنة 1968م يدعي “جبرمسقل ودي قشي” واعتقد انه كان مناضل في المنطقة الخامسة . ولا ادري هل شاهدني أم لا ولكن بحكم انه مناضل وجوده في اسمرا يعني انه استسلم للعدو!. غيرت مسار طريقي وتركت السير إلى اتجاه “جزا برهانو” واتجهت إلى حي “عداقا حموس” حتى لا يشاهدني، وحاولت أن أتأكد من متابعته لي ولكن لم استطيع ذلك لأنه كما علمت لاحقا لاحقني عبر أفراد أخرين لا أعرفهم. اتجهت إلى البيت الذي كنا استأجرناه بإسم احد عضويتنا وهو المناضل علي نور احمد والذي تم القبض عليه لاحقا وقضى فترة محكوميته في السجن ثم إلتحق بالميدان . وعندما وصلت إلى البيت وجدت علي وأبلغته فور دخولي لكي يتحرى من متابعته لـ ” جبرمسقل” حول المنزل وبعد فترة قصيرة وصلوا من كانوا يتابعونني إلى المنزل واحضروا صاحب البيت وأجبروه أن يفتح لهم الباب حتى لا أتمكن من الهروب ،وفعلا فتحت الباب عندما طرقه لأنني اعرفه من صوته. وفجأة وجه إلي احدهم مسدسه وطلب مني عدم التحرك , فقلت له ” ان شاء الله خير أتفضل ” وحاولت الرجوع إلى الوراء حتى اجد فرصة لالتقاط مسدسي الذي تركته تحت الوسادة ، ولكن هجم علي احدهم ولم يعطيني فرصة للرجوع ، وأخرجوني من البيت بالقوة ودخلنا في عراك ، وكان عددهم ثلاثة يقودهم رجل
الاستخبارات المشهورآنذاك “أماري ” ، ومعه ودي جبر مسقل ودقشي . وكنت أحاول دفعهم بكل قوة حتى اجد فرصة للهروب ، لان القبض علي سيزعج الكثيرين ، وكنت أتمني أن يطلقوا النار علي ويقتلونني وانا أحاول الهرب ولكن لم يفعلوا ذلك . وأثناء عراكي معهم ضربني احدهم بحجر في حاجب العين وشعرت بالدوار والفتور خاصة وانني كنت انزف ، وتمكنوا من إحكام القبضة علي وجروني عنوة بالقوة نحو سجن “ماركاتوا” سيرا علي الأقدام ، وعندما وصلنا إلي ملتقي طريق ” قزا باندا وقزا برهانو” بالقرب من المركز الصحي “اندا كنكن” كنت أتحدث بصوت عالي وبكل ما املك من قوة حتى يسمعني من كانوا يتبعوننا من المارة من الماطنين ، والتفت يميناً ويسارا وأقول – (ارتريا ليست اثيوبيا ) ! ( أيها الإرتيريون الى متي صامتون ؟ فالتخرج اثيوبيا من اريتريا ) الخ من الهتافات ، حتى وصولنا الي سجن مركاتو عبر شارع دنكاليا، وكانوا يحاولون إسكاتي . وعلى طول ذلك الشارع البعض من المارة وأصحاب المحلات كانوا يستمعوا بينما كان البعض يتابعنا في حالة في ا أشبه بمظاهرة صامتة كنت أقودها أنا وبهتف فيها لوحدي. سلموني للشرطة ولم اعلم أين ذهبوا بعد ذلك . وبدأ افراد من الشرطة يسألونني عن اسمي واعتقد جبرمسقل لم يكن يعرف اسمي .أفراد الشرطة الذين كانوا يستجوبوني هم من اعضاء الشرطة الإريترين رفضت ان اقول اسمي رغم محاولاتهم وكنت أردد وعندما : (انا اسمي اربتري ، وطني اريتريا ، اسمي مضطهد ، انا مظلوم ، انا اسمي جبهة التحرير الارترية ….. )الخ. وبينما هم في محاولتهم هذه جاء احد الضباط وسألني عن اسمي بهدوء وعرفت من لكنته أنه ومن نطق لسانه أنه إثيوبي فقلت له أمام الشرطيان الارتريان 🙁 انت أثيوبي وعدوي ومن حقك ان تسالني وافكون مسرورا حتي اذا قتلتني لأنك تؤدي واجبك أما هؤلاء العملاء لا اخبرهم عن اسمي) . ثم ذكرت له اسمي بالكامل وقلت له انا من جبهة التحرير الارترية . حينها سكت االشرطيان ، وأحسا بالحرج . اما الضابط فقد ابتسم إبتسامة صفراء كأنه انتصر. وبعد عدة دقائق سمعت صوت الرصاص في الحجرة المجاورة لنا وقلت لهم آمل ان تكون قد أصابت احدهم ، اعتقادا مني بان الرصاصة ربما خرجت من مسدسي وهم يفحصونه دون علم لأنه كان جاهزا. نظروا إلى بعضهم وصمتوا. لم يتم تفتيشي أثناء عملية إلقاء القبض علي وكانت بحوزتي مذكرة خاصة وبعض الأوراق وقليل من النقود، وعموما لم تكن معي أشياء سرية، فعندما ادخل المدينة عادة ما كنت اكتب أسماء الناس او المواقع برموز سرية ، واسمى الحركي كان “خالد علي خالد” . ولكن خوفا من ان تدلهم هذه المحتويات على خيط ما قررت التخلص منها . وعندما غادر الضابط الاثيوبي اخرجت هذه الاشياء من جيبي وقلت للشرطيان الارتريان خذوا هذه الاشياء ، فأخذوها مني دون تردد وقد علمت فيما بعد بان احدهم التحق بالجبهة وكان مناضلا ولم اعلم مصير الثاني . وبعدها وصل مسؤول الأمن المدعو “شامبل بلطي” بسرعة وبعد ان نظر إلي وعلامات الفرح تظهر في على جهه قال لي بالأمهرية ” أبديلا تيازكي ” وتعني فيما معناه أخير في قبضتنا يا عبدالله ” !! ولم أجيبه ولكن لم أنكسر أمامه فهو يعرفني جيدا قبل خروجي إلى الميدان عندما كنت طالبا ويعلم الكثير عني . تم نقلي إلى “أجيب” ( مقر الأمن ) السيء الصيت إلى ميجر جنرال (العميد) “قاشاو كبدي” الذي اعدمه الدرق لاحقا والذي كان خلفا للإريتري الميجر جنرال “تدلا عُقبيت” قائد قوات الشرطة الاريترية سابقا في اريتريا . ادخلوني إلى مكتبه ووجدته يقلب في دفتر سند استلام مالي جديد وجدوه في البيت معي وبدرني بالقول ” (من أرسلك دون ان يلتفت إلي) . ولم اعلم سبب ذلك هل كراهيته لي ام احتقارا منه . وظننت بأنه يقلل من شأني ويحتقرني، فقلت له : (أرسلني اليك عضو قيادي اسمه عمر عبدالله ! علما انه وفي تلك الفترة لا يكن هناك قيادي يحمل هذا الإسم في قيادة الجبهة!. ودون ان يسألني السبب قال لهم خذوه فأخذوني اتجاه “فورتو” العلقة الحصينة.مستفيدين من تجاربنا كنا نعطي دروس وتوجيهات مختلفة تفيد عضويتنا في عملية تأطير العضوية ومواضيع أخري،وفي فترة من الفترات وقعت بعض هذه التوجيهات في يد العدو ، وعلي سبيل المثال منها ما يقول ” يجب ان لا يتعدى عدد افراد الخلايا المرتبطة مع بعضها 15 فردا ، واذا تم القبض علي احد العضوية يجب الصمود أمام تحقيقات العدو ، وأن يؤخر العضو الذي يخضع للتعذيب الاعتراف قدر المستطاع، وفي حالة توفر الأدلة ولم يستطيع نفيها وذلك من اجل إعطاء فرصة النجاة للعضوية الغير مقبوض عليها او لترتيب أمورها وإخفاء الوثائق السرية . وأظن رجال الأمن استفادوا من هذه التوجيهات او ربما من البديهي ان تكون لرجل الأمن الأولويات في عمله، وهكذا أخذوني فورا الي فورتو ( القلعة ) قبل أن يجف دمي ودون ان اخضع للعلاج .وفي تلك الفترة كان الجيش الاثيوبي المعروف بـ ( طور سراويت ) في فورتو وكانوا يعملون وبتنسيق مع الشرطة و الأمن من خلال تشكيل لجنة مشتركة . في التحقيقات كانت أسئلتهم محددة وتقول : أين يتواجدون رفاقك في داخل اسمرا ؟ واذا كانوا خارج المدينة متي سياتون ؟ و متي دخلت لأسمرا ؟ وماهي مهمتكم ؟ ولم تكن هناك أسئلة إطلاقا بخصوص المتعاونين او العضوية في هذه الليلة . ولأنني كنت اعلم نواياهم قلت لهم دخلت قبل يومين ، ولا يوجد احد معي ، ولا اعلم اي موقع غير الموقع الذي قبضت فيه ، وكنت اخبرهم بأن مهمتي هي تنظيم العضوية وجمع الأموال . قيدوا يداي وادخلوا عصا في مفصل ركبتي وكانوا يضربونني بالسوط علي ظهري بعد ان خلعوا ملابسي وعلي باطن قدمي وانا ملقى على ظهري وطاقم التعذيب كان من الارتريين واثناء التعذيب يتحولون الى وحوش شرسة . استمروا في تعذيبي الي منتصف الليل . وحتي “شامبل بلطي” وزملائه لم يناموا طوال الليل وكانوا ينتظرون أن يسمعوا إعترافاتي او يتحصلوا علي شيء يفيدهم، وبعد ان فقدوا الأمل ربطوا يداي إلي الوراء وأخذوني إلي رواق احد الغرف بحراسة مسلح. وقضيت الوقت المتبقي من الليل وانا جالس يأخذ من الألم مأخذا وقد منعني من النوم. وعندما أتي الصباح قلت للحرس أريد ان أستخدم الحمام ، فقال لي بجلافة ” تبول.. ان شاء الله تبول دم ” وقمت من جلوسي بصعوبة في مكان قريب له لأنه حدد لي موقع البول . وفعلا كما تمنى الحارس الغليظ تبولت دما قانيا ! وبعد ان رجعت وجلست في الموقع الذي كنت فيه قدم احد ضباط الجيش وعلمت لاحقا انه شامبل ( الرائد ) بلو ، وهو يردد كلمات بالأمهرية ” وروبيلاو يت ألي ” ( اين الإرهابي) ؟ وكان مستعجلا لرؤيتي . وقف علي رأسي رجل أسود البشرة طويل القامه ضخم الجثة بزي عسكري تتلألأ في كتفه شارات عسكرية وضربني علي فخذي بحذائه بكل قوته وهو يقول “يت أباته تنس” وتعني ايها اللغيط انهض !! وسال الدم من رجلي على البلاط .واعتقد عدم وقوفي عند رؤيته أغاظه ، لأنه يحمل رتبة عسكرية عالية … و كان يردد كلمة انهض ! انهض ! ولم استطيع النهوض بسرعة . وأخيرا وقفت بصعوبة وانا استند علي الحائط . ونظر إلي بعينيه الخاليتان من الرحمة والتي تتطاير منها شرارات الكراهية لثواني محددة بالتركيز, وذهب بعيدا وهو يزمجر مثل الضبع الذي لم يجد ما يسد رمقه .بعدها ادخلوني في زنزانة داخل غرفة كبيرة فيها زنزانات مبنية في خط مستقيم ومفتوحة من الأعلى مساحتها تقريبا مترين وربع في متر ونصف . وعلي بابها الخشبي فتحة صغيرة مساحتها تقريبا13 في 13 سنتمتر . وفي تلك الليلة لم اجد أي فراش للنوم او ثوب او الأكل . ولم أرى النوم نهائيا .وبعد هذه الليلة استمرت التحقيقات بطريقة أسوأ والأسئلة أيضا كانت عامة . وتدورفي البحث عن العضوية داخل اسمرا ، وعن مصادر المال ، وعناصر متعاونة معنا من العاملين في الحكومة الخ. وكانت هناك أعداد كبيرة من المسجونين الذين تم إعتقالهم قبلي وكانوا يسألونني عنهم أيضا، وكنت أجيب بانني بدأت العمل منذ فترة وجيزة ولأعرفهم أو أعرف من الذين كانوا قبلي. ونتيجة التعذيب الذي استمر لمدة لا تقل عن شهر تقشرت باطن قدمي بالكامل مرتين . وبسبب الصفع الذي لم يتوقف تورمت إذني اليسرى وكانت تنزف دما لأنها هي التي كانت تأخذ النصيب الأكبر من الصفعات، كما ان السوط ينزع الجلد عند الضرب كان ظهري أيضا مقشورا ومتورما . وكانوا يضعون في وجهي قناعا تظهر منه العينين فقط ويمنع التنفس ، وينزعونه عندما اختنق وتتقلب عيناي حتى لا تخرج روحي ثم يرجعونه مرة اخري وهكذا يعذبونني من 4 – 5 مرات دون توقف هذا بجانب الصعق بالكهرباء لعدة ثواني.جميع أنواع التعذيب الذي تعرضت له ، لم يكن سهلا وكان مؤلم جدا، وعندما يتم صعقي بالكهرباء كان يهتز دماغي وأكون لفترة في حالة عدم توازن ، ولكن كل هذه الأشياء يمكن تحملها ، اما قناع التعذيب فهذا بالنسبة لي كان شيء يصعب تحمله و كان يتسبب في خروج الدماء من فمي في بعض الأوقات. كان يتناوب في تعذيبي: قايم ، ورؤسوم و حقوس ، واياسو. وأعلي رتبة عسكرية يحملونها كانت شامبيل باشا ( رقيب )هذا التعذيب كان له تأثيرات ترك آثار سيئة علي نفسيا وبدنيا،كما ان هناك شيء لا أنساه ولا يقل اثرا عن ذلك القناع البغيض وهو معاملة احد الضباط الارتريين الصغار لي ، فقد كان هذا الضابط يأتي الينا نادرا وأتحفظ هنا لذكر اسمه ، ففي يوم من الأيام بينما انا ملقى على الأرض أثناء التعذيب اقترب مني وهو يشتم ثم دهسني بحذائه على وجهي .كنا نسمع عن أساليب التعذيب التي كانوا يتعرضون لها أعضاء حركة تحرير إريتريا أوجبهة التحرير الإريترية قديما ، فكانوا يدخلون رأس السجين في برميل ملئ بالماء ويخرجونه عندما يوشك على الموت ، ويربطون زجاجة مليئة من الماء في جهازه التناسلي الخ. وكثيرين من أعضاء الحركة والجبهة واجهوا مثل هذه التعذيبات . وعلي سبيل المثال كحساي بهلبي (ودي لبي ) والمناضل الكبير سعيد درنكاي، ولكن أنا لم يصادفني هذا . وكانوا يتحايلون علي لكي إنهار بالقول :(أن فلان قال انه يعرفك او أنه لقاك .. )الخ.وانا أتبعت سياسة الصمود أمام التعذيب وثانيا تمسكت بأن فترة عملي كانت قصيرة ولا توجد أشياء مهمة تذكر يمكن ان اعرفها أو ممتلكات اعرف أماكنها، وكنت أردد لأنكم لاتثقون بي من البديهي ان تستمروا في تعذيبي . وكنت أرد عليهم بهدوء وأنا اضبط أعصابي وأختم بالقول: (الان يمكنكم ان تفعلوا ما تريدونه). ولأن التعذيب في بعد الأحيان يستمر لوقت طويل كنت أتحاشى الردود القصيرة لكي اجد أطول فترة من الراحة فاحكي لهم قصة طويلة لكي يتابعوها ويستمعوا اليها باهتمام وكان هذا مفيد جدا ومسليا ويمنحني فرصة للتفكير ، علي سبيل المثال بعد فترة من الزمن عندما علموا بأننا اشترينا كشافات من أسمرا كانت لهم شكوك بأن النقود التي اشترينا بها الكشافات مصدرها الداخل وكانوا مهتمين لمعرفة مصدر تلك النقود . والنقود فعلا هي من اسمرا وانا لا أريد الاعتراف بذلك ، وبدلا من أن أعطيهم رد قصير كنت أنفي خروج هذا النقود من أسمرا واحكي لهم بأن قيادة الجبهة تسمى القيادة العامة وأترجم لهم معني القيادة العامة بالتجرينية . ثم أقول لهم عددها 38 ، من ضمن القيادة يوجد عضو قيادي اسمه عمر عبدالله وهو مسؤول مالي ، وقد بعث بعدد من الأشخاص نسميهم بـ “طوف” ومعهم المال اللازم لشراء الكشافات بأي طريقة من اسمرا، واشرح لهم بأن (طوف ) هو معني يطلق علي مجموعة صغيرة مكلفة بعمل ما والتقينا في وازنتات ….الخ. وهم يستمعون الي باهتمام هكذا لكي أجد الوقت للراحة . اما مسألة هذه المعلومات أي عدد القيادة العامة والمسؤول المالي فهذه الأشياء ليست سرا فهي معلومات شيء عامة ومعلنه ويعرفها الجميع . وعن اسم عمر عبدالله أيضا لم يكن هناك في وسط القيادة العامة شخص يحمل هذا الاسم وكنت ذكرت هذا الاسم ايضا امام العميد “قاشاو كبدي” .القضية لم تكن تعذيب ومعاملات سيئة فقط بل هي أيضا معركة سيكولوجية بما فيها الخداع والتضليل . وكانت لهم محاولاتهم الخاصة لنزع الاعتراف مني بالتضليل ، فمثلا يأتوا بأحد أسماء المساجين ويقولون لي بأنه قال يعرفك ، أو التقى بك ، أو أعطاك نقود الخ. ومرة قال لي “شامبل بلطي” أنهم قد وجدوا المال الذي كان في عهدتك التي اشتريت بها الكشافات وعليها رائحة العطر يعني أنها خرجت من المدينة ، وقلت له أنا شخصيا لم أشم النقود وهي لم تخرج من المدينة ، وفيما يتعلق بالرائحة فالعطر متوفر في الريف أيضا . ثم أتوا ببدلة لا أعرف أين ومتي وجدوها واعتقد أنهم وجدوا سجائر بداخلها فطلبوا مني أن البسها وأعطوني سيجارة وانا لم اقبلها لأنني لم أكن ادخن . واعتقد لو كانت البدلة علي مقاسي كانوا يريدون الصاق التهمة بإي شكل. وقد كانت لدهم معلومات عامة عن أدوية خرجت من أسمرا دون أي تفاصيل أخري ، وقبل ان يسألوني اعتقادا منهم بأن من يتعاونون معنا هم من يعملون في العيادات أخذوني إلي مستشفى الملكة “اتيجي منن” والذي يسمي حاليا مستشفى “اروتا” بحجة علاج جرحي لأن الجرح الذي أصبت به أثناء القبض لم يبرأ , ولأن التهمة كانت موجهة إلي دكتور عبدالقادر , ادخلوني الي القسم الذي كان فيه الدكتور . وكما علمت لاحقا بينما انا جالسا كانوا يتابعون ردود أفعالي عندما أشاهد الدكتور عبدالقادر وهذا يعني أن الدكتور أيضا كان تحت المتابعة . وانا اعرف الدكتور عبدالقادر ولكن هو لا يعرفني فهو ممن درسوا في إيطاليا وكان زميلا للشهيد الدكتور يحي جابر والمناضل خليفة عثمان . وفعلا التقى معه الزميل صلاح الدين وتبرع لنا بأدوية وأخرجناها إلى الميدان . وفي البداية لم اعلم لماذا احضروني إلى هنا ولم اقوم بإظهار أي رد فعل . ولكن بينما كان الدكتور يتحرك وابتعد عني اضطروا أن يقولوا لي ” هذا دكتور عبدالقادر الم تعرفه ؟ ” فعندما قلت لهم أين يمكن أن اعرفه وماذا تريدون ؟ لزموا الصمت . وبعد معالجتي رجعوا بي الي الفورتو ( القلعة ) . علما بإنهم حولوا في قسم آخر للعلاج في المستشفى . كما لم يدخروا اسلوب الأغراء وكانوا يرددون (لي لماذا تعرض نفسك للتعذيب ؟ فهناك شخص مثلك كان في الجبهة مقبوض عليه اخبرنا عن كل ما سألناه بدون أي تعذيب وهو حاليا موجود بكامل صحته وسوف تشاهده لكي تصدق . وأخذوني إلي زميلي همد عامر ادريس ( كابلي) . وكانت الصلة بيننا مقطوعه، وأخبارع إنقطعت عني لفتره . وكان الشهيد همد عامر إدريس الشهير بـ “الكابلي” قد تم إلقاء القبض عليه بضواحي بلدة منصورة قبل حوالي شهرين من إعتقالي ، وسألوه أمامي أسئلة عامة عن من يتعاونون معهم من الشعب ، ورد عليهم بذكر اسم احد المتعاونين او ما كانوا يسمون بأ ( المراسلون ). وعندما علمت بأن الكابلي يتواجد في احد الزنزانات التي تجاورني ويمكنه أن يسمع صوتي والزنزانات مفتوحة من فوق ، قلت له من أنت وأين قبضوا عليك ولماذا أخبرت عن اسم المراسل . فاخبرني عن اسمه وانه قبض عليه في ضواحي منصورة . وأما عن المراسل قال هذا الشخص ليس من اللذين يدخلون المدينة واكد لي بأنه لم يعطيهم أي سر. ومن جانبي كنت اعلم بانه كان من ضمن الفدائيين التابعين لمدينة أغردات فنصحته لكي لا يستعمل اللقب الكابلي ، لأن اللقب مشهور ولكي لا يدخلونه في تحقيقات أخري . فقال لي انه لم يخبرهم عن لقبه وعرفهم علي اسمه فقط ، ثم اخبرنا زملائنا المعتقلين ان لا يستعملوا لقبه .الجيش الإثيوبي المعروف بـ (الطور سراويت) حراستهم لم تكن بذات الطريقة المشددة المعروفه في زنزانات الأمن والشرطة ، فقد كانت الزنزانات مفتوحة من الأعلى ، و يوجد الحمام في احد أركان الغرفة , ولهذا كانت هنالك فرصة لتمرير بعض الرسائل القصيرة عبر نوافذ الأبواب أثناء الذهاب والرجوع من الحمام . استمرت التحقيقات ، وفي معظم الأحيان كانت التعذيب قاسية وكانوا يستعملون أسلوب التهديد بالقتل ، وبعض المحاولات لغسل الدماغ . وفي احد الليالي بعد تعذيب طويل عندما عجزوا عن انتزاع شيء يفيدهم اصدر احدهم الأوامر بقتلي وأخرجوني خارج الغرفة ، فقلت لهم ” الموت هو أمنيتي ” وفور سماعهم لهذه الكلمات قالوا ” لن تلقي الموت أيها الوغد ” واعادوني إلي مكاني . وهنا احب ان اؤكد ان الكثير من المعتقلين لم تثبت التهم عليهم . وفي احد الأيام قاموا بعمل مسرحية اثناء الليل لإجبارهم بالاعتراف بانهم اعضاء في جبهة التحرير وذلك بجمع عدد من يعرف بالمتعاونين واوقفوهم في صف واحد مع المتهمين وبدأوا يسألونهم الواحد تلوا الاخر عن “هل كان يدفع الاشتراك للجبهة ؟ وعندما ينفي التهمة يطلقون عليه النار فيخر صريعا وتخرج الدماء من فمه . وبدأوا التمثيلية من أول متعاون وعندما نفى التهمة أطلقوا عليه الرصاص من مسدس فخر صريعا ونقلوه بعيد وهو ينزف وخاصة من فمه وعندما أنتقلوا للثاني أعترف انه فعلا كان يدفع . لم تنطلي علينا المسرحية فلا الرصاصات كانت حقيقية ولا الدم الذي نزف من العميل.ولأنهم لم يلقوا شيء جديد من تعذيبي قال “شامبل بلو” لا يمكن ان يأتي شيء من هذا الثعبان الأحمر ( قي تمن) وكان يلقبني بهذا الاسم ، واصدر تعليمات إلي المحققين والجلادين بأن يأتوا بي في كل صباح من كل يوم من الزنزانة إلي موقع التعذيب ويعذبونني لفترة نصف ساعة دون توجيه أي أسئلة ويعيدوني لزنزانتي . ومن الأمور التي أضحكني في احد الأيام عندما كان “عبليلوم كداني” وهو من الامن ومن الذين كانوا يتولون هذه المهمة كل صباح تأخرت منه في السير لان قدماي كانتا متورمتان وفيهما قروح بسبب الضرب المستمر فضربني بيده وهو يقول ” اسرع “، وكان ردي سريعا : ” فالتفت اليه وقلت : هذا تعذيب خارج مكان التعذيب ولم نتفق علي ذلك ! وضحكنا معا. ومرة سألته عن إسمه فقال : اسمي “عبليلوم” وكنت لأول مرة اسمع بهذا الاسم واعتقدت بانه يمزح معي وقلت له ماذا لو أخبرتني اسمك الحقيقي واكد لي بأن هذا اسمه الحقيقي . بعد اربعة أيام أوقف شامبل بلو هذه العملية. في الأيام الأولي كانت معنوياتي عالية واثناء عمليات التعذيب كنت اشعر بألم شديد دون ان أظهر لهم أنيني او أبكي قهرا ، كنت فقط اغمض عيني واحرك رأسي يمينا ويسارا كطريقة لتحمل الالم وكتمه . ولأن الجسد له طاقة محدودوة فقد بداء الضعف يتسلل إليه ، وقلت حالة إحتمال الألم لأعبر عن ذلك بأنين والغريب في الأمر اذا لم يسمع الجلاد أنين وألم المعتقل يحس بالضيق والغيظ يتحول بعدها إلى ذئب شرس. . في احد المرات واثناء وجبة التعذيب المعتاده وحينها كنت في كامل قوتي قام احد الضباط واسمه “امها” وهو أثيوبي بأخذ السوط من المعذبين وبدا بضربي في باطن قدمي وبعد فترة بسيطة بدء يرفع السوط وينزله علي قدمي برفق دون ان يظهر ذالك للأخرين . وانا كنت محتارا من تصرفاته , لأنني لم اعلم هل كان (يحن) علي أم كان يقوم باختباري ليعلم مدى قوة الألم الذي إحتمل ، وغلبت الخيار الأخير وكظمت المي وتجلدتُ وحينها أوقف الضرب بسرعة .” امها” كان شابا إثيوبيا كثير الصمت وكان يرافقه ضابط آخر أسمه “مكونن” وكنا من ضباط الشرطة يتابعان ويشرفان على التحقيقات والأستجواب وإنتزاع الإعترافات تحت التعذيب. والمشرفون علي التحقيقات كانوا من الجيش والبوليس وهم العقيد قرما اعتقد من البوليس ، وشاليقا تيفيرا من الجيش ، شامبل بلطي من الشرطة ، شامبل بلو من الجيش. بعد ان فقدوا الأمل في انتزاع الأسرار من خلال التعذيب تغيرت أساليبهم وبدأوا يقولون لي لماذا تعذب نفسك ؟ واذا كشفت لنا شخص واحد او اثنين من اللذين يتعاونون معكم من دوائر حكومية او اذا تعاونت معنا للقبض علي احد قادة الجبهة مثل احمد محمد برهان الشهير بأحمد اسمرا سوف نطلق صراحك وتواصل دراستك في أديس أبابا وحتي ممكن ارسالك الي الخارج .وقد أتبعت أنا أيضا سياسة المكر والخداع فبخصوص المتعاونين العاملين في الحكومة قلت لهم لا يوجد احد نهائيا اما مواضيع اخري مثل القبض علي احمد اسمرا هو شيئ ممكن وسهل جدا ولكن المشكلة الأساسية تكمن في كيفية الوثوق بي ولكي يصدقونني كنت اقول لهم انني اندم علي ما فعلته وانا خرجت الي الجبهة بسبب الخوف عندما قبضوا على زملائي والآن الحمد لله وقعت في الأسر وفرح بذلك لأنني نجوت من إرتكاب مزيد من الجرائم . وكنت افكر أيضا بالطرق التي أنجو بها من قبضتهم اذا كان ما يقولون ليس صجيجا، .. الخ ويبدو ان انهم بدأوا يصدقونني لذا باشروا معي برنامج الحوار وغسيل المخ . وفي فترة الصباح عندما يهاجمك برد اسمرا وتتمني ان تسعفك أشعة الشمس، كانوا يخرجونني من الزنزانة ويقعدون معي العقيد جرما ، والملازم امها ، والملازم مكونن في مدرج احد الغرف في الخارج ويناقشون معي في امور الثورة لإقناعي بان ما يفعله الثوار هو تخريب ومضر بالشعب ويذكرون بعض الأمثلة مثل كسر الجسور في الطرقات، ويقولوا هذا العمل لا يضر الحكومة بشيء لان الحكومة لها جسور اصطناعية لتحريك جيشها . وعندما ينعدم الهدوء والسلام فالشعب هو الذي يتضرر وليست الحكومة , الطالب يتعطل من مدرسته والفلاحين والعمال يقفون من أعمالهم الخ. وهم كانوا يتحدثون معي باللغة الأمهرية وانا كنت أتحدث بالتجرينية فقط ولم أتفوه بكلمة واحدة بالأمهرية وكانت تلك الفترة التي كنت اربط فيها مسألة اللغة بالاستعمار . وفي الأيام الأولي أيضا كانوا يأتوا إلي بأخبار سيئة لاهباط معنوياتي ويقولوا لي زملائك المناضلين حصدتهم الكوليرا ، واحمد اسمرا ارتكب جريمة جنائية ومعتقل الآم .. الخ. وهكذا استمر برنامج النقاش لفترة ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع قبل الجلوس معهم علمت بانهم علموا ببعض الأشياء السرية وهو موضوع الكشافات التي ذكرتها ولأنهم تأكدوا بان هناك أمور اخفيها منهم لقيتهم علي استعداد لمجابهتي قبل الجلوس معهم ، ومسك الضابط مكونن في يده غصن شجرة صغيرة فيها أوراق صغيرة ومسكها علي شكل قصن الزيتون الموجود وسط العلم الاريتري ووجهه اتجاهي وقال لي يا عبدالله ما هذا ؟ وانا كنت اعلم بأن بعض الأمور قد إنكشفت وقلت له هذا هو العلم الاريتري وأوراقه تنمو ، لان اوراق الغصن لم تكن مكتملة وبعد جوانبه كانت ناقصة . وضحكوا جميعا وقالوا ” لايزال لم يتغير … ولن يتغير ” . وقالوا لي انت قلت لنا لا يوجد شيء اكشفه ، ونحن اكتشفنا الأمور التي أخفيتها دون ان يوضحوا ما هي المعلومات !. وأكدت لهم “لا توجد هناك أمور أخفيتها لفائدة الجبهة”. والحديث بيننا كان قصيرا يدل علي كلمات تشير فقط بأنهم إكتشفوا حقيقتي. وبدأوا معي تحقيقا جديدا وكان التركيز لمعرفة الجهة التي قدمت النقود من داخل اسمرا . وكان ردي بأننا لم نخرج أي نقود من داخل اسمرا وعملي جديد وفي بداياته . وأخيرا اضطروا ان يخبروني بنفسهم بأن هناك كشافات أخرجت من اسمرا . وهمهم الاكبر كان معرفة مصدر النقود التي اشترينا بها الكشافات . وانا قلت لهم السبب الذي لم ابلغكم به هو لأنكم لا تصدقونني اذا قلت لكم بان النقود أتت من الميدان ولهذا اخفيت منكم وحكيت لهم قصة شراء الكشافات المذكورة انفا . وبخصوص هذه الكشافات في البداية لانهم لقوا معلومات عامة فقط تشير إلي إخراجنا للكشافات من اسمرا . ورأوا بأن التحقيق معي غير مجدي ولذا ابتكروا اسلوب دقيق لمعرفة محل الشراء والجهة التي اشترته . وكانت في تلك الفترة تباع الكشافات في اسمرا في موقعين فقط ، وهو محل (بيني وفاجي ( Bini and Vaggi )وأصحاب هذا المحلات كانوا إيطاليين . ثم لا احد يستطيع شراء الكشافات دون إذن من الحكومة وتمنح عموما للصيادين فقط . بعد أن فكروا في الشخصيات التي يمكن أن تتعاون معنا من عمال الموقعين وقع اتهامهم علي الصافي سعيد وهو عضو للتنظيم العامل في محل بيبي فاجي ، وقبضوا عليه واحضروا كشافات بطريقتهم الخاصة وعرضوها أمامه وقالوا له ” انتم ناس الصافي تشتروا الحاجات وترسلوا لهم وها اليوم نحن قبضنا عليها ” . وبالنسبة للصافي الذي لم يري أي اختلاف بين الكشافات التي أخرجها هو وهذه الكشافات مع مرور فترة من الزمن علي شرائها وثم احمد خطيب المعني بالأمر كان معتقلا قبله ومعنا في السجن اعترف الصافي دون ضغوط واحمد خطيب فقد أنكر. الصافي اعترف بان احمد خطيب اشتري منه الكشافات ولا يدري لمن كان يشتريها . واحمد خطيب الله يرحمه كان من القادة الأساسيين للخلايا السرية في اسمرا وتعرض لتعذيب قاسي وكان صامدا ولم يعطي أي سر . احمد كان مناضلا صلبا ورغم كل التحقيقات والتعذيبات لم يذكر أحدا من اللذين كانوا تحت مسئوليته . وهنا لم يستطيع احمد ايضا أن ينكر ذألك واعترف بأنه تلقي النقود من حسين يوسف الذي كان المسؤول الأول للفرع بغرض تجاري فقط وسلم النقود لصافي لشراء الكشافات . تعرض الشهيد احمد خطيب إلي تعذيب شديد وانا أخذوني في موقع تعذيبه وسألوني عنه وقلت أمامه بأنني لا اعرفه نهائيا وهو أيضا صمد ولم يعترف بمعرفتي . ومع أن احمد هو من العناصر الأساسية التي نلتقي معها دائما انتهي الأمر بهذه الطريقة . وانا أيضا اعتقادا مني بأن حسين يوسف نجي من القبض ، وكان ذهب إلي اتجاه أثيوبيا حملت موضوع النقود لحسين وقلت انا اعطيت النقود لحسين يوسف وطلبت منه ان يشتري كشافات بإعطاء أرباح للبائعين ، و لم اعلم احدا غيره ولا يعرفني احد . احمد خطيب كان ابيض اللون ونتيجة للتعذيب تحول جسمه إلي لون دم احمر ، وانا عندما شاهدته لم استطيع ان أتملك علي أعصابي وقلت لهم بغضب ماذا تفعلون بهؤلاء الأبرياء اللذين لا يفهمون أي شيء …. ؟ حتي أخرجوني خارج الغرفة بسرعة بالقوة .اما حسين يوسف هو عضو انضم إلي العمل النضالي في رعيان شبابه وكان عضوا في الخلايا السرية اعتقل وسجن عدة مرات بتهم مختلفة وكان شابا معروفا بشجاعته وإصراره علي مواصلة النضال . وكان المسؤول الأول في الفرع . وعندما تم القبض علي بعض العضوية وتأكد حسين بانه لن ينجوا من القبض وكان يعاني أيضا من بعض الأمراض التي أصيب بها نتيجة السجون المستمرة فضل الهرب إلي اتجاه إثيوبيا. ولكن بعد فترة لا تقل عن ثلاثة شهور قبض عليه وهو بالقرب من الحدود الصومالية واحضروه في سجن “ماركاتو” . حسين لا يكن يعلم عن كل ما حصل بعده ثم هناك التحقيقات وخداع المحققين ، ومجابهة هذا الأمر بالنسبة لحسين لم يكن سهلا . ولكن لان حسين كان مناضلا صامدا وتجاربه ثره مع العمل السري لم يتحصل منه المحققين إي جديدة ومفيدة،والدليل علي ذلك كانوا هناك عناصر من زملائه في أسمرا لم يمسهم أي سوء وهو داخل السجن .المناضلان حسين يوسف واحمد خطيب هم عناصران لا يمكن نسيانهم ابدا، فقد الكثير من أجل قضية الشعب الإريتري . حسين يوسف يرحمه الله بعد خروجه من السجن لجأ مع عائلته الي السودان ثم انتقل الي بريطانيا ووري الثرى في بريطانية بتاريخ 29/7/2007 م دون ان يعود الي الوطن الذي احبه وناضل من اجله . حراسنا في فورتو كانوا من الجيش الإثيوبي وكانوا من بينهم افراد يظهرون تعاطفهم معنا ، واعتقد هم من اصول اريترية، اتذكر هنا مواطن يدعي تخستي وهو من قرية وارا ضواحي عدتكلزان ( دمبزان ) قُبض عليه بسبب اتهامه بأنه مراسل للجبهة واحد الحراس من الطور اعتقد له معرفة او صلة رحم مع تخستي عندما خرجت لقضاء الحاجة إلي الحمام أخذني إلي الزنزانة التي يوجد فيها تخستي ولأنه يعلم سوف يسألونني عنه ، سأل تخستي أمامي وقال له ماهي علاقتك مع هؤلاء . وقال تخستي لم يكن لي أي علاقة ، فقط لمره واحده أرسلوني إلي عدتكليزان لشراء السكر . وانا فهمت الموضوع وقلت أيضا في أمامه لكي يثبت في أقواله ، أنا لا اعرف هذا الشخص ونحن عندما نأتي في قرية ما في تلك الضواحي نرسل أي شخص لشراء السكر إلي عدتكليزان دون إرادته . وربما يكون هذا واحدا منهم ولا له أي علاقة خاصة معنا . وبعد ذلك عندما سألوني المحققين عنه رددت لهم نفس الأقوال . اما تخستي فعلا كان مراسلنا ونتعارف جيدا . وعن موضوع حراسنا كان هناك شخص لم أنساه أبدا وكان مسئول من افراد الحراسة ، طريقة حديثه ، شنباته ، عمره ، وملامحه عموما ، يشبه الشهيد المناضل جبريهيويت ( ودي حمبرتي) يتحدث باللغة الأمهرية ولا اعتقد يفهم التجرينية . وفي البداية اعتقد قالوا له بان من يسحب هؤلاء السجناء إلي سجن فورتو هو ذالك الإرهابي وعندما يراني كانت تعبيرات الكراهيته ترتسم على وجهه و كان يناديني باسم “وروبيلا” أي الإرهابي وهذا شئ عادي ان تسمعه من الاثيوبيين ، ورجال الأمن كانوا يعتقلون الناس عشوائيا وينشرون بأن انا الذي اجرهم للمعتقل بالتبليغ عنهم . وبعد ايام تغير الرجل وكان يأتي إلي زنزانتي وهو يناديني باسم مناضل ( أربنيا بدل الوروبيلا ) ويشجعني و يقول ” هكذا هو حال المناضل ولا يهمك ” ( أيزو ي أربينيا نقير انديه نو ! ) . واعتقد لقي معلومات بان الأمر هو بالعكس أي انا لم ابلغ عن احد . وبدا يتحدث معي عبر فتحت الباب ويسألني عن عدد مقاتلي الجبهة وتسليحهم الخ. وانا كنت اضخم الأمر و ارد اليه . كانت هناك أشياء كثيرة في “فورتو” لا يمكن نسيانها . وكما نوهت قبل هذا أن معظم المعتقلين والأسرى كانوا مقبوضين بي تهم عامة وليس عبر أدلة دامغة ومن المقبوضين قبلي او من خلفي واللذين كانت لهم علاقة مع حركة الداخل في “فورتو” أتذكرالأسماء الأتية :- 1.احمد خطيب2.حسين يوسف3.علي نور احمد – من اللذين ذكرتهم4.محمد حقوس5.خليل شيخ ابوبكر6.عبد سعيد7.احمد نور احمد8.ديني موسى محمد 9.عبد الحفيظ10.محمد (الذي كان معي في الزنزانة )11.عطا نجاش12.الصافي سعيد13.احمد عبد الواحد14.سراج عثمان15.شيخ احمد16.داود محمد .بعض منهم كانوا في خط واحد مع زنزانتي وكنت اسمع اصواتهم . واحيانا ينسون كل ما يحدث لهم في هذا السجن ويضحكون ، وكانوا في أوساطهم عناصر مرحة يجعلونك تنسي كل الآلام مثل الشهيد محمد حقوس . وعندما تدخل لأول مرة في الزنزانات يأتي اليك احد الحراس من “الطورسراويت” ويسألك من فتحة باب الزنزانة عن نوع الأكل او الطبيخ الذي تختاره ويقول لك بكلمات الأمهرية هل تريد احمر ام “اليشا” ( أي طبيخ بدون شطة ) وهذا يعني هل تريد مع الشطة ام بدون شطة . وبهذه المناسبة يذكر محمد حقوس اسم احد زملائه ويقول بصوت عالي لكي يسمعوا الاخرين ، بأن فلان عندما سأله الطور سراويت هل تريد احمر ام اليشا ، اعتقد بان الأحمر يعني لحم ، وقال له ” أنا مسلم ” . والطور رد عليه قائلا ” أكل التراب هل تريد لحما ؟ ” ويضحك الجميع . والشخص الذي قال عليه هذا يقول له يا كذاب , ويذكر بعد الكلمات التي قالها محمد حقوس أثناء التحقيق ويضحكهم أيضا وهكذا يحاولون نسيان ما كانوا يواجهونه ويدخلون الفرح في قلوبهم . وعندما تسمع احاديثهم تشعر وكأنك موجود خارج السجن .الأكل كان يوضع في إناء خاص صنع خصيصا لحفظ وجبات الجنود ليحملونه معهم اثناء التحرك. والشاي نصف كوب زمزمية المياه مع خبز ( قراصة ) ونوع الأكل او الكسرة للغداء والعشاء هو من الطاف (نشافة ) او نوع جيد من الذرة واعتقد هذا الأكل هو ما يتم إعداده للطور او الجيش أنفسهم . أنا كنت في الزنزانة لوحدي . وفي احد الأيام ادخلوا إلي زنزانتي من الإخوة المذكورين محمد الذي كان يعمل في محل لخياكة الملابس مع عبد الحفيظ وعندما ادخلوه جلس منكمشا وهو يلتفت حوله في هلع واخوف . وسألته عن هويته ولماذا أتوا به . وقال لي كنا عندنا (صندوق ) للتعاون ويعرف بـ ( عُقب) مع عبد الحفيظ ندفع في الشهر مبلغ ريال واحد وبعد ان دفعت شهرين متتاليين طلبت منه ان يبدا الصرف مني وتوقفت عن الدفع وهذا هو سبب قدومي هنا ، و مع علمي بان القصة ليس صندوق حاولت تشجيعه وقلت له اذا المسألة متعلقة بالصندوق فلن يأتيك شيء ولا يهمك . وعبد الحفيظ هو مسئول خليته وريالين هو اشتراك شهري للتنظيم ، ومحمد قال أنا لا اعرف أي شيء فهو اخذ مني باسم الصندوق (عُقب ) وصمد في كلامه . ومكث معي في تلك الزنزانة اكثر من شهر . وانا أثناء قدومه كنت في راحة من وجبات التعذيب وعليه بدأت له برنامج تعليم الحروف العربية لكي يتشجع ، وكنت أستخدم ارضية الزنزانة كـ “الصبورة أو لوح للكتابة. ، وكان عندنا علبة صغيرة للمياه واكتب بها على الإسمنت بالماء ، وكلما تنشف نكتب من جديد وهكذا بداء بحفظ الحروف وانتقل إلي قراءة الجمل القصيرة . وبدا يقول هل يعني هذا بأنني بهذه الطريقة سوف أقرا القران . وانا كنت اشجعه وأقول له بان جميع اللغات تتكون من الحروف ، وبكل تأكيد تستطيع ذلك وكان يفرح كثيرا ويقول اذا كان الأمر هكذا لا يهمني لو سجنت شهورا . محمد كان له دعاء قصير يردده دائما باللغة التجرينية ويقول ” أتا ربي كريم رحيم كابزي سيبيب ناب قيفيح اوسئنا” ( يا ربي يا كريم يا رحيم أخرجنا من هذا المكان الضيق إلي مكان واسع ) وبعض أن حفظ الحروف لم يمكث كثيرا وخرج من هذا المكان الضيق إلي مكان أوسع .